من " فانتازيا الحياة "

1) السر

تعجب الجميع..ماذا حدث ؟ فالجمهور لم يتغير و خلال الفصلين الأول و الثاني كان الأداء رائعاً و رد الفعل عليه كذلك..إذن ماذا حدث للنهاية التي دوماً ما كان تصفيق جمهورها يستمر لنصف ساعة كاملة و ربما اكثر؟!

أسدلت ستار الختام بتعجل فلم يخرج كالمعتاد .. وجدوه جالساً بلا حراك على مقعده طويل الأرجل مستنداً على جانب كمبوشته الأيسر و يديه تغطي كلمة المشهد الأخير..

2) بشر

تمعن طويلاً في تفاصيل التمثال..كان غريباً أن يتخذ وضع القرفصاء ليلمس المسمار الذي إخترق الأقدام حتى تيبست قدماه..شعر بوخزة في قدميه حين هم بالقيام ..للحظة تمنى الصلب كالمسيح ..أصطدمت رأسه بشدة بأحد الجوانب الحاملة .. فأبتلع ألمه و تظاهر بعدم الإكتراث أمام الآخرين.. خرج مغمضاُ احدى اعينه والألم يعتصره..

 

3) تناقض

رغم كبت مجتمعه المنغلق بشدة ،عَشِق الحرية و التحرر فتمنى دوماً أن تعشقه متحررة مثله في الفكر و الإختيار .. و لما وجد ضالته أخيراً في إحدى زميلات العمل الأجنبيات .. فاجأته بإعتناقها الإسلام و إرتدائها الحجاب .. فتغير كل شئ..

 

4) خيانة

كانت تعلم بخيانته منذ أول أسابيع زواجهم ..و حينما لقت حتفها..تناوب عشاقها حمل الجسد الذي طالما نهلوا منه لسنوات..

5) شاهد.. القبر

تلقت الزوجة إتصالأ من شركة طيران تبلغها آسفةً فقدان الإتصال بالطائرة التي كان الزوج يستقلها إلى فرنسا و أنه جاري البحث عن ناجيين ..وقد تعجبت الزوجة كثيراً لأن زوجها يعمل مدرساً منذ سنوات في الخليج فما تلك المهمة التي استدعت سفره لفرنسا و هو لا يجيد حتى الإنجليزية؟!، كما تعجب الحانوتي من الطلب ولكنه نفذه في النهاية فالمبلغ الذي قدمته الزوجة لا يقاوم.. فحفر على شاهد قبر الزوج الذي أصبح مصدراً للإبتسام بمجرد النظر إليه : " مات غير مأسوف عليه بعدما ظل يخون زوجته لسنوات فإستحق تلك النهاية ..إلى الجحيم زوجي غير العزيز .."

6) حرية

أحبها بجنون.. أحبته بجنون أكثر .. و لكن حينما حاول إغتصابها في لحظات سُكره المتعددة أخرجت سكيناً تهدده فلم يتوقف .. جرحته فلم يزده ذلك إلا تصميماً أن يقضي منها وطره.. فطعنت نفسها فإختلطت دموعه الحارة بدمائها الحرة ..

7) مراقبة

جلس أمام الكمبيوتر ليتصفح الموقع المراقب من قبل المخابرات المركزية الأمريكية بسبب حربها المتشعبة على الإرهاب و رصد الرأي العام .. ليكتب الأمن الداخلي في تقريره أنه معتاد تصفح هذا الموقع منذ ثلاث سنوات و خمسة أشهر و ستة أيام و عشر ساعات حتى الأن.. و لا يوجد نشاط هدام أو معادي للدولة ضمن أنشطته..

أغلق باب شقته على عجل غير عابئ بالملصق الذي إنحشر فيه و جذبه بشدة حتى تمزقت أطرافه و بقيت بعض الكلمات : لا لمراقبة مواقع الـ ..

8)  المدانون المتحدون!

في مجتمع ليس كمجتمعنا.. تم سن قانون صارم بأغلبية البرلمان و صَدق عليه الرئيس بإرتياح بالغ حيث نص على أن يعمل المجرم و المخالف للقانون ..طوال مدة عقوبته للدولة بلا أجر مهما كانت جريمته ..و لا حقوق له سوى المأكل و المشرب والكساء والدواء ولو مات قبل إنقضاء مدة عقوبته ، تشارك جميع أفراد عائلته و أقاربه في تسديد ديونه للمجتمع ..في البدء تعالت الأصوات الرافضة لهذا القانون في الداخل و الخارج من منظمات حقوق الإنسان لجمعيات حقوق العمال حتى جمعيات تأهيل المجرم بعد إنقضاء عقوبته..رفضه الجميع و لعدة شهور إستمرت المظاهرات في الشوارع و الميادين تنادي بسقوط " قانون الرق الجديد " كما أسمته المعارضة.. و لكن سرعان ما إنتهى كل شئ وأختفت المظاهرات شيئاً فشيئاً.. فالواقع على الأرض خالف كل توقع .. فقد إنخفضت معدلات الجرائم بشكل ملحوظ أما المخالفات فباتت نادرة الحدوث إلا من حالات فردية و على فترات زمنية متباعدة..

و أمام البرلمان.. تباهى رئيس الوزراء كثيراً بما حققته حكومته من معدلات نمو إقتصادي في وقت قصير حيث أضحت مثالاً تحاول بعض الدول أن تحذو حذوه.. لكن أحداً لم يسأله عن سر إختفاء الآلاف و ربما الملايين من الشعب وأخذ ذويهم للعمل قسراً و سراً بتهمة إخفاءهم عمداً .. كذلك لم يسأله أحداً عن المصانع الجديدة التى شيدت على أطراف البلاد ..حيث كانت المصانع التي يعمل بها العمال المختفين تجاورالمصانع التي يعمل بها العمال المتهمين بإخفاءهم....!

9) إعتراف

واصل تليفونها المحمول الرنين أثناء جلستها فإعتذرت للرد عليه .. وذكرت للمتصل أنها أوشكت على الإنتهاء .. و أغلقت الخط و سألت القس أن يذكرها إلى أين توقفت و قبل أن يفعل ، كانت قد بدأت إعتراف جديد..

10) جرأة

نظرت إليها بعدما عبرت الطريق السريع بخفة ملحوظة..كانت تموء في حسرة لعدم مرافقتها.. يبدو أن المحافظة على أرواحها قد تغلبت هذه المرة .. لحظات و ضاعت في الأفق.. و ضاع الأمل في لقياها ثانية..

11) زهرة الياسمين

و إفترقا .. فتركت له الكوكب لتهيم بحزنها بين الكواكب.. وكان يتبعها من كوكب لآخر حتى وصلت الأرض و ظلت تبكي و مكان كل دمعة تسقط تنبت زهرة بيضاء حتى إمتلأت الأرض بالزهور ثم غادرت للمجهول..

وصل حبيبها فرأى المكان مزهر فعلم أن حبيبته كانت هنا .. عانق زهورها كي يراها وكلما قبض على زهرة إنحنت له فلونها بلونه .. و يقبض على أخرى فتنحني و تتلون بلونه.. حتى أبت إحداها أن تنحني فظلت زهرة الياسمين بيضاء حتى الأن..

12) صراحة

طلبت رأيه في جمال صديقتها التي تكبرها في السن..و حينما قال أنها تبدو أصغر بكثير من عمرها الحقيقي..تحدثت عن الطقس و التقلبات الجوية!

13) نشر إلكتروني

ألهمته قصتها فكتب ملحمتة الشعرية..

كثرت التعليقات.. فحذفتها من الصفحة لتعدد أخطائها الإملائية..

14) مسرحية

إنتهى العرض.. و صفق له الجمهور طويلاً حتى آلمه ظهره من الإنحناء .. و كرمته لجنة الحريات كأحسن ممثل في المهرجان وأحتضنه رئيسها طويلاً.. و خرج من الكواليس للباب الخلفي بعد أن عاودت الكلابشات إحتضان يديه ليركب سيارة الترحيلات..

15) عيد زواج سعيد

حين فضت ورق الهدايا، خفق قلبها من كلماته الرقيقة و أبيات الشعر التي كتبها بالداخل.. و لكنها سرعان ما توقفت أمام الإهداء الذي كان موجهاً لغيرها..فتغير كل شئ و تحول خفقان القلب من السعادة للقلق وتحول اللسان من الصمت إلى الإستجواب.. ورغم الإجابات المقنعة و ذهابهم للتأكد من أنه كان خطأ المحل الذي أشترى منه الزوج هديته.. رغم كل ذلك كانت لا تزال على شكها فالزوج لم يخطئ.. و لو لمرة واحدة من قبل!

16) حلم

تعويذتها السحرية جعلتهم أصحاب أصوات ساحرة .. أصبح الصمت يباع في الأسواق السوداء..

17) تباعد

- سأرحل ..

= و لكني أحبك !

- أعرف.. فذلك ما يمنح قلبي القدرة على أن يحب مجدداً..

18) تَحَمُل..

أرسل هدية العشيقة إلى زوجته و أرسل إلى زوجته هدية العشيقة..

و رغم كل ما تسمعه من إهانات و سباب..

تحمّلته سيارته و قبلت أن ينام بداخلها..

19) صُحبة

بعد أن أُغْلقت كل السُبل في وجهه و تنّكر له الجميع ..

تذكر صديقه و زميل الزنزانة التي جمعتهما لأكثر من سبع سنوات ..

ذهب ليستفسر عن حاله فقيل له أنه الآن بالمستشفى الأميري بعد أن تدهورت صحته .. و يبدو أن المرض اللعين قد تمكن منه علي حد تعبير أحد جيرانه ..

ساقته قدماه الي المستشفى و حينما أراد أن يزوره قال له رجل أمن المستشفى أنه جاوز ميعاد الزيارة فليأتي غدا و لكن أبكر من الأن !.. لم يصدق .. أيزال الحظ يعانده ..

ثقلت قدماه و هو يتحرك لعالم مجهول لا يدري أين سيذهب ..

لم ينتبه إلى تلك السيارة المتهورة و التي داهمته حينما كان يعبر الطريق الواسع..

* * *

و في الثلاجة الكبيرة الخاصة بمشرحة المستشفى الأميري..

تجاور الصديقان مرة آخرى..

حيث كان زميل السجن قد مات هذا الصباح هو الآخر !!

20) الخطاب

منذ الحفل الذي أُقيم تكريماً لبلوغه سن المعاش .. لم يستطع الخلود الي النوم إلا لفترات متقطعة .. جلس وحيداً يتأمل ذلك المكعب الإسمنتي بجدرانه البالية و هو ينفث السيجارة المتبقية لديه .. أياماً لم يختلط بأحد .. زهد في عالم المقاهي و السير في الطرقات بلا هدف ..

أعتقل نفسه وسط ذكرياته التي يجد متعة حينما تمر أمامه من خلال مجموعة الصور الكثيرة التي تجمعه مع أشخاص يتذكر بعضهم جيداً .. و آخرون يتناسهم أو ربما تكون الأيام قد محت سيرتهم من ذاكرته ..

ران الصمت قليلاً..قبل أن يتوقف أمام إحدى الصور و التي أِلتقطت له مع بعض زملاءه في فناء المدرسة القديمة .. و تأمل ما كتبه بخطه الركيك علي ظهر الصورة من أسماء و عناوين لكل من كان معه وهو يتذكر تلك الأيام .. كيف كان..و إلي أي مصير أضحى ..

و دار شريط الذكريات .. و معه فكرة !

لم يشعر بيديه وهي عبثاً تبحث عن القلم و الأوراق في كل مكان .. و حينما جلس و أمامه ما نشد .. تردد ..حاول التراجع .. ولكنه تذكر مايعانيه ..فظل يكتب لساعات خطابات للجميع ..

لم يهتم بالأسلوب و المضمون .. كذلك لم يهتم بالذي تزوج أو الذي هاجر وتغيرت بياناته .. حقيقة .... لم يهتم ..

و تلاحقت الأيام .. و لا مجيب ..

و أيام أخر.. و لا مجيب أيضاً..

وذات صباح .. صعد إليه الساعي فلم يرد .. فدفعه من تحت الباب و ذهب..

...........

وبعد أن تصاعدت الرائحة ..

كسر الجيران باب شقته ...

ليجدوه ممداً و بجواره خطاباً لم يمسه ...

21) ثأر

أعدت العشاء و قبل الأكل صارحته أنها تعرف كل شئ عن خيانته لها..فلم ينكر.. و لم تستطع أن تغلب دموعها.. أما هوفلم يستطع الأكل قبلها..

نظرت في عينيه بتحدٍ..

- خايف لأكون حاطة لك سم......لا أطمن!

= عارفك مجنونة و تعمليها..!

- أنت ما تعرفنيش أصلاً..عموماً خد طبقي لو خايف و انا ح أكل قدامك أهو!

و لما إنتهت قامت إلى المطبخ فأطمئن و بدأ في تناول الطعام..

كانت تغسل الأطباق حين سمعت إرتطام جثته على الطاولة بفعل السم القوي الذي حاولت الإنتحار به يأساً من حياتها مع هذا الخائن!!

22) أ نْسَابٌ  

كان الوالد في حالة إنهيار كامل و هو في إنتظارنا خارج غرفة العمليات..

- ها يا دكتور طمني الله يطمن قلبك يارب..

= الحمد لله ما تقلقش ياحاج..خير إن شاء الله

- ما حلتيش غيره يا دكتور و الله.. ده يتيم أبوس أيدك طمني..

سحبت يدي بسرعة و أنا أستغفر..

- أطمن يا حاج.. دلوقت ح يخرج ع العناية.. يومين ويروح أودة عادية..إن شاء الله ح يكون أحسن..بعد إذنك..

لم أُنصت للأدعية التي أمطرني بها الأب وشعرت للحظة برغبة في مصارحته بالحقيقة لا أعرف لماذا.. فنتائج فحص عينات الدم أثبتت عدم وجود أي نسب بينه و بين ذلك الشاب المريض..الذي ماتزال أمه في قبرها تضحك بملء فيها الآن...

23) أجيال

قاطعتني بقولها : " بس ده غلط .."

فتوقفت عن الحكي لأعرف أين هو ذلك " الغلط" الذي تعنيه..فأتضح أنه ليس واحداً فحسب .. لأنها سألت كيف لها أن تعرف أن الأمير سيُعجب بها هي تحديداً في الحفل دون غيرها وهل يُعقل أنه لا يوجد أية فتاه في البلدة مقاس قدميها نفس مقاس قدمي سندريللا؟! أسئلة بديهية حقاً و لكني لم أفكر فيها من قبل حين سمعت القصة في طفولتي .. رغم هذا أكدت لها أنها محض خيال ..و رغم ذلك حاولت أن أوضح لها أكثر فقلت أنه ربما كانت الساحرة وراء كل هذا.. فهى من سحرتها في عينيه و جعلت الحذاء لا يناسب احداً سواها ..

بدا عليها عدم الإقتناع .. ثم قالت ضاحكة بعد ثوانٍ من الصمت :

- يمكن.. أو يمكن الساحرة كتبت أسمها بالكامل على الفردة دي عشان البوليس بتاع الأمير يعرف يوصل لها ...ماما .. إنتي تعرفي أسمها سندريللا ايه ؟!

صدمني السؤال البرئ و لم ينقذني منه إلا تأخُر وقت نومها .. فطبعت قُبلة على جبينها و تمنيت لها أحلاماً سعيدة و أطفأت نور الغرفة رغم أن السؤال لا يزال يدور في رأسي حتى هذه اللحظة ..ما أسمها بالكامل !!!

24) صفحة من مذكراتي

إعتاد زميلي علي سماجة صاحب الجرامافون المعتادة حتى أصبح لا يهتم بما يفعله ذلك العجوز الطاعن..حيث كان دائماً ما يغلق في وجهه زجاج نافذته و يجلس على مقعدة الوثير مستمتعاً بما يسمعه من إسطواناته العتيقة غيرعابئاً بغنائه و نغماته الساحرة..

كما أنه فقد حماسه من مشاهدته و هو يبدّل إبرة الجرامافون المكسورة في غيظ و ضيق واضحين مما يمكن أن تكون قد أحدثته الإبرة المكسورة من خدوش لإسطواناته الأثيرة..

لذا تَعجبت منه حين جاءني مُودّعاً ..عازماً علي الرحيل بعيونٍ تلمع بالدموع و لم أفهم عِلته في ذلك..ولكنني لم أستطع تركه يذهب بمفرده وذهبت معه لمكان جديد..

..حتى جاء صباح اليوم و قد أوشك الربيع أن ينتهي..

أستبد بي الحنين لمكاننا القديم .. فإقتربت من زجاج نافذة الرجل فلم أجده جالساً علي مقعده كالمعتاد..حتى أنني لم أجد المقعد نفسه و لا حتى الجرامافون..!

كل ما رأيت كان حجرة خالية من كل شئ يكسوها تراباً سميكاً.. و لوحة خشبية عُلقت علي بوابة المنزل من الخارج كُتبت عليها عدة أرقام و كلمة واحدة ..." للإيجار"..

حينها فقط أدركت ..لماذا قرر صديقي أن يرحل في السابق فجأة هكذا..

عصفور نهاية الربيع..

25) الرد ( الخطاب 2)

بعدما كسر والدي و معه بعضاً من جيراننا باب شقة الجار الذي فاحت رائحة جثته بيومين ..ظهر بعضاً من أقاربه ليستولوا على كل ما يصلح للبيع .. وبعد سؤالهم للبواب.. جاءوا لأخذ المفتاح الجديد لباب الشقة و الذي تبرع أبي بإصلاحه بعد كسرهم أياه بإعتباره المسئول عن العمارة كلها..وقدم أبي مع المفتاح ذلك الخطاب الذي وجدوه بجانب جثة الرجل ..ففضه أحدهم ومسحه بأعينه بسرعة..تركه على طاولة الصالون بلا إهتمام وخرجوا جميعاً شاكرين والدي على شهامته..

إستفزني الفضول فإستأذنت والدي في قراءة الخطاب فسمح لي ولم ينسى التأكيد على ضرورة الإحتفاظ به بعد قراءته..

كان الخطاب مُرسلاً من أحد أصدقاء طفولته و فيه أظهر سعادته البالغة لأن جارنا قد تذكره أخيراً..بينما إستفسر هو عن أحواله و عن حياته و كيف يقضي يومه مع تلك الوحدة الموحشة المسماه معاشاً..و إستطرد - كمن كان ينتظر فرصة - كيف جارعليه الزمان و تمكنت منه الأمراض حتى أصبح كفيفاً مُقعَداً لا يقوى علي رعاية نفسه و أشتكى له من قسوة الأيام و الأبناء حيث هاجر ولديه واحداً بعد الآخر و لم يهتم به سوى شابة مطلقة من أقاربه تساعده و تقوم على متطلباته وهى الآن من تكتب إليه ذلك الخطاب ..

وحين إنتهيت..قفز في ذهني سؤال.. لماذا يتراسل أصدقاء طفولة كهؤلاء بهذه الطريقة؟!... فالأثنين بنفس المدينة و في أقل من ساعة يمكن أن يتقابلا وجهاً لوجه..؟!..لابد أن هناك شئ ما..ولكني كالآخرين لم أهتم..

كنت قد أودعت الخطاب في أحد أدراجى ونسيته تماماً حتى عصر اليوم الذي مررت فيه بالقرب من مكان ما و وجدتني أتوقف بسيارتي متسائلاً لماذا توقفت هنا بالتحديد ، و غمرتني الدهشة كثيراً حين تذكرت.. فهذا هو نفس عنوان مُرسل الخطاب لجارنا المتوفى .. ولكن لماذا إلتصق بذاكرتي تفصيلياً هكذا كأنني كنت أحفظه متعمداً..رغم أني قد قرأته مرة واحدة فقط..؟! هل تلك إشارة ما ؟؟..فدار بذهني الفضولي أن أذهب لأرى مُرسل الخطاب و لومن بعيد .. ولكننى إستبعدت الفكرة وقررت أن أكمل طريقي ..

وحين عدت للمنزل .. لا أعرف لماذا أخرجت الخطاب و قرأته مرة أخرى.. وفكرت أن أرسل لذلك الصديق رداً أوضح له فيه ما حل بصديقه و لكن كلماته المحملة بالأسى و الوحدة جعلتني أعُدل عن ذلك..فهو الآن ينتظر رد جارنا عليه..وليس من العدل أن يعيش رجل مثله على أمل رداً لن يحصل عليه أبداً..

و غلبتني مشاعري وقررت أن أكتب إليه الرد..

و لكن...بشخصية جارنا المتوفي..

26) الجلسة

أثناء إنتظارها الطويل على أحد المقاعد أمام غرفة العلاج الكيماوي .. مر بخيالها كل شئ ..منذ إكتشاف الورم ثم إجراء الجراحة لإستئصاله وإخفاءها مرضها عن أسرتها.. وأخيراً تّلقي جلسات العلاج الذي يُسقِط الشعر ويُهلك البدن.. ويبّدل الإنسان من حالٍ إلى حال..و بين يوم و ليلة فقدت كل معاني الأنوثة و أصبحت شبح إمرأة..دون أثداء و دون شعر و كذلك دون شعور.. ولكنها لم تستطع إخفاء الحقيقة للأبد.. فحين واجهت زوجها بمرضها طلبت منه الإنفصال في قوة و تصميم ..ولكنه لم يكن ليطلقها الآن و يظهر أمام الجميع بهذه الدرجة من الخسة والنذالة ..فقرر أن يُبقي عليها و يتزوج من أخرى غير منقوصة..

هل يمكن أن يحدث كل ذلك بهذه السرعة؟

لم تجب.. بل رددت بتؤدة عدة أدعية تحفظها عن ظهرقلب ولم يوقظها من شرودها سوى نداء الممرضة عليها لتقوم بتَعجُل لداخل الغرفة..

حيث كان زوجها يسترح قليلاً بعد تلقيه جرعة الكيماوي الخاصة به..

27) قهر

كان يتجول في ردهة قصره وهو يقرأ ما كتبه بسعادة و بصوت مسموع حين إعتصره الألم فجأة..فألقى بالورقة غير مكترثاً على حامل المرآه البلجيكية الكبيرة التي تميز الردهة..لتكون المرآه أول من يقرأها بعده..

"رغم عذاب مرضي الشديد.. أعلم أن الجميع يكرهني و يتمنى لي الموت اليوم قبل غداً..كما أعلم أنه لن يمشي الكثير منكم في جنازتي بسبب ما فعلته..

ولكني أود أن أخبركم أنه بُناءً على طلبي و من مالي الخاص.. فقد تم تركيب موزع إنترنت (واي فاي) صُنع خصيصاً من أجلي..أعني من أجلكم..وهو مُثبت على شاهد قبري المستقبلي حتى يستمتع من سيزورني بوقته دون ضجر..و كل ما أتمناه أن يساهم ذلك ولو للحظات في أن يُنسيكم ما عانيتموه بسببي..

قبل أن أنسى..

الموزع يٌفتح بكلمة سر لن تتغير أبدأ:

( ا ل ل هـ ي ر ح م هـ)

تحياتي لكم من الجحيم! "

28) بصمة

حتى الفجر.. ظل في باره المعتاد ..آملاً في بعض الشجاعة و الثقة بالنفس أمام إمتحانه الأول..

لم يقد سيارته بصعوبه فلقد إعتاد جسده وعقله على مثل هذه اللحظات .. إنه خائف ..

أعرفه .. فلا داعي أن يتظاهر بغير ذلك ..

أهتز كوب القهوة في يده هذه المرة حينما طرق الوالد باب غرفته يستعجله ..

- جهّز نفسك .. لازم نبقى ف المستشفى قبل تسعة ..

* * *

أهل المريض يأكلهم الإنتظار ..

و لحظات لا تمر ..

ولا يزال الأبن يرى نفسه يعزف على بيانو المنزل مرتدياً معطفه الأبيض .. فيضع الأب يده على أحد أصابع الأبن فجأة فيختل اللحن .. و تنطلق الصافرة المستمرة المزعجة لتعلن موت المريض..

يصعق الأبن .. ويتكور في أحد أركان غرفة العمليات .. مختبئاً وراء يديه التي غطى بهما وجهه..

لازال الأب متماسكاً ..فيأمر كل المساعدين بالخروج ..

يأتي بورقة و يمسك بابهام المريض المتوفى و يلوثه بحبر قلمه و يلصقها على الورقة التي يدسها في جيبه ..

يذهب لولده المرتجف ...

- ولا يهمك ..حصل خير.. حصل خير..

أخرج الطبيب الكبير الإقرار الذي ينص على تحمل المريض المسئولية حال وفاته مشفوعا ببصمته ..

.... فسكت أهله الي الأبد ...

29) الوريث

وديعة بخمسين ألف جنيه و ذكرى الأم و صورة للأب دائم الغياب والذي لم يره منذ أن كان في الثالثة من عمره .. تلك كانت كل ثروته ..

حاول الأب أن يختبر حب الأبن الوحيد ..

فمن خلال علاقاته بالخارج أرسل اليه الأب برقية عبر السفارة يبلغه فيها أنه مات ويستلزم لنقل جثمانه ما يربو من عشرين ألفاً من الجنيهات ..

وعلى الفور ..كسر الأبن الوديعة و حوّل المبلغ وذهب ليستلم جثة ابيه ممنياً نفسه بالميراث الكبير كما ذكر له موظف السفارة أن والده كان يرفض أن يمس ثروته لكي تعود بأكملها لولده الحبيب!

و على نفس الطائرة التي ظن الأبن أنها تحمل جثة الأب .. عاد الأب..!

* * *

وفي الطريق للمطار تجمهر الناس حول السيارة الأجرة التي تهشمت في الحادث وبداخلها متوفيين .. كان الأبن أحدهم الذي ورث عنه الوالد العائد الثلاثين ألف جنيه الباقية و ذكرى الأم و صورة للأبن الذي أصبح دائم الغياب ... يعلوها شريط أسود !

30) سيناريو

رغم مرضه القاتل و تحذير الأطباء من الإجهاد ..ظل يكتب سيناريو مسلسله التليفزيوني حتى وصل للحلقة السابعة والعشرين..و قبل أن يستطيع إتمامها سقط القلم من يده..ليجدوا تحت وسادته ورقة مطوية بعناية كتب فيها ملخصاً لآخر خمس حلقات من المسلسل!

31) صندوق بريد

"رغم حبي و إحترامي لزوجتك ...إلا أنني _ للأسف _ وقعت في حُبك .. هل عرفتني؟..فكر!!"

أنهت المحبوبة المجهولة هذا الخطاب و وضعته في مظروف عادي و وضعت عليه الطابع و كتبت العنوان و تركته لأبعد صندوق بريد يقابلها في طريقها لترسله ..

* * *

إعتاد " عم عبده " أن يحذر الجميع حيث أنه موجود على إحدى حوائط محله المتواضع .. و لكنه كان متوعك و المحل مغلق فلم يحذرها !

وضعت المحبوبة المجهولة خطابها في الصندوق المهجور من سنين لتظل _ للأسف _ مجهولة للأبد !

أو تكرر المحاولة في آخر !

32) حنين

لاحظت تأخره في العودة للقرية بعد إنتهاء يومه الدراسي..

أرادت الأم أن تعرف السر وراء ذلك ..

توارت حتى خرج من المدرسة و ذهب في إتجاه المدينة.. فتعجبت الأم !

تبعته حتى وجدته يتوقف أمام أحد المباني التي ماتزال تحت الإنشاء و أخرج صورة صغيرة ليُريها للعمال هناك و كأنه يبحث عن صاحبها ..فأزداد تعجبها!

إنتظرت عودته للبيت حتى تستجوبه..

فأجاب :

- قلت لي أبوك مهندس بيبني عماير ف البندر....مالقيتهوش..البندر عماراته ياما..

ذابت الكلمات على لسان الأم فلم ترد..

33) اللوحة (1)

بائع الليمون النوبي الذي يفترش الرصيف يرص بضاعته بخفة متناهية علي شكل أهرامات متجاورة ..وفجأة تخرج إحدي الليمونات عن النظام و تأخذ طريقها إلى بحر الطريق ويتابعها النوبي إلى أن تدهسها سيارة مسرعة ..ولايلمح أحد في عينيه تلك الدمعة المستترة سواه .. لقد ألقى بما معه وأخرج سكتش ورسم رجل نوبي يرص أطفال يشبهونه في الملامح على شكل أهرامات متجاورة ...

كان ذلك وهو في طريقه لمنزل الرجل الذي يستكمل رسم البورتريه الخاص به

34 ) اللوحة (2)

بائع الليمون النوبي الذي يفترش الرصيف يرص بضاعته بخفة متناهية علي شكل أهرامات متجاورة ..وفجأة تخرج إحدي الليمونات عن النظام و تأخذ طريقها إلى بحر الطريق ويتابعها النوبي إلى أن تدهسها سيارة مسرعة ..ولايلمح أحد في عينيه تلك الدمعة المستترة سواه .. لقد ألقى بما معه وأخرج سكتش ورسم رجل نوبي يرص أطفال يشبهونه في الملامح على شكل أهرامات متجاورة ...

كان ذلك وهو في طريقه لمنزل الرجل الذي يستكمل رسم البورتريه الخاص به

* * *

رغم كل محاولاته لإقناعهم ..

و رغم ما تم عرضه من مال كترضية من جانبهم ..

رفضت العائلة بالطبع إقتراحه أن يستكمل بورتريه والدهم قبل أن يذهب لمثواه الأخير .. فالموقف لا يحتمل مثل هذه التفاهة من وجهه نظرهم !

... و لكنه لم ييأس

.. تابع الجثمان إلى أن وصل الى "الحانوتي" المغيب وسط الدخان الأزرق هو و رفقاءه و أشتراه بالمال حتى يفتح له قبر العائلة ليكمل لوحته على ضوء مصباح صغير إصطحبه معه لزوم المهمة !

و يأتي إبن الحانوتي الحشاش ليجد إحدى المقابر مفتوحة فيظن أن والده قد أنساه المزاج- كالمعتاد - أن يغلقها فقام بإغلاقها على الفور وهو يحوقل دون أن يعلم بالإتفاق الذي تم بين أبيه و الرسام ..حتى أن بصيص النور الذي إنبعث من المصباح قد تبدد تماماً بين حلكة الليل و متاهات القبر ...

في الظهيرة إستيقظ الحانوتي بعد سهرة مجهدة .. وظن أن الرسام قد خرج دون أن يمر عليه ..

.. ومن خلال عتاب الأبن لأبيه .. هموا بفتح المقبرة بسرعة ليجدوا جثتين جانب اللوحة ..!

35) يوم الإمتحان

كانت ترتجف بشدة و هى صاعدة إلى عشها الجديد متأبطة ذراع زوجها المتأنق في بزته المعتادة .. و الذي أكتفى بالأبتسام في هدوء مصطنع !

وما أن وصلت إلى باب الشقة حتى سمعت صوت دقات قلبها المتلاحقة أثناء فتح الزوج له ثم أغلقه خلفهما بشدة .. فدق جرس المنبه صارخاً فيما حوله معلناً السابعة صباحاً ..!

فأستيقظت الفتاه لترى وجه الوالدة الباش يستقبلها بابتسامة رقيقة و تمنت لها الأم يوماً سعيداً .. فتثاءبت الفتاه في تكاسل وهي تقول أنها رأت أجمل ما رأته في منامها .. و بفضول الأم سألتها عن تفاصيل الحلم وهى تعبث بشعرها العابث ..

فتحدثت الفتاه عن أدق الأشياء ..

و حينما سألت ببراءة عن تفسير ذلك... قالت الأم :

" إن هذا الشاب الجميل ما هو إلا دنيا ترغبك .. و الباب الذي فتحه أمامك هو مستقبل جديد يرحب بك في رحابه .. هيا .. هيا حتى لا تتأخري عن إمتحانك .. أطمئني .. هذه أشارة طيبة وفأل حسن .. بالتوفيق يا حبيبتي .."

فتبادلا القبل و خرجت الفتاه بحيوية و وجه الأم ترتسم عليه نظرة لا يفهمها أحد سواها !

36 ) برودة

كنت واثقاً من الفوز بالرهان تلك المرة ؛ فهذه حقيقة علمية مؤكدة..

و حينما إقتربت بفمها من المرآة وهي تبتسم بخبث..لم يتكثف البخار على سطحها..فتعجب الجميع و كنت أولهم !

 

37) تَحرر

وثق بها ..أوثقت قيده..و لما وثقت به ..حررته..

فأدام قيدها..

38) السجن

كانوا يسمعونه دوماً وهو يتكلم و يناقش شخصيات إبتدعها في زنزانته، فيظن الحراس أنه إقترب من حافة الجنون .....وحينما يعودون لبيوتهم لا يجدوا ما يقولونه لذويهم ..فيظلوا صامتين ..

39) إزاي

( إهداء للشاعر الجميل محمود رضوان..و لصوت منير وكفى)

والله ما عايز غير بيت ..فيه واحدة الصبح بتفرد ضفايرها

وعيال بتقوم من النوم تجرى عليا..من غير حتى ما تفتح عينها

والله ما عايز غير كوباية شاى بحليب الصبح

وبوسة حب ورضا بالحال..وجرايد كاتبة أخبار عال

إبتسامات الناس فى الشارع ...ترجع تانى زى زمان..

ذاب مع الغناء الهامس لزميل القفص و راح في عالم آخر و لم يوقظه سوى صرخة الحاجب الجوفاء " رُفعت الجلسة ".. فلم يعرف بماذا حُكم عليه..حاول أن يسأل الزميل فوجده مشغول بتمرير أصبعه على كلمة كتبت بالطباشير على الحائط و كان لا يزال يغني همساً :

والله ما عايز غير حضنك.. وأتغطى.. و أنام..

 

فتاه منه السؤال حينما قرأ الكلمة مكتوبة بخط ركيك و بيد مرتعشة ... " مصر "