مقارنة بين عمارة يعقوبيان وبنات الرياض

مقارنة بين عمارة يعقوبيان وبنات الرياض

سلوى اللوباني إيلاف : 9 أبريل 2006

سلوى اللوباني من القاهرة: من أكثر الروايات إنتشاراً ورواجاً منذ صدورهما روايتا "عمارة يعقوبيان" لعلاء الأسواني، و"بنات الرياض" لرجاء الصانع، حققت الروايتان نجاحاً ساحقا،ً ومبيعات عالية، وأثارتا جدلاً نقدياً وضجة إعلامية، وقد تجاوز "بعض" النقاد فى نقدهما للروايتان الجوانب الأدبية ليتناولوا شخصية الكاتبين، فأصبح هناك خلط بين شخصياتهما وشخصيات أبطال الرواية، مما أدى إلى ظهور نبرة هجومية عنيفة واتهامات عديدة، حتى أصبحت الروايتان تٌعد ظاهرة في البلاد العربية، كظاهرة روايات "هاري بوتر" مع الفارق فى نسبة المبيعات وحقوق المؤلف، مما يدعونا لأن نأمل في أن يحقق الأسواني والصانع ما حققته الكاتبة "رولنغ" صاحبة سلسة روايات "هارى بوتر" من إيرادات ونجاح، فهي تعتبر من أعلى مؤلفي العالم دخلاً منذ سنوات، إلا أنه وعلى الجانب الآخر لم يكن نصيب الروايتان من النقد لاذعاً فقط، فقد نالت الروايتان أيضا استحساناً وترحيباً من بعض الكتاب والقراء والنقاد، ويبدو أن الضجة الإعلامية المثارة حول الروايتين ما بين آراء مؤيدة وأخرى معارضة، ومشجعين ومنتقدين، تظهر بعض أوجه التشابه الاختلاف بينهما، مما يوضح أن هذه الضجة المثارة ما هي إلا أصوات معادية لحرية التعبير أكثر منها أصوات ناقدة للبناء الروائي، وهي أصوات لا تقتصر على مجتمع محدد بل هي تنتمي إلى عدة مجتمعات.

بين يعقوبيان والرياض: تناولت الروايتان ظروف المجتمع ومتغيراته، فرواية "عمارة يعقوبيان" تناولت الظروف السياسية والاجتماعية والثقافية التي مرت بها مصر في العقد الأخير من القرن العشرين، بالإضافة إلى تناول قضايا مثل الشذوذ الجنسي، والسعي وراء المناصب السياسية، والتنظيمات الإرهابية، حيث رصد الأسواني التحولات الاجتماعية والاقتصادية، وظهور طبقات واختفاء أخرى منذ الخمسينات من القرن الماضي، من خلال شخصيات الرواية الرئيسية "حاتم رشيد" الصحفي اللامع الشاذ جنسياً، والحاج "عزام" السياسي الفاسد، و"زكي بك الدسوقي" الارستقراطي الفاسق الذى ينتمى إلى العهد الملكي، و"طه الشاذلي" المتطرف، أما رواية "بنات الرياض" فسردت مشكلات وقضايا الفتيات في العشرينيات بلغة خاصة مختلفة عن المعتاد في الكتابات الأدبية، فتناولت حياة أربع فتيات من الطبقة الثرية في الرياض وهن قمرة، ولميس، وسديم، وميشيل، وهن فتيات تقف العادات والتقاليد في وجه أحلامهن، هؤلاء الفتيات يمثلن نسبة من المجتمع، فى محاولة من الرواية للكشف عن هموم هذه الفئة من المجتمع.

نيوزلندة وأمريكا: هناك أوجه من التشابه وأخرى من الاختلاف يبن الكاتبين مع الأخذ بعين الاعتبار الفارق العمري بينهما، والفارق الزمني لصدور الروايتين، فالكاتبة رجاء الصانع تبلغ من العمر 23 سنة، ودرست طب الأسنان فى جامعة الملك سعود عام 2005، ووالدها العلامة الشهير "عبد الله الصانع" والذى توفي وهي في الثامنة من عمرها، أما الكاتب علاء الأسواني والذى يبلغ من العمر 48 عاماً، فهو أيضا طبيب أسنان، وتخرج من جامعة الينوى في أمريكا، ووالده المحامي والكاتب عباس الأسواني والذى توفي وولده في العشرين من عمره، والجدير بالذكر أن الأسواني متزوج، ولديه طفلتان هما إيمان ونور، وبوجه عام يتميز الكاتبان بالجرأة والتحدي والقدرة على المواجهة، والإصرار على إثبات نجاحهما على الساحة الأدبية، فالأسواني عانى لسنوات، حتى استطاع أن يثبت نجاحه، ويجبر الآخرين على الاعتراف به، أما رجاء فتواجه نفس التحدي حالياً، فهناك الكثير من المعارضين لتجربتها الأدبية، التى تحدت من خلالها تقاليد وعادات مجتمعها، وعبرت عن المسكوت عنه، ونذكر هنا بأن الأسواني كان قد قرر الهجرة إلى نيوزلندة قبل كتابة عمارة يعقوبيان، لكثرة ما واجه من صد وعدم تشجيع لكتاباته، بينما الصانع قررت السفر بعد نشر روايتها إلى الولايات المتحدة بهدف الدراسة ، وليس للابتعاد عن الأجواء التي خلقتها الرواية حسبما ذكرت.

التجربة الأولى والثالثة: بنات الرياض هي التجربة الأولى لرجاء الصانع، بينما يعقوبيان هي التجربة الثالثة للأسواني، فقد اصدر مجموعتين قصصيتين من قبل هما "الذي اقترب ورأى"، و"جمعية نتظري الزعيم"، كتب الأولى عام 90 ورفضت الهيئة العامة للكتاب نشرها، ومن ثم نشرت عام 90 عن دار سبيل، وروايته الثانية عام 89 ،ورفضت أيضاً من قبل الهيئة بحجة أن أسلوبها الأدبي لا يشجع على نشرها، وصدرت الطبعة الأولى من يعقوبيان عن دار ميريت عام 2002، بعد نشرها على حلقات في مجلة أخبار الأدب من نفس العام، ولاقت الترحيب والاستحسان من كبار الكتاب، وتتالت الطبعات السبع عن دار مدبولي، أما رواية بنات الرياض فنشرت عام 2005 عن دار رياض الساقي، وطبع منها 5 نسخ حتى الآن، ونذكر هنا بأن الأسواني تلقى عرضاً من دار رياض الريس لنشر روايته في بيروت، ولكنه خشي إذا فعل ذلك أن تُمنع من دخول مصر، ووصلت مبيعات يعقوبيان 100 ألف نسخة منذ صدورها، بينما بيعت 60 ألف نسخة من رواية بنات الرياض، واستمر الأسواني فى كتابة يعقوبيان 3 سنوات، بينما امتدت المدة مع الصانع إلى ست سنوات، ويبقى أن نذكر أن الأسواني فاز بجائزة باشرحيل للرواية لعام 2006، وقيمتها 25 ألف دولار، وننتظر فوز رجاء الصانع بجائزة مماثلة.

من الترجمة إلى السينما: لاقت الروايتان إقبالاً عربياً وعالمياً، فترجمت يعقوبيان إلى الانجليزية، وإلى الفرنسية عن دار نشر "آكت سود"، وتمت ترجمتها من قبل الدبلوماسي الفرنسي "غوتييه"، حققت أفضل مبيعات في فرنسا لعام 2006، فقد بيع ما يزيد على 4500 نسخة منها، مما يضعها في صف الكتب الأكثر مبيعاً ين الترجمات التي تصدرها الدار، كما لاقت رواجاً كبيراً في معرض الكتاب الفرنسي، وترجمت إلى الايطالية عن دار نشر "فيلتر يمللي" بميلانو، وهي ثاني اكبر دار نشر في ايطاليا، ومن ترجمة بيل نكالونجي، بالإضافة إلى تعاقد الأسواني مع دار نشر "هاربر كولينز" الأمريكية لإخراج طبعة شعبية عن الترجمة الانجليزية، أما رواية "بنات الرياض" فقد احتلت المرتبة الأولى في إحصائية الكتب المائة الأكثر مبيعاً لعام 2005، على موقع النيل والفرات الألكتروني لبيع الكتب، وتلقت الصانع عرضاً من شركة عالمية في الترجمة لترجمة الرواية إلى ثلاث لغات، كما عٌرض على الصانع بيع الرواية لتحويلها إلى مسلسل من قبل محطة روتانا، الرأي، دبي، MBC، LBC، بينما تم تحويل رواية يعقوبيان إلى فيلم سينمائي قٌدرت ميزانيته بـ 4 مليون دولار، هذا الفيلم أعاد السينما المصرية إلى مهرجان برلين الأخير بعد غياب استمر 27 عاماً، ويشارك بالفيلم 160 فناناً مصرياً منهم نور الشريف، عادل أمام، يسرا، أحمد راتب، أحمد بدير، خالد صالح، سمية الخشاب، وسيعرض الفيلم في مصر خلال شهر تموز من العام الحالي، ويعرض في فرنسا في سبتمبرالقادم، وفي أنحاء مختلفة من أوروبا وأمريكا، كما يستعد فيلم عمارة يعقوبيان للمشاركة بمهرجان كان السينمائي، وتجدر الإشارة هنا إلى أن الأسواني صرح بأن ما ربحه من الرواية حتى الآن يناظر فقط ثمن السجائر والقهوة التي استهلكها خلال كتابة الرواية، كما صرحت رجاء بأن دار الساقي لم تعطها حقها بالكامل لغاية الآن.

تشجيع وإعجاب: بلغ تأثير الروايتان على مختلف الفئات في المجتمع ومن كلا الجنسين، فالروايتان تعبران عن حال المجتمع وأمراضه الاجتماعية، ووجها صدمة إلى الناس، فقد عبر كل من الأسواني والصانع عن واقع مجتمعهما بجرأة شديدة، وبالرغم من الاختلاف القائم حول الروايتين إلا أنهما أثبتتا أن القارئ العربي ينتظر شيئاً استثنائياً غير عادي، مما دفع النقاد إلى قول الكثير عن الروايتين، ونذكر من هذه الآراء ما ورد عن د.غازي القصيبي حول رواية بنات الرياض: "في عملها الروائي الاول تٌقدم رجاء الصانع على مغامرة كبرى، تزيح الستار العميق الذي يختفي خلفه عالم الفتيات المثير في الرياض، وعندما يزاح الستار ينجلي امامنا المشهد بكل ما فيه من اشياء كثيرة، مضحكة ومبكية بكل التفاصيل التي لايعرفها مخلوق خارج هذا العالم المسحور، هذا عمل يٌستحق أن يقرأ وهذه الروائية انتظر منها الكثير"، مما دعا البعض إلى اعتبار هذه الكلمة تذكرة عبور لنجاح الرواية، أما رواية يعقوبيان فقال عنها د. صلاح فضل: "واحدة من أهم الأعمال الروائية المعاصرة، التي ستصبح كلاسيكية باستمرارها، ماثلة في الذاكرة الأدبية، ووضعت كاتبها في الصف الأول من كتاب اليوم، شهادة شامخة وقاسية على تحولات المجتمع المصري في العقود الأخيرة".

الثأر والإثارة: لم يتعرض عمل أدبي لنقد كما تعرض له العمل الروائي "بنات الرياض"، بدءاً من عنوان الرواية الذي أحدث جدلاً نقدياً كبيراً، فاقترح البعض أنه كان من الأفضل تسميتها "بعض بنات الرياض"، وأضاف آخرون "كل ما يقال عن بنات الرياض زوراً وبهتاناً، وأن الجو الجامعي الذي تناولته الصانع بالرواية غير موجود في الواقع، وغير حقيقي، فالجو الجامعي يتصف بالجد والعمل الصارم، أما كل ما قيل عن بنات الرياض فهو مجرد خيال أبعد عن الواقع، وكان عليها ألا تحدد بنات مدينة معينة، لتكون اقرب إلى الصحة، فقد قصد من عنوان الرواية الإثارة فقط"، وكذلك الأمر مع عنوان عمارة يعقوبيان الذي أثار حفيظة سكان العمارة الحقيقيين، حيث اتهموا الأسواني بأنه كتب الرواية ثأراً من سكان العمارة، وتعمد تشويههم، وأنه كتب وقائع مزيفة وغير حقيقية، ولا توجد بالعمارة تلك الشخصيات التي أظهرتها الرواية، فاستشهد الأسواني برواية "زقاق المدق" لمحفوظ، فهو زقاق موجود في الواقع لكنه اخذ الاسم وبنى زقاقا أدبيا، وكذلك رواية ميرامار وهو اسم بنسيون في الإسكندرية.

اتهامات: واجه الكاتبان العديد من الاتهامات، فاتهمت الصانع بأنها تشوه صورة مجتمعها، وتشوه صورة بنات الرياض، وطالب البعض بمحاكمتها، والبعض توعد برفع قضايا ضدها، أما الأسواني فاتهموه بأنه شخصية كارهة لمصر، وتقدم عدد من سكان العمارة بدعاوي قضائية ضده، ونالت الاتهامات محتوى الروايتين وأحداثهما أيضاً، فالبعض قال إن رواية بنات الرياض أشبه برواية "صباح الخير أيها الحزن" للكاتبة الفرنسية فرنسوا ساغان، أو رواية "علاقات خطيرة" لجاك دي لاكلو، ومنهم من قال انها أخذت من رواية يابانية، واتهم الأسواني بسرقة واستنساخ نص الرواية الأدبي عن الكاتب المسرحي الراحل "نعمان عاشور"، او بنقلها عن والده الراحل عباس الاسواني، وعن الخلط بين الكاتب والكتاب قالت رجاء "هناك من لم يقرأ رواية من قبل، ولا يعرف كيف هي أساليب الرواية، فيعتقد بأنني اسأت لمجتمعي"، بينما قال الاسواني "توجد لدى غالبية الناس مشكلة وهي كيفية قراءة الادب"، وقد وضحت الصانع أن رواية بنات الرياض مبنية على الخيال بتفاصيلها وشخصياتها، وانها لم تقصد التشهير باحد، وليس ذنبها أن يصدق البعض كل ما جاء في الرواية، فشخصيات الرواية تمثل نسبة من المجتمع، وما يحدث عند كتابة رواية، أن الروائي عادة يتخيل ابطالها، وربما يستمد بعض الاحداث من الواقع.

النقد الأدبي: أما النقد الأدبي الجاد فتناول البناء الروائي للعملين، فأشاد بعض النقاد بحرص الأسواني على الاختفاء وراء شخصياته في يعقوبيان، فهو مجرد راو للاحداث ومحلل لشخصيات، يمزج الحوارات ويحكيها باسلوب غير مباشر، بينما هناك من انتقد الصانع في بنات الرياض لتقديمها شخصيات بصوت الساردة العليمة، "فهي لا تكتفي بالسرد فقط، ولكنها تمتلك امتياز الشرح والتعليق والتفسير لما ترويه، وكأن المؤلفة تعبر عن وجهة نظرها"، كما اعتبر البعض أن اسلوب الصانع تميز بالمباشرة والحس الفكه، وبرشاقة التنقل الخفيف بين شخصية وأخرى، مما يقوض أسلوب السرد النظامي الذي يسيطر على الروايات التقليدية، ورأى بعض النقاد أنه كان يمكن للعمل أن يخرج بحبكة أجمل، وبسرد أمثل، من خلال مراجعة بعض المعاني والكلمات، وهناك من قال بأن الرواية أشبه بمذكرات مراهقة، وأنها رواية خيالية يميزها قبل أي شئ آخر خفة دم المؤلفة وصديقاتها، أما الاسواني فتميز أسلوبه بالسرد البسيط وابتعاده عن أسلوب الخطابة، فهو يقص الاحداث بمهارة وقدرة أدبية رفيعة، بالاضافة إلى قدرته على تخليق العوالم الكبرى، وبراعته في رسم النماذج الانسانية الاصيلة، وما يجمع الروايتان هو محور كل منهما، وهو المكان الذي انبثقت منه الشخصيات والأحداث، وهو العمارة للاسواني، والكمبيوتر للصانع، وكذلك شخصيات الروايتين، فقد برع كل من الاسواني والصانع بدفع القارئ كي يحب ويكره كل شخصية في نفس الوقت، فيتعاطف مع كل شخصية من منطلق ظروفها وهمومها، وبذلك برهنت الصانع أن المرأة العربية عندما تريد وتصمم على الثورة فأنها تفعل، وكذلك الاسواني الذي برهن على جرأته في التعامل مع الاحداث فدخل إلى تفاصيل القضايا المسكوت عنها، وأجمع بعض النقاد على أهمية الروايتين، لأنهما تضخان دماً جديداً في شرايين الرواية الواقعية، والجدير بالذكر أن د. رجاء صرحت أكثر من مرة بقولها أنها: "لا تدعي أن بنات الرياض هي رواية متكاملة أبياً وفنياً، أنها مجرد تأريخ لجنون فتاة في العشرينيات، ولن تقبل اخضاعها لقيود العمل الروائي الرزين، أو الباسها ثوباُ يبديها اكبر مما هي عليه"، لذلك تبقى بنات الرياض تجربة أولى في الكتابة الابداعية لرجاء الصانع.

سر الاهتمام: السر وراء اهتمام القراء بالروايتين أنهما من واقع الحياة، تعبران عن الناس، فالصانع والاسواني كتبا للناس وعن الناس كل بلغته البسيطة والمباشرة، كما تعكس الروايتان رأة ينشدها القارئ العربي في ظل المواربة التي يشهدها في جميع المجالات، بالإضافة إلى شخصيات الروايتين، التي يمكن أن نتعرف عليها في الواقع، وهناك أيضاً عنصر التشويق الذي يدفع إلى الاستغراق في القراءة والاستمتاع والانفعال إلى نهاية كل منهما، ومن أجمل وأصدق ما قيل عن الروايتين: "روايتان أخرجتا القارئ العربي من الغيبوبة، وأكدتا أن عزوف الناس عن القراءة لا يعود إلى مشاغلهم، ولا إلى غزو التكنولوجيا لحياتهم"، فتحية إلى طبيب الأسنان علاء الاسواني، وتحية إلى طبيبة الأسنان رجاء الصانع، اللذين بحثا عن السوس في المجتمع وتعاملا معه.