النحات مصطفى نجيب: سيرة مُعَلِّم على حوائط الغرب

(0)

يسُوق هذا الكتاب، للمرة الأولى، الوقائع الكاملة المُوَثَّقة للسيرَتَين الحياتية والفنية، لواحدٍ من أبدع رواد جيل الوسط في تاريخ الفن المصري الحديث، هو النحات "مصطفى نجيب" (1913 – 1990)، الذي ظلت ذكراه وإبداعاته غفلاً من التأريخ والتوثيق، زهاء خمسةٍ وأربعين عاماً، منذ هِجرَتِه من مصر إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1971، بعد معاناته جرّاء بعض الضغوط الكبيرة، على المستويَين المهني والمادي، فضلاً عن بعض التحولات الاجتماعية، التي لم تستَثنِ عبقرية فنانٍ مثله، سبق وأن بلغ بفنه ذروة المجد، وامتطى صهوة الشهرة طيلة عقودٍ ثلاثة، هي على وجه التحديد عقود الأربعينيات والخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، سَطَر في أثنائها صفحات باهرة من الإنجاز الإبداعي، وانتشرت فرائده النحتية لتزدهي بها ميادين مصر ومتاحفها، مسجِّلة شطراً حافلاً بالزخم من تاريخ مصر السياسي والاجتماعي الحديث، حين خلّدت ذكرى عظماء الرجال وأفذاذ الشخصيات، والتحمت بكُبرَيات الأحداث وعظائم اللحظات الفارقة التي خاضتها مصر آنذاك. ونموذج "مصطفى نجيب" يجبرنا على إعادة التأمل العميق، في واحدة من أعقد الإشكاليات المعرفية، التي باتت تضرب بجذورها عميقاً في تُربة الوعي العام، ويُحَرِّضنا على النبش في قضيةٍ شائكةٍ من قضايا الثقافة الوطنية، ألا وهما: إشكالية الفقر البحثي الموَثَّق، والمسلح بالمعرفة وبالروح العلمية، في تدقيق سِيَر الأفذاذ من مبدعينا، على اختلاف مجالاتهم وتخصصاتهم، وقضية الإهدار الجسيم الذي تعانيه ذاكرتنا الفنية الوطنية، نتيجة الإهمال الفادح، في العناية بتوثيق سِيَر عددٍ من هؤلاء المبدعين، وتسجيل فرائد إنجازاتهم وروائع إبداعاتهم، إلى الحد الذي يؤدي إلى تراكُم طبقات النسيان عليها، والتفاف ظلال الإهمال حولها، بدرجةٍ وصلت، في نماذج كثيرة، إلى مشارف الاندثار وحدود المَحْو. ونحن إذ نلتحم، من خلال هذا الكتاب، بالسيرة المنسية لـ"مصطفى نجيب"، فإننا لا نستعرض، في حقيقة الأمر، محض سيرةٍ لفنان تشكيلي مبدع. إننا، ببساطة، نسترجع اشتباكات قرنٍ كاملٍ من التحولات السياسية، والاجتماعية، والثقافية، فعَلَت فِعْلها الجسيم في تكوين المجتمع المصري بأسْرِه، خلال حقبة من أحفَل حِقَبه التاريخية بالتحولات والتبَدُّلات والتموُّجات، انعكست أضواؤها وتداخلت ظلالُها على صفحة مرآة مُبدِعٍ، التحم بالحياة، والتحمت به، فعَرَكَها وعَرَكَتْه، لكنها، أبداً، لم تهزمه، على الرغم مما أحاطته به، زمناً ليس بالقليل، من قساوة النسيان، وعقوق التهميش، ومُخاتَلات التاريخ. يقع الكتاب في ثلاثمائة صفحة من القَطع المتوسط، وهو مقسم إلى ثلاثة فصول: الأول بعنوان: "مصطفى نجيب"... سيرة ممحوّة من ذاكرة الفن المصري. والثاني بعنوان: "مصطفى نجيب"... النحات والمُعلّم. والثالث بعنوان: تراث "نجيب" المُهدَر... ملامح الأسلوب وامتداد المنهج. كما يتضمن الكتاب قُرابة مائةٍ وثمانين صورة، أغلبها لم يُنشَر من قبل، وهي تشمل صوراً لأعمال الفنان، وصوراً وثائقية لحياته، وصوراً نادرة لبعض مشاهير الشخصيات التي عاصرها، ولبعض المواقع والمتاحف والميادين المهمة، التي ارتبطت بفنه، وبفنون أساتذته وتلامذته، وبعض معاصريه من كبار نحّاتي مصر والعالم.