قصة قصيرة : خبرية عن الغربة

جلس بجواره هو تحديدًا وسامره ليلاً حيث سطوع وتوهج الهدوء أهم مميزات المكان بالإضافة لصوت هامس لخرير الماء وخربشات هواء الزرع وأثر بعيد لوسائل نقل ، الحديث كان مطول بذلك الوقت كثيرًا للغاية والجو مليء بالأمطار دون معرفتهم بذلك ، فالسقف كان سماء لهم والنوافذ حماية ولم يمنعهم إحكام الإغلاق من التبحر والبحث والتأمل ، فالسهرة احتاجت كل الذهن وحالة حضور شديد وانتهى حديثه بغاية وجواب يهدف لعلاج غواية ، وانبأكم بخبرية وخلاصة سريعة للجلسة : قد تتملكنا الغربة وتسكن داخلنا وتشعل الضجيج والتيه والتشويش .
الغربة ليست فقط بعدك الجسدي عن الوطن أو محل ميلادك الأول فهي بالأصل قلة تواصلك السليم مع الأهل والرفقاء والمنطقة التي ترعرعت فيها ، كما أنه قلة تعقل للإيمان الذي ورثته والأحكام التي تقوم بها على سبيل العادة ، ويضاف إلى ذلك تحويلك العالم المتسع والفسيح إلى عالم ضيق مصغر يخصك .
فقد تكون العشرين الأولى بمعيشتك هي محاولة تقبل وجودك بالحياة وفهم إشارات ضعيفة للتعاملات والعلاقات والتعارف ، والثانية تُحدث التغيير بمواقيتك ومنطقة سكنك الأول لجهود العمل والإنتاج وترتيب إنشاء أسرة إضافية للإنسانية ، والثالثة التي قد تكون المحطة الأخيرة بحياتك الأولى بالدنيا هي حصاد تراكم الأيام والأفكار والمواقف .

استيقظ صاحبنا بعد هذا الحلم الطويل على أصوات ضاحكة مع خرير الماء هذه المرة على الحقيقة بوجهه ، فكانت هي الطريقة الأخف ضمن قائمة طرق يومية مختلفة لإيقاظه عنوة وبدون رغبته .