المحكي والحكّاء: في خارطة الرواية العربية المعاصرة
يقع الكتاب في (260) صفحة من القطع الكبير، وهو الجزء الأول من مشروع نقدي كبير، لقراءة خارطة الرواية العربية المعاصرة من الشرق إلى الغرب، ويتناول روايات من الأقطار: فلسطين، لبنان، الأردن، سورية، العراق، الخليج العربي، مصر، الجزائر، المغرب.
وقد جاء في مقدمة الكتاب:
المستهدف في هذا الكتاب، تقديم صورة مجملة، كلية، عن اتجاهات الرواية العربية المعاصرة وأبنيتها وأشكالها ومضامينها؛ بهدف إعطاء القارئ رؤية مكتملة– قدر المستطاع - عن خارطة حركة السرد الروائي في أقطار العالم العربي.
لقد جاءت هذه الدراسات النقدية كحصيلة لقراءات عديدة، فيما توافر للمؤلف من نصوص روائية منشورة، وغير منشورة، واضعا غايته أن يكون من السهل على القارئ الإحاطة بما دونته أقلام الروائيين في أنحاء العالم العربي بغض النظر عن قضية الشهرة فهي نسبية وتختلف من قُطر إلى قطر.
التزمت هذه الدراسات بأطر ومحاور في قراءتها لكل رواية، تشمل عالمها الروائي، وبنيتها السردية، وشخصياتها، وأساليبها اللغوية، والرسائل المبثوثة في متنها، والتي ستكون على صلة حتمية بما هو خارجها. فأقطار العروبة تتشابك في الهموم وإن اختلفت أسبابها، وتتلاقى في الآمال وإن تعددت روافدها وأحلامها.
في ضوء ما تقدم، جاء عنوان الكتاب: "المحكي والحكّاء: في خارطة الرواية العربية المعاصرة "، فالمحكي متن مسرود، والحكّاء راوٍ معلوم، وما الحكّاء الروائيّ في نصوصه الحكائية؛ إلا وريث للراوي العربي القديم، الذي كان يحمل في قلبه ما حفظه من حكايات ألف ليلة وليلة، والسير الشعبية وأبطال العرب والمسلمين وكبار قادتهم وفتوحاتهم وقصائد شعرائهم، وأيضا يقص حكايات العشق والعشاق، والمواقف القصصية. يروي متونها النثرية، وينشد أشعارها.
الفرق بين الروائي العربي الآن، والحكاء العربي قديم حادث وواقع؛ في اختلاف مضمون الحكي، فالأول الروائي يحكي عن واقع عاشه، وإن استحضر التاريخ والمرويات الشعبية المتوارثة، والثاني الحكاّء يروي التاريخ، وعينه على الواقع المعيش، فيحكي لسامعيه بعضا من تاريخ العرب وبطولاتهم، ويشبع نفوسهم عزيمة وحماسة، وهم يتفاعلون مع أبطال العرب، الذين خاضوا البحار والغمار.
فكلاهما – الروائي والحكاء – يتلاقيان في الواقع: واقع القارئ الآن، والسامع قديما، وواقع الآلام والأحلام، وواقع المتعة والتسلية.
وهما أيضا يتلاقيان في واقع البوح والإفضاء، فالحكّاء قديما كان يتعرف حاجات سامعيه النفسية، فيروي لهم العشق إذا وجد فيهم ميلا نحو حكاياته، ويروي لهم البطولات عندما يستشعر حاجاتهم الشعورية وهي تبحث عن بطل عظيم، قاتل وناضل، وكان نموذجا في الشجاعة والعدالة والذود.
أما الروائي المعاصر، فهو يبوح ما عاشه وتعايش معه من شخصيات وأحداث وهموم، فيجعل نفسه معبرا عن آلام مجتمعه، ومصورا لشخصياته.
وهما أيضا يتلاقيان في القدرة على النسج، فالحكاء القديم تصرف في النصوص الشفاهية التي حفظها، فرواها وغنّاها عشرات المرات، ويعيد نسجها وفق مراد سامعيه، يغني عندما يستشعر رغبتهم في الطرب، ويحكي عندما يجدهم مشتاقين للقصص، وينشد الأشعار عندما يجدهم متعطشين للروي والقافية.
وهو نفس ما يفعله الروائي المعاصر، فهو يملك نصه، ينسجه كيفما شاء لغة وبنية وشخصيات وأحداث، يعد نفسه مبدعا لكل هذا، ومسؤولا أمام قارئه عن كل متخيل يحكيه في متنه.
أما خارطة الرواية العربية المعاصرة في هذا الكتاب، فقد شملت روايات متنوعة في اتجاهاتها المضمونية، مثلما هي متعددة في أبنيتها وأساليبها، فهناك من تفنن وأبدع وأضاف، وهناك من ظل متشبثا بالبنى التقليدية، ولكن الجميع – بلاشك – عبروا عن مجتمعاتهم العربية: القرى والمدن، الحضر والريف، القديم والجديد، وهناك بعض الروايات نجهل أسماء مؤلفيها، فقد عُرضت علينا في تحكيم نقدي سري.
إن أكثر ما يدهشنا؛ تلك الأقلام المبدعة المتكاثرة يوما بعد يوم، والتي تحطم صنمية بعض الأسماء التي تصدرت الساحات الثقافية العربية في حياتها وبعد مماتها أيضا، لتقول بصوت عال: "لا معنى ولا قيمة لمن يحتكر الإبداع في جيل بعينه، ويرى أن الأوائل لم يتركوا كثيرا للأواخر". فهي قناعات جامدة، دالة على ذائقة لا تقبل الجديد وإن تظاهرت بعكس ذلك، أو هي ثابتة في قراءاتها عند نصوص روائية لا تريد أن تتخطاها، بل تتخذها نموذجا للقياس عليها.
Further Reading
Upcoming Events

Sonallah Ibrahim's Ice
June 26, 2025
Join us for a special discussion on Sonallah Ibrah...

Arabia Felix - Alarabia Alsaida in Bayt Yakan
April 15, 2025
Arabia Felix by Thorkild Hansen, and translated by...

A writer, a vision, a journey: a conversation with Professor Ilan Pappe
March 15, 2025
This event took place on 15 March, 2025 . You may...

مسافر يبحث عن ماء
February 17, 2025
تقيم نقابة اتحاد كتاب مصرشعبة أدب الرحلات تحت رعاي...