السيد حافظ بين سرد السيرة ومذكرات السرد دراسة في الموقف والدلالة

(0)
التصنيف: نقد
الناشر: N/A
عام: 2023

إن مذكرات الشخص هي شهادة منه على جزء من التاريخ بالصواب أو الخطأ، كما أن مذكرات القادة والشخصيات المرموقة ثقافيًا وفكريًا هي أهم مصادر كتابة التاريخ الصحيح الذي يمكن الاعتماد عليه في توثيق الأحداث والوقائع التي تمر بها البلدان ، لا سيما إذا كان الشخص ذا تأثير ثقافي وفكري ملموس،وموقف رائد .
الآلم والمعاناة أن تنساك أرضك وأنت من قاتل من أجلها طيلة عمره، لا لشيء إلا هكذا الأمر ، والأكثر من ذلك أن تتعاقب عليك الأيام والليالي وأنت تزاد يقينًا في ذلك .
الجرح الذي لا يمكن أن يندمل وينساه الإنسان هو خيانة رفقاء الدرب، و أصدقاء الطريق، فالطعنات من هذا الجانب تكون غائرة وسامة، ولا يمكن أن تبرأ مدى العمر.
الخلود الحقيقي والبقاء الدائم هو بقاء العلم والمعرفة الحقيقية التي كتبها الإنسان جراء عصارة فكره، وخلاصة تجاربه في الواقع والحياة، وكلل ذلك بالمواقف المشرفة التي وقف قلمه في سبيلها طيلة عمره في حله وترحاله .
هذه ملامح تؤكد لنا أن السير الذاتية الحقيقة هي التي تتسم بالوضوح والصدق والتجرد في كثير من النظرات و الآراء و التجارب المتصلة بالذات وبالشخصيات، وهي تستحضر صور أصحابها ما عانوه من صراع داخلي وخارجي، تصويرا دافقا بالحيوية والازدياد والنمو، ويكشف عن مدى ما أصابته شخصية أحدهم من تحول وتغير وتطور.
إنه ثمة فارق جوهري يحدد المسافة الدقيقة بين مذكرات الشخص وسيرته الذاتية، فمذكرات الشخص تركز على مراحل مهمة ودقيقة في حياة الإنسان، بخلاف السيرة الذاتية التي تعنى وتتبع كافة المراحل الزمنية للشخص؛ ولذلك فقد" عني كثير من هذه التراجم الذاتية بإثبات عنصري الزمان والمكان والكشف عن أسماء الشخصيات والأماكن وتعزيز الأحداث بإثبات التاريخ وبعض الذرائع والمدونات مع محافظة الاسترسال وعلى السرد الأدبي الجالب للمتعة المرادة من العمل الأدبي مما جعل السيرة الذاتية تحظى بعناية كبيرة من قبيل الأدباء والكتاب ويقابلها الجمهور بإقبال شديد، لأنها أرضت حاجة العرب إذ نقلت لهم الواقع الملموس في صورة قصصية سهلة عذبة وكانت تقوم إلى جانب السيرة الغيرية، بهذا الدور الأدبي على مدى أجيال طويلةو
إن قضية تداخل الأجناس الأدبية قضية قديمة حديثة لم ولن يتوقف فيها الجدال بين مؤيد ومعارض، فمنهم من يرى ضرورة الفصل بين الأجناس الأدبية، ومنهم من يرى ضرورة عدم الفصل بين الأجناس الأدبية، وأن القضايا الأدبية متداخلة متشابكة ، ويصعب الفصل بينها، حيث إن" الجنس الأدبي يعد مدخلًا تنظيميًا للخطابات الأدبية، ومعيارًا تصنيفيًا للنصوص الإبداعية وفق خصائصها، ومؤسسة تنظرية ثابتة تسهر على ضبط النص أو الخطاب، وتحيد مقوماته ومرتكزاته ، وتقعيد بنايته الدلالية والفنية والوظيفية من خلال مبدأى الثبات والتغيير" و
هذا التداخل بين الأجناس الأدبية لا يمكننا الوقوف أمامه وخصوصا إذا كانت النصوص والكتابات عابرة للحدود ،وتتسم بالمرونة والتداخل ومن ذلك الكتابات الأدبية التي هي أساس هذا الجانب، فالسيرة الذاتية ، ومذكرات الأشخاص هما في نهاية الأمر يؤكدان "أن حدود الحياة الفردية حكاية مسار تسعى فيه الذات إلى التكيف مع واقعها المعيش؛ إذ هي جزء من منظومة مجتمعية تتقاطع فيها حيوات أخرى، وما الإفصاح عن ذلك كتابةً إلا محصلة لما طوته السنون من تجارب متوزعة بين ماض طويت صفحاته وحاضر يعيش المرء لحظاته ومستقبل يستشرف فيه آماله ، هو امتداد زمني لا يخلو من استكناه للنفس وتفكر في أحوالها وما آل إليه وجودها ، مثل لدى المترجمين لذواتهم بخاصة مادة خاما لمشاريع كتاباتهم السيرية"و.