عادل و سعاد في الحديقة

وسط النحيب و البكاء و التعديد و إهالة التراب على رءوس النساء، انحشر أهل القرية في تلك القطعة الضيقة من الأرض الجرداء التي تفصل بين مقابر المسلمين و مقابر المسيحيين.

يقول شهود العيان إن الميكروباص قد تعطل على شريط القطار، و إن الواد السواق نزل يزق ، و إن المزلقان كان مفتوحا و إن جرس المزلقان ظل يضرب، و إن حارس المزلقان كان يقضى حاجته ، و إن القطار قد أطاح بالعربة فطارت لمسافة خمسين مترا ثم انقلبت على جانبها ، و إن القطار ظل يدفعها مائة متر حتى تضعضعت فركب فوقها و هرسها تماما.

يقول شهود العيان إن الواد السواق اخذ يلطم و يولول كالنسوان ، و إن حارس المزلقان قد أتى مسرعا و هو يلملم بنطاله و يصرخ ، و إن الأرض انشقت عن آلاف الرجال و النساء يصرخون ، و إن عربات الإنقاذ قد حضرت بعد 3 ساعات ، و إن محاولة إخراج الميكروباص قد فشلت فبدأ رجال الإنقاذ في نشر الميكروباص إلى قطع صغيرة حتى يمكنهم إخراجه من تحت القطار.

يقول شهود العيان إن رجال الإنقاذ لم يجدوا إلا أشلاء لم يستطيعوا أن يتبينوا منها أي شئ فلملموها في قطعة قماش صغيرة جاد بها صاحب الجود.

يقول شهود العيان إن البيه الظابط نزل ع الواد السواق بالشلاليت و البونيات لما عدمه العافية ، و إن عربة الإسعاف الكحيانة قد و صلت القرية عند العشاء ، و إن أهل القرية قد تجمعوا على صوت السارينة و هو ينعق ، و إن أهل عادل و أهل سعاد كانوا في انتظار أولادهم العائدين من المدرسة ، و إن سائق الإسعاف قد ترك لهم قطعة القماش على الأرض و انطلق عائدا ، و إن الأهل لم يستطيعوا التعرف على الأشلاء أو فصلها عن بعض.

يقول شهود العيان إن عادل و سعاد قد كانا في السادسة من عمريهما القصير، و أنهما لم ينتبها لعطل السيارة التي تتعطل دوما، و إنهما كانا يلعبان معا و يتضاحكان قبل أن يهرسهما القطار.

يقول شهود العيان إن شيخ و قسيس القرية قد حاولا الاتصال بشيخ الأزهر و بابا الكنيسة حتى يفتوهم في كيفية دفن الرفات المهروسة معا و الصلاة عليها ، لكن الاتصالات راحت سدى لأن الشيخ و البابا كانا في حفل إفطار الوحدة الوطنية.

يقول شهود العيان إن الرفات ظلت يوما بليلة و الكل محتار كيف يصلون عليها و أين يدفنوها ، و إن التربية على الجانبين رفضوا القيام بالدفن من دون فتوى واضحة فقرر والد عادل ووالد سعاد دفن الرفات في مكانها الفاصل بين مقابر المسلمين و مقابر المسيحيين.

يقول شهود العيان إن خطبة الجمعة ووعظة الأحد كانت متطابقة ، و إن الشيخ و القس قد خرجا بحكمة واحدة لما حدث “لا تلعبوا معا ، لا تركبوا معا ، لا تضحكوا معا حتى يمكننا دفنكم بالطريقة الصحيحة”