فوزية أسعد التي تحولت من الفلسفة إلى الأدب صدفة

* كنت كلما رأيتها تتحرك بتلقائية عذبة أعدت النظر في حياتنا المركبة
* خليط من أضداد كثيرة تجانست بالتجاور: أستاذة في الفلسفة والتاريخ، كاتبة رواية، وباحثة في الآثار. تتكلم 4 لغات

* فوزية أسعد في حوار سابق:
- وجدت تأثيراً كبيراً "لنيتشه" جاء من الفلسفة المصرية الفرعونية القديمة فقررت أن أدرس المصريات
- قلت لسوزان بول: أريد أن أتكلم عن المصريات والمصريين معاً، عن حرب فلسطين، عن السجون، عن أصدقائي الشيوعيين الذين سجنوا خمس سنوات في الواحات، أريد أكتب بحرية
- الجمهور دفعني لكتابة الرواية فعلاقة الفيلسوف بالناس شبه منعدمة واستعنت في روايتي الثانية بأسطورة القطط الشهيرة التي تقول إن روح التوائم تترك أجسادهم في الليل
- لم يحسب أحد المحصول الفني الذي أخذه الأجانب ضمن دين إسماعيل باشا. لقد استولى الأجانب على ثروة لا حصر لها. ولا تقدر بثمن. تعرض الآن في المتاحف
- حين أكتب بالفرنسية أفكر بالعربية وأترجم الشعر الموجود في اللغة العربية. لا تتصوري ما يحدث حين تريدين أن تعبري عن كلمة عربية ببساطة إلى الفرنسية فإن ذلك يعطي صياغة فرنسية جديدة للغة
- الزبالون في المقطم كونوا نظاماً بديعاً ووصلوا إلى تدوير وإعادة المخلفات بنسبة 99%. وعلى الرغم أن الزبالة في سويسرا تدور بنسبة 23% فقط نريد أن ننقل النظام الغربي!
- كنت أغلق الباب بعد أن أنهي احتياجات الزوج والأبناء وأبدأ في الكتابة. أما نشاطي العام فلم يبدأ بهذا الشكل إلا بعد أن تفرق الأولاد وتوفى الزوج.

رحلت صديقتي الكاتبة الكبيرة فوزية أسعد عن عمر يناهز الرابعة والتسعين. لم أملك أمام هذا الرحيل الذي بقى مفاجئا لي رغم طبيعيته إلا إعادة قراءة أعمالها وتذكر حواراتنا الطويلة على مدار عمري. عدت إلى حوار قديم لي معها كأنه كان بالأمس: 

كلما رأيت الكاتبة فوزية أسعد تتحرك بتلقائية عذبة، أعدت النظر في حياتنا المركبة، فهي تذكرني على الفور بالبساطة المطلقة. لا أعرف السر وراء هذا. هل هي الحياة الطويلة في مدينة رائعة الجمال مثل جنيف؟ أم هو نمط الحياة الطويلة الذي اختارته؟ أم الرضاء عن النفس ورحلة العمر؟ أم هو كل هذه الأشياء مجتمعة؟

هي خليط من أضداد كثيرة تجانست بالتجاور، ذلك أنها: أستاذة في الفلسفة والتاريخ، كاتبة رواية، وباحثة في الآثار. تتكلم الفرنسية، والألمانية، والصينية وعربية تعلمتها، وأجادتها في الكبر. وهي أم لثلاثة أبناء، وجدة لسبعة من الأحفاد، بعضهم يعيشون في سويسرا، وبعضهم يعيشون في ألمانيا، والباقي يعيشون في الولايات المتحدة الأمريكية. نشيطة ودؤوبة إلى الحد الذي تنسى فيه أنها أنهت دراستها الجامعية قبل أن ينتصف القرن الماضي بقليل. مسافرة طوال الوقت، تشغل مناصب عدة، شعبية أكثر منها رسمية، فهي عضو مجلس إدارة بيت الكتاب في سويسرا (شاتو لافيني)، ورئيس إتحاد الكتاب السويسريين، وعضو مجلس إدارة نادي القلم الدولي، وكانت تعمل بتدريس الفلسفة في جامعة عين شمس منذ عام 1956 إلى عام 1959، وهي مصرية المولد والنشأة، درست الفلسفة في السوربون، وحصلت منها على درجة الدكتوراه عام 1956، وأقامت في جنيف منذ أربعين عاماً، صدر لها خلالها عدة كتب في الفلسفة منها فلسفة نيتشه، حتشبسوت، وعدة روايات منها: "مصرية"، "التوأم والقطط"، و"البيت الكبير".

حاورتها في اهتماماتها الكثيرة، ولكني في البداية تركتها تحكي لنا قصتها مع الدراسة، البيت، والغربة. قالت:

كان اسمي "فايزة ميخائيل" أصبحت "فوزية أسعد" بعد الزواج، درست في مدرسة فرنسية، وسافرت إلى باريس لدراسة الفلسفة، والحصول على الدكتوراه، وعدت لأعمل بالتدريس في جامعة عين شمس حتى تزوجت عام 1959 وسافرت مع زوجي إلى تايوان وهناك درّست الفلسفة للصينيين بالإنجليزية والفرنسية لمدة أربع سنوات، بعدها انتقل زوجي إلى جنيف للعمل في منظمة الصحة العالمية، وكنا نتصور أن مدة العمل ستكون سنة واحدة، نعود بعدها إلى مصر. لكن ما حدث أننا استمررنا لمدة أربعين عاماً، استقلت خلالها من العمل في الجامعة لكي أتفرغ لمسئوليات البيت والزواج. وأقول لك لم توجعني الاستقالة بشدة لأن همي الأساسي كان الكتابة والبحث، رغم أنني كنت أحب التدريس، وكنت أحب علاقتي بالطلبة.

بدأت أكتب مقالات فلسفية في مجلة "الميتافيزيقا والأخلاق" وهي مجلة فرنسية شهيرة رفيعة المستوى، يرأس تحريرها في ذلك الوقت أستاذي "جان فال" الذي كان ينشر مقالاتي ويشجعني. صدر أول كتاب لي بعنوان "كيرك جورد أبو الوجودية" باللغة العربية، وقد ترجمته بنفسي إلى الفرنسية بسبب أنني أعيش في وسط فرنسي، كتبت مقالات كثيرة عن فلسفة نيتشه منها "تفسير نيتشه لكيرك جورد" ..

• قلت كتبت عدة تفسيرات عن نيتشه هل تشرحين لنا كيف كان ذلك؟ 

- قالت: تخيلت أن "نيتشه" لابد وأن قرأ "كيرك جورد" ولأنني أعتقد أن الإبداع هو حصيلة جمع تجارب وقراءات مختلفة، فقد اختبرت هذه الفكرة البسيطة على كل من قرأوا "نيتشه" وفسروه - وكأني ألعب لعبة ورق الكوتشينة - أضع الفلاسفة بجوار بعضهم البعض، بحيث يظهر التقارب الفكري بين كل منهم والآخرين، وأوضحت أن كل تفسير "لنيتشه" مختلف عن التفسير الآخر بسبب الماضي الثقافي لمن يفسر، ولهذا هناك "زراداتوسترا نيتشا" حتى وجدت تأثيراً كبيراً "لنيتشه" جاء من الفلسفة المصرية الفرعونية القديمة. في هذه اللحظة قررت أن أدرس المصريات حتى أرى إن كان الفكر واحداً، وكنت أريد أن أدرس هذه الأفكار وتفسيراتها موضحة بالصور، وهو ما كان سيتعارض مع نظام المجلة، فقررت أن أضم مقالاتي هذه في كتاب وشرعت في الإعداد له، لكن حدث بالصدفة أنه بعد سنوات من العمل قررت الأمم المتحدة أن تكون العشر سنوات المقبلة للاهتمام بالمرأة في العالم كله. وطُلب من الناشرين أن ينشروا كتباً عن المرأة. اتصلت بي "سوزان بول" وهي روائية فرنسية صديقة حاصلة على جائزة (رونوزو) في الأدب لكي تطلب مني الكتابة عن المرأة المصرية. بشرط أن يكون الكتاب عن طريقة المعيشة، والتقاليد، والتفاصيل الصغيرة في حياة النساء.

قلت لها: أنا فيلسوفة جادة ما لي والأدب وهذا الكلام؟! راحت تضحك بشدة، فقلت لها: الحمد لله لقد غلبك الأدب الذي جاء بالصدفة حتى استولى بالصدفة على معظم حياتك.

ووضعتُ الخطاب جانباً، ورحت أفكر بعد أيام في الملخص ثم أرسلته لها مشترطة عليها أن أكتب ما أشاء. أتذكر صباح ذلك اليوم الجميل الذي جلست فيه على مقهى أفكر في الأشياء التي أريد أن أقولها ببساطة ولا أستطيع أن أقولها بأسلوب فلسفي. كنت أريد أن أتكلم عن المصريات، والمصريين معاً، عن حرب فلسطين، عن السجون، عن أصدقائي الشيوعيين الذين سجنوا خمس سنوات في الواحات. كنت أريد أن أكتب بحرية وفقاً لأرائي السياسية، ودون أن أكون ملتزمة بأي محاذير. بالطبع وافقت صديقتي لكن الناشر "ماك ليفي" الذي طلب منها ذلك كان يهودياً وخاف أن يتفق مع كاتبة على كتاب لا يعجبه في النهاية. فرفض. ولم تتوقف "سوزان بول" عند رفضه. حملته إلى "سيمون جاليمار" صاحبة دار النشر الشهيرة التي رحبت به، ونشرته على الفور، لكن مع ذلك فإن الطريقة التي عبرت بها عن الشرق الأوسط، وعن "دير ياسين" على وجه الخصوص لم تعجب النقاد العاملين عند "جاليمار" فلم يجددوا الطباعة حين نفدت الطبعة الأولى.

• قلت: معنى هذا أنك عرفت الطريق إلى كتابة الأدب بالصدفة؟ ألم تكتبي شعراً أو قصة قصيرة قبل رواية "مصرية"؟ 

- قالت: أبداً.

• كيف فكرت في روايتك الثانية؟ ما هو الدافع الذاتي؟

- الجمهور. عندما كنت أكتب المقالات في مجلة "الميتافيزيقا والأخلاق" كان شعوري أنني أكتب للفلاسفة وحدهم وهو جمهور متخصص قليل العدد، وحتى حين دعاني أستاذي "جون فال" لأحاضر في السوربون وحضر النقاش كل أساتذتي فهذا تم لمرة واحدة في الحياة. علاقة الفيلسوف بالناس شبه منعدمة.

• بحثت عن الشعبية إذن.

- نعم. فرواية "مصرية" أشعرتني بوجود الجمهور. قبل كتابتي لروايتي الثانية كنت أعيش حالة نفسية صعبة بسبب مشكلة بيني وبين إخوتي كانت تقلق نومي ففكرت أن أكتب عن القطط التي تجذب عيونها النور من وسط الظلام، ورحت أعود إلى أسطورة القطط الشهيرة التي تقول إن روح التوائم تترك أجسادهم في الليل وتسرح متلبسة أجساد القطط، وإنك إذا ضربت القطة كأنك تضرب هذا الطفل وإذا أيقظت الطفل أثناء وجود روحه سارحة بعيداً عن جسده فإن هذا الطفل لن يستيقظ أبداً. لم تكن لديَّ قطة، فأهدتني صديقة لي قطة عاشت معنا بعد ذلك واحداً وعشرين عاماً.

بطلا روايتي كانا توأمين: أخ وأخته. ورحت أسأل نفسي: هل يمكن لأحدهما أو للاثنين معاً أن يشاهدا النور في الظلام مثل القط؟ أم سيكملون الحرب بينهما؟ في الفرعونية القديمة توجد أسطورة الأخوين الأضداد اللذين يتعاركان، وهي أسطورة دائماً ما تتكرر لحد تحطيمهما معاً. فهل يتمكن التوأمان من جذب الضوء في الظلام، والوصول إلى بر الأمان. قصتي هي رمز للحروب كلها. وهي كتبت بالفرنسية وتترجم الآن إلى الإنجليزية ولم تترجم إلى العربية حتى الآن.  

• ماذا كان رد فعل الناس؟

- لم أجد ناشراً في أهمية "جاليمار" فنشرتها عند ناشر سويسري معروف هو "جان مارسيل" الذي أسس معرض الكتاب في جنيف ولكن بعد ذلك توقفت داره عن العمل وأصبح من الصعب الحصول على نسخ الرواية.

• سؤالي كان عن الجمهور. كيف تلقى أبطالك المصريين؟

- قدمت محاضرات عديدة عن الكتاب شرحت فيها الفكرة وراء أديان النور وعن الرمز الموجود في الرواية. موضحة لهم أن المصريين لم يكونوا يعبدون الأصنام والحيوانات، بل كانوا يتمثلون الفلسفة وراء القدرة التي تتميز بها كائنات أخرى عن الإنسان، فالقط والأسد يستطيع كل منهما أن يرى في الظلام في حين أن الإنسان لا يستطيع. بعد صدور روايتي هذه بشهور قليلة أصدرت كتاب "الإرهاصات المصرية في فلسفة نيتشه".

• بعد ثلاثين سنة من حصولك على الدكتوراه؟

- اشتغلت طويلاً لأصل إلى هذا الكتاب. 

• هل حصلت على تقدير يناسب هذا الجهد؟

- لا. لم أحصل على التقدير الذي كنت أتصوره بنشر هذا الكتاب. فالعالِم الذي درس "نيتشه" لا توجد لديه أي معلومات عن المصريات. وعلماء المصريات فكرتهم بسيطة عن "نيتشه". والعدد القليل الذي يقدر التقارب بين "نيتشه" والمصريات غير مؤثر .. لكن الكتاب حاز إعجاب عدد كبير من الكتاب غير المتخصصين وكنت أتمنى أن أجد صدى لدى ناقد فاهم.

• هذا قدر العلماء الذين يبحثون وراء فكرة مختلفة وحديثة.

- أتعشم عند ترجمة الكتاب إلى العربية - وهو يترجم الآن بالفعل على يد د. أنور مغيث - أن يكون لدى المصريين معرفة أكبر لأن المصريات أقرب إلينا.

• سألتها: هل سرقك الأدب من الفلسفة أم مازلت تجتهدين في المجالين؟

- أجابت: بل ذهبت إلى فلسفة قدماء المصريين لأنهم أثروا على اليونانيين الذين انتقلت عنهم الفلسفة إلى العصور الوسطى الأوروبية وبالتالي إلى الفلسفة الحديثة. هناك خط يبدأ من قدماء المصريين وعلى سبيل المثال: اتبع المصريون القدماء الجدل، والأضداد وكرروا الفكرة من صورة إلى صورة، لأنهم كانوا يكتبون عن طريق الصورة، ويتكلمون في نفس الموضوع ولكن بصور مختلفة.

• كنت قد قرأت كتابها "حتشبسوت" ولم أعرف كيف أصنفه. هل أضعه في خانة التاريخ؟ أم الآثار أم الرواية؟ أم الفلسفة؟ في النهاية استمتعت به وكفى، ولكن حين قرأت رواية "البيت" أدركت عمق التأثر سألتها: متى كتبت البيت؟

- قالت: كنت مهتمة بمستقبل آثارنا خاصة تأثير بناء السد العالي على الآثار، والسرقات التي تتعرض لها المتاحف، بالإضافة إلى زياراتي المستمرة للمتاحف الأوروبية والأمريكية التي تعيش بآثارنا .. أردت أن أكتب عن عائلة مصرية تعيش في الأقصر لديها بيت في الجبل أمام معبد حتشبسوت لكي أوضح أهمية آثارنا، والخطر الذي يحيق بها، وللعائلة بيت آخر في القاهرة، ولقد تتبعت أفرادها خلال قرنين من الزمان. كل من القرن التاسع عشر والعشرين. كتابي عن "حتشبسوت" هو نتيجة البحث الذي قمت به من أجل كتابة الرواية، ثم بعد أن أكملت الرواية عدت لأكمل البحث عن "حتشبسوت" لكي تستقل بكتاب منفصل .. إن اهتمامي "بحتشبسوت" هو تكملة لإرهاصات كتابي عن فلسفة "نيتشه" الذي تتبعته بالمقارنة بكل الأسر الفرعونية وكل الأجيال في حين أنني ركزت في "حتشبسوت" على قصة حياتها الأسطورية.  

• قلت وأنا أحسب في ذهني الوقت الطويل الذي عاشته في الغرب: وصفت "جرجس" بطل روايتك "البيت" بأنه لا يستطيع أن يفخر بجده "الجنرال يعقوب"، ومعروف لدى المصريين أن "الجنرال يعقوب" خان وطنهم وتعامل مع الاحتلال الفرنسي ثم رحل بفرقته مع رحيل الحملة الفرنسية عن مصر فما السر في أن يكون جد بطلك خائن؟

- قالت: عاش المصريون في حالة احتلال دائم منذ حكم النوبيون مصر: الرومان، الآشوريون، الإغريق، الفرنسيون، البيزنطيون، الأتراك. عندما أعطي محاضرة عن مصر أقول إنه لا يوجد غير السويسريين هم الذين لم يحتلونا. عندما تقولين خائن. هذا خائن لمن؟ وخائن لماذا؟ إذا كان الحاكم الذي يحكمك أجنبياً. عندما نتحدث عن خيانة لابد أن نعرف أولاً خيانة من؟ أنت وعبر تاريخك لم تحكمي بلادك حكماً ذاتياً خالصاً، وحتى الآن توجد أمريكا وتوجد إسرائيل.

• ذكرت ديون إسماعيل باشا.

- لم يحسب أحد المحصول الفني الذي أخذه الأجانب ضمن دين إسماعيل باشا. لقد استولى الأجانب على ثروة لا حصر لها. ولا تقدر بثمن. تعرض الآن في المتاحف المختلفة باعتبارها ملكيتهم.

• هل كنت تقصدين المطالبة باستعادتها؟

- قررت اليونسكو أن كل ما تم أخذه في السابق هو خارج الحساب.

• ماذا قصدت إذن بتفجير مثل هذه القضايا؟

- تسربت آثارنا في فترات تاريخية ماضية. هذا واقع وانتهى. ما أريده أن نحافظ على الباقي وأن نعرف قيمته.

• رواياتك تناوش الواقع بقدر ما تـُساءل التاريخ.

- كل رواياتي تـُساءل السياسة كما تفعل مع التاريخ.

• بأي قدر يمكن أن تأخذ الرواية من التاريخ؟

- تاريخ مصر مكتوب من خلال الحكام، والحاكم في القرون الماضية كان أجنبياً. وعندما نقص قصة عائلة مصرية فإننا نعطي صورة مختلفة عن التاريخ المصري، ونقدم وجهات نظر مختلفة ونمارس الجدل ونوضح الأضداد. 

• اخترت عائلة مصرية مسيحية، ثم عائلة مسلمة ثم عائلة مسيحية بالتعاقب عبر رواياتك، ما السبب؟

- أريد أن أقول إن إرثنا في مصر واحد، وإننا نعيش دون أن نشعر بأن هناك أي اختلاف في تقاليدنا وعاداتنا ومصريتنا أيضاً.

• قلت: اكتشفت الرواية بالصدفة. ما هو الشوط الذي قطعته لكي تمتلكي أدواتها؟

- جمعت أسطورة الحياة اليومية؟ فالأسطورة تعبر باستمرار عن الحياة. وتستطيعين أن تضعي أي قصة في قالب أسطوري: الخير والشر، الشمس والظلام، الحب والحقد، ثم تحركين شخصياتك.

• كنت مدركة أن اللغة العربية عند فوزية أسعد ليست هي لغة تفكيرها، على عكس ما قالته لي من قبل، فقد وُلدت لتتحدث الفرنسية لا العربية لهذا أعدت عليها سؤالي، قالت:

- لم أبذل أي جهد لمعرفة أدوات كتابة الرواية.

• ألم تتابعي الطرق المختلفة لكتابة الرواية الحديثة؟

- لا.

• أتكتبين بالفطرة؟

- نعم . أنا أحكي حكاية. يدخل فيها رموز كثيرة عن طريق الأسطورة التي أستعملها في الحكي.

• الصدفة التي جعلتك تكتبين فن الرواية هي الصدفة التي تقول إن كتابة الأسطورة، واستخدام الرمز هي طرق كتابة حديثة. هل تتصورين أنك قدمت شيئاً للأدب؟

- نعم. لأنني حين أكتب بالفرنسية أفكر بالعربية وأترجم الشعر الموجود في اللغة العربية. لا تتصوري ما يحدث حين تريدين أن تعبري عن كلمة عربية ببساطة إلى الفرنسية فإن ذلك يعطي صياغة فرنسية جديدة للغة. ولهذا فإن كثيراً من الكتاب العرب الذين يكتبون بالفرنسية قد أضافوا أسلوباً جديداً وشعراً جديداً غير متعارف عليه في الغرب. ويقول لي أصدقائي الكتاب الذين يراجعون كتاباتي في البلاد الأوروبية المختلفة إن لغتي أضافت بعداً جديداً لم يكن موجوداً لديهم من قبل. 

• عندما تترجم أعمالك إلى العربية. تحدث مشاكل كثيرة وأنا أعرف بعضها. هل أنت راضية الآن عن الترجمات؟

-      المشكلة أنني أحياناً أنسى أصل الكلمة العربية الذي استقيت منه المعنى الفرنسي، ولهذا أفكر الآن في عمل قاموس خاص بي حتى لا أضيع الكلمات. خاصة الكلمات الجميلة التي أحبها. أما مشاكل الترجمة فأنا أرى أن الترجمة أصعب من الكتابة نفسها.

• ما هو آخر إنتاجك؟

- كتاب بالفرنسية عن الزبالين ، "أحلام وزبالين القاهرة". وهذا مشروع شخصي اجتماعي لتطوير مهنة الزبالين. كتبته أولاً أثناء الاحتفال الذي أقامته هيئة الصحة العالمية كقصة قصيرة عن بنت زبال ترجمت إلى الإنجليزية والإسبانية والعربية ثم بنيت على هذه القصة كتابي الذي يتناول حقائق حياة هؤلاء البشر وقد أسماها الناشر رواية. لا أعرف ما هي؟ هي كتاب.  

• رواية وثائقية؟

- لا أعرف. اعتمدت على الوثائق بدون ذكر أرقام، وذكرت كل المعلومات في قالب روائي، وبأسلوب أدبي كأنها قصة مجموعة من البشر، شعب يطرد من كل مكان يذهب إليه.

• هل هم الزبالون الذين يعيشون في منطقة المقطم؟

- نعم. لقد كونت هذه المجموعة نظاماً بديعاً، وتطور حتى أنهم وصلوا إلى تدوير وإعادة المخلفات بنسبة 99%. هذا على الرغم أن الزبالة في سويسرا تدور بنسبة 23% فقط. والآن نريد أن ننقل النظام الغربي. حرام. المفروض أن نساعدهم على تطوير نظام حياتهم الذين اخترعوه. لا أن نجلب النظام الغربي الفاشل، لقد ساعدهم البنك الدولي على تحسين حياتهم وأدخل إليهم الماء والكهرباء في أبنية حديثة. 

• ما هو مشروعك القادم؟

- أريد أن أنتقل من حتشبسوت إلى اخناتون ونفرتيتي. هناك عنصر نسائي في فلسفة المصريين القدماء. ولا ننسى أن الفرعون هو رجل وامرأة في آن معاً. هو حيوان وإنسان، نبات وإنسان، هو أسطورة، لكن داخل الأسطورة يوجد مكون مهم جداً هو الخنثى، أو الزوج والزوجة معاً، وهم التوأم، وهم أيضاً الأضداد المتكاملة وبنيتها. لقد حكمت "حتشبسوت" هي وابن زوجها، وأظهرت نفسها كخنثى حين وضعت اللحى، "إخناتون ونفرتيتي" حكموا كزوج وزوجة، كرجل وامرأة ورغم أنهما لم يكونا توأماً إلا أن رسمهما على المعابد هو رسم لصورة واحدة - وكذلك في التماثيل - وكأنهما توأم، وكل منهما ينظر كأنه الآخر. كأنه خنثى. هذا هو مشروعي القادم وهو مشروع كتاب، وليس مشروع رواية. حتى أجد الوقت الكافي لكتابة رواية.. 

- كتبت فوزية أسعد كتابا بعنوان الفراعنة المارقون نشر بالفرنسية وترجم إلى العربية ونشر من خلال المجلس القومي للترجمة عام 2017 وكان هذا الكتاب آخر ما ترجم لها. 

• قلت: لاحظت أن نشاطك في الكتابة، وكذلك في الحياة العامة لم يتم بهذه الصورة التي عليها الآن إلا بعد الخمسين، وربما أكثر بعد وفاة الزوج. هل هذا صحيح؟ ولماذا؟

- قالت: كنت مشغولة بنشاط الزوج وتربية الأبناء. كانت الأفواج التي تأتي إلى "جنيف" لزيارة هيئة الصحة العالمية، أو حتى للعمل بها تأخذ مني وقتاً طويلاً للاهتمام بها، كنت أعمل وراء زوجي لكي أكمل عمله.

• قلت: زوجك د. فخري أسعد هو أول من بدأ نشاط مكافحة الإيدز.

- نعم. لأنه كان مديراً لقسم الأمراض الوبائية في منظمة الصحة العالمية.

• هل لديك شعور بالرضاء عن مسيرة الحياة؟

- أرضى إذا استطعت أن أغلق على نفسي باب مكتبي لأكتب.

• هل عطلت أسرتك إنتاجك؟

- لم تعطل إنتاجي، لأني كنت أحافظ على وقتي بشدة. أغلق الباب بعد أن أنهي احتياجاتهم وأبدأ في الكتابة. أما نشاطي العام فلم يبدأ بهذا الشكل إلا بعد أن تفرق الأولاد وتوفى الزوج.

• الدفاع عن حرية التعبير هل ظهرت في كتبك؟

- لا أعرف.

• الكتابة في مناخ حُر هي سبب ظهور أفكار مثل الكتابة عن الجنرال يعقوب؟ 

- لا أظن، أنا أكتب بحرية في كل وقت وكل مكان والكتابة عن "دير ياسين" في روايتي "مصرية" لم تعجب الغرب، أشياء كثيرة كتبتها هناك غير مقبولة. صحيح أنه يوجد الآن من الإسرائيليين من يُسمَّون بالمؤرخين الجدد يستطيعون الكتابة عن مذبحة "دير ياسين" وغيرها لكن حين كتبت لم يكن الأمر كذلك.

• تقصدين أن مناخ الحرية الذي يشاع عن الغرب هو حرية ما يريدونه فحسب؟

- نعم. بمعنى "السياسة الصحيحة". هذا المصطلح يستخدم في السياسة أكثر مما يستخدم في الفلسفة والاجتماع. وسأضرب لك مثالاً واحداً عن "جون زيجلر" في سويسرا، فهو محبوب من البعض ومكروه من البعض الآخر، لأنه كما يقولون يكسر فرع الشجرة التي نقف عليها، عندما يناقض سياسة البنوك، وحين يقول إن غسيل السويسريين أبيض من غسيل الغرب هذا يغضب بعضهم أو العدد الأكبر منهم بشدة. خصوصاً الذين يؤمنون بسويسرا البنوك. وكثيرون من أصدقائي ينتقدونني بشدة لصداقتي له.

• قلت: لقد ألقى محاضرة في معرض الكتاب في العام الماضي وقوبل في مصر بترحاب شديد. أريد أن أنتقل إلى سؤالك عن النساء في رواياتك هل تقدميهم لنا؟

- قالت: كتبي كلها محورها النساء هذا ما اكتشفته أخيراً، ولا أعرف لماذا؟ ربما لأنني امرأة. وربما لأنه حين بدأت كتابة الرواية في السبعينات كتبتها مع السنوات العشر التي حددتها الأمم المتحدة للنساء والاهتمام بهن. ربما لأني أعجبت بحتشبسوت واعتبرتها أعظم مَنْ حكم في التاريخ. 

• ماذا تقصدين؟

- مصر.

• لكنك تحملينها معك؟

- هذا صحيح، ولكن أحب دائماً أن أعود إليها، وأحزن حين أعود فأجد الفقر أو الجهل، أو التعصب. هذا يقلقني وتقلقني أيضاً القوانين التي يجب أن تتغير ولكننا لا نستطيع أن نتكلم عن ذلك، مثل قوانين الميراث، بعض الدول العربية والإسلامية لا تفرق بين الولد والبنت في الميراث الأخ والأخت. وأيضاً الزواج بين اثنين من دينين مختلفين يحرم المرأة من الميراث وكذلك في حالة اختلاف العقيدة.

• هل تتابعين الكتابة العربية؟

- أحب بهاء طاهر ويحيى حقي وجمال الغيطاني وهالة البدري والطيب صالح.

شكرتها. ومضيت وازداد إعجابي بنشاطها وتفاؤلها

تحية لك يا فوزية حيث تكونين.