عندما التقيت يوسف السباعي

عشقت العلم منذ طفولتي وعندما كنت في الخامسة من عمرى كنت أخرج قبل ذهاب شقيقتي التي تكبرني بسنوات إلى مدرستها وأنتظرها أمام المسجد القريب من منزلنا بقرية السدس مركز الإبراهيمية بمحافظة الشرقية ثم آخذ منها حقيبتها المدرسية وأذهب إلى مدرستها ولكن ناظر المدرسة يعيدني للمنزل فأبكي ولذا ذهب خالي محمد العمدة إلى المدرسة وقال أجلسوه مع تلاميذ الصف الأول الإبتدائي ولكن لم تتم الموافقة ٠
عندما وصلت إلى سن القبول دخلت المدرسة وتفوقت طوال سنوات الدراسة ورعتني الأستاذة صفاء نجم وكنت أحصل على درجات كبيرة في اللغة العربية وعشقت القراءة وكنت أشتري الصحف والمجلات من بائع الصحف الموجود في مدينة الإبراهيمية التي تبعد عن قريتنا بحوالى ٣ كيلو متر ٠
بعد نصر أكتوبر الذي تحقق عام ١٩٧٣ كان معرض الكتاب بأرض المعارض بالجزيرة خلف النادي الأهلي وكنت أذهب لحضور فعالياته واشترى الكتب كما كنت أهوى المراسلة وجمع الطوابع والعملات وكرة القدم الكتابة ومراسلة الصحف والمجلات وكونت مكتبة عظيمة وشجعني على ذلك والدي ( رحمه الله ) فقد أشترى لي تفسير ابن كثير وفقه السنة وتفسير ابن عباس ومجموعة من الكتب القيمة وأنا في الصف الأول الثانوي ٠
عشت تلقي خالي حسيني نبأ استشهاد ابنه عابد أثناء معارك الاستنزاف وأختزنت ذلك بداخلي وكانت قريتنا مثل قرى الجمهورية لايوجد بها الكهرباء حتى منتصف السبعينيات٠
قريتنا ضمت عائلة أمي ولذا نشأت وسط الحب والقرابة والألفة وكنت محط الاهتمام من أقارب أمي ( رحمها الله ) وشباب العائلة كانوا الأخوة لي ٠
خلال زياراتي إلى القاهرة حرصت على مقابلة كبار الكتاب الذين اقرأ كتبهم مثل مصطفى أمين ومحمد زكي عبد القادر وأنيس منصور ويوسف إدريس ونجيب محفوظ ويوسف السباعي وعبد الوهاب مطاوع وبمناسبة ذكرى وفاة يوسف السباعي أذكر مقابلتي معه لأول مرة فقد استقبلني بكل حب وترحاب وغمرته السعادة بحديثي معه وثقافتي ومواهبي وقال : واصل القراءة لأن الكاتب الجيد هو قارىء جيد بالدرجة الأولى وأكتب بما تحس به وقبل أن أنصرف أهداني بعض مؤلفاته٠
نهلت من واقعية وإنسانية مصطفى أمين وفلسفة وتشويق أنيس منصور وفلسفة وحكمة محمد ذكي عبد القادر ورومانسية ورقة يوسف السباعي ٠
بكيت بشدة عندما استشهد أستاذي يوسف السباعي يوم ١٨ فبراير عام ١٩٧٨ فخلال تواجده قبرص وعندما غادر غرفته بفندق هيلتون قبرص متوجها لحضور المؤتمر الأفرو أسيوي لمناصرة القضية الفلسطينية توقف أمام منفذ لبيع الكتب والصحف وأثناء تفقده للمطبوعات إذ بإثنين من الفلسطينيين وهما زيد العلي وسمير محمد خضر  من أتباع  صبري البنا الشهير بأبو نضال يطلقان ٣ رصاصات على أستاذي يوسف السباعي وفاضت روحه إلى بارئها ٠
على الفور أرسل البطل الرئيس محمد أنور السادات فرقة كوماندوز إلى قبرص وتم إحضار جثمان يوسف السباعي كما تم القبض على هذين المجرمين وإحضارهما مع الجثمان٠
الله سبحانه وتعالى يمهل ولايهمل ففي عام ٢٠٠٢  تم العثور على جثمان أبو نضال في شقته في بغداد مقتولا برصاصة في الرأس بأيدي مجهولين ٠
رحمة الله على روح الكاتب الكبير يوسف السباعي وزير الثقافة الأسبق ولعنة الله على عشاق التآمر والخيانة والقتل ٠