مقتطف من رواية همس العقرب لمحمد توفيق

همس العقرب - الفصل الأول

مقتطف من رواية "همس العقرب"  
الفصل الأول
        الإسكندرية- مايو 1938

يريدونا مومياوات باسمات .. ليحتفظوا بنا في توابيتهم المزخرفة.
همهمت روز لنفسها، ثم عضت لسانها، وحشرت جسدها في غابة مثرثِرة من طرابيش منتصبة، وقبعات مزينة بريش النعام الملونة، وأثواب سهرة تفوح بمزيج مُسكِر من العطور، فتقدمت بصعوبة نحو تمثال ملك مصر الراحل، قابضة على كأس بها ويسكي سكوتلاندي عتيق، ومع كل خطوة تقرِّبها من هدفها شعرت بقلبها يتهافت من تحت شُبيك ثوبها الأسود الباريسي. كمنار شامخ في ليلة عتماء دلها الرأس الملكي البرونزي – العابس دوما – إلى غايتها، حتى أدركت هيئة حسين الفارهة المجهدة تحت أقدام تحفة النحَّات المجهول.
لمستها الخافتة على كتفه سحبت أمين الديوان الملكي من حوار هامس. بالتفاته إليها أفلت من يده ملف به مستندات كان على وشك أن يوّقعها. استساغت روز رد فعله العفوي لحظة الوقوع في شركها، وشبَّهت تأثيرها بزيارة مفاجئة لعزرائيل قابض الأرواح. الشاب الذي كان يحدِّثه هرول للملمة المستندات المتناثرة، لكن سرعان ما تحولت ربكة رفيق رحلتها إلى ابتسامة عريضة تحت وطأة نظرتها الثابتة. المساعد الشاب اختفى بأوراقه بين حشد المدعوين، فشئون الدولة يمكن أن تنتظر.
"وكان ظني أن الميزة الوحيدة التي يجنيها المرء من عمله بالسراي.. هي أن يُعفى من المفاجآت."      
ميزت روز الدفء في صوته الذي لم يفقد رنته الصبيانية.  
سفرجي في قفطان أزرق دفع صينيته بينهما، فتخلت عن كأسها الفارغة قبل أن تلامس السطح الفضي بعدة سنتيمترات، ما أحدث ضجة تناغمت برنَّات الكريستال المتلامس رغم أن الصينية لم تحمل سوى كأسين بهما عصير البرتقال. سحبت إحداهما لأن الخمور لا تقدَّم إلا في صالة جانبية، ولاحظت أن رفيقها حذا حذوها بعد لحظة تردد.
أصابها مذاق الكحول غير المتوقع برعشة لذيذة. عصير البرتقال أضيف للمشروب إذن على سبيل التمويه. تعاظمت دهشتها مع إدراك أن النادل لم يمر بصينيته على المدعوين، وإنما قصد حسين باشا تحديدا، وربما وضع كأسا ثانية على الصينية على سبيل الاحتياط أو من أجل التمويه أيضا.
لم يكن يمس الخمر قط فيما مضى.
"لعل جلالة الملك أراد مفاجأتك.. أو اختبار مدى صحة تلك القصص التي رويتَها." ضحكت بعد لحظة صمت للتخفيف مما تحمله كلماتها من اتهام سخيف.
كانت روز على يقين من أن حسين آخر من يختلق القصص. الأرجح أنه قصر حديثه على الحد الأدنى الممكن ذكره، وألقى الحكاية برمتها إلى خزينة الذاكرة.. حتى ظهرت هي اليوم لتقلِّب عليه الماضي وأوجاعه.    
"القصص تكون أكثر إثارة عندما ترويها امرأة.. على الأقل بالنسبة لأمثالي من أحفاد شهرزاد."
"قتلة العذارى.." استعادت تلقائيا روح المناوشة معه، ماحية بذلك فُرقة الثماني عشرة عاما الأخيرة.
"بنات حواء في أمان بيننا.. طالما ظللن على وفائهن."  
من صدمة تعليقه الموجع تجنبت النظر في عينيه مباشرة، لكن هل هي غافلة عن تلك العينين العسليتين الرائعتين؟ هي بالتأكيد ليست بحاجة للنظر إليهما لتدرك قدرتهما المفاجئة على الانقلاب من حياء الرومانسيين إلى حدة الصقور. جمالهما يليق بغزلان الصحاري وعذراوات العرب، لا بمحترفي السياسة والترحال من الرجال. قد شاخ حسين شكلا وموضوعا: تجاعيد الجبهة، بروز الأذنين، انحناء الكتفين، مكر البسمة.. كلها ندبات خلَّفها النجاح في جسده، لكن عينيه ظلتا على حالهما من حيوية ونقاء، بقيتا في مأمن من يد الزمان الطولى.      
"قرأت في مكان ما أنك ألقيت محاضرة بالأوبرا.. أقصد في أعقاب الرحلة." قالت محاولة إخفاء غيرتها.
حرصت روز على مدار السنين أن تتابع أخبار حسين على صفحات المجلات المخصصة لنجوم المجتمع، فألمَّت بتفاصيل كثيرة. حتى العرض الذي تلقاه لإلقاء محاضرات في أمريكا مقابل مبلغ خيالي – خمسة الآف جنيه أو ما شابه ذلك – لم يفتها، فامتزجت دهشتها لرفضه العرض السخي بإعجابها بالرجل، وكان العرض مشروطا بأن يرتدي الزي البدوي في كل المناسبات، فأفهمهم بذلك إنه لن يقبل بدور المهرج مهما كانت الإغراءات.
"أتيح لي مشاهدة بعض الصور الفوتوغرافية للمناسبة.. يبدو أن السطان حضر شخصيا." تخيلت فخامة دار الأوبرا وفي قلبها جلالة السلطان يصفق لحسين بحرارة، أثار المشهد في نفسها حماسا وأشعل مقارنات لا داع للخوض فيها الآن.
"لا أذكر التفاصيل بدقة.. كان هذا قبل سنوات عديدة كما تعلمين."
طبعا تعلم كم كانت السنوات طويلة، لكن الجديد أنه أصبح كاذبا بلا حياء. في الماضي كانت أذناه على الأقل ستشي به احمرارا.
"عن نفسي.. لم أتلق حتى دعوة لإلقاء محاضرة أمام الجمعية الجغرافية الملكية في لندن." همست بصوت لا يخلو من حشرجة، مستطردة: "أنتَ أعلم بما تتعرض له النساء من تمييز."
لكنها مع هذا نجحت في جذب أنظار النخبة اللندنية، لفترة على الأقل. فكان من الطبيعي أن تحوز ممرضة شابة مثلها على قدر من الاهتمام على إثر تحولها إلى مستكشفة ومغامرة بعد نهاية الحرب العظمى، إلا أن قصصها بدت مكررة بمرور الزمن، بل ومملة. وكانت عودتها للأضواء أقل دواما بعد اكتشافات لاحقة لمجاهل جديدة في جزر المحيط الهادي، حتى باتت حياتها في السنوات الأخيرة مخيبة لآمالها.. وحقا محبطة.
"رغم هذا.. تبادر إلى مسامعي أنكِ ألفتِ كتابا.." رد عليها همسا أيضا.      
"وأتمنى ألا تكون قرأته." قاطعته ضاحكة. للمرة الثانية هذه الليلة تجنبت النظر في عينيه مباشرة. شدت قفازها الأيسر لتزيل ترهله عند الأصابع، متسائلة عما عسى أن يكون رواه أمام جمهور الأوبرا قبل ثماني عشرة عاما، وإن كان ما قاله أمام الجمهور – والسلطان – اختلف عن العموميات الرومانسية التي أوردها في الكتاب الذي ألفه لاحقا، وجمع فيه انطباعاته عن ارتحالاته في الصحراء، ومن بينها بطبيعة الحال رحلتهما معا.
"إذن.. لم أقرأه." أنفه المدبب بدا اليوم أكثر بروزا، كما فقدت بشرته الخمرية لمعانا كان لها، ما أضفى على وجهه تعبيرا بالدهاء. كان دوما دبلوماسيا محنكا بطبيعة الحال، غير أن شكله الآن فاضح له.
قفازان من حرير أبيض في قبضته اليسرى، أخفاهما بطي ذراعيه على صدره. لعله شعر بشيء من الحرج مما وصل إليه من ترف وأبهة. بيد أن حركته المفاجئة لفتت نظرها إلى بدلة التشريفة المطرزة بخيط الذهب، بدلا من أن تواري القفاز الحريري عن نظرها. وحتى وإن فاتها القفازين، فهل للعين أن تغفل تلك النقوش النباتية المذهبة التي غطت الشريط الأوسط من سترته وكذلك حافتي كميها وياقتها العريضة الصلبة؟ انتاب روز ذهول مفاجئ وهي تتأمل صفوف الأوسمة والنياشين المتلاصقة على الصوف الأسود: نخلة من فضة، نجمة من الذهب الخالص، فرع برونزي من شجر الأوك، أوراق شجر متنوعة من المينا وأخرى مطلية ذهبا، وتنويعة من الميداليات الصغيرة مدلاة من شرائط ملونة مصفوفة أفقيا فوق قلبه، ولو كان كل هذا لا يفي بالغرض، ارتدى حسين وشاحا من الساتان اللبني بحافتين ذهبيتين، امتد من كتفه الأيمن حتى خصره الأيسر.
لم يوفر الطربوش المستريح في وقار على رأسه أي حماية لعينيه في مواجهتها، فغض بصره. مسكين.. قد قبل في النهاية أن يقوم بدور المهرِّج.
لكن ماذا حدث للفارس المغوار الذي عهدته؟
"كلانا عاشق للعزلة.. ولكن لقاءاتنا تبدأ دوما في أماكن مزدحمة." همست.
"الجو مكتوم هنا." رفع حسين عصا غليظة من الأبنوس، كانت قبضتها الفضية مستندة بدقة إلى كتلة الرخام الكرارا المكونة لقاعدة التمثال، ثم سحب روز برفق من ذراعها، وتوجه بها إلى باب مفتوح مؤد لشرفة متسعة، امتدت للجزء الأكبر من واجهة القصر.
لاحظت إنه يزك. في أولى خطواته المتكئة على العصا بدت عرجته خفيفة، لكنها أخذت تتبلور تحت وطأة تحديقها، فأدركت أن ساقه لم تلتئم بشكل كامل. مسدت روز لا إراديا على كم ثوبها الأيسر الحاجب لجرح ذراعها القديم. كلاهما إذن يحمل ندوب جرأته.. شهادة تأبى أن تنمحي لمغامرة فريدة جمعتهما في يوم من الأيام.
بعث البحر إليهما نسمة ربيعية، وأوفد القمر أشعة ذهبية لتراقص أمواج الخليج المواجه للقصر، ثم تنتشر في أرجاء بحر الإسكندرية اللا منتهي. غابة من النخيل أحاطت بهما وبالقصر كفيلق صامت من الحراس، ممتدة إلى حافة الشاطئ. تساءلت روز إن كان بلحها بحلاوة تمور الواحة المقدسة.
ركن حسين عصاه إلى سور الشرفة، ثم مال بجذعه ليسند كفيه على الحافة الرخامية، بينما طفا نظره فوق الأمواج نحو سواد الأفق الليلي.
"سمعت أنكِ تزوجتِ وانفصلتِ." قال هامسا.
"للأمانة مرتان.. إن لم تحتسب المرة الأولى بطبيعة الحال." ما لبثت أن نطقت الكلمات حتى تساءلت إن كان سيفسر عبارتها على أنها تشير إلى خطوبتها لهارولد، أم إلى..
وماذا كان قصدها على أي حال؟
قد قرأ كتابها بلا شك. من السذاجة أن تتوقع غير ذلك، ولا بد أيضا أن يكون أغضبه.. وكيف لا يغضب؟ لكن لعله اليوم بعد مضي السنين يتفهم. فإن كانت صوَّرته كموظف لديها – كخادم لا شريك – فلم يكن لديها خيار آخر. كان عليها أن تثبت أن المرأة بوسعها أن تكون مستكشفة مهمة بشكل مستقل عن الرجال، وكان احتياجها شديدا لأن تكون تلك المرأة.. أن تكون أول مستكشفة ذات صيت. ومن هنا ضرورة أن تبرز استقلالها، وانعدام حاجتها لفارس يحميها.. عليه أن يتفهم اليوم كما تفهم دوما.
بينما تجاورا متكئين على سور الشرفة المطلة على البحر المتوسط، أدركت روز أن التجربة التي جمعتهما من العمق والغزارة ما ينفي الحاجة اليوم للكلام.

بنغازي – نوفمبر 1920
رنات الكئوس تضبط إيقاع الأحاديث الصاخبة والضحكات الرنانة على حد سواء. تبدو لروز بعيدة بعد أن خرجت لالتقاط الأنفاس مؤقتا في الشرفة المطلة على لبحر. مقطوعة لفيفالدي يعزفها موسيقي متمرس على الكمان، تذوب في دوي الحفل الغازي لأسماع روز في موجات متلاحقة. شلال صوتي يتهافت إلى المتوسط. أنغام الاحتفال توثِّق هدنة عسيرة المنال بين المحاربين والثقافات قبل أن تتدحرج فوق الأمواج السوداء، بينما تستعد مدينة بنغازي البيضاء الصغيرة لما قد يأتي به البحر في عام 1921 المتقدمة طلائعه بلا هوادة.
تبدو أصداء الاحتفال الرسمي تافهة من موقع روز الحالي، وتفقد خلفيات الحفل السياسية أهمية كانت لها قبل دقائق. فقد صدَّق الإيطاليون أخيرا على الاتفاق المؤقت الذي أبرموه مع الزعيم البدوي في 1916، وبدفع من الإنجليز أقروا لسيدي إدريس لقب الأمير. لذلك يقضي السنوسي عدة أيام في بنغازي برفقة عدد من أتباعه – يطلقون على أنفسهم الإخوان – قبل أن يتوجه لإيطاليا للقاء ملكها. كل ما يعني روز من هذه الترتيبات الملتبسة أنها أوجدت قدرا من الاستقرار، ما يتيح لها أن تقدم على مغامرتها الكبرى بعد طول انتظار.
حضور البحر المتوسط الطاغي يزيح جانبا كل اعتبار بشري. فمكائد السياسيين، وتشكيلات المدفعية والدبابات، والجيوش الأوروبية المدججة بقذائف غاز الخردل، وحتى شبح عصابات الطوارق المغيرة، تبدو في مجملها أليفة بجانب الغضب الجامح الذي تظهره الطبيعة دون مقدمات، وفي الوقت الذي يروق لها.
وكأنها تؤكد هذا الخاطر الذي راود روز، تهبُّ ريح حاملة لبرودة غير معهودة في شهر نوفمبر في هذه البقعة من العالم، لتطردها من الشرفة. فتدلف نحيفة مرتعشة إلى داخل قصر الحاكم الإيطالي المزدحم بالزوار، باحثة عن الدفء بين جموع البشر متعددي الجنسيات والثقافات.
كتلة الضباط الإيطاليين بأزيائهم السوداء المزيَّنىة بوشائح بلون الزبرجد الأزرق، وصفوف من الأوسمة شرائطها بتنوع  قوس قزح، تبدو باهتة إلى جوار إخوان السنوسي، بجلابيبهم البيض، وتضاريس أوجههم المنحوتة، ولحاهم التي يغلب عليها الشيب. تسترق روز النظر إلى سكان الصحاري غير المروَّضين، فقد أتت إلى بلادهم لتلتهم من حكمتهم، وعاهدت نفسها على انتهاك خصوصيتهم.         
يحتشد العرب والأوروبيون في مجموعات منكبَّة على ذاتها، كأن خطوطا رسمت بدقة على الأرضية للفصل بينها. لا تخطئ عينها التوتُّر الكامن في لقاء يضغط عالمين متصارعين في حيز واحد، غير أن الموقف يثير دهشتها، ويوقظ حب الاستطلاع في نفسها، ثم يخطر لها أن تبحث عن رفيق رحلتها بين الحاضرين، متسائلة: مع أي الفريقين يكون أكثر انسجاما؟
"أين كنتِ؟ بحثت عنكِ في كل مكان." بعذوبته المعهودة، يأتي صوته همسا من خلفها.
"عموما لا وقت الآن للشرح.. حان موعد لقاء الرجل." يستطرد بإنجليزية ملوَّنة باللكنة المصرية، وبصوت أضفت عليه العجلة حدَّة غير معهودة.
"حاولي أن تتركي لديه انطباعا جيدا.. فالمهمة بأسرها تتوقف على هذا اللقاء."
يسحبها حسين برفق من ذراعها – كما سيفعل في حفل رسمي آخر بعد سنوات عديدة – غير أن شعورها بملمس أنامله عبر نسيج كمها يكاد أن يتلاشى من خفة قبضته.
الشخص الذي أطلق عليه ببساطة لقب "الرجل" يقف بين الحاكم دي مارتينو، بزيه الأخضر والذهبي المميز له كفارس من فرسان مالطا، والقائد العسكري الجنرال ديفيتا. بساطة ضيف الشرف البدوي في ملبسه ومسلكه، كاشفان لسفه الإيطاليين، وقد تصوروه زهوا. يبدو البدوي بمنأى عن هذه الاحتفالات والأبهة الفارغة المصاحبة لها، رغم تأثيره الطاغي على كل من حوله.
يرتدي الزعيم السياسي الديني جلبابا من صوف أبيض، وفوقه برنسا فضفاضا، ويستند إلى عصا ذات مقبض من فضة. لا يوجد في زيه ما يميزه عن رفاقه الآخرين بخلاف عقاله المذهب. وجهه مستطيل مقعَّر الوجنات، وشفتاه باهتتان من نفس لون بشرته القمحية المتحمصة. نظراته تقع في منطقة خارج حسابات العمر البشري، وتتخطى حيِّز الاحتفال المقام على شرفه، بل ترنو إلى ما هو أبعد من بقاع بصحراواته لم تطأها قدم بشرية.. إلى ممالك الخيال الممتدة إلى ما لا نهاية.
تتوقف في لحظة تردد قبل أن تدرك الأمير.
"لو طالت لحيته لصار نسخة طبق الأصل من السيد المسيح.. كما تصوِّره الأعمال الفنية." يهمس في أذنها قبطان الفرقاطة المقرر لها أن تقلَّه لإيطاليا.
يسحبها حسين مجددا قبل أن تتمكن من النطق باتفاقها مع تشبيه القبطان، فتجد نفسها وجها لوجه مع الرجل المهيب.          
"أشعر بأن روحي تتحرر فقط عند التجوال في الصحراء المفتوحة." تتهته تلقائيا بعربيتها المكسَّرة ذات اللكنة المصرية. قلق يساورها في خلفية تفكيرها بأن يطلب الرجل إيضاحا.. فما خبرتها بالصحراء، وممن تهرب إليها، وما الذي يكبِّل روحها أصلا؟  
"أنا مثلك.. لا أستطيع المكوث في مكان واحد لأكثر من شهر، ثم أشعر بحاجة ملحَّة للترحال.. فأنا عاشق لعبق الصحراء." يتحدث بعربية فصحى، ثم تتحول نظرة عينيه من التحليق بعيدا، إلى تحديق رقيق في عينيها مباشرة، وتنتشر البسمة في كل أنحاء وجهه.   
"أدعو الله أن يستجيب لرغبتكِ." يضيف بعد صمت محسوب.
تشعر بارتياح لعدم تطرقه لمسائل لا ترغب في التطرق إليها، ثم تراقب حسين بطرف عينها، فيؤكد وجهه المتهلل أن الرجل قد منحهما بالفعل الإذن الذي كم تمنياه. وتنطلق لحظتها الألعاب النارية فوق البحر المتوسط، كأنها تحتفل ببدء رحلة الاستكشاف الكبرى، وتسمح روز لنفسها بلحظة مؤقتة من الاستمتاع بطرطشات الألوان المتداخلة على صفحة السماء الليبية.