كسرة خبز

في ركنٍ بارد من المطبخ، جلست الطفلة كمن ينتظر دوره في الحياة. عينان واسعتان تتبعان حركة زوجة الاب، وهي تبسط العجين كما لو كانت تبسط سلطتها، وتدفعه إلى جوف الفرن كأنها تدفع الأيام نحو غدٍ لا يخص أحدًا سواها

رائحة الفطائر شهية، مُغرية، فأيقظت في الطفلة جوعًا ، ليس للطعام وحده، بل لشيء يشبه الأمان. وحين سحبت المرأة كسرةً ساخنة، تذوّقتها، ثم تركتها جانبًا ،ظلت عينا الصغيرة معلّقتين بها، كأنها ترى فيها أكثر من طعام يسد رمقها وشهيتها؛؛ ترى فيها حقًا مؤجلاً.

ما إن ابتعدت الزوجة حتى امتدت يد الطفلة الصغيرة نحو الكسرة، لكن لكزة قاسية أوقفتها، جعلتها ترتجف من الألم وتبتلع أنينها مع دموعها.

دخل الاب ، اخذ كسرة الفطيرة وقبل أن يتناولها وقع نظره على طفلته ، فأعطاها لها ، مدت كفها الصغير
 بتردد، وقبل أن تمسك بها، رفعت عينيها إلى زوجة أبيها. قابلتها نظرة باردة وابتسامة صفراء تلوّح بالموافقة.

تناولت الطفلة الكسرة بلهفة الجائع، وبدأت تلتهمها. لكن شيئًا ما في نظرات المرأة أشعل في بطنها نارًا، لم تكن من الجوع هذه المرة. انكمشت على نفسها، وثنت جذعها تتلوّى من الألم، ألم الخبز المشروط، ومرار المَنّ المقنّع، وعينا المرأة ما زالتا تتوهّجان... كأنما تمنح ولا تعطي، وتطعِم ولا تُحب.