حكايات القطط

(0)
Year: 2016

قرأتُ مؤخرًا كتاب درية الكرداني الثاني: حكايات القطط، وهو تسع قصص طويلة، متوسطة الطويل، من بينها قصّة تكاد تكون "نوفيلا" مستقلّة"، يجمعها كلها حضور القطط ككائناتٍ حيّة ومجازات أيضًا، تنسجها الكاتبة في حكايات شخصياتها ببراعة ونعومة ومكر. في كتاب درية الكرداني الأوّل، رواية رمال ناعمة، ظهر استسلام شبه تام لفوضى الذاكرة وتداعي الحكايات، واتكّاء على صدق التجربة وعفويتها، وبالطبع ذلك الإحساس الأنثوي الذي أحاطَ السرد بهالةٍ من الحسيّة وتتبع التفاصيل الصغيرة. هُنا أيضًا، في حكايات القطط، يرتبط عالم الكتاب بحبلٍ سري يغذيه من النبع الفوّار للحياة، حياة ممتدة وغنية ومتنوعة الألوان والنغمات. قد يشعرُ القارئ أحيانًا أنه لا يقرأ بقدر ما يتطلّع في ألبوم صور، بعضها قديم للغاية وبعضها تم تصويره قبل ساعاتٍ معدودة. اللقطة هي كلمة السر، وربما المشهد في حركته الكاملة، لكن يبقى الكادر بشكله الفوتوغرافي مهيمنًا عبرَ حرصٍ يصل إلى درجة الهَوَس بالوصف، وصف الأماكن والأشخاص وامتزاج الأنوار والظلال، البيوت والمباني والشوارع، أنسجة الأقمشة وألوانها، كل شيء، وقبل هذا كله طبعًا القطط في سكونها وحركتها، في لعبها ومرضها وإذعانها وتملقها وتآمرها وتمردها. ثمّة شخصيات لا تُنسى في هذه القصص التسع، من الناس والقطط كذلك، فلكل قط هُنا، شأنه شأن البشر، طبيعته ومواصفاته الخاصة بل وموقفه الوجودي أحيانًا، تتجلى براعة الكاتبة في هذا المزج الحريص بين العالمين، عالم القطط وعالم الناس، في رسم التقابلات والتقاطعات، والإيحاء بالراوبط الخفية بينهما. نحن أمام تجربة ممتعة من الصفحة الأولى للأخيرة، تستوعب القارئ تمامًا في عالمها مُرهف النسيج وواضح المعالم كالحياة ذاتها، وهنا أيضًا أكرر ما كتبته سابقًا عن رمال ناعمة، التي وصفها الكاتب الراحل علاء الديب بأنها "غابة غنية من المشاعر والأفكار"، فأقول: "أهدتنا درية الكرداني حكايات تسندها الخبرة وتجلوها مرارة الصدق." جريدة القاهرة - محمد عبد النبي - 17 مايو 2016