مقامات في حضرة المحترم

(0)
التصنيف: نقد
عام: 2019

مقطع من مقدمة الكتاب بقلم مؤلفه: سيد الوكيل

ثم يدعوني للكتابة في حضرة المحترم، وهو ما وصل إليه المشهد الأدبي من تشظ وعشوائية، فرضتها الطبيعة السائلة للحياة فيما بعد الحداثة، ودعمتها العولمة، بفرضياتها اللاهثة شديدة الاشتباك فيما بينها، حتى بات الحراك الأدبي منفلتا من التوصيف والتصنيف والمعيارية، بعد انحسار المدارس والاتجاهات والتيارات التي حكمت الحراك الأدبي طوال عقود الحداثة، وما واكبها من ضمور في نظريات الأدب، لذا، فإن الكتابة في هذه اللحظات الأخيرة من تاريخ الأدب الحديث، هي بمثابة شهادة من الأجيال الحالية، قبيل التيه العظيم في فضاء الشبكة العنكبوتية الذي يهدد ذلك التاريخ بالتشوش. ومن ثم، فهو محاولة للإمساك بأول الخيط، لا تستهدف الوصول إلى آخره بقدر ما هو إسهام، ظاهره النقد وباطنه الإبداع، أهم ما يميزه وجوده في حضرة المحترم.

 يقف الفصل الأول عند حدود القراءة التأملية للمسيرة المحفوظية وما رافقها من رؤى نقدية، ومن ثم فهو ملاحظات على قراءة نجيب محفوظ، تطمح لأن تقدم قراءة أكثر دقة، وإنصاتًا لبعض نصوصه، تنأى بها، عن الطابع الأيديولوجي الذي وسم الكثير من القراءات الأولى.

 وفي هذا السياق، يحاول هذا الفصل، الوقوف على معنى مختلف للواقعية عند محفوظ، يتسم بطابع إنساني، أكثر منه أيديولوجي.

يأتي الفصل الثاني من الكتاب، تطبيقا نقديًا لمعنى الواقعية الإنسانية من خلال عملين، هما: قلب الليل، والشحاذ. وإذا كان البناء الفني لقلب الليل ينهض على آلية إسقاطية يترافق فيها النص والنص المصاحب، لتمنح القارئ مساحة واسعة من التأويل، فإن المعنى الوجودي لرواية الشحاذ يؤكد على الطبيعة الفردية للواقع، تختلف عن الواقعية الاجتماعية، بل وتنتقد نزعتها الجمعية، فالتجربة الوجودية التي توزعت على نحو أقل وضوحًا في الكثير من أعمال نجيب محفوظ، كالطريق والسراب والعائش في الحقيقة إلخ، تعكس أزمة الإنسان الفرد في واقع مشتبك بالتاريخ، ومتورط في الحاضر، ومؤرق بالتجربة الذاتية، تلك التي يسميها جبرييل مارسيل، عضة الواقع.