في ذكرى الوحدة المصرية السورية 1958

في هذا اليوم، 22 فبراير، أعلنت الوحدة بين مصر وسوريا عام 1958, وقد عشت أيامها المثيرة فقد كانت هذه السنة هي أول سنة لي في مدرسة التوفيقية الثانوية بشبرا، وبرغم أن الوحدة انتهت بالفشل بعد ثلاث سنوات فقط لأسباب مختلفة، لكن هذا لا يجب أن ينسينا أن العلاقة بين مصر وسوريا كانت دائما علاقة خاصة منذ فجر التاريخ، وفي عهد الملك امنحتب الثالث، والد اخناتون، كانت الأراضي السورية يحكمها عدة حكام يعلنون الولاء للفرعون المصري، الذي كانت امبراطوريته تمتد إلي حدود تركيا شمالاً وحدود العراق في الشمال الشرقي، فالعلاقة الوثيقة موغلة في القدم، علاقة حضارية أساساً، فسكان هذه المنطقة هم صناع حضارة وليسوا قبائل رحل.
وللتاريخ كان السوريون هم المطالبين بالوحدة بإلحاح في 58, كما سجلت عدة كتب غربية وليس عربية، وكانت الوحدة هي مطلب أساسي لدي حزب البعث السوري، وليس في فكرة الوحدة أو الإتحاد نفسها أي خطأ بالضرورة، فالولايات المتحدة "متحدة" رغم أنها تضم جنسيات مختلفة إختلافاً أكثر عمقاً من إختلاف السوريين عن المصريين، ولكن ما حدث هو أن الوحدة تمت بشكل أسرع مما ينبغي إستجابة لرغبة شعبية سورية جارفة وقتها، وكان الأفضل حدوث تدرج، فتبدأ بالتعاون، مثل مجلس التعاون الخليجي اليوم، ثم الإتحاد، مثل الإتحاد الأوروبي حالياً، ولا تجيء الوحدة الكاملة، إذا جاءت، إلا بعد هذين الخطوتين وبعد إستيعاب دروسهما.
حدثت أخطاء بلا شك، وخاصة منح عبد الحكيم عامر ملف سوريا فوق السوري عبد الحميد سراج، والخطأ الفادح الآخر هو تطبيق السياسة الاشتراكية وخاصة في تأميم الأعمال التجارية الكبيرة والمتوسطة رغم أن المجتمع السوري هو تجاري في روحه بخلاف المجتمع المصري الذي هو مزارع وموظف في أساسه، وهي أخطاء كان يمكن تفاديها لو حدثت الوحدة بعد دراسة وعلي خطوات  وليس بالهرولة والنيات الحسنة وهي أسلوب المنطقة كلها للأسف.
ولكن من يحلم ويفعل ويقتحم ويغير لتحقيق الأحلام الكبري لابد أن يخطيء، ولا أشك أن في المستقبل البعيد بعد إستيعاب دروس مرحلة السقوط الهائل الحالية ستقوم في الأغلب حالة من حالات التعاون وربما الإتحاد بين سورية ومصر وغيرهما من بلاد هذه المنطقة المنكوبة حاليا، ولكن لا توجد نكبة أبدية، فما يجمع بين هذه الدول والمجتمعات هو أكبر مما يفرق بينها.
ويكفي سوريا أنها كانت قبل الغزوة الإرهابية الحالية أحد المراكز الحضارية المشعة بثقافة عربية بديعة، فقد جاء منها ادونيس ونزار قباني، وعشرات غيرهما من الشعراء والمبدعين في كل مجال، وجاءت منها الموسيقي الحلبية، وجاءت منها أشهي الأكلات وأجمل الحلي الفضية والذهبية وغيرها من الإبداعات الحضارية الثرية والمثيرة.. ولها غني عبد الوهاب، وفيها كتب أمير الشعراء شوقي أبياته الخالدة ليشد من أزرها عام 1926 بعد أن ضربتها فرنسا بالقنابل..
سَلامٌ مِن صَبا بَرَدى أَرَقُّ.. وَدَمعٌ لا يُكَفكَفُ يا دِمَشقُ
وَلِلحُرِّيَّةِ الحَمــراءِ بابٌ.. بِكُلِّ يَدٍ مُضَــــرَّجَةٍ يُدَقُّ
تحية لذكري الوحدة المصرية السورية، التي وإن انتهت كتجربة سياسية رائدة منقوصة فهي لم تنته كحلم وكوحدة وجدانية ثقافية حضارية راقية.