نحن لا نزرع الشوك- عرض بقلم د. محمد فتحى محمد فوزى

رواية نحن لا نزرع الشوك للكاتب الروائى يوسف السباعى (يوسف محمد محمد عبد الوهاب السباعي 17 يونيو 1917 - 18 فبراير 1978)، أديب وعسكري ووزير مصري سابق، تولّى العديد من المناصب المتدرج بها حتى وصل لأعلاها ـــ آمن السباعي أن الأديب يجب أن يكون صاحب رسالة سامية وأنه يجب عليه أن يتحمل مسئولية ترسيخ مفاهيم كثيرة كمفهوم السلام والتعايش، كما أنه يجب أن يكون معاصرًا للأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية لأن الأديب لا يعيش منعزلًا عن باقي البشر، بل هو فرد منهم يعيش حياتهم ويعاني مما يعانون منه لذلك يجب عليه أن ينقل ما يشعرون به من خلال أعماله. فضَّل يوسف السباعي البُعد عن الخصومات والصراعات السياسية والحزبية ولكن بحكم مكانته وعمله نقيبًا للصحفيين بالإضافة إلى الوظائف الأخرى الهامة التي تقلدها فقد حشد عدد من الخصومات ومع ذلك كان يعامل خصومه بكل حيادية وهذا ما كان يؤكده في حديثه حيث كان يقابل خصومه بكل ترحيب وحب دون أي ضغينة أو كره وكان يقول أنه لو خُير بين كل هذه المناصب التي تولاها وبين الكتابة لاختار الكتابة دون تفكير. وتلك الرواية عربية ، وتُعد من أشهر أعماله ، مكوَّنة من جزئين ، وقد أستخدم فيها أسلوب أدبي مبسط سهل للقارئ، وقريب من الواقع ويُكثر من استخدام الرمز بصورة مميزة في رواياته، كما أنه يضيف إلى أعماله لمحة فنية من الكوميديا والسخرية الجميلة، فضلا عن ذلك فأعماله لم تكن منعزلة عن الواقع بل أخذت تعبر عن الحياة بصورة جميلة.، حيث جسد الحياة المصرية والأسرية بوجه خاص داخل المجتمع المصري في ذلك الوقت. تتحدث الرواية عن فتاة تُدعى سيدة، تعيش حياة بائسة في طفولتها وفي شبابها، فعندما تكون صغيرة تموت والدتها، ويتكفلها صديق والدها، فتعاملها زوجته بطريقة سيئة جدًا، وترهقها بالأعمال المنزلية الشاقة ، وكان لهذه الزوجة طفل يعمل على استغلالها أيضًا، من خلال إجبارها على السرقة وإعطائه ما تسرقه. ، استمر هذا الولد في استغلال "سيدة" حتى أصبحت شابة، وفي مرة من المرات كادت أن تسجن، بسبب القبض عليها وهي تسرق، وفي ذلك الموقف أنقذها شاب جامعي (حمدى) يحبها، فطلبت منه بعدها أن تعمل خادمة في منزلهم، فوافق على ذلك واصطحبها إلى المنزل؛ لتعيش الفترة الوحيدة السعيدة في حياتها، وعلّمها حبيبها حمدي القراءة والكتابة. وبعد مرور عدة شهور أو ربما سنوات، تقدم لخطبتها بائع بوظة، فزوجها والد حمدي له، وكانت والدة زوجها خبيثة جدًا، وعاملتها معاملة قاسية للغاية، ولم يتدخل زوجها في ذلك أبدًا، فقررت سيدة أن تتخلص من هذه الحياة مع رجل كهذا، وطلبت الطلاق، وحصلت عليه؛فخرجت من بيت طليقها إلى الشارع، ولم تعرف أين تذهب، وسقطت أمام إحدى السيارات ؛ فعالجها صاحب السيارة وأحبها وتزوجها وعاشت معه في هناء لكونه كان كبيرا في العمر... وعود لما سبق وبعد ردح من الزمن عاود " سيدة" حنين الوقوع في هوى حمدي ويتطور الموقف إلى حب، وتعرف أن حمدي الذي أحبته سوف يتزوج فتاة أخرى غيرها، لهذا تقرر الزواج من علّام مرغمة، وهو بلطجي.... ، بادئا في البحث عن استغلال مصاغها وحُليها،وعند مواجهته تكتشف إنه تزوج عليها ؛فيطردها من المنزل ؛لتقع في يد إحدى بائعات الهوى التي تقودها إلى بيوت الدعارة، وهنالك تلتقى بشخص يغدق عليها من أمواله ،وكان سمكرى بوابير جاز، وعمل فى معسكرات الإنجليز، وأصبح من إغنياء الحرب، ومتزوج ولديه أولاد ومريض بالقلب، ويستخدم الشقة الفاخرة لنزواته، وتعامله"سيدة" بشفقة ورقة، فيميل قلبه إليها، ويعرض عليها أن تكون له وحده، مقابل منحها شقته الفاخرة، وراتب شهرى مجزى، ورصيد بإسمها فى البنك، ومنحها كل إحتياجاتها من مأكل ومشرب، وملابس من أفخر المحلات، وبالطبع وافقت سيدة، ، حتى غارت قوادتها؛ فكادت لها وحرضتها، على طلب الزواج منه ؛ فرفض، ومنحها مبلغاً من المال، وتركها فى أمان، ... ،وبعد فترة تقابل عباس الذى توفى والده ، وورث عنه المطبعة، و يقنعها بأن سلوكه تغير؛ فيتزوجوا و تنجب منه ولداً فيما بعد ،ثمة تكتشف إنه يأخذ منها الأموال ويُقامر بها وعندما تطلب الطلاق يطلبها في بيت الطاعة وبسبب الإهمال؛ يموت ابنها الوحيد؛ فيتأثر عباس و يطلقها وتعمل هي كممرضة مع طبيب ابنها المتوفـــــــــــى( حمدى) ؛ فيلتقيان أخيرا، لمعاناة ابنه الصغير من الدفتيريا، وتوافق سيدة على تمريض صغيره، والسهر على رعايته، حتى إجتاز محنة المرض، بشبه معجزة، ولكن سيدة تأخذ العدوى من الصغير، ولم تتحمل المرض؛ لتموت فى أحضان حمدى، الذى صارحها بحبه" نحن لا نزرع الشوك. ... ومن مقتطفات الرواية المؤثرة:"والذين يموتون لا يعودون.. يذهبون في ضجة ويخلفون الفراغ والصمت ويذكرهم بعض الناس بعض الوقت ويطلبون لهم الرحمة.. ثم تضيع ذكراهم في زحام الحياة ويتوهون في ذاكرة الماضى السحيق وتصبح أتفه مشاغل العيش.. أشغل للناس من أعز ذكريات الموتى".:"ونحن نمارس سلطاننا عندما نجد من يخضع له.. فنفوذنا لدى الغير ينبع أولاً من تأثر الغير به.. فهو شيء لا وجود له إلا بما ينعكس عليه".