مصر.. جدل بشأن اللغة العربية

القاهرة - أ ف ب - إسلام أون لاين.نت/ 29-6-2004

أثار كتاب صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بعنوان "تحيا اللغة العربية ويسقط سيبويه" للكاتب شريف الشوباشي جدلاً في مصر، حيث طالب عضو بمجلس الشعب المصري (البرلمان) وزير الثقافة فاروق حسني بـ"مصادرته"، معتبرًا أنه "يسفه لغة القرآن بغير حق"، فيما قال مؤلف الكتاب إنه يطالب بتطوير اللغة العربية.

واتهم النائب عن جماعة الإخوان المسلمين حمدي حسن في سؤال وجهه إلى وزير الثقافة مؤلف الكتاب -الذي صدر مؤخرًا- بمهاجمة اللغة بخطاب المستعمر. "فمطالبة الكتاب واعتباره أن البلاغة أصبحت من أكبر التعقيدات في اللغة العربية، وأنها بعيدة عن متطلبات عالم اليوم هي من المبالغة". وأضاف أن ما "يطلبه الكاتب هو ما يطلبه المحتل الغازي".

وأشار حسن إلى أن "الكاتب غابت عنه أن اللغة العربية تختلف عن باقي لغات العالم؛ لأنها حفظت بالقرآن الذي شرفها وقدسها إلى يوم القيامة(...) فقوة العربية ليست بأهلها ولكن لكونها لغة القرآن الكريم".

واعتبر النائب المصري أن العيب ليس في اللغة "لكن في تخلف أهلها، حيث شرف الله اللغة العربية فأنزل القرآن بها، وذكرت في 7 آيات كاملة في القرآن الكريم".

ورفض النائب اعتبار المؤلف أن "اللغة العربية سبب تخلف ورجعية العقل العربي"، كما اعترض على مطالبة الكاتب "بإلغاء البلاغة التي لم تَعُد مناسبة لروح العصر".

واستنكر حسن إشارة المؤلف إلى وجود "أكثر من مليون و900 ألف كلمة في اللغة العربية" والذي اعتبر أن ذلك "يدلل على تعقيدها من كثرة المرادفات فيها مقارنة باللغة الإنجليزية التي لا يتجاوز عدد مفرداتها 250 ألف كلمة و300 ألف كلمة في الفرنسية".

ورأى حسن أن هذه مقارنة "من قبيل الفذلكة وعدم القدرة على رؤية الثراء الذي تتضمنه اللغة العربية".

وطالب النائب وزير الثقافة بأن يختار "وكيل وزارة ذا ثقافة مصرية عربية تعتد بالبلاغة". ويذكر أن مؤلف الكتاب هو في ذات الوقت وكيل وزارة الثقافة.

يطالب بالتطوير.. من جهته، قال شريف الشوباشي الثلاثاء 29-6-2004 لوكالة الأنباء الفرنسية ردًّا على تلك الاتهامات: "إنه يقع على عاتقنا كعرب أن نفرق بين القرآن واللغة العربية".

ورأى الشوباشي الذي يتولى مسئولية العلاقات الخارجية في وزارة الثقافة ورئاسة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي أن "القرآن الكريم استخدم اللغة العربية لتوصيل رسالته إلى البشرية. والإعجاز في القرآن ليس الإعجاز فقط في اللغة. كما أن 81% من المسلمين لا يعرفون العربية، فماذا يكون موقفهم؟ يجب علينا أن نقوم بفك الارتباط بين اللغة العربية والقرآن فأنا في كتابي أطالب بتطوير اللغة العربية".

واعتبر الشوباشي أن اللغة العربية "هي اللغة الوحيدة التي لم تتطور قواعدها قيد أنملة منذ 1500 عام رغم أن الحياة فرضت نوعًا من التطور. فلغة الصحافة اليومية تختلف عن لغة المتنبي، والمطلوب الآن هو التطوير، بمعنى إجراء تعديلات على قواعد اللغة".

وأضاف مؤلف الكتاب أن من بين هذه التطويرات مثلاً "المثنى الذي لا وجود له في أي لغة من لغات العالم، يجب الاستغناء عنه، وكذلك نون النسوة التي لا معنى لها إلا في تمييز النسوة، وهذا يقلل من القيمة الإنسانية ويشكل تفرقة لا داعي لها بين الرجل والمرأة، وهي غير موجودة أيضًا في اللغات الأخرى".

ويعارض الكاتب كذلك "استخدام الأرقام بطريقة التذكير والتأنيث مثل (سبعة رجال) و(سبع نساء)؛ لأن الأرقام حيادية في كل اللغات وهذا ينطبق أيضًا على المفعول به، بمعنى التصريف والتنوين كما أنني ضد التشكيل؛ لأنه من أهم أسباب تعقيد اللغة العربية".

وأضاف الشوباشي: "ذلك لأن الكلمة في اللغة العربية تستمد معناها من التشكيل، في حين أن الكلمة في كل لغات العالم يتحدد معناها من موقعها في الجملة"، على حد قوله.

وحول الهدف من وراء دعوته لتطوير اللغة العربية، أكد الشوباشي أن ذلك يعود إلى "كراهية الطلاب والجيل الجديد لدروس اللغة؛ بسبب تعقيد القواعد والنحو والصرف إلى جانب خلق حالة من التواصل بين لغة المثقفين والكتاب وغالبية المجتمع بعد أن اتسعت الهوة بينهم بسبب كل هذه التعقيدات".

واختتم الشوباشي حديثه قائلاً: "أرى أن الإنسان العربي يعيش حالة من الانفصام اللغوي؛ لأنه يتحدث في حياته اليومية بلغة ويكتب ويدرس بلغة أخرى، وهذا الانفصام لا بد من وضع حد له، ولا يتم ذلك إلا عبر تطوير اللغة" على حد قوله.

لن تنتحر اللغة.. وكان الناقد والكاتب بصحيفة الأهرام المصرية رجاء النقاش قال في مقال له الأحد 27-6-2004 بعنوان "لا.. لن تنتحر اللغة العربية" تعليقًا على الجدل المثار حول الكتاب: "إنه لا بأس من التفكير المخلص في تجديد شباب اللغة وإعادة الحيوية والصبا والجمال إليها،‏ مع العمل على تخفيف القيود عن الذين يحبونها ويريدون أن يقتربوا منها دون أن يجدوا في ذلك أي عسر أو تعقيد".

ونقل النقاش عن الدكتور شوقي ضيف رئيس مجمع اللغة العربية وأستاذ اللغة العربية المعروف رسالة بعث بها إليه تعليقًا على الموضوع ذاته أشار فيها إلى كتاب له صدر بعنوان "تجديد النحو" وصفه بأنه يحمل "أسس النهوض بهذا النحو، مثل‏:‏ إلغاء الإعراب التقديري والمحلي،‏ ووضع ضوابط جديدة تذلل صعوباته‏، مع حذف الأبواب التي تثقل النحو وتجهد الناشئة‏".‏

واعتبر ضيف أنه "من المؤكد أن اللغة العربية لا تنتحر ولا تتراجع في هذه الأيام، بل تزدهي وتزدهر طوال قرنين من الزمان على أيدي أبنائها البررة العظام"‏.‏ ‏ومن جانبه وصف النقاش كتاب "تجديد النحو" بأنه "كتاب رائع يحمل مشروعًا كاملاً وجادًّا لتيسير النحو العربي، وتخليصه من تعقيداته وصعوباته وقواعده الزائدة التي يمكن،‏ بل يجب الاستغناء عنها"‏.

وكانت صحيفة "آفاق عربية" المصرية اتهمت كتاب الشوباشي بأنه "موجة تغريبية جديدة في عصر الهزيمة". واعتبرت الصحيفة القريبة من الإسلاميين في عددها الصادر في 24-6-2004 أن الشوباشي يتهم اللغة العربية بأنها سبب التخلف.