عفاف عبد المعطي: نحن نستورد كل شيء من الغرب حتى النظريات النقدية

الناقدة المصرية لـ«الشرق الأوسط»: واقعية القاع هي أكثر الأنواع الأدبية ملاءمة لطبيعة هذا العصر القاهرة: محمد أبو زيد الشرق الاوسط 7 اكتوبر 2004

أثارت الناقدة عفاف عبد المعطي في مؤلفاتها ومنها «فتحي غانم قاصا» و«المرأة العربية رؤية سوسيولوجية» و«حاضر الرواية في المغرب العربي» الكثير من الأفكار والرؤى اللافتة التي تتعلق بإشكاليات النقد العربي، وحدود العلاقة بين الناقد والنص ومفهوم الأدب النسوي.. وهذا حوار معها حول هذه القضايا.

* بداية، ما حدود العلاقة بين المبدع والناقد في اعتقادك؟ ومن الذى يوجه الآخر؟

ـ المبدع أولا ثم الناقد طرفا علاقة متوازية متضافرة، فإذا التقيا معا فذلك بلا شك لصالح النص الأدبى، ولا أعتقد أن أيا منهما يوجه الآخر فآلية التوجيه آلية مدرسية بينما علاقة الإبداع بالنقد علاقة تكامل المستفيد منها هو النص الإبداعى نفسه.

* لكن يثار دائما أن ثمة أزمة في النقد العربى وفيما يخص علاقة الطرفين، كيف ترين هذه الأزمة من موقعك كناقدة؟

ـ أرى أنه لا توجد ازمة فى النقد العربى فمنذ زمن طويل والإبداع يتقدم انتاجه على النقد، لأن الناقد بشر وليس من الضرورى أن يكتب الناقد عن كل ما يصدر من إبداع. وإن كنت تقصد بأزمة النقد تناول النقاد للمناهج الغربية عند التطبيق على النصوص العربية فهذا أمر طبيعى لأن العلوم الإنسانية متكاملة ولم يأت الزمن بعد الذي يمكن أن تكون فيه نظرية نقدية عربية تتلاءم مع النصوص المنتجة بالعربية، ولا تنس أننا كما نستورد من الغرب كل شيء فلا غرابة أن نستورد منه النظرية النقدية التي نعمل بها.

* هل انتهى زمن الناقد الذي ينزل إلى الشارع كى يشتري رواية لمبدع لا يعرفه ثم يكتب عنها؟

ـ لا، لم ينته بعد، فواجب الناقد الحقيقي البحث عن النص الإبداعي الجيد والكتابة عنه، لكن زمن التكتلات الذي نعيش فيه هو الذي فرض نوعا من العلاقة النفعية بين طائفة من المبدعين والنقاد الجاهزين للكتابة في كل الأنواع الأدبية حسب الصداقة والعلاقات العامة التي تفرض هذا النوع من التعامل، وأنا لا أحبذ التعميم فلكل قاعدة شواذ فهناك المبدع الذي لا يريق ماء وجهه بحثا عن مقال وأيضا الناقد صاحب الرؤية العادلة الذي يكتب عن النص من دون النظر إلى اسم المؤلف أو جهة عمله.

* رغم تميز فتحي غانم روائيا، الا أنك اخترت لكتابك الأول موضوع قصص فتحي غانم القصيرة لماذا؟

ـ اخترت قصصه القصيرة أولا لأنها مجال غير مطروق نقدياً ثم ان فتحي غانم كاتب من طراز خاص، حيث لم يسع يوما ما إلى الأضواء ولا إلى الشهرة، اكتفى بالكتابة فقط وكشفت رواياته خبايا الصحافة المصرية وما يدور داخلها في حقبتي الستينات والسبعينات وعلاقات الصحافة الملتوية مع السلطة الحاكمة، ولا تقل قصصه القصيرة أهمية عن رواياته. وقد رسخ فتحي غانم بوصفه قاصاً عبر خمس مجموعات قصصية كتبها بدءاً من «تجربة حب» عام 1948 حتى «عيون الغرباء» عام 1993 قدم فيها الأساس الاجتماعي الطبقي للشخصية المصرية، فضلا عن الأنماط البشرية المختلفة التي ضمن وصفها وتناولها بحسب وجودها الفعلي في المجتمع، كما تبلورت رؤيته الموضوعية للعالم الموصوف داخل السياق الاجتماعي والسياسي.

* جاء التنظير في كتابك الثاني «المرأة العربية رؤى سوسيولوجية» حول مصطلح النقد النسوي ثم التطبيق على مجموعة من نصوص للكاتبات العربيات، فهل هو تحليل بيولوجي اذن؟

ـ النقد الأدبي النسوي هو دراسة الحياة الاجتماعية والفلسفية بما يصحح انحرافات التحيز التي تؤدي إلى إحلال المرأة في مكانة التابع (أي في مكانة ثانوية) واستصغار شأنها وهو من أصعب الطرائق النقدية عند التطبيق على النص الأدبي وبالطبع النقد فيه لا يكون بيولوجياً، فمصطلح النقد الأدبي النسائي يبحث في خصوصية الأدب المكتوب من وجهة نظر المرأة والذي يظهر كلما تأزم وضع المرأة الاجتماعي، خاصة مع اعتبار أن مشكلة الكينونة الاجتماعية هي التي تؤرق المرأة داخل مجتمعها.

* حسنا، هل معنى أن هناك نقداً نسوياً أن هناك نقدا ذكورياً؟

ـ لا يوجد نقد ذكوري لأن الرجل لم يكافح عبر تاريخه الاجتماعي لأن يعامل بصورة تتسم بالشفافية مثلما كافحت المرأة.

* وهل يدور كتابك الجديد «المرأة والسلطة» فى السياق نفسه؟

ـ لا، «المرأة والسلطة» بحث في الواقع السياسي والأدبي في مصر من 1919 حتى 1981 يبدأ من الثورة التي قادها سعد زغلول وينتهي سياسياً عند اغتيال انور السادات، ويدور حول الخطاب الإبداعي للمرأة في ظل الواقع السياسي للمجتمع منذ أن شجعتها ثورة 1919 على الخروج من المنزل كى تعضد بدورها أهداف الثورة ثم يتبلور دورها الاجتماعي أكثر بدخول الفتيات إلى الجامعة وتخرجهن منها وخوضهن في الكتابة السردية (سواء القصصية أم الروائية).

والسؤال الذي أجاب عنه هذا الكتاب هو هل أباحت السلطة السياسية، بتباين توجهاتها، للمرأة المصرية الكتابة والتعبير عن المسكوت عنه أم لا.

* كتاباتك عن المرأة المبدعة وصورة المرأة داخل النص الإبداعي تجعلني أسألك: هل يمكن تحديد آلية واحدة للكتابة لدى المرأة العربية خاصة مع الدعاوى التي تقول بخصائص للكتابة النسوية؟

ـ بالطبع لا، لأنه في واقعنا العربي هناك الكثير مما يخص المرأة في المجتمع وما يبرر جزءاً من النظرة السائدة إلى مكانتها الاجتماعية، وهذا ما يعكس قدراً من دورها في المجتمع بإيجابياته وسلبياته، خاصة إذا ارتبط هذا الدور بدرجة فاعليتها في المجتمع وانفعالها به، والكاتبات العربيات (كل على حِدة) يدركن هذا الدور، ويحاولن عبر طرائق أسلوبية متباينة متجددة التعبير عن صورة تواجد المرأة داخل السياق الاجتماعي الذي تتعايش معه. فمن الصعب تحديد آلية واحدة يخضع لها إبداع المرأة لأن كتابة المرأة لا ترجع إلى أسباب خاصة فحسب، وإنما نتيجة حساسية الرؤية التي تصدر عنها تجاه الواقع الاجتماعي الذي تكشفه.

* وهل لهذا خصصت محورا للأدب النسائي في كتابك عن الادب المغربي؟

ـ أعتبر محور الكتابة النسائية فى المغرب الموجود فى هذا الكتاب ضرورياً، فلقد كانت مرحلة التسعينات من القرن المنصرم هي أولى المراحل التي أفردت فيها المرأة المغربية للكتابة الروائية جزءاً كبيراً من مشروعها الإبداعي مما جعل النصوص الروائية تتباين في غاياتها، منها على سبيل المثال لا الحصر، «جسد ومدينة» 1996 لزهور كرام، «الجلادون» 1999 لربيعة السالمي، «هاجس العودة» لحليمة زين العابدين 1999، «جراح الروح والجسد» 1999 لمليكة مستظرف، «يوميات زوجة في الأرياف» 1998 لدليلة حياوي.

* بالمناسبة، ما سبب فتور العلاقة بين الأدب المصري والمغربي خاصة وان لك كتابا حول حاضر الرواية في المغرب العربي؟

ـ لا يوجد فتور أساساً في العلاقة بين الأدب المصري والمغربي، وخير دليل على ذلك إقامة لقاء الرواية المصرية المغربية الذي يعقد بانتظام كل عامين ويتبناه المجلس الأعلى للثقافة ويُصدر كتابا يحمل مجموعة من الدراسات عن الروايات التي تناقش أثناء اللقاء سواء المغربية التي يدرسها نقاد مصريون أم مغربية يدرسها النقاد المغاربة وقد صدر كتابان حتى الآن آخرهما عام 2003 .

* ألم يأت كتابك اذن بقصد نقد ما يسميه البعض بالنظرة الاستعلائية المصرية تجاه الادب في المغرب العربي؟

ـ بغض النظر عن هذا، أعتقد أن صدور كتابى «حاضر الرواية في المغرب العربي» يعتبر إضافة أولا لمشروعي النقدي، ثانيا يجسد هذا الكتاب تاريخ الرواية في دول المغرب العربي (تونس، المغرب، الجزائر) محاولا تحقيق نوع من تجاوز الدراسات السابقة التي درست كل قطر على حدة، ويأتي التجاوز في صورة طرح للماضي الروائي طبقا للواقع الديموغرافي لكل قطر، ثم تم التطبيق على عدد من النصوص الروائية المنتقاة ممثلة لتيارات متباينة فى كل قطر. وقد سمح تناولي النصوص الحديثة الصادرة مؤخراً برصد تطور وتنامي الكتابة الروائية في تونس أولا باعتبارها أولى بلدان المغرب فى إصدار الروايات حيث ظهرت رواية صالح السوي��ي «الهيفاء وسراج الليل» عام 1906 ثم تبعتها المغرب التي صدرت فيها الرواية فى الاربعينات من القرن الماضى.

* اهتمامك بالرائدة نبوية موسى واكتشافك لديوانها ثم تحقيقك له، هل يأتي فى سياق الاهتمام بالمرأة المبدعة أيضا؟

ـ لا، لأن السيدة نبوية موسى عرفت بريادتها التعليمية في مصر والتي ظلت تكافح فيها من أجل تعليم الفتيات والنهوض بعقولهن وقد كان ديوانها بالنسبة لي جديدا من حيث معرفة كونها شاعرة سطرت الشعر منذ 1904 حتى 1925 وقد صدر الديوان عام 1938.

* لكن ألا ترين معي أن قصائدها تخلو من الشاعرية بالاضافة الى الصوت الذكوري الموجود في الديوان؟

ـ عام 1904 الذي بدأت فيه نبوية موسى تقرض الشعر رحل محمود سامي البارودي رائد الإحياء في الشعر العربى ثم ما لبث أن تسلم اللواء احمد شوقي وجيله وبرز حافظ ابراهيم واسماعيل صبري وخليل مطران واستمر ذلك حتى العشرينات من القرن الماضي الذي شهد أوج الإبداع الشعري لتيار الإحياء وصعود جيل جديد من الشعراء عُرف بجماعة الديوان (العقاد، شكري، المازني) وقد كان هذا التيار هو الممهد الحقيقي لبزوغ الحس الرومانسي في الإبداع الشعري، وقد كانت نبوية موسى تنظر إلى تلك النماذج الشعرية وتحاكيها في جانب من قصائدها، وإن غلب على الديوان القصائد التي قيلت فى الحوادث المهمة فى الحركة الوطنية. كما كتبت نبوية موسى في أغراض شعرية كثيرة منها الشكوى من الزمان والمراثي (رثاء عائشة التيمورية وملك حفني ناصف باحثة البادية) والمديح والتهاني.

* لك دراسة حول واقعية القاع فى الرواية المصرية والأميركية المعاصرة. لماذا اخترت هذا الموضوع وهل ثمة تماثل بين هذه الواقعية والواقعية القذرة؟

ـ درست الاطروحة «واقعية القاع» بوصفها ظاهرة اجتماعية فى الرواية المصرية الأميركية المعاصرة لأن الواقعية ـ خاصة واقعية القاع التي تجسد صورة المهمشين والضائعين والشخصية غير السوية اجتماعياً ـ هى أنسب الأنواع الأدبية التى تلائم طبيعة هذا العصر المُعاش، فهي تتحدث عن المهمشين في عالم تموج أطرافه بشتى الصراعات والاضطرابات والقضايا ويخضع خضوعاً تاماً للمادة، بل تتحكم فيه المادية السافرة وتوجه مساره وتدعمه. وعلى ذلك يتسم التعبير الأدبي بهذه السمة الواقعية حتى يصبح التعبير المناسب عن روح العصر.

مــــــصطلح واقــــعية القاع هو التـــــرجمة المــــلائمة من وجهة نظري للمصطلح الانجليزي Dirty Realism)) الواقعية القذرة) الذي ظهر في انجلترا في مجلةGranta التى حاولت التأريخ لنوع جديد من الكتابة الإبداعية بدأ يظهر فى أميركا فى الثمانينات من القرن الماضي.

* لماذا إذن اخترت تطبيق تلك الواقعية على الكتابة الروائية المصرية والأميركية مع تباين المجتمعين؟

ـ شغلني سؤال هو كيف يكون هناك نوعية من واقعية القاع فى مجتمع رأسمالى مثل الأميركي؟ إن وجود واقعية القاع فى مجتمع من مجتمعات العالم الثالث (المجتمع المصرى) مُبرر نظرا للظروف الاقتصادية الطاحنة التي لا بد أن تصنع الفقراء والمُعدمين، لكن فى المجتمع الرأسمالي الأميركي جنحت الرواية الأميركية (حسب النصوص المدروسة لريتشارد فورد وبول أوستر) إلى صياغة بنية قائمة على تشخيص الواقع بالضرورة، متبنية أطروحة مفادها تدمير مفهوم «الحلم الأميركي» الجميل الذى تُصدّره السلطة الأميركية إلى العالم، ومن ثم جعلت النص يشخص الواقع كما هو من دون تجميل بل استدعت في تناولها للواقع المشاكل النفسية والتهميش والانحرافات التي تطال أفراد المجتمع، بينما قامت الرواية المصرية على تناول الظواهر غير السوية فى المجتمع، مؤكدة على الفساد والانهيار والتراجع، وكاشفة ـ على خلاف الرواية الأميركية ـ عن البعد الطبقي الاجتماعي بين الطبقة التي تموت جوعا والأخرى التي تموت من التخمة، ثم صعود الطبقة البرجوازية الطفيلية.

* هل يمكن باعتقادك إحالة المقارنة بين كتاب مصريين وأميركيين في هذه الدراسة لغرض سياسي؟

ـ لا، لأن ظهور مصطلح «واقعية القاع» فى مجلة «جرانتا» بوساطة اسلوب كتابة جديد عند كتاب أميركيين هم ريموند كارفر وريتشارد فورد وجين آن فيلبس وغيرهم هو الذى فرض المقارنة حيث ظهر المصطلح وظهرت نوعية الكتابة فيه في أميركا، أما في مصر فظهورها نتاج طبيعي عند عدد من الكتاب الذين يرقبون جيداً التردي الاجتماعي الواضح ومن ثم يكشفونه عبر النص.

* وماذا عن كتابات القاع عند الجيل الجديد خاصة وانك مهتمة بالأدب الذي يكتبه الشباب؟

ـ استمرار الكتابات داخل نطاق واقعية القاع أمر طبيعى طالما أن هناك خللا اجتماعيا ملموسا، لكن تجربة الكتابة لدى الشباب ينبغي أن تُثقل، فليس من المهم أن ينتج الأديب الشاب نصاً بل المهم أن يكون للنص قيمة ما ودلالة. وعندما تنضج التجربة الإبداعية للكاتب ثق أنها سوف تجد مجال الدراسة والنقد أمامها مفتوحاً.