كاتب ومدينة - الحلقة الثانية من ثلاث

● رؤيتى لماهية الفن:

من خلال حصيلة انجازى الأدبى حتى الآن :34 عملا منهم  21 رواية و11 مجموعة قصصية وكتابين احدهما عن نجيب محفوظ الانسان  والآخر عن كتاب الاسكندرية ،  أستطيع أن أصرح باعتقادى فى صحة المقولة المعروفة أن" الفن امتاع وتنوير " ، وأنه ان لم يحقق الهدفين معا هبطت قيمته. انى أرى فى الفن سبيلا راقيا لتحقيق التصالح والتناغم بين الانسان ونفسه من جهة ، وبينه وبين الحياة والكون وخالقه من جهة أخرى انى أرى فى الفن خلاصا شجيا يصل الانسان بالأرض والسماء فى حب لاحدود له. هو شهوة سرية تنبعث من داخل الذات وخارج الزمن. وأنا اجتهد كى أكون فنانا حقيقيا ألا احشى عقلى بالأفكار والمعلومات والصيغ ، وإنما أملأ روحى وضميرى ووجدانى بما تشف عنه هذه الأشياء من معان خصبة جليلة تثمر فى النهاية عما أريد ابداعه من فن حقيقى..ولئن كان خلاصى الأرضى فى الحب والسماوى فى الإيمان ، فإن الفن عندى هو الجسر أو المعبر الذى يصل بين الخلاصين.

●المـــــــــال:

بقيت فكرة المال وعلاقته بسعادة الإنسان مستترة فى بعض أعمال سعيد سالم التى تسخر مما آلت إليه حياتناالمعاصرة من تعليب للوعى و تسعير للشعور وتسويق للوجدان حتى بدأ العالم يتحول إلى غابة لايستطيع الحياة فيها سوى أقوى الوحوش، إلى أن اقتحم معاقلها بجرأة فنية تجريبية فى روايته"الفلوس"- دار ومطابع المستقبل 1993 - ومسلسله الدرامى"رحلة الصعود والهبوط.إبريل1994". إنه يؤكد لنا من خلال حكيه الفنى المحكم-والذى اشترك فيه الحيوان مع الانسان-على بديهيات قد نعلمها جميعا ولكننا ننساها فى خضم الحياة،وهى أن المال وسيلة لاغاية،وهو زائل لامحالة إما لأسباب دنيوية وإما بالموت،وأن هناك قواعد سماوية تريح الانسان وتدفع عنه الجهد والعناء لو اتبعها فى التعامل مع هذا المال الذى هو بمثابة عهدة مؤقتة استخلف فى الأرض لإنفاقها..وكأن سعيد سالم يقتفى أثر سيدنا على بن ابى طالب حين يقول"إذا أقبلت عليك الدنيا فأنفق فيها فإنها لاتفنى،وإذا أدبرت عنك الدنيا فأنفق فيها فإنها لاتبقى"وذلك من منطلق اعتقاده-حسبما تؤكد كتاباته-بأن رزق الانسان هو ما ينفقه فى دنياه،أما مايكنزه فهو رزق غيره.وفى مسلسل"مفتاح  الســر"الذى أذيع فى يوليو2000يقوم العمل بأكمله على الجدل حول فكرة الإمام الشافعى التى يطرحها قائلا:

           رب قسمتها حظوظا علينا/فنعما لذا وتعسا لذاكا

           لاعلم ولاذكاء ولكن     / لك سر يحير الإدراكا

إذ يتعرض لها فى حوار أذيع على مدى شهر كامل وكانت الغلبة فيه للأخذ بالأسباب واحترام قيمة العمل دون تكالب أو لهاث أو صرع على المال، بما يحقق للإنسان سعادته المرجوة دون التخلى عن إنسانيته. وفى مسلسله الكوميدى: "الدكتور مخالف".الإذاعة.إبريل1977نجده يحث على أنه لابد لكل إنسان-خلال مسيرة حياته-من وقفة مكاشفة مع النفس ومواجهة مع الضمير، يسترجع فيها مواقفه من الحياة بخيرها وشرها،ويلتقط فيها أنفاسه استعدادا لمواصلة الرحلة فى ظروف أفضل وفى مناخ أجمل ،متخلصا من سلبيات الماضى وأخطائه، مستشرفا مستقبله الجديد بروح عامرة بالحب والصفاء.وكما تتحتم هذه الوقفة على الفرد فإنها بنفس الكيفية تتحتم على المجتمع، خاصا بالذكر مجتمعنا المصرى سليل المجد القديم.

●إسرائيل وحلم الوحدة العربية:

من الهموم الملحة التى تؤرق فكر سعيد سالم هم الوحدة العربية المؤجلة إلى أجل غير مسمى: ..مجموعة"الجائزة"..قصة"الولايات المتحدة العربية"..إذ يزعجه إلى درجة الجنون اتحاد دول أوروبا رغم تناقضاتها اللغوية والجغرافية والدينية والاجتماعية،فى الوقت الذى يعجز فيه العرب، المتجاورون جغرافيا وأصحاب اللغة الواحدة والدين الواحد والمصلحة القومية الواحدة أمام تحديات الاستعمار والصهيونية، عن اتحاد مماثل يواجهون به عصر العولمة والتكتلات الاقتصادية الكبرى و سيطرةالإعلام العنصرى الأمريكى والغربى والصهيونى،مهيئين بذلك الموقف المتخاذل فرصة لاتعوض أمام إسرائيل لتحقيق حلمها الأسطورى الخرافى باحتلال العالم العربى من النيل إلى الفرات استنادا إلى أكاذيب لاهوتية يعلمون أنها مختلقة، مطبقين بروتوكولات حكماء صهيون تطبيقا حرفيا بنجاح لاحدود له:"قصة الولايات المتحدة العربية"مجموعة الكشف- هيئة الكتاب2013"، وقصة بروتوكولات حكماء الشركة العربية المتحدة للصوتيات والمرئيات"..حيث تتردد عبارات وحدوية مثل:الولايات المتحدة العربية،و"المعجزة الإسلامسيحية"و"التجمع الإنسانى"و"وحدة الأديان" فى سياق العمل بما يؤكد توقه الحارق إلى تحقيق الوحدة العربية كحل لابديل له عن فناء الأمة العربية.

●هوية مصر الثقافيــــة:

لايتفق سعيد سالم مع من يحصرون هوية مصر فى انتماء تاريخى أو جغرافى معين كالفرعونية أو القبطية أو الإسلامية أو البحرأوسطية ،إذ أنه يرى فى هذه الهوية مصهورا إنسانيا مركبا شديد الخصوصية، نجح فى استيعاب الحضارات الانسانية كافة.وفى حديثه لأخبار الأدب13/12/2002 يقول"إن الثقافة المصرية تمثل بخلاف وجهها الوطنى ثقافة قومية بحكم انتمائها العربى كما تمثل ثقافة عصرية تستوعب التيارات الانسانية المتجددة،وهى أيضا ثقافة عالمية بحكم تفاعلها عبر القرون مع الثقافات الأخرى ودون الوقوع فى أسرها.(رواية الأأزمنة دار الهلال 1992-

  غير أن المرحلة الفرعونية تمثل هوى خاصا لدى الكاتب نلحظه فى رواية:"عاليها أسفلها" وهى الرواية الوحيدة التى كتبها سعيد سالم بلغة الفانتازيا الخالصة، حيث نما إلى علم الفراعنة أن أهراماتهم قد انقلبت فصار عاليها سافلها وأن أحفادهم المعاصرين عاجزون عن إعادتها إلى وضعها الطبيعى،فقرروا إيفاد ممثلين عنهم ليلتقوا بالمعاصرين من رجال الفكر والعلم والدين والفن والسياسة والاقتصاد والاجتماع لدراسة أسباب الانقلاب والبحث عن حلول جذرية ناجعة لإعادتها إلى وضعها الطبيعى.كما نلمح هذا الهوى فى روايته القديمة:"عمالقة أكتوبر"،ورغم أنها رواية واقعية إلا أنه لم يعدم سببا فنيا لبعث روح أجداده الفراعنة كى تلقى بظلالها التاريخية على الأحداث،ولا غرابة إذن حين يعاود سعيد سالم الإشارة إلى فرعونيته فى مقدمة رواية"الأزمنة"إذ يعرفنا الراوى بنفسه قائلا:"أنا مواطن مصرى الجنسية وإن كان لابد أن أذكر ديانتى فأنا مسلم لكن أبى مسيحى وأبوه فرعونى أما جدى الأكبر فكان يدين بالكون العظيم."

●الإنســان والحيـــاة:

   تساؤل الإنسان الأزلى عن لغز الحياة، وعن حيرته الأبدية فى الإجابة عنه ، نجده مطروحا على الدوام فى الكثير من أعمال سعيد سالم القصصية والروائية، وقد بلغ ذروته فى مجموعته القصصية:"قبلة الملكة"- مطبوعات اتحاد الكتاب العرب بدمشق1987- . يقول الناقد محمد السيد عيد فى مجلة إبداع.أكتوبر1988 : "يردد الكاتب بإلحاح عبارات بعينها مثل:"لست أدرى"و"لست أفهم"و"الأمر شديد الغموض"و"هل تستحق الحياة كل مايبذل فيها؟"و"ما هو قانون الحياة؟" ، ثم نجده يقول:"إن مولدى ومماتى لايعنيان أكثر مما تحمل الكلمتان من معنى، أما المسافة بينهما فلم تكن غير حلم سخيف."ليذكرنا بما قاله أحد الفلاسفة اليونانيين:"إذا كان الوجود موجودا فأنا لا أستطيع أن أدركه لقصر العمر وغموض المسألة" ، ونخرج من الحديث عن رؤية الكاتب فى قصصه الفلسفية بأنه كاتب جاد يحاول أن يمشى طريقا خاصا به لايشاركه فيه معظم أبناء جيله،مما يؤكد طموحه وجرأته".. ويجمل محمد السيد عيد رؤيته فى إبداعات سعيد سالم القصصية بقوله:"إنه كاتب طموح يحاول أن يعرف سر الحياة الإنسانية وأن يثبت قدمه فى أرض التفلسف ويتأثر فى رؤيته كثيرا بالعبث كما يتأثر به فى شخصياته وأحداثه،أما اللغة فتبتعد عن التجريب لكنها فى مجملها جيدة"..وتلح فكرة السعادة على الكثير من قصص سعيد سالم التأملية وهو يستشهد فى روايته"حالة مستعصية"بالمقولة الصوفية"ماذا يصنع أعدائى بى وجنتى وبستانى فى صدرى؟إن حبسونى فحبسى خلوة ، وإن أخرجونى فخروجى سياحة، وإن قتلونى فقتلى شهادة" مستدلا بذلك على مفهومه الراسخ عن السعادة بأنها شعور ينبع كالنور من الداخل ليضفى تأثيره على ما بالخارج وليس العكس كما يعتقد الكثيرون.. وحول موضوع الإنسان والحياة يقول أحمد زكى عبد الحليم فى مجلة حواء19/3/1988 "يظل سعيد سالم صاحب أسلوب متميز ليس بطلاوة الكلمة فحسب ولكن بمقدرة هذه الكلمة على اختراق الحجب والوصول إلى جوهر الأشياء، بحيث نرى حياتنا ونقف على أقدارنا ونبتسم فى سخرية أو فى حزن من أجل أيام ماضية وأيام مقبلة."

●المــــــــرأة:

  فى شهادته بعنوان"رحلتى مع الرواية والقصة" المنشورة بمجلة فصول.عدد الأدب والحرية.مايو 1992ص142-153والتى أعاد طرحها فى ندوة له بعنوان"تجربتى مع الكتابـة" فى قصر ثقافة مصطفى كامل.أغسطس2000 يقول سعيد سالم:"بدأت تجاربى الجوهرية الأولى فى عالم المرأة مع أمى التى كانت بمثابة المستودع الكونى لعاطفتى إذ توفى أبى قبل أن أتجاوز الثانية من عمرى.هكذا نشأت مع سيدة تقوم بدور الأم والأب معا.شديدة الذكاء.حاضرة البديهة.قوية الشكيمة.نافذة البصيرة.قمة فى التضحية.أيوبية فى الصبر والصمود أمام متاعب الرزق وتنكر الأقارب، ورغم هذا كله فقد كانت تتمتع بروح السخرية والمرح.كان اختيارها النهائى ألا تتزوج بعد وفاة زوجها وهى الشابة المرغوبة ذات الخمسةوالعشرين ربيعا ،وألا تعرف لنفسها رسالة فى الحياة سوى تربية أبنائها وتعليمهم وحراستهم من نوائب الدنيا،ولقد نجحت فى ذلك.ومثلما كان حضنها دافئا كانت صفعاتها على الوجه قاسية وكأنها -بالفطرة-تدرك فن الإدارة من خلال الثواب والعقاب.(مجموعة قانون الحب- الكتاب الذهبى2006).

  أما التجربة الثانية فى هذا العالم الخصب الجميل-عالم المرأة-فكانت مع فتاتى التى أحببتها منذ صباى ثم تزوجتها فى النهاية وأصبحت أم أولادى ورفيقتى فى الحياة.وهى الأخرى تتمتع بقوة الشخصية وحدة الذكاء وبصفات أخرى عديدة تشابهت مع صفات أمى، غير أنها كانت تتمتع بجمال فريد مازالت بقاياه تشع من عينيها الخضراوتين حتى اليوم.ولعل أكبر إنجاز قامت به فى حياتى هو مساندتى فى رحلتى الأدبية الشاقة".ويضيف سعيد سالم فى حديثه لمجلة حواء22/7/1995-التى ينشر فيها معظم قصصه القصيرة-"إن بطلاتى فيهن شهامة الرجال".

  يفهم مما قيل أن كاتبنا يتمتع بشبع عاطفى إلى حد كبير،ولكن الشبع لايولد فنا مشحونا بعواطف ساخنة متجددة-على عكس ما نلحظ فى أعماله التى تتفجر بالعاطفة!!-وعلى وجه العموم فربما كانت نشأته كيتيم ذات أثر خاص فى رؤيته للمرأة،فاليتيم بطبعه شخصية تأملية،لذا نجده يقول فى نفس الندوة:"لقد كنت فى صباى أجلس الساعات الطوال إلى شاطىء البحر متأملا فى الأفق البعيد ، متسائلا فى حيرة فائقة عن مسائل كثيرة ، فلا أجد الإجابة ، ولذلك لجأت إلى الكتب فى سن مبكرة بحثا عن هذه الإجابات، وكان من الطبيعى أن أتناول بعد ذلك كل هذه الموضوعات فى كتاباتى باهتمام شديد جدا فاق اهتماماتى بأمور كثيرة فى الحياة."..(مجموعة هوى الخمسين-نهضة مصر-2011)

  يتناول سعيد سالم فى أعماله نماذج متنوعة من المرأة، ففى مجموعته القصصية:"رجل مختلف"يصطدم البطل بنموذج عصرى عجيب للمرأة الغربية ص109 فيقول"كشفت لى عن وقاحة تفوق الوصف ثم طلبت منى أن أضربها بعنف وكانت تبكى وتضحك فى آن واحد، بينما استنفدت جل طاقتى فى إشباعها ضربا حتى منتصف الليل ، حين نامت حضارتان مجهدتان على فراش الحضارة المنتصرة. وفى الصباح عاملتنى كما لو كنت إنسانا تراه لأول مرة.ضاعفت قبلتها الباردة من احتقارىلها.انصرفت بعدأن دعتنى لتناول الغداء بمنزلها فى اليوم التالى ولكنها لن ترانى الى الأبد.".. وفى المقابل يعرض علينا الكاتب صورة مناقضة معبرة عن رقة المرأة الشرقية وحنانها فى قصته"رحيق الروح".ملحق الأهرام28/12/2001 على لسان البطل الذى يصف محبوبته قائلا:"حين يتوسد رأسى صدرها الحنون ويحيط ذراعى بخصرها الهش ، أغادر الأرض بقهرها وقسوتها وملالتها ، لا إلى السماء حيث العدل والرحمة ، وإنما إلى كون آخر يفصل بينهما مثلما يصل..كون برزخى يستقطر فيه عسل الحب والرضا إلى رحيق العشق المتفانى وهى تربت بكفها الرقيق الدقيق على رأسى لأذوب فى عبير عطائها المسكر ، وكأنها تغسلنى فى ينبوع الخلد المتدفق من هذا الصدر العبقرى لتزيل عن روحى أدران المادة وأثقال الشقاء وتمتص ذبذباتى وعذاباتى وحيرتى وقلقى.يا إلهى..كم أحببتها".

  وفى رواية الشـــرخ نلتقى بنماذج لاحصر لها من المرأة يعرضها تجمع للمدرسات المعارات من دول مختلفة إلى دولة عربية أخرى، فى سكنهن الجماعى حيث يتحررن فى المساء من كل قيد وينطلقن فى أحاديثهن عن الرجال بلا ضابط أو رابط فى كلمات يعبرن بها عن خواطرهن وغرائزهن وهواجسهن دون تحفظ ، فى خليط يجمع بين الجريئة والخجولة والمتدينة والماجنة والصامتة والمرحة والمنطوية على نفسها.

  ونستطيع أن نخلص من النماذج التى قدمها الكاتب عن المرأة والتى تجمع بين تناقضات هائلة إلى رؤيته بأن المرأة الشرقية-بوجه عام-تعيش فى عالم ذكورى يعتقد فى تميز الرجل على المرأة وحقه فى السيطرة على مصيرها بقدر كبير ، ولا يمنع هذا من وجود نماذج أخرى من المرأة المتمردة على هذاالوضع-مثل نرجس فى رواية الشرخ-سواء انتهى هذا التمرد إلى تحقيق ذاتها لقاء ماتدفع من ثمن ، أو هزيمتها واستسلامها للواقع المشار إليه. وهذا ما تؤكده رواية"حالة مستعصـــية"حين تكتب الصحافية الشابة" أمنيه" إلى معشوقها قائلة:"الواقع من حولى يابهاء-يا أستاذى وصديقى وحبيبى-أبعد من أحلامى بعد السماء عن الأرض.واقعى كتل هلامية تدعى بشرا. عقول من العصر الحجرى. حرام على المطلقة أن تضحك حتى فى مجلس أبيها ، أو أن تكشف عن شعرها أمام ابن عمتها.عيب عليها المعرفة.عليها فقط أن تبقى فى انتظار السيد الجديد لتتزوج منه وتنجب له وتخدمه ولاترى من العالم الخارجى إلا الطرقات التى تؤدى إلى بيت أهله وأهلها."

  المرأة إذن مظلومة عند سعيد سالم ، ولكن عيناه لاتغفلان عن رصد المرأة المتسلطة قاسية القلب فى قصة"التعاقب"-مجموعة الموظفون الحائزة على جائزة الدولة التشجيعية-والتى تدفع بالرجل إلى قتل أبيه.كما نرى المرأة اللعوب فى رواية الكيلو 101كعاشقة تبذل المستحيل حتى لايملها العشيق ويتركها كما ترك غيرها ، فتتلون على كل الألوان لنجدها يوما تعيش معه بشخصية الخادمة ويوما بشخصية العالمة ويوما بشخصية الطبيبة ، حيث تؤدى ادوارها بإتقان شديد لمجرد أن تجدد من نفسها وتشعره فى كل يوم أنها امرأة أخرى مختلفة عن تلك التى ضاجعها فىاليوم الفائت ، ورغم ذلك فلم يكن مصير تلك العلاقة إلا الفشل والنسيان.

  وفى رواية الفلـــوس تبيع مديحه عهدها لحبيبها عبد الخالق لقاء الارتباط بمن هو أقدر منه ماليا واجتماعيا فتكون سببا فى انقلاب جذرى بحياته ليصبح من أثرى أثرياء المدينة ، وحين تعود إليه مثقلة بالإحباط والندم لايستطيع أن يعرفها فقد أصبح كائنا آخر غير الذى عرفته من قبل.

  مما سبق من نماذج متنوعة للمرأة طرحها سعيد سالم فى أعماله يمكن القول بأنه يرى فى المرأة كائنا رقيقا متفجرا بينابيع الحب والرحمة ولكنها تحت ضغط المجتمع الذكورى الظالم الذى لايكف عن قهر إرادتها تجد نفسها مضطرة إلى إشهارأسلحتها الغريزية الفتاكة كالمراوغة والنفاق والتدلل والدموع والحيلة حتى تجد لنفسها طريقا فى الحياة.

●الحــــــــــــــــــــــــــــــــــــريــة:

  يقول الدكتور سيد حامد النساج فى معرض حديثه عن مجموعة (قبلة الملكة) فى البرنامج الثانى من القاهرة12/12/1990 "إن الفكرة المسيطرة على سعيد سالم فى كثير من قصصه هى فكرة الحرية.وقد اختار فى الأغلب الأعم شخصيات مكبوتة وشخصيات فردية تعيش أزمات فردية أيضا ، وربما وصف بعض النقاد القصة القصيرة انها فن الفرد المأزوم التى تعبر عن آرائه الفردية..إن ماورائيات قصص سعيد سالم مكتوبة بوعى شديد على عكس مانصادف كثيرا من الكتابات التى لاتكشف عن وعى كاتبها سواء بواقعه أو بفنه أو حتى بما يريد أن يقوله فى بعض الأحيان".ويشير الناقد السورى نذير حعفر فى جريدة تشرين السورية6/2/1988 إلى أن "قصص سعيد سالم تشكل فى مجملها صرخة احتجاج على الظلم والاستبداد والعلاقات اللاإنسانية، ولعل ذلك ماجعله يلجأ إلى الترميز ومزج الواقع بالخيال فى غلالة من الغموض الفانتازى الذى يصل أحيانا إلى حد الإيهام خشية التعرض للقمع المباشر من السلطات التى يعريها ويدين ممارساتها".

  وفى مجموعته القصصية( الممنوع والمسموح) تتأكد المفاهيم السابقة من خلال معالجاته لقصص"ملفات المواطن عبد الصبور"و"التائه"و"الجحر"و"نشرة الأخبار".ونرى البطل يتساءل فى روايته الأخيرة حالة مستعصية "ماذا أفعل وحاملة الطائرات الأمريكية العملاقة تقف بعيدا فى عرض البحر عند حافة الأفق معترضة حلمى القديم بالجنة.لقد كنت أنوى الاستحمام عاريا قرب الشاطىء لكنى تراجعت.يبدو أننى جبان.استولت على فكرة مفاجئة:ماهو تعريف العدو؟..تخيلت نفسى داخل زنزانة عربية تجمع بين الأصالة والمعاصرة فى نسق تركيبى منسجم لايعرف التناقض .تتدلى الورود والأغصان من بين فتحات أسلاكها الشائكة وأسوار قضبانها الجميلة، والتهمة هى السب فى ذات الزعيم.أى زعيم. أنت وحظك يابطل.ياإخوانى نحن الكتاب العرب ضمير الأمة.هه.دعونا حتى نتكلم فقط."وهو يعبر بحرقة فى مجموعته أقاصيص من السويد عن تلك العوامل التى تعترض حريته وتقيده بالفولاذ:"ذلك التراث الطويل العريض العميق من القهر الفردى والجمعى والفكر الموروث الذى تكاتف الزمن والموقع والدين والحكام والتاريخ فى تكبيلى به.يقتلنى التردد.يعذبنى.يكوينى بلهيب الخوف من المحظور وسوء الظن وخشية سوء الفهم وشىء من الإحساس بالدونية،رغم المخزون الهائل الذى لقنته منذ طفولتى عن حضارة آلاف السنين."إن الإحساس بالقهر فى الحاضر والخوف من المستقبل فى مجموعته:الممنوع والمسموح يدفعان بالبطل الباحث عن الخلاص فى الحرية لأن يقول:"فكرت بإخلاص شديد أن أقفز من أعلى البرج لا منتحرا ، وإنما راقصا مصفقا فى ليلة أنس أستقطر فيها متع الدنيا بنسائها الخمريات والبيض والسمر وقناطيرها المقنطرة من الذهب والفضة . بدأت حدة شعورى بالخوف من المستقبل تخف تدريجيا.ولما ازدادت ثقتى بنفسى بدأت أخلع ملابسى قطعة وراء الأخرى وألقى بها إلى الشارع دون أن اتوقف لحظة عن الرقص..بينما تعالت أصوات التهليل والتكبير من أسفل إلى أعلى."

●اهتمامات نقدية:

هناك أعمال لغيرى من كتاب مصر والوطن العربى أحببتها بشدة فكتبت عنها – بدافع هذا الحب وحده -  ما أسميته بقراءات تأملية ، أعدت فيها صياغة العمل حسب رؤيتى النقدية له. على سبيل المثال رواية الواجهة للدكتور يوسف عز الدين عيسى ورواية الياطر لحنا مينا و رواية أولنا ولد لخيرى شلبى ورواية ثنائية الكشر لحجاج أدول ومجموعة دنيا غير الدنيا لصبرى العسكرى وتفاح المجانين ليحيى يخلف والحب الحزين للدكتور عبد السلام العجيلى وصخرة الجولان لعلى عقلة عرسان، وغيرهم. ، كما سبق لى أن أصدرت كتابا بعنوان نجيب محفوظ الانسان صدر عن هيئة الكتاب عام2011.

وفى عام2010 جمعت دراسة كاملة عن أعمال معظم كتاب الاسكندرية – الشباب بصفة خاصة- والتى أرهصت بقيام ثورة25 يناير ، ومازال هذا الكتاب قيد الاصدار بمكتبة الاسكندرية..وكنت قد نشرت  بعض هذه الدراسات فى مجلات وجرائد ادبية متفرقة على مدى سنوات عديدة لشدة اهتمامى بمتابعة انتاج الكتاب الجدد وتشجيعهم واستقبالهم بمكتبى فى البيت واهدائهم مؤلفاتى واطلاعهم على رأيى بصدق فى أعمالهم.

*****


Further Reading