هل استطاع الواقع الافتراضي أن يحسم الجدل الفلسفي التاريخي حول الوعي والوجود وأيهما يحدد الآخر

هل استطاعت مواقع التواصل الاجتماعي وأدوات ووسائل التكنولوجيا أن تقدم إضافة جديدة بما قد يفرض نظرية جديدة فيما يخص وعي الإنسان ووجوده/بيئته وأيهما يحدد الآخر والتي مثلت على مر تاريخ الفلسفة جدلا واسعا بين الفلاسفة الماديين والفلاسفة المثاليين بما لا يمكن تجاوزه بسهولة أو عدم التفكير فيه؟

وللتوضيح أكثر يقول كارل ماركس: "ليس وعي الناس هو الذي يحدد وجودهم، إنما وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم"؛ وقال إنجلز معبراً عن رأي ماركس وفلسفته المادية: "إن نمط تفكيرنا يختلف حسب وجودنا في قصر أوفي كوخ".

وفي الطرف الآخر الذي يعبر عن الفلسفة المثالية كان هناك كانط وأيضا هيجل الذي يرى أن الوعي هو ما يصنع البيئة المثقفة، والواقع المثالي، وهذا هو شرط تحصيل الوعي لدى الأفراد.

وبرأيي أن التكنولوجيا وفرت واقعا إضافيا افتراضيا بديلا بما يسمح للأفراد أن يحظوا بفرصة إيجاد وجود اجتماعي وهو ما يحقق وعيهم المفقود، بخلاف واقعهم الحقيقي الذي يعيق امتلاكهم لوعي يمكن التعويل عليه، بمعنى أن هذا الواقع الافتراضي البديل يمثل القصر على حد تعبير إنجلز، وهو رأي الفلاسفة الماديين عموما. وأما الجانب الآخر الذي يتقاطع فيه الواقع الافتراضي البديل مع فلسفة المثاليين هو أن الواقع الافتراضي الذي توفره وسائل التكنولوجيا يسمح بإمكانية خلق وعي مما يجعل إمكانية وجود بيئة أو واقع مثالي أمراً حقيقيا ممكنا.

بمعنى أن التكنولوجيا تفرض نظرية جديدة تتقاطع فيها الفلسفتان المادية والمثالية؛ ويبقى الإشارة إلى مسألة مهمة وهي مسألة الأخلاق والتي لم يتطرق إليها الماديون ولا المثاليون في سياق جدلية الواقع والوجود؛ حيث أن لها دوراً مهما في الواقع الافتراضي وتحديد نوع العالم الذي يجد الأفراد أنفسهم فيه أو بالأصح يصنعونه؛ فبالأخلاق وحدها يمكن إيجاد واقع مثالي ووعي حقيقي وبيئة بديلة وبدونها يصبح الأمر سيان بالنسبة للأفراد في الواقع الحقيقي وفي الواقع الافتراضي.