قطعة صغيرة من الشيكولاتة

(0)
Publisher: Aldar Publishing
Year: 2017

عن الجنس والطفولة وغياب التحقق وقسوة الزمن  قراءة في العالم القصصي لـ "علي حسن بقلم مصطفى بيومي"

هل يتراجع الإقبال على القصة القصيرة والتواصل معها، كتابة وقراءة ونقدًا؟
ما السر في هيمنة الفن الروائي، مصريًا وعربيًا، خلال العقود الثلاثة الأخيرة، وتحول الغالبية العظمى من مبدعي الأجيال الجديدة إليه؟ كيف يمكن الربط بين التحولات الجذرية العاصفة في المجتمعات العربية، والمتغيرات التي تطول الظاهرة الإبداعية في مجملها؟
لماذا لا يحظى كاتب معاصر للقصة القصيرة بمكانة تقترب من تلك التي كان يحتلها يحيى حقي ومحمود البدوي وسعد مكاوي ويوسف إدريس ويوسف الشاروني وسليمان فياض ومحمد المخزنجي وسعيد الكفراوي، وغيرهم، ممن يقترنون بالإبداع القصصي في المقام الأول؟
أسئلة كهذه تبدو ضرورية ملحة عند التأمل الموضوعي في خريطة القصة المصرية القصيرة المعاصرة، التي تشير إلى وجود كتيبة من المبدعين الجادين الموهوبين، المسلحين بالوعي الفكري والبراعة الفنية، لكنهم لا يحظون بالرواج النسبي للأشهر والأكثر مبيعًا من كتاب الرواية.
تتجدد الأسئلة مع قراءة مجموعة علي حسن: "قطعة صغيرة من الشيكولاته"، التي تقدم قصصها رؤية ذات مذاق وتوجه مختلف عن عوالم الآباء والأجداد، عبر تشكيل يتحرر من النمطية والتكرار، ولا يمثل امتدادًا لكاتب من جيل سابق.
تتباين قصص المجموعة في المساحة وطبيعة القضايا التي تعالجها، وينجح الكاتب في تطويع اللغة وأسلوب بناء الشخوص بما يتوافق مع البعدين الكمي والكيفي، لكن المشتركات لا تغيب ولا يصعب إدراكها، ذلك أنها تتمثل في عدة محاور تجسّد خلاصة رؤية المبدع، ولن يجد المتلقي صعوبة في التفاعل مع جملة القصص كأنها النص الواحد الممتد، الذي يتبلور من خلاله عالم يكشف بوضوح عما يعتمل في أعماق الكاتب من هواجس واهتمامات.
الجنس، بتجلياته وأشكاله المختلفة، هو الموضوع الأكثر أهمية والأعظم حضورًا في الأغلب الأعم من قصص المجموعة، حيث الخليط المعقد المتشابك المتكامل من الخيانة الزوجية والعجز والشراهة والحرمان والشذوذ والعقم والخواء، وحيث التطلع الغريزي المشروع، بقدر ما أنه ليس ميسورًا، إلى التحقق والإشباع وتلبية احتياجات واحتجاجات الجسد، في واقع متجهم لا يمنح الحد الأدنى من المتعة.
لا يقتصر الانشغال بالجنس على الرجال وحدهم بطبيعة الحال، ذلك أن النساء مشاركات بفاعلية لافتة في تشكيل الهاجس الجنسي المهيمن على قصص المجموعة. تخون المرأة مثلما تُخان، وتشتهي بضراوة وعنف كما تُشتهى، وتشعر بطعنات القهر والحرمان فتبادر بالتمرد والخروج عن المألوف للإمساك بحلم الإشباع الذي ينأي ويبتعد بفعل سلبية الرجل وأنانيته وإصراره على الخيانة متوهمًا أنها حق مطلق لن يقابله رد فعل مماثل.
في قصة "الذكريات تعزف من جديد"، عبارة دالة على الرغم من تطرفها الذي لا يسهل قبوله والتسليم به. في سياق استدعاء التاريخ القديم للجارة "عواطف" وما تحفل به مسيرتها الزوجية من خيانة صريحة شبه علنية، تشارك فيها الابنة الصغيرة التي تقوم بدور "الناضورجية" لحماية الأم والعشيق: "هذا البيت صورة مصغرة لعالمنا الذي نعيش فيه"!.

مبالغة كهذه لا يمكن القبول بتعميمها كأنها القانون السائد، وسلوك الزوجة "عواطف" لا ينبع من فراغ، فله أسبابه ودوافعه. قد لا يكون استهتار الزوج مبررًا مقنعًا لخيانتها، لكنه بمثابة التفسير الذي ينبغي أن يُوضع في الاعتبار عند التقييم الهادئ المحايد. ما أكثر الرجال الذين يسرفون في الخيانة واشتهاء زوجات الآخرين، كما هو الحال في قصة "خلف اللسان".
لا يتردد الزوج الراوي في الاعتراف، بكلمات محايدة لا ذرة فيها من الإسراف الانفعالي، بهوايته الغرائبية: "هوايتي التنقيب عن النساء المتزوجات، منتهى سعادتي أن أمارس الحب مع زوجة رجل آخر، متعة لا توصف أشعر بها حين تغوص قدماي في هذا الوحل! أرجوك لا تذهب بأفكارك بعيدًا، فأنا لا أشتكي اللقاء مع زوجتي، لا أكرهها، غاية الأمر أن هناك قوة تدفع بي دائمًا إلى الخيانة والفوز بأشياء ليست من حقي، تجتاحني متعة لا توصف حين أسرق اللذة الحرام، وأضع يدي على الزوجات الخائنات!"
في السطو على زوجات الآخرين متعة استثنائية من طراز خاص، وكل زوجة وحيدة مهجورة تعاني الكبت والحرمان هي بمثابة الهدف الذي يتطلع إليه واثقًا من قدرته على الوصول إليها واقتناصها، فلابد عنده أنها تضمر الخيانة وتستجيب بلا مقاومة للإغراء.
الداء الذي يعانيه مردود إلى طفولته البعيدة، عندما كان شاهد عيان على خيانة أمه لأبيه، مع رجال يرصدهم فوق فراشها ويتابع العلاقة الجنسية دون قدرة على إيقافها أو فضحها: "مشهد تعودت على رؤيته وأنا صغير، أشاهد والدتي في غرفة نوم أبي، على فراشه مع رجال غيره، أراقب خيانتها من ثقب الباب، حتى إذا بلغت ذروة نشوتها وضع من يضاجعها يده على فمها ليكتم آهاتها فلا تصل إلى مسامعي"!
حالة مرضية تبرهن على الاضطراب النفسي ذي الجذور البعيدة، وينعكس المرض المزمن على سلوك الطفل القديم في حاضره المضطرب الذي يحظى فيه بزوجة تتلهف عليه ولا تستطيع الوصول إليه. لابد من المساواة بين الرجال والنساء في إدانة السلوك المشترك، فالمرأة المحرومة المقهورة تسعى عندما يشتد الحصار والحرمان إلى البحث عن المتاح لها من الإشباع، ومن المنطقي المبرر أن يميل كثيرًا إلى الشذوذ.
في قصة "قطعة صغيرة من الشيكولاته" التي تحمل المجموعة اسمها، يصل "علي حسن" إلى ذروة التعبير عن خصوصية وخطورة الموقع الذي يحتله الجنس في عالمه القصصي. قصته هذه ذات بناء دائري، تتداخل فيه البداية والجذور مع النهاية ومعطيات الحاضر المعاصر الذي لا ينفصل عن الماضي البعيد.
البطولة لموظف يقترب من التقاعد، يتزوج بعد وفاة زوجه الأولى من فتاة تصغره كثيرًا، ومعها تنفجر قدراته الجنسية الكامنة التي يشعلها الحرمان، ولا تقل الزوجة الجديدة عنه اشتعالاً ورغبة.
تعود بداية وعيه بالجنس إلى عامه الخامس، أما الطرف الثاني في العلاقة المبكرة فهي "صابرين الملعونة". زوجة شابة لرجل يكبرها بأكثر من ربع قرن، ولا يتردد عليها إلا قليلاً. تشبع الزوجة المهجورة المسكونة بالكبت شهواتها المشتعلة مع الطفل الذي لا يعي ما يفعله ويُفعل به، ثم يدور الزمن دورته فإذا به يواجه تجربة مماثلة في زيجته الثانية. يعود من رحلة عمل تستغرق أسبوعين، فكأنه يعود إلى ماضيه: "صعدت السلم الداخلي وعلى باب غرفة نومي فاجأتني رحاب وهي في ثياب النوم تمد يدها وتمسك برأس طفل هو ابن جار لنا، تدفعه بلطف خارج غرفتها وهو يمسك في يده بقطعة صغيرة من الشيكولاته!".
طفل جديد يشبه الطفل الذي كانه في الزمن القديم، ويبدو جليًا أن الزوجة الشابة مشتعلة الشهوة لا تطيق صبرًا على غيبته القصيرة فتبحث عن الإشباع مع طفل تغريه بقطعة الشيكولاته؛ السلاح نفسه الذي يسقط الراوي العجوز في شراكه قبل نصف قرن. من الذي ينكر أن التاريخ، على الصعيدين الذاتي والموضوعي، يكرر نفسه؟
تحظى الرحلة الطفولية باهتمام كبير في قصص "علي حسن" وتتحول الذكريات القديمة المرتبطة بها إلى عنصر راسخ يترك عظيم الأثر في واقع الشخوص من الرجال والنساء على حد سواء، ما يعني بالضرورة أن صدى الطفولة لن يغادر مستقبلهم القريب والبعيد.
التأثير الذي نعنيه لا يقتصر على تشكيل الوعي الجنسي فحسب، بل إنه يمتد أيضًا إلى جوانب الحياة كافة. هل يمكن استيعاب أبعاد مأساة "فريـال"، في القصة التي تحمل اسمها، بمعزل عن طفولتها؟. الأمر نفسه في قصة "خلف اللسان" و"طابع بريد" و"أبلة فضيلة".

في قصة "طابع بريد"، لا شيء يحتفظ به الأب قرب نهاية العمر إلا مجموعة الطوابع، ثروته التي يعتز بها وتمثل ميراثه الأهم. تعود جذور الهواية إلى الطفولة بكل ما يصاحبها من ذكريات لا تتبخر من الذاكرة. الابن خالد لا ينظر إلى الميراث الثمين بما يتوافق مع عظيم أثره في حياة أبيه، والتواصل بين الأجيال ليس قائمًا في الواقع وقصص علي حسن معًا. المشاعر المسرفة في ذاتيتها يصعب توارثها في إطار ميكانيكي، فلكل جيل تطلعاته ورؤاه وقيمه وتقييمه المختلف المرتبط بالثقافة السائدة ومنظومة القيم التي تحكم المجتمع وتتحكم في إيقاعه.
قصة "أبلة فضيلة" تكشف عن المكانة الفريدة للإذاعية الرائدة القديرة، صاحبة برنامج الأطفال الأشهر والأكثر نجاحًا في تاريخ الإذاعة المصرية، فهي محور البناء والتشكيل، والمسئولة عن تحديد الإيقاع الذي يصاحب الأزمة ويكثفها، لكن تيار الحياة المتدفق لا يتوقف عن السريان، ولكل جيل رموزه المتغيرة.
لعل قصة "أحلام بلا أجنحة" هي الأعمق والأنضج في تجسيد مكانة الحقب الطفولة في عالم "علي حسن" القصصي، والفضل في تفرد القصة مردود إلى المرارة الشجنية التي تضفي عليها خصوصية ذات مذاق مختلف. انكسار الأحلام الصغيرة، وصولاً إلى الموت، موضوع القصة التي يستعيد القارئ مع أجوائها روائح يوسف إدريس في قصة "نظرة"، مجموعة "أرخص ليالي".
لا شيء تحلم به الطفلة الفقيرة المحرومة إلا أن تلعب مثل غيرها من الأطفال بطائرة ورقية، ولا سبيل أمامها لمعانقة الحلم البسيط إلا السطو على طائرات غيرها من الأطفال الأقل فقرًا. الموت ثمن فادح للاقتراب من الحلم الذي لا يكتمل، والشهادة الموجعة تتجاوز طفلة بعينها إلى عالم قوامه الخلل، يتفنن المسيطرون عليه في القهر والاضطهاد: الأطفال الفقراء لا يحظون بحق أن يعيشوا طفولتهم، والنساء المقهورات المهجورات محرومات بدورهن من حق الحياة السوية.
فضلاً عن هذين المحورين بالغي الأهمية في تجربة "علي حسن" الجنس والطفولة، يمثل الزمن عنصرًا ثالثًا لا يقل أهمية في الكشف عن أفكار الكاتب ورؤاه. الحاضر عنده وثيق الصلة بالماضي، وعبر التفاعل والاشتباك بينهما تظهر جملة من المفارقات الجديرة بالانتباه والاهتمام.

تتسم قصة "المرآة" بإيقاع راكد رتيب قوامه الملل والشعور الطاغي بالعبث واللاجدوى، والعقم الذي يعانيه الزوجان ينعكس على حياة زوجية تمتد عشرين عامًا بلا إنجاب. الزوج مدرس التاريخ مسكون بمشاعر الإحباط واليأس والزهد في التواصل الجنسي مع الزوجة، أما هي فإنها تراهن على مستقبل قد يحمل جديدًا منعشًا إيجابيًا. الوصول إلى محطة الأمل هذه يتطلب علاقة لا متسع لها في عقل الزوج المستسلم لليأس، ولا تتحقق الصحوة إلا باستعادة فستان الزفاف القديم المهجور مثل صاحبته، كأن العبور إلى المستقبل فوق جسر الحاضر لا يتحقق إلا بمعانقة الماضي والتشبث ببقاياه. المواجهة بين الزوج التعيس والمرآة يترجم جوهر الأزمة الذاتية الموضوعية: "لأول مرة يشعر أن الزمن قد وضع بصماته الخبيثة على كل حواسه وأنه كبر، أصبح فجأة عجوزًا بدون أن يدري. كاد مسعود أن يضرب المرآة لعله يخرج من هذا الكابوس المزعج لولا خوفه من إسراء، فمازال يريد أن يكون أمامها هذا الرجل العفي القادر على وضع البذور وجني الثمار".
لا خلاص من الواقع المتجهم العقيم إلا بالعودة إلى أحضان الماضي البعيد الذي تختصره القصة في فستان الزفاف، وإذ ترتديه الزوجة تبدو كأنها تقترب من المعجزة المؤهلة لنهاية رحلة المعاناة الطويلة مع الهجر والصدود والحرمان والعقم.
يمكن القول إن شخوص قصص "علي حسن" ليسوا متحققين منسجمين مع عالمهم المزدحم بمفردات وعلامات التعاسة والوجع، والمشترك الراسخ في حيواتهم هو هيمنة مشاعر الفقد وغياب الانسجام والإشباع. الأمر ليس رهينًا بالتحديات والهموم الذاتية فحسب، بل إنه وثيق الصلة أيضًا بالواقع الموضوعي المسكون بالخلل والاضطراب وتراجع قيم العدالة والمساواة.
يكشف "علي حسن" في قصة "السيد سعودي" عن آفة مزمنة في الحياة السياسية المصرية، حيث هيمنة الانتهازية واللصوصية والتربح والانحلال الأخلاقي عند رموز السلطة، لكن القصة منذ العنوان حتى نهايتها، مباشرة كأنها المقال الصحفي الهجائي المعارض، ولا أحد من شخوصها يحمل سمات وملامح إنسانية تمزج بين الخير والشر. العمل الإبداعي، أي وكل عمل إبداعي، هو رؤية إنسانية في المقام الأول، وليس من وظائف الفن أن يتعرض لفضح الواقع السياسي والاجتماعي على هذا النحو ذي المعالجة الصحفية عالية الصوت.
قصة "السماء تغلق الأبواب" أكثر اقترابًا من الواقع الاجتماعي، وليس السياسي بالشكل التقليدي المغلق، ذلك أنها تتعرض لشيوع الإدمان وما يترتب عليه من آثار ونتائج كارثية، تصل بالشاب المدمن إلى الاستحواذ على جنيهات شقيقته بالقوة، بل إنه يقتل أمه في لحظة جنون تقترن بالاحتياج لإشباع حاجته من مادة إدمانه. الأزمة، مجددًا، لا تكمن في الهدف الذي تسعى إليه القصة، بل إنها في البناء الفني الذي يعاني من الترهل والاضطراب، والنهاية التقليدية وعظية ذات منحى أخلاقي ثقيل، والإبداع بطبيعته ليس أخلاقيًا وعظيًا ولا يمكن أن يكون.
الابتعاد عن الأحكام الأخلاقية المتشنجة، والاقتراب من بسطاء الناس وأوجاعهم وهمومهم في قصة "عم آدم"، يضفي الحيوية والقدرة على التأثير. جانب كبير من الأزمة ينبع من الانقلاب على منظومة القيم القديمة الأصيلة في المجتمع المصري، وعندئذ يتحول العمل من خانة الشرف والحق والواجب، إلى ساحة العيب والعار والحرص على التنكر لكل ما هو إيجابي جميل.
مسلحًا بالموهبة والجدية والدأب، يجتهد "على حسن" ليحفر اسمه في جدارية القصة المصرية القصيرة، ويستعين في صياغة عالمه الخاص بمفردات الطبيعة التي يبدو مولعًا بها، البحر تحديدًا، ذلك أنها تندمج في نسيج قصصه وتلعب دورًا مؤثرًا مهمًا في تقديم إضاءة واعية عن طبيعة شخوصه في مواقف شتى من حيواتهم، وهؤلاء الشخوص أنفسهم وثيقو الصلة بالأماكن التي يعيشون فيها ويتحركون، راضين أو ساخطين، ولا تغيب عنهم الأماكن القديمة بكل ما يقترن بها من ذكريات إيجابية وسلبية.
يستثمر الكاتب مفردات الطبيعة والمكان في تشكيل عالمه القصصي، ويجتهد أيضًا ليتحول العنوان إلى أداة تعين المتلقي للتواصل مع رؤيته وإدراك أبعادها، لكن اجتهاده هذا يجنح كثيرًا إلى المباشرة الكاشفة قرينة الخلل والنبرة الوعظية، وليس أدل على ذلك من عناوين مثل "السماء تغلق الأبواب"، "يا ولدي إنها الحمى" على سبيل المثال. ترجمة تقليدية تصادر حق القارئ في الوصول إلى الفكرة بلا توجيه، وصياغتها على النحو الذي يرضيه. الأزمة نفسها في نهايات قصص علي حسن، فبعض هذه النهايات أقرب إلى "السكتة الفنية"، تهدد النص بالوقوف على حافة الاحتضار.
تبقى ملاحظة أخيرة حول اللغة، فهي تحتاج في عدد من قصص المجموعة إلى مراجعة متأنية ودقيقة، لكنها تنم في جملتها عن حس شاعر ذي إيقاع يتناغم مع عنصري الطبيعة والمكان، ويتوافق بلا افتعال وتصنع مع أهمية الموقع الذي يحتله الزمن، حيث الشجن المقترن عادة بروح الشعر.
يقدم "علي حسن" في قصصه معالجة تجمع بين النفسي والاجتماعي، ولا ينفصل فيها الحاضر عن الماضي، يعلو صوت الغريزة والحنين الجارف إلى الجنس بلا اقتراب من الابتذال. لا يتورط الكاتب في كراهية وحب شخوصه، فهو يرصد ويحلل ويتأمل ويكشف عن الملابسات التي تدفعهم إلى سلوك قد لا يروق للكثيرين.
علي حسن موهبة يُنتظر منها الكثير، ولعله يسهم مع آخرين من أبناء جيله في استعادة القصة القصيرة للمكانة التي تتراجع منذ عقود، وما أعظم الاحتياج لعودة الفن الجميل إلى سابق عهده، فلكل جنس أدبي إمكاناته وأدواره التي لا يمكن الاستغناء عنها.