المثقف والسلطة "هجرة المقدس من الدين إلى الدولة"

(0)
Publisher: Dar Bassma
Year: 2023

بدت اليوتوبيات الاجتماعية والسياسية الأرضية، كنوستالجيا تبحث عن ذاكرة تحملها، في الوقت الذي يبني فيه "هؤلاء التقنيون"، السكة التكنولوجية المناسبة، لتحقيق (الهدف) الذي يتمثل بـ الهروب الكبير!

ولذلك رأينا في الثورة السودانية، أن صناعها لم يكونوا أولئك المثقفين الثوريين، المختبئين تحت الأرض، وهم يطبعون البيانات والمنشورات، على ماكينات الرونيو الخشبية البدائية (الكرجاكة)، وقد تشعثت لحيهم، وتصببت وجوههم من العرق، وتسايل (التمباك) من شفاههم، في المكان الضيق المختنق برائحة النيكوتين وخمر ليلة البارحة.

ولا هم أولئك المناضلين (البعاعيت) الذين يتسللون في الليالي شديدة الحُلكة، ليكتبون على جُدُر الازقة والحواري، بالبوهية الحمراء "يسقط النظام الديكتاتوري"..

لم يكن أولئك أو هؤلاء من مثقفين ثوريين ومناضلين، هم من صنعوا ذروة لحظات ثورة ديسمبر المجيدة في ٢٠١٨.. فقد ظهر بغتة جيل جديد، بوهيته الحمراء بوست على فيس بوك، وبيانه تغريدة على تويتر، وماكينة طباعة بياناته الفديوهات اللايف المحرضة.

لم يكن هؤلاء بحاجة للاختباء تحت الأرض كأسلافهم من المثقفين الثوريين.. الفضاء الاسفيري الواسع دك أسوار الزنازين والمعتقلات والسجون، وأصبح أي سلوك مضاد للسلطة، بضغطة زر في حوزة الجماهير، التي سرعان ما تملأ الشوارع بالهدير، لتذيعها قنوات العالم في اللحظة نفسها..

لقد تغير العالم وأصبحت. أحلام الضباط منذ نعومتها في الكلية الحربية بقيادة انقلاب مهددة، ولم يعد بإمكان فقهاء الظلام الاختباء خلف أيديولوجيا العيب، وفقه السترّة والنفاق والأكاذيب وتملق السلطان.. لقد أصبحت احلام الديكتاتوريين والمستبدين في خطر، وأصبح المستبدون يحنون لذلك الزّمن، الذي يذلون فيه المثقف الثوري، دون أن يعلم أحد شيئاً!