لا حرية شخصية للزى الدينى فى دولة مدنية

كيف مصر ، دولة " مدنية " ، ومع ذلك ، أغلب فتيات ونساء مصر ، ومنهن أطفال ورضيعات ، لا يرتدين أزياء مدنية ، ولكن ما يسمونه" الزى الشرعى الاسلامى  " ؟؟ . بل يزددن اصرارا عليه ، بسعادة ، وزهو ، تحت مسميات " حرية شخصية " ، لا يعوق التفتح العقلى ، ولا يتعارض مع الموروثات الذكورية ؟؟. والبقية التى لم تتحجب ، تنتظر قدوم شهر رمضان ، أو عندما يشاء الله أن يهديها ، حتى تنضم الى أخواتها ؟؟. ألا يشكل هذا تناقضا صارخا ، جوهريا ، واضحا وضوح الشمس ، مع جوهر الدولة المدنية ؟؟.                

سأسرد حقائق تاريخية ، لمنْ يريد فهم أصل الأشياء وجوهرها .
أولا ، الحجاب ليس له علاقة بالاسلام ، والآية القرآنية ، أو الحديث ، الذى شرع تغطية رأس المرأة ، جاءت لمنع تحرش الذكور المسلمين ، بالنساء المسلمات ، حين يخرجن من خيمهن ليلا ،  لقضاء الحاجة ،  أو لأمر آخر . ارتداء حجاب الرأس ، كان للحرائر فقط ، حتى يسلمن من فسق الذكور ، أما الجوارى ، فلا حجاب لهن ، لأنهن بلا كرامة ، وتحرش الذكور بهن طبيعى ، وليس قضية . لكن الآن ، وبعد انتهاء زمن الرق ، وتاريخ السكن فى خيام الصحراء ، ينتفى سبب تغطية الرأس للمرأة .
ثانيا ، الحجاب الحديث والمعاصر ، هو رمز سياسى ، لجماعة" الاخوان المسلمين " ، المؤسسة فى مصر عام 1928 ، على يد أحد الشيوخ ، وهو حسن البنا ، وبفلوس الاحتلال الانجليزى . عندما أيقن الانجليز أن وحدة وتماسك وارتباط ، الشعب المصرى ، قوة كبيرة ، أكبر من محاولات التقسيم والتفكيك والتفتيت ، لجأ الى سياسة " فرق تسد " ، على أساس الدين والطائفة والمذهب . واذا تقاتل الشعب على الدين ، فلن يجد الوقت ، أو الطاقة ، أو الوعى ، لمحاربة العدو الأساسى المشترك ، وهو المحتل المستعمر . وهذه سياسة قديمة معروفة تاريخيا  ، وتستخدم فى كل مكان ، وحتى اليوم .
ثالثا  ، استفحلت الدعاية الدينية للحجاب ، مع منتصف سبعينيات القرن الماضى ، حين خرج المتأسلمون من الجحور ، ومن الكمون ،ودشنوا آلاف التنظيمات الدينية المتطرفة ، اخوانية وسلفية صحراوية ،انتشرت بالتمويلات الجاهزة المدخرة معهم تحت الأرض ، تحمل السلاح ، يعاودها  بالقتل ، والذبح ، حلم الخلافة الاسلامية ، واقامة دويلات اسلامية ، وولايات اسلامية ، تكفن النساء وهن أحياء ، متحالفة مع أعداء الشعوب ، ومحتلى الأرض ، ولصوص الموارد ، وسماسرة الأوطان ، والقتلة المستثمرين فى السلاح ، والبغاء ، والمخدرات ، وسرقة الأعضاء من الكبار والصغار .
اختلطت الدعاية الدينية بالدعاية الثقافية والاعلامية ، من اعلاميات واعلاميين ، لا يهمها الدين ولا الأخلاق ولا الدولة المدنية .
نجحت الدعاية ، وغسل  العقول من العقل والمنطق ، وتحقق المطلوب من النساء اللائى وُلدن على ذمة الاسلام .
انتصر الدين فى معركة الزى الاسلامى ، و " تحجبت " فتيات ونساء مصر المسلمات ، من جميع الطبقات والأعمار والوظائف ،  والأيديلوجيات . وامتد الانتصار الى فتيات فى سن الرابعة من العمر . وفنانات بادرن بالتحجب ، واعتزال الفن ، ترسيخا لهذا الوضع . وبلاد معروفة بالاسم ، دفعت المليارات وجندت حشود ، من أهل الفكر والثقافة ،  لتدعيم الحجاب ، واللغة الدينية ، واشعال الفتنة الدينية ، حتى وصلنا الى ارهاب سفك الدماء العلنى ، وتحولت مصر ، الى شكل مقزز غريب مستورد ، من التعصب والتطرف والأسلمة الشكلية  القاتمة المتجهمة ، التى تحرم الفنون ، وتدعو الى تدمير تماثيل الحضارة المصرية القديمة ، وتحريم الفن والموسيقى ، والفرح ، وتهدر دم أصحاب الفكروالابداع ، الكاشفين للمؤامرة على قتل الدولة المدنية.   
عرفنا الفتاوى المريضة بنكاح النساء ، الأحياء والأموات ، ونكاح الأطفال  والرضيعات ، وفتاوى ارضاع الكبير ، وتبرير التحرش الذكورى ، والاغتصاب،والتربص بعمل المرأة خارج البيت ، وترويج شرعية كراهية الأقباط  وتجنبهم ، وتحريم عمليات زراعة الأعضاء ، ورفض تجريم الختان ، وتزويج البنات فور بلوغهن ،وتكاثرت الجوامع والمساجد بالميكرفونات لنشر التعصب ، واهانة النساء السافرات ، والترويج للعلاج بشرب بول الابل ، وانتشرت الشعوذة والدجل الدينى ، ولبس المايوهات الشرعية ، ولعيب الكورة يسجد على الأرض بعد احراز الهدف ، وقد أطلق ذقنه ، مرتديا الشورت الرياضى الشرعى ، وظهر المفكر الاسلامى ، والكاتبة الاسلامية ، والداعية الاسلامية ، والمدارس والحضانات والمستشفيات الاسلامية ، والبنوك الاسلامية ، والجلاليب الاسلامية ، والذقون الطويلة ،
والخناقات الاسلامية ، والأغانى الاسلامية ، والدراما التليفزيونية الممولة من الخليخ ، تمدح تعدد الزوجات ، وتحجيب النساء ، وعدم عمل المرأة ، وسعادة النساء بأنهن ربع زوجات على ذمة رجل واحد ، ورأينا الناس يقرأون بصوت مرتفع القرآن فى المترو والأتوبيسات ، وتزدهر قضايا الحسبة الاسلامية ، وازدراء الأديان ، وانكار المعلوم من الدين بالضرورة ، والاساءة الى الذات الذات الالهية العليا والرسل والأنبياء ، وجر الروايات والمسرحيات والقصائد الى المحاكم ، ولصق ملصقات دينية اسلامية على زجاج السيارات الخلفى ،  والشباب يشترطون  قبل الزواج أن تكون المرأة محجبة ، مطيعة ، مختنة ، قابعة فى البيت .
عاصرنا تجريم الجهر بالافطار فى نهار رمضان ، وشاهدنا كيف يترك الناس أشغالهم ، يغلقون محلاتهم ، ويسدون الشوارع ، حينما يأتى وقت الصلاة ، واستخدام الخواتم الفضية للرجال بدلا من الذهبية ، ليكونوا أكثر اسلاما ، وتحية صباح الخير ، ومساء الخير ، فى التلفونات ، استبدلت بالسلام عليكم ،  وأسماء المحلات أخذت أسماء اسلامية ، وعمل أفراح فى الشوارع بنقر الدفوف ، وكتابة تهديدات على حيطان الشوارع تقول :  
" صلى قبل أن يُصلى عليكى " ، " تحجبى قبل أن يختلى بك الثعبان الأقرع فى القبر " ،
" جمالك فى نور حجابك لا غيره يغفر آثامك " ، وتعاملوا مع المجتمع المصرى ، على أنه
" دار كفار " ، وهم يقومون بمهمة جليلة ، اعادة الاسلام لشعبها ، وأراضيها .
وغيره كثير ، مما حول المجتمع  المصرى  ، الى بؤرة كبيرة دينية ارهابية ، متشنجة ، كارهة للحرية ، مشغولة بتكفير بعضها البعض ، ومعاداة كل أسباب التقدم الحضارى ، وأصبح المجتمع يقوم ولا يقعد ، ليس بسبب قنابل تطلق على سكان عزل فى أرضهم ، ولكن عشان حتة ذراع مكشوف من المرأة ، وشوية شَعر يظهروا من رأس طفلة .
فى ظل هذا المناخ ، هل يكون  الحجاب " حرية شخصية " للمرأة ؟؟؟؟.
بل هل تكون حرية العقيدة  أصلا ، وحرية تغيير الدين ، متروكة ومكفولة من المجتمع والدولة والمزاج الشعبى العام ؟؟.
كل هذا ، لكى تخضع مصر ، سياسيا ، وثقافيا ، واجتماعيا ، للقوى المتحالفة داخليا ، وخارجيا ، وتنطفئ شعلتها الريادية ، القائدة ، فى منطقتها ، لتحل محلها ريادات أخرى ، لها أهداف سياسية ودينية .  
المعروف تاريخيا ، أن تحجيب أى مجتمع ، يبدأ بتحجيب النساء ، والفتن الدينية ، تبدأ بالتمييز على أساس الزى .
رابعا ، الحجاب قائم على صورة ذهنية ، وعقلية ، أن الرجال ذئاب جنسية شهوانية ، تتحرك بغرائز النصف الأسفل من أجسامهم ، وهى غرائز حاضرة طول الوقت ، مكبوتة طول الوقت ، لا يمكن التحكم فيها ، ولا يمكن تهذيبها ، وتأديبها واصلاحها بالتربية الصحية ، والقواعد الأخلاقية الحسنة ، أو بزرع احترام الفتيات والنساء . وأن هذه الغرائز تترك كل شئ فى الحياة ، وتثار فورا ، دون تعقل ، برؤية أى جزء غير مغطى من دلائل طبيعة المرأة . وعند الاثارة ، تحدث التهلكة الكبرى ،وما لا يحمد عقباه . والوضع الأمثل أن تتغطى كلها ، لأنها " الشيطان " يتحرك على قدمين .
ولكن اذا تعذر هذا ، فعلى الأقل ، وحتى تقام الخلافة ، لابد أن تغطى شعرها ، وتخفيه تماما ،  وتبعد فتنته الشريرة الشيطانية ، عن الذكور دائمى الهياج . أهذه صورة أخلاقية متحضرة راقية ، للمرأة ، والرجل ؟؟.
الرجل " المتربى " ، لا يمشى فى الشوارع ، بحثا عن " أنثى " لا يعرفها تلبى غرائز دنيا غير مسيطر عليها ، بل يمشى بحثا عن " وظيفة " ، يأكل منها ، تعينه على الزواج والايفاء بمتطلبات أطفاله ،  أو بحثا عن " شقة " ولو " خرم ابرة " ، تأويه بمفرده  أو مع أسرته .
الرجل " المتربى " ، هو الأب ، والأخ ، والحبيب ، والصديق ، والزوج ،والجار ، والزميل ، والصنايعى الحرفى العامل ، فى كل مجال ، الذى لا هم له ، الا اتقان عمله ، وكسب الرزق ، وبدونه لا تسير حياتنا ، ولا نقضى لوازمنا .
أما الرجل " الغير متربى " ، وشهواته الجنسية تمشيه ، فلابد من علاجه أخلاقيا ، وثقافيا ، ونفسيا ، وحجبه ، حتى يصبح لائقا للعيش بتحضر ، واحترام ، ورقى ، وتهذيب.
المرأة لم تخلق ، لتختبئ ، وتتغطى ، لحماية الذكور المنحرفين بشهواتهم .
الرجل " الغير متربى " هو الذى يدفع ثمن قلة تربيته ، هكذا العدل ، والأخلاق الصحيحة ، والمسئولية الغير معوجة ، والمنطق الرشيد . هذا غير ، أن الرجل الماشى يحركه النصف الأسفل جسده ، لن تفرق معه ، سواء غطينا المرأة  أو لم نغطيها ، ففى كل الأحوال ، يعرف جيدا كيف يقضى شهوته .
خامسا ، أين كانت " الحرية الشخصية " للحجاب ، فى الخمسينات ،  أو الستينات  من القرن الماضى ، ألم يكن هناك دين ، أو اسلام ، فى مصر ، ألم نعرف " الحرية الشخصية " ، الا على أيدى الاخوان ، وتوابعهم ، الخارجين من الجحور ؟؟.  واذا كانت " حرية شخصية " ، لماذا يشن أشرس هجوم دينى ، على المعارضين له ، أو على منْ تقرر خلع الحجاب ؟؟. واذا كان الحجاب " حرية شخصية " ، لماذا أصبح الرجال يشترطون فى الزوجة أن تكون " محجبة " ؟؟.
اذا كان الحجاب " حرية شخصية " ، لماذا طلب مرشد الاخوان المسلمين من الرئيس " عبد الناصر " عندما تولى الحكم ، أن " يحجب " نساء مصر ، ويلبسهن طرح ، ورفض " عبد الناصر " ، وتهكم على طلبه ، فى واحدة من خطبه الهامة والشهيرة ؟؟.
سادسا ، المفروض أن " الحرية الشخصية " ، لا تتعارض ، ولا تتناقض ، مع توجهات المجتمع الذى أعيش فيه ، والا فلماذا تكتب الدول الدساتير ؟؟.
ان الدستور المصرى ، يمنع استخدام الرموز الدينية بأى شكل ، لأنه تمييز دينى صارخ على الملأ . " الحرية الشخصية " ، لابد أن تكون متناغمة مع مصلحة الوطن ، واختياراته ، ومحاربة لأعدائه فى الداخل ، والخارج . ومنْ لا يعجبه توجه المجتمع ، فليذهب للعيش فى أفغانستان ، أو ايران مثلا .
" الحرية الشخصية " ، أمارسها فى بيتى ، بطريقتى ، متى أشاء ، ولهذا نطلق عليها " شخصية " . لكن لا توجد " حرية شخصية "، اذا كانت رمزا لعدو الوطن ، وتسبب فى الارهاب ، وسفك الدماء ، وتخريب المجتمع ومكتسباته ، والتمييز الدينى بين نسائه ، والتضحية بحقوق وحرية وكرامة نصف ما يشكل هذا المجتمع .
" حرية شخصية " ، للمرأة ، اذن لا تلبسه الا فى البيت ، لكنها لا تفعل ، لماذا ؟؟. لأنه لن يراها أحد ، وبالتالى ، سوف تنتفى الرسالة التى توجهها للمجتمع . الرسالة المنبثقة من كل التاريخ والتوضيح والتفسير ، الذى ذكرته سلفا . الحجاب ، شئ مفرغ من أى معنى ، الا استعراض التدين الشكلى ، والخوف من عدم تقليد الآخريات .
أيها النساء والرجال ، اقرأوا التاريخ ، قبل تسمية الأشياء بغير مسمياتها ، حتى لا تجرونا الى مناقشة أمور ، من المفروض أن ننتهى منها ، جذريا ، لنصنع الدولة المدنية المصرية الحديثة . اننى على يقين ، أنه لا توجد فتاة أو امرأة محجبة ، فى بلادنا ،قرأت كتابا واحدا عن تاريخ الاسلام ونشوء الأديان ، وعلاقة تغطية النساء ، بتغطية الحكم السياسى الباطش ، باسم الدين ، واحياء الاسلام .
      لقد انهزم الإخوان يوم 30 يونيو 2013، وقال أحد قادتهم حينئذ مبتسما ابتسامة متهكمة : «على الأقل انتصرنا فى تحجيب فتيات ونساء مصر .. وهذا بحد ذاته انتصار سعينا اليه منذ زمن طويل ".
        لا أحد ينكر أن المزاج الوجدانى الشعبى الآن فى أغلبه ، هو مزاج سلفى، إخوانى، ليس بمعنى الرغبة فى حكم دينى، ولكن الإيمان بالتفسيرات الدينية الإخوانية السلفية، والنظرة المهينة للنساء، ورؤيتهم العنصرية المتغطرسة المتعالية للمصريين غير المسلمين .
أبدا ، مصر ، لن تتقدم ، الا بنبذ  " الحرية بمرجعية القهر " ، وفضح السموم المندسة فى العسل .