عزيزى الرجل : " اقعد فى البيت اذا لم توفق بين بيتك وشغلك "

  بقلم د . منى نوال حلمى

      اذا التقى شخص  بامرأة عاملة فى أى مجال ،  فورا يقفز السؤال المزروع فى وجدانه وعقله ، قائلا بابتسامة صفراء ، تخفى تحتها الخبث والعنصرية وبقايا عصور العبودية : "  عارفة توفقى بين بيتك وشغلك ؟ ، وجوزك موافق على شغلك بره البيت ؟ ".

   وترد غالبية النساء : " فى الأول اشترط انى أقعد فى البيت ، بس أقنعته انه مش هيحس بغيابى وتقصيرى ،  واتفقنا لو معرفتش أوفق بين البيت والشغل ، هاتفرغ له هو والبيت والولاد ".

     حتى النساء المهتمات بحقوق النساء وحقوق الانسان ، الزوج يأتى قبل

 العمل .

     لماذا لا يوجه السؤال نفسه للرجل : " عارف توفق بين شغلك وبيتك ، ومراتك موافقة على شغلك بره البيت ؟ ". هذا السؤال هو أساس استعباد النساء،

واستغلالهن عبر العصور .

    أساس هذه العقلية عدة مفاهيم :

أولا :  أن المرأة مهما تعلمت وتبوأت مراكز مرموقة ومهما كانت ذكية ومتفوقة وطموحة  ، فان " الوظيفة الأساسية لها هى جوزها وبيتها وعيالها ". وهى وظيفة مختارة لها قبل ولادتها ، ولا أحد يكلف خاطره ، ليأخذ رأى صاحبة الوظيفة . فالزواج " سُترة " للمرأة ، وكأنها فضيحة وعار قبل الزواج ،

أو بدونه .

      ثانيا : طاعة المرأة لزوجها واجبة فى كل الأمور ،  مقابل أنه ينفق عليها ، والا هى " ناشز " ، وتعتبر فى حكم " المنبوذين " . وحتى اذا لم ينفق عليها وعلى الأطفال ، لابد أن تطيعه ، لأنه القوَام عليها و الأرجح عقلا ، وتمييزا ، وتدبرا . فهى التى " على ذمته " ، وليس هو الذى " على ذمتها " ؟. 

    ثالثا : من حق الزوج ، أو أى ذكر فى الأسرة والعائلة ، ولو كان أصغر سنا ، غبيا ، جاهلا ، منفلت الأخلاق ، بلطجيا ، رد سجون ، له سوابق عند الشرطة ، مغتصبا ، متحرشا ، عنيفا ، يزعق ويضرب ويرهب ، أن " يأمر " المرأة بأى شئ على مزاجه . من حقه ومن أجل حماية شرفه وسمعته ورجولته ، ودينه ، أن يشترط عليها ألآ تكمل تعليمها ، وألا تعمل ، وأن تتحجب ، أو تتنقب ، لا تخرج الا بأخذ اذنه ومباركته ، حتى لو ستلقى النظرة الأخيرة على أمها المريضة .

  ان " الطاعة " المفروضة على النساء ، تكاد تصل فى أهميتها وتقديسها لتكون الركن السادس من أركان الاسلام . بل أهم مثلما حدث مع الحجاب .

رابعا : عقد الزواج هو عقد نكاح ، مدفوع الأجر ( المهر ) . وكلما كانت العروس مثيرة أكثر للنكاح ، ارتفع السِعر .

خامسا : دوافع الزواج للنساء والرجال ، دوافع مريضة . المرأة تتزوج ، لتكون فى حماية رجل يسترها من طمع الرجال وعيون المجتمع ، وينفق عليها . الرجل يتزوج ليجد امرأة تطبخ له ، وينكحها متى أراد ، تعويضا عن الكبت الطويل ، ويصب عليها غضبه من الناس ، ويحقق على جسدها بطولاته المزيفة من الرجولة والفحولة الجنسية .

    وينتج من هذه العقلية تناقضات أخلاقية  فجة بالضرورة ، أكثرها خزيا ، أن غشاء البكارة هو شرف ذكور القبيلة والزوج . والفتاة - مشروع الزواج - اذا فقدته ، بسبب ذكر مكبوت أو يمشى بغريزته الُسفلية ، فعلى ذكر آخر أن يغسل عاره ورجولته بدمها ، ويسير مختالا بجثتها . حتى مجرد الشك فى عذريتها ، دون أدلة لا يحميها من الذبح والقتل .

     أتابع يوميا البرامج على اليوتيوب التى تختص بالجرائم فى مصر والبلاد العربية . كلها أو 99 % منها ، بسبب " أجساد النساء " داخل الزواج وخارجه .           هناك ضحايا يوميا فى بلادنا فى القرى والمدن ، اللائى يُسفك دماءهن بسبب غشاء البكارة " أعز ما يملكن " وهذا تعبير لابد من بتره . وهناك أسر كثيرة ، تشد الابنة الى الأطباء أو الطب الشرعى ، ليؤكد أو ينفى وجود الغشاء . منتهى الاهانة للفتاة . وهناك فتيات خوفا من الفضيحة والمصير الدموى على أيدى العائلة ، تفضل الانتحار ، أو تذهب الى طبيب يبتزها جنسيا وماديا لكى يجهضها ، ثم ترقع غشاء البكارة ، الذى أصبح حلالا بعد فتوى دار الافتاء مؤخرا . أوضاع بائسة تعتقل الفتاة التى لا تملك جسمها ولا مصيرها ، بسبب مفهوم متوحش همجى ، يدل على الاختلال العقلى المزمن ، والاختلال الأخلاقى أيضا .

       شئ مضحك ، أن نرى رجلا مرموقا ، شاربه يغطى وجهه ، يتكلم خمس لغات ، وعمل زفاف أسطورى ، وقضى شهر العسل فى جزر الأثرياء ، وقتل عروسته فى الصباحية لأنها " ليست بكرا ".

     وما زلنا فى مصر نتشبث بهذه العقلية ، وكأن تغييرها سوف يخرب البيوت العمرانة ، وستعم الفوضى الأخلاقية ، ويفسد المجتمع بأكمله . هل تحسنت أخلاق المجتمع ، بترقيع غشاء البكارة ، وقوامة الرجال ، وقعود النساء فى البيوت ، والباسهن أزياء دينية ، وطاعتهن العمياء للرجال والأزواج ؟؟.

    الحقيقة التى لا يفهمها الناس ، أن العدالة فى العلاقة بين النساء والرجال ، لم تخرب أبدا البيوت العمرانة ، ولا تؤدى الى الفوضى الأخلاقية ، ولا تفسد المجتمعات . بل العكس هو الصحيح تماما .

    لا يوجد أسوأ من العلاقات بين النساء والرجال ، المؤسسة على استعباد وتملك طرف على حساب الطرف الآخر ، وتقنينها واعطائها الشرعية . العلاقات المبنية على البيع والشراء ، طرف يدفع المال ، وطرف يعطى نفسه وجسده وطاعته للطرف الذى اشترى ، هى التى تخرب البيوت والناس نفسيا وجسديا ، وتخرب الانسانية ، وتخرب محاسن الأخلاق . علاقات ظاهريا تؤدى وظائفها ، لكنها من داخلها مخوخة ، مسوسة ، كاذبة ، مدمرة ، توفر الدوافع المثلى لارتكاب الجرائم ، والخيانات ، والازدواجيات الأخلاقية ، والثقافية ،  ولا تنتج الا أجيالا على الشاكلة نفسها . وما هو البيت ؟ جدران وأثاث وأجهزة ، أم البيت هو البشر الساكنون فيه ؟؟. العلاقات السامة ، من الأفضل أن يتخرب البيت ، عن أن يتخرب البشر الساكنين البيت .

    التعاليم الدينية والاعلام والثقافة والدراما والأغانى والاعلانات ، كلها ترسخ هذه العلاقات الخربة والمخربة .

      الزواج مؤسسة دينية ، فشلت فى تحرير واسعاد كل أطرافها . فى مصر ، القوانين كلها مدنية ، الا قوانين الأحوال الشخصية . ويفسر هذا المقاومة الشرسة من رجال الدين لتحويلها الى قوانين مدنية عادلة بين الزوجين . فمنْ يتحكم فى قوانين الزواج والطلاق ، يتحكم فى النساء ، ومنْ يتحكم فى النساء ، يتحكم فى المجتمع بأسره . فالأسرة نواة المجتمع .

    لا أفهم فتاة تكلف أهلها الانفاق على تعليمها ، ثم تجد عملا ، وهى مؤمنة بأن " وظيفتها  الأساسية هى التفرغ لاسعاد رجل بالنكاح " حقه الشرعى " ، والطبيخ والغسيل والتظيف والمسح ورعاية الأطفال " ؟.  هذا اذا افترضنا أن النكاح يشعرها بالمتعة ؟. قالت لى زوجة : " هذا الحق الشرعى يشعرنى أننى

" مرحاض " يقضى فيه جوزى حاجته ". فى اللغة كلمة مراحيض ، تشير الى

" مرا " امرأة ، و "حيض" أى الدورة الشهرية .

   ولا أفهم كيف تقبل فتاة أو امرأة لديها كرامة ، أن رجلا " يشترط " عليها أمورا ليتزوجها ؟؟. من أين أتى بهذا الحق ؟؟.

    من الأفضل لمثل هؤلاء الفتيات ، أن تقتصر حركتهن بين " مريلة المطبخ " ، و" قميص النوم " ، ويوفرن المال والجهد على أهاليهم ، ويكتفين بفك الخط ، ويتركن المكان لمنْ لا تتخلى عن عملها .

    ولا أفهم كيف للزوجة أن تتحمل " المهانة والعنف " من زوجها ، " عشان تربى العيال ". وأسرتها مسرورة أن ابنتهم " عاقلة ، " صابرة " ، " حكيمة " ،

" مبتخربش بيتها ".

      أى نوع من التربية تقدمها أم " تعيسة " ، مهانة ، " ؟. كل أنواع الجرائم ترتكبها نساء ورجال ، عاشوا طفولة مضطربة . وأبشع اضطراب أنهم شاهدوا بأعينهم أكثر انسانة يحبونها ، " الأم " تُشتم وتُضرب من الأب .

    ألا يستحون وهم يخدعون المرأة قائلين ، أن بيتها ( بيت زوجها ) ، هو مملكتها . كيف تكون مملكتها ، ويمكن أن تُطرد منها الى الشارع ، بكلمة من الزوج ، وهو جالس على المقهى ، أو فى أحضان امرأة أخرى ؟؟.

    وهذه الملكة المزيفة ، يبرر القانون لزوجها ،  أن يقتلها لو رآها مع

عشيقها فى بيته ، باعطائه حكما مخففا ، مراعاة لأعصابه المنفلتة . المفروض أن القانون يجرم القتل عدا الدفاع عن النفس .

وهذا ليس مستغربا ، لأن واضعى القوانين من " الذكور " .

         يوضح التاريخ أن المؤسسات الدينية ، تقاوم كل جديد ، وتحرمه شرعا ، خاصة اذا تعلق بتقليل مساحة السلطة المعطاة للرجال ، وانصاف النساء .

   بعض الأمثلة من تاريخ مؤسسة الأزهر :

1515 حرم الطباعة ، 1572 حرم القهوة ، 1877 حرم اتفاقية تجريم تجارة

العبيد ، 1884حرم مياه الصنابير ، 1930 حرم التعليم الجامعى للمرأة ،

1952 حرم على النساء المناصب البرلمانية والقضائية ، 1996حرم قانون

تجريم الختان .

والقائمة تطول بين تحريم نقل الدم ، ونقل الأعضاء ، والطلاق الموثق وغيرها .

    قالت نقيبة الأطباء فى مصر للمرأة الطبيبة  : " بيتك ثم بيتك ثم مهنتك .. لو قعدتى فى البيت فيه مليون طبيب غيرك أما أولادك ملهمش غير أم واحدة ".

  أولا ، المفروض أن نقيبة الأطباء تهتم بشئون النقابة ، واصلاح أحوال

الأطباء ، والطبيبات ، ، وتوفير العلاج لكل الشعب المصرى . وليس اعطاء فتاوى ترسخ عصور الحريم .

  ثانيا ، المرأة الطبيبة لو قعدت فى البيت ، منْ سينفق عليها ؟. بالتأكيد الزوج . وهذا يضيع الاستقلال الاقتصادى للمرأة ، ومنْ لا يملك قوته لا يملك كرامته.

  ثالثا ، أنا أوافقها على أن المرأة الطبيبة لو قعدت فى البيت ، فيه مليون طبيب غيرها ، أما أولادها ملهمش غير أم واحدة . ولكن هذا ينطبق أيضا على الرجل الطبيب ، لو قعد فى البيت ، فيه مليون طبيب غيره ، أما أولاده ملهمش الا أب

واحد . لماذا لا يقعد فى البيت ويربى الأولاد ؟.  وهذا يناسب عقليتنا المؤسسة على قوامة الرجل ، وتفوقه عليها فى الدين و القدرات العقلية. كيف نعهد لمنْ ترادف الشيطان والدنس والخطيئة ، أن تصنع الأجيال ؟؟.

   رابعا : منْ قال أن التفرغ هو النموذج الأمثل للأمومة ؟. هناك أم لا تجلس الا ساعتين مع الأطفال ، لكنها تبث فيهم قيم العدل والكرامة والحرية . فيشبون أسوياء ، وسعداء .المعيار لابد أن يكون بالكيف ، لا بالكم .

خامسا : نحن نفهم التربية على أنها رقابة ، ووصاية ، وأوامر ، ونواهى ، وتخويف ، وعقاب . نحن نربى الطيور والحيوانات . لكن مع الأطفال ، نرعاهم ونحبهم ونحررهم من القيود التى ورثناها ، وهذه أشياء لا تفهمها ، الا قلة نادرة من الأمهات والآباء ، على حد سواء . ان الأطفال يخرجون من بطون أمهاتهم ،

" متربيين " ، و " أحرارا " ، " وأسوياء " ، و " سعداء " ، ونحن بتربيتنا نحولهم الى عبيد وجوارى ومرضى وتعساء .

        شاهدت مقطعا من فيديو للشيخ الشعراوى يقول : " ان المرأة المستورة فى بيتها المحجبة ، هى التى يكون الزوج متأكدا أن أولادها منه ".

       وهذا لب التحريمات والقيود على جسد وحركة النساء .

كل عُقدة نفسية وجنسية عند الرجال ، لها " تصريفة " من رجال الدين ، تدفع ثمنها النساء .