الخريف يلملم أوراقه

(0)
Publisher: Dar Alnassim
Year: 2018

في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي ، إختار الروائي والقاص / إحسان عبد القدوس من بين من جايلهُ من رفاقه كـيوسف السباعي، محمد عبد الحليم عبد الله، أمين يوسف غراب وغيرهم كروائيين و قصاصين عُرف عنهم كُتاب للرومانسية وهو ايضا يُحتسبُ منهم ، وكانت كتاباتهم تدور في دوائر الطبقة الوسطي، وهي الطبقة التي كانت تقود المجتمع في ذلك الوقت، قبل ان تختفي تماما بعد ثورة 52 ، غير ان إحسان ، حلق إلى أعلى قليلا ، إلى الطبقة الأرستقراطية ، فتناول بإقتدار وجُرأةِ ما لم يَسبقهُ إليه أحد ، تناول الجانب المستور والمخفيّ في العلاقات الإجتماعية لهذه الطبقة التي كانت تضوي تحت الأضواء ، وكأنه دخل غرف نومهم من النافذة أو فتح عليهم الباب وهم نِيام ، ككل خلقِ الله البشر بسراويلهم أو بدونها ! ودون تجميلاتِ زائفة علي الوجهِ او خلف بريق الأرواب الحريرية الناعمة !
هذا ما فعله إحسان عبد القدوس في بعض او اكثر قصصه ومنها روايتي ” لا انام والنظارة السوداء   وغيرها الخ
و عُرف عنه وشاع انهُ يُمثل بإبداعاته بين المُبدعين العرب ، انه إمتداد للحرية والفكر الوجودي والذي ساد و انتشر بعد أن إنتهت وهدأت اجواء ما بعد الحرب العالمية الثانية في اوروبا في مصر والشرق الأوسط ، وظهور حركات الإستقلال السياسي والتمرد المجتمعي علي القيود والأفكار التي كانت سائدة والرغبة في ” الحراك ” والتغيير .
هكذا مثل عبد القدوس من خلال إبداعاته التي إنتشرت و روجتها فيما بعد السينما افلاما ، اكثر من اي كاتب اخر .
إننا الأن امام ظاهرة مُماثلة إبداعياً وفكرياً ، فكاتبنا القاص المتميز / حسن علي
إختار لنفسهِ وبقوةٍ مساراً خاصا به يُمثلُ بين المبدعين علي الساحةِ حالياً ما فعله إحسان عبد القدوس منذ اكثر منذ من 75 عالماً إختاران يقفزُ مُباغتاً وفاتحاً غرف نوم طبقةً يغفلُ البعض عنها وهي الطبقة والشريحة ” الدنيا ” من مجتمعنا الذي لا شريحةِ عداهُما . ما يسمي طبقةِ النخبةِ او الصفوة ، ويُمثلها رجال الأعمال ومن يدور في افلاكهم من الموظفين والحراس و العمال .. الخ والذين يتشبهون بهم في سلوكياتهم وإنتشال ما يمكنهم من وسائل الترف والسلوكيات حتي لا يسقطوا أو يتهاووا من مداراتهم التي إعتادوها ، والطبقة الأخري وهي طبقة الحرفيين والبسطاء الذين يكتفون بما يصلهم ويبقيهم علي قيد الحياة ، أما ترفهم فهو الجلوس علي المقاهي إلي اخر الليل ليعودوا إلي مضاجعهم ليوم جديد مُشابه يترعون منه نصيبهم اليومي المعتاد من الشقي والتعب ” للقمة العيش ” لأسرهم ، هذه طبقة اخري لها اسرارها ومكنوناتها الخاصة ، بل و شديدة الخصوصية والتي يَتحروون ان لا يَعرفُ بها احد ، وإن كانت سلوكياتهم تفضحهم ، ومع ذلك لا يُبالون ، بعكس الطبقة الأخري التي تكشفُ سلوكياتها بل و تتباهي بها ، وتسعد و يسرها ان تُذاع عنهم ، هذه الطبقة حمل معهُ استاذنا الكاتب كل ما يَدعمهُ من اساليب وادواتٍ للغوصِ في اوحالِ هذه الطبقة فالرائحة تزكم الأنوف ، والصورِ مقززة ، والسلوكيات مُنفرة ، فلا تتسق مع قيم او شرعِ أو حتى عادات وتقاليد نزل إليها كاتبنا بكامل أدواته ، وبخرائطه مباشرةً إلى أماكن العفن ، ومُستنقعات الرزيلة والفجر والفُحشِ ، يلتقط بعيناهُ ، ويَركمُ أقبح ما يراه فوق بعضهِ ، سنري ونقرأ ما يُدهشنا ، وكثيرُ منهُ يزكمُ اُنوفنا ، وتغضُ منه ابصارنا ، ولا تقبلهُ اذاننا بل تعافُ النفس منهُ فقد لا تتصور وجودهُ بهذه الحدة ، لكن حرفيتهِ وعبقريتهِ وادواتهِ وما إنتقاهُ لنا يؤكد صدق غوصهِ وحقيقة ودقةِ ما إلتقطهُ .
في مجموعتهِ القصصية الإولي قطعة صغيرة من الشيكولاته 16 قصة سبق ان تناولتها من شهور ، ومجموعتهِ القصصية ” الخريفُ يلملم أوراقهُ 15 قصة ”
. وحين تذهب الدهشة الإولي ، وتستقر الحقائق ، وتتلاشي فكرة الخيال ، ندركُ ان كاتبنا يأخذنا إلي ما نُغضُ الطرف عنه ونتجاهله ، رغم رؤيتنا لهُ رأيي العين ، لكن كأن الأمر لا يُعنينا ، ، لكنه اراد أن ينبهنا لسنا بعيدين ولا ما يحدث بعيدُ عنا ، ويوما ما قد يلمسُ و “يلطش” احذيتنا وملابسنا وسلوكياتنا وعلاقاتنا ، ذلك أن عند الإنهيار لا يوجد مجتمعٌ من طبقةٍ أو طبقتين او اكثر ، ذلك ماحرِص عليه مُبدعنا واجاد فيهِ . عبقرية المُبدع ، وإبداعاته تمثل الأجراس التي يسبق غيره إليها ليدقها ، منبهاً .
قديما قالوا عن إحسان أن أدبه مكشوف ، ونحن نقول أن ادب اديبنا / علي حسن إن بدا مكشوفاً في تناولهُ فإنه لا يُعري المستور

سيد جمعة سيد ناقد تشكيلي وأديب