طفل شقي اسمه عنتر رواية تعري الفساد في المجتمع المعاصر

 

استطاع الكاتب الروائي محمد توفيق أن ينجوَ بروايته الجديدة "طفل شقي اسمه عنتر"، من أسر الرواية البوليسية، بإضفاء مساحات شاسعة لنقد المجتمع والسلطة، وتعرية الفساد والعفن الضارب بأطنابه في المجتمع المعاصر، خلال أحداث الرواية التي وقعت في عام 1999 ، وتنتهي مع إشراقة فجر العام الجديد، عام 2000 الذي اختُلِفَ حوله (في الرواية، وخارجها) هل هو بداية الألفية الجديدة، والقرن الجديد، أم نهاية الألفية السابقة، والقرن العشرين. فمن خلال حادثة اغتيال الممثلة الشابة المشهورة أحلام الشواربي، والعثور على جثتها عارية تماما، ومغطاة بورق الجرائد، في أحد مصاعد برج السعادة المطل على كورنيش النيل بالقاهرة ـ والذي تدور فيه معظم أحداث الرواية ـ وعدم توصل المحققين لمعرفة القاتل، ومحاولات الصحفية الشابة إصلاح المهندس، للكشف عن الجناة، الذين توصلت إليهم بالفعل، بحسها الصحفي وإخلاصها في عملها، ويقظة ضميرها، ولكن تجابه بالكثير من المعوقات والعقوبات في الوقت نفسه، عن طريق التهديد وتلويث السمعة، ونقلها في عملها بالجريدة من قسم الحوادث إلى قسم المرأة، لتضيع معالم الجريمة، ومازالت الشرطة تبحث عن الجناة. من خلال هذا كله، وغيره، ينهض البناء الروائي، نهوضا متماسكا، ولكن يعيبه في بعض الأحيان كثرة التفاصيل، التي ربما تصل إلى حد الإملال لدى القارئ الذي يريد أن يَفكَّ ـ مع المؤلف ـ شفرة الجريمة، ولا يعنيه بعض التفاصيل أو الوصف المسهب أحيانا، وأيضا قلة من الشخصيات الدخيلة على العمل. لم يبدأ الروائي روايته بحادثة اغتيال أحلام الشواربي مباشرة، ولكن بدأها بحادثة أخرى في البرج نفسه الذي اغتيلت فيه الممثلة، وهي حادثة إلقاء بعض الأثاث والأطباق والكؤوس والزهريات والشوَك والسكاكين وغيرها، فضلا عن البيانو الأسود الذي سقط فوق سيارة مرسيدس فهشمها تماما، والذي يشبهه ـ السارد ـ بالبيانو اللامع الذي يظهر في أفلام عبد الحليم وفريد الأطرش، من الدور الثالث عشر بالبرج في الساعة الثالثة والربع بعد ظهيرة الثاني من أغسطس 1999، الأمر الذي أدى إلى عطلة المرور واصطدام السيارات والأتوبيسات في نهر الشارع بعضها بالبعض الآخر. كان الشاويش أشموني ـ أحد أهم الشخصيات في الرواية ـ واقفا في تقاطعه لتنظيم حركة المرور عندما اصطدم أول كرسي فوتيه فوق الأسفلت. وهكذا ظن البعض أن الشقة التي رُمي منها بعض الأثاث والأدوات والبيانو، شقة مسكونة بالعفاريت، فمن يجرؤ من البشر على فعل ذلك؟ قال البعض إنه مشهد من جهنم، وأنه دمار مقصود، لابد أنه من عمل الشيطان. وللوهلة الأولى قد يظن القارئ أن إلقاء الأثاث والبيانو من الدور الثالث عشر، مجرد كابوس يراه أحد شخصيات الرواية في منامه، ويصفه السارد لنا بكل تفاصيله، ولكن سرعان ما نكتشف ـ مع مضي أحداث الرواية ـ أن هذا الوصف، وصف لحدث واقعي بالفعل، وأنه اللبنة الأولى في صرح الرواية. ومن ثم يُدخلنا الروائي في أحداث الرواية مباشرة، قبل أن نتعرف حتى على شخصياتها، لنكتشف بعد ذلك أن الشاويش أشموني مشارك بطريقة أو بأخرى في تقدم السرد إلى الأمام، عن طريق إنكاره التام لكل ما يعرفه أو شاهده سواء ليلة مقتل الممثلة، أو أثناء إلقاء الأثاث والبيانو من شرفة الشقة، ولكن سنكتشف بعد ذلك أن ضمير الشاويش يبدأ في الاستيقاظ، وتستغل الصحفية الشابة طيبته وأصالة معدنه وإحساسه الفائق بالكلام ومعناه، للتأثير عليه عن طريق بعض السطور الشعرية للشاعر صلاح عبد الصبور كما سنرى. ولنكتشف أيضا أن الطفل الشقي عنتر الذي سميت باسمه الرواية، من سكان البرج، وأنه يظهر دائما في المواقف الحرجة ليداعب بخفة دمه، الشاويش أشموني، والعاهرة فرح، وبعض الشخصيات الأخرى، دون أن يُغضب أحدًا منه. ولعله يرمز في الرواية إلى الفطرة أو الطفولة والسذاجة والبراءة الأولى للإنسان، لذا يستغله د. عبد الملاك في عملية تحضير الأرواح التي تنطق من خلال فم الطفل، وخاصة العبارة الدالة التي تكررت كثيرا في بعض الفصول: "كلكم ظلمة، وأولكم عارف نفسه"، والتي سنكتشف بعد ذلك أنها العبارة الأثيرة للفنانة القتيلة التي ترددها أثناء تحضير روحها، وكأن جلسة تحضير الأرواح هي التي تكشف عن سر الجريمة، وليس رجال الشرطة. على مدى صفحات الرواية (البالغة 364 صفحة) كان الظن بعدم جدوى تحضير الأرواح، وأنه نوع من النصب والاحتيال والشعوذة، ولكن يستطيع د. عبد الملاك أن يحضِّر روح الممثلة أحلام الشواربي التي تعترف، أمام أختها ديدي والصحفية إصلاح (التي ترغب في صلاح الكون)، وشكري شاكر المنتج السينمائي الشاب وابن رجل الأعمال الكبير، بظروف اغتيالها في الشقة رقم 1301 ببرج السعادة. لقد رفضت أحلام الاستجابة إلى رغبات المنتج الشاب الذي وعدها بالزواج، ولكن بعد أن ينال وطره منها، وتمسكت بطهارتها ونظافتها في هذا المجتمع العفن، فكانت لابد أن تدفع الثمن. ولكن هل يأخذ المحققون أو رجال البوليس، ومواد قانون العقوبات، بعملية تحضير الأرواح كقرائن على ارتكاب الجرائم؟ الإجابة بالنفي بطبيعة الحال، وكأن الروائي أو السارد يذهب إلى أن القوانين كافة لن تستطيع أن تحل مشاكلنا، وأن الأمر يحتاج إلى قوى غيبية لإنقاذنا مما نحن فيه، والكشف عن مرتكبي الجرائم الصغرى والكبرى الذين يتحصَّنون بالقوانين نفسها، من أجل إثبات براءتهم الزائفة، وهم برءاء مادامت جيوبهم وأرصدتهم البنكية منتفخة بملايين الدولارات. هذا ينقلنا إلى موضوع نقد المجتمع، ونقد السلطة، وأيضا نقد ثورة 23 يوليو، وهو ما أنقذ الرواية من طابعها البوليسي، وأضفى عليها الطابع السياسي والاجتماعي، وأيضا الطابع المخابراتي، وإن كان الأخير ضعيفا بعض الشيء. ففي محادثة بين د. عبد الملاك العائد من أمريكا ـ بعد سبع سنوات ـ حاملا درجة الدكتوراه في الزراعة (وله صفحة على الإنترنت تدل على أنه طبيب روحاني)، والمخيخ (الذي لا يرغب في ذكر اسمه الحقيقي) عالم الفيزياء النووية الهارب من مراقبة الموساد (لأنهم بيصطادوا العلماء واحد واحد، بيموتوا في حوادث غامضة) .. والمخابرات المركزية الأمريكية، بسبب اشتراكه في بناء برنامج المفاعل النووي العراقي، وعودته سرًّا ليختفى في شقة أحد أصدقائه، وهو المليونير عبد التواب توتو مالك الشقة التي يستأجرها شكري بيه المنتج السينمائي الشاب، ويمارس فيها سهراته الحمراء، والتي وقعت بها جريمة اغتيال أحلام الشواربي، نسمع هذا الحوار: ـ عبد الملاك: لو كانت الحكومة بس تتمسك بتطبيق الشريعة كنا نستعيد الأمجاد. ـ المخيخ: مشكلة الدولة الدينية اللي انت بتطالب بها .. إن فهم مجتمعنا للدين لم يتطور بشكل يواكب تطور الحضارة البشرية .. أعتذر إن كنت أنتمي لآخر الأجيال المؤمنة بثورة 23 يوليو. ـ عبد الملاك: الثورة علقتنا في الهوا بين السما والأرض، علمتنا لكن ما ادتناش معامل، زغللت عنينا بالآمال، لكن ما مهدتش الطريق علشان نحققها، باعت لنا كلام وأكلتنا أوهام وشربتنا أحلام. ـ المخيخ: الثورة ارتكبت خطيئة التاريخ الكبرى: إنها انهزمت، والتاريخ بيكتبه المنتصر وحده. ـ عبد الملاك: كتير أقول الثورة عملت والثورة سوت، وبعدين أرجع وأقول ثورة مين يا عم، هو أصلا كان فيه حاجة اسمها ثورة؟ دي مجرد حلقة جديدة في السلسلة اللي مكبلانا .. إديناها اسم جديد مشخلع وعلى الموضة. الحقيقة الوحيدة هي الإسلام. وبعدين لازم نطور مفاهيمنا علشان نتمشى مع العصر. ما حدش قال إن الإسلام يشجع الجهل والتعصب. ـ المخيخ: الإسلام المودرن حلم رومانسي جميل بقى لنا نعيد ونزيد فيه ميتين سنة، فرحتم قوى لما كفروكم الشيوخ، وطعنوكم العيال، وطلقتكم المحاكم، إنما كلامكم وصَّلنا لإيه؟ محلك سر ميتين سنة .. مش تشوفوا لكم حلم جديد أحسن؟ هكذا يستمر الحوار بين الرجلين الخائفين الحالمين بمجتمع أفضل، ومن هنا يأتي نقدهما للمجتمع الحالي، كل على طريقته وحسب أيديولوجيته. عبد الملاك ـ الذي لم يقل الكاتب صراحة أنه كان ينتمي إلى الجماعات الإسلامية، ولكن سلوكياته وحواراته تكشف عن ذلك ـ والذي كان طالبا فقيرا أيام الجامعة، وكان يحب زميلته فرح الناصرية ويستلذ من مجادلتها، والتي سيقابلها بعد ذلك مصادفة في أحد مصاعد البرج، فيحاول أن يتشبث بالحلم القديم في الزواج منها، ولم يعرف مدى الانحراف الذي وصلت إليه، وأنها تعيش في شقة استأجرها لها رجل الأعمال المعروف شاكر بيه (والد المنتج السينمائي شكري شاكر السابق الحديث عنه) ويزورها فيها كل ليلة ليقضي وطره منها. والمخيخ الهارب من المخابرات، ومن توقع اغتياله في أية لحظة، والذي يتحرر من خوفه في نهاية الرواية قائلا: "أنا كمان ما بقيتش بخاف .. ساهمت في بناء البرنامج النووي العراقي قبل ما يدشدشوه الأمريكان .. كنت فاكر إني بساهم في دعم القوة العربية .. فلقيت نفسي شريك في أكبر نكبة على العرب بعد 67 (ويقصد بها حرب الخليج الثانية 1991). ولأهمية الحوار الناشي بين عبد الملاك والمخيخ في إيضاح التيارات السائدة في المجتمع المصري، والتي نجح السارد في إظهارها على السطح عن طريق الحوار بين شخصياته، دعونا نكمل الحوار السابق بينهما. يقول المخيخ لعبد الملاك: يا باشا علشان تنشيء أيديولوجية إسلامية جديدة، محتاج أولا ترفض الإيديولوجية الإسلامية القائمة. إنتم رقصتم على السلم، لا التزمتم بالطاعة ولا أعلنتم العصيان؟ الإسلام المودرن هو بيريسترويكا اللي جابت داغ الشيوعية. فيجيبه عبد الملاك قائلا: ميتين سنة؟ أنتم يا علمانيين بتتكلموا عن ميتين سنة؟ مين اللي شربنا ميتين سنة سراب؟ شفتم الغرب بهرتكم أضواؤه فحاولتم تقلدوه، بنيتم قصور ومسارح ودور أوبرا، ولبستم بدل وكرافتات ومايوهات بيكيني، وأكلتم ماكدونالدز وشربتم كوكاكولا ونضغتم شيكلتس، واتكرعتم اشتراكية وديمقراطية، ورطنتم إنجليزي وفرنساوي وروسي وصيني وعوجتم بوزكم ولزقتم شعركم، قل لي هل قدرتم تخدشوا سطح، هل قدرتم تأثروا في الناس، هل حد سمع كلامكم غير الأفندية والهوانم؟. قل لي لما واحد فيكم الدنيا تلخبط معاه بيعمل إيه؟ بيبحث عن الإلهام عند رينيه ديكارت، ولا بيبخر البيت ويشغل القرآن زي ما شاف أمه بتعمل وأم أمه؟. مثل هذا الحوار وغيره في الرواية، غير منبت الصلة عن أحداث الرواية نفسها، بل هو من صميمها، فمقتل الممثلة الشابة الجميلة أحلام الشواربي على يد المنتج السينمائي لأنها كانت تدافع عن شرفها وتحاول صون نفسها أمام غيلان المجتمع الفني، جعل البعض يراجع ملفات حياته، وأفكاره ومعتقداته، ويناقش نفسه ويناقش الغير، بل يناقش المجتمع ويحاكم السلطة، هناك مَن تراجع، وهناك من لم يتراجع. وهناك من سأل نفسه ما الذي أتى به إلى هذا البرج المشئوم والذي أعطاه السارد اسم برج السعادة، إما تهكما، أو توقعا لما سيسفر عنه المستقبل من سعادة، بعد التوصل إلى الجناة الحقيقيين (سواء الذين قتلوا أحلام الشواربي، أو أحلام الشعب في أن يعيش عيشة حرة كريمة)، وتخليص البلد منهم. أما الدور الذي تمت فيه الجريمة، فهو الدور الثالث عشر، بما في هذا الرقم من شعور بالتشاؤم لدى بعض المتطيرين، أي الذين يؤمنون بمسألة التشاؤم والتفاؤل. نعود إلى شخصية الشاويش أشموني الخائف المرتجف الذي يعرف الكثير عن الحادثتين، ولكنه لم يرد ذكر أي شيء، فهو يقبض من القتلة الذين يراقبونه حتى لا يتحدث. وعندما همَّ بالحديث إلى الصحفية إصلاح، كان جزاء ذلك، أن أخذوه إلى منطقة نائية، وأعطوه علقة ساخنة، ولكن لم يستطع الرجل الكتمان، وخاصة عندما ترددت عليه الصحفية أكثر من مرة لتستثير فيه النخوة والرجولة، متوسلة بأبيات لصلاح عبد الصبور، والمكتوبة في كراسة الممثلة التي عثرت عليها الصحفية في الشقة المنكوبة، فأخذتها قبل أن يراها المحققون ويصادروها. يقول صلاح عبد الصبور: لقد كنتُ فيما فات من أيام يا فتنتي مُحاربا صلبا وفارسا همام من قبل أن تدوسَ في فؤاديَ الأقدام من قبل أن تجلدَني الشموسُ والصقيع لكي تذلَّ كبريائيَ الرفيع. تقول الصحفية للشاويش: ده شعر صلاح عبد الصبور يا شاويش .. تسمع عنه؟ ـ أكيد .. هو حد ما يعرفش الشاعر الكبير. لقد سمع الشاويش بالفعل عن اسم صلاح عبد الصبور من قبل، يتحدثون عنه في التلفزيون أو الإذاعة، لم يسمع شيئا من أشعاره لكن على الأقل يعرف اسمه. لقد حارب الشاويش في حربي 67 و73 فأحس بوقع كلمات الشاعر، وأخبرته إصلاح إن هذا الشعر تقرأه من كشكول المرحومة أحلام الشواربي، لتستثير فيه النوازع الكامنة بداخله، وبعد محاولات تنجح في ذلك، فنراه يتجه إلى قسم الشرطة ليدلي بأقواله من جديد، ولكن يتهمه الضابط، الذي استمع إلى أقواله السابقة، بأنه تعبان من كثرة الوقوف في التقاطع، ويرفض الاستماع إليه، ويطالبه بأن يأخذ قسطا من الراحة من عناء العمل اليومي. لقد كشف لنا السارد عن الثقافة التي كانت تتمتع بها الممثلة، من خلال الكراسة التي حملتها معها الصحفية، وبدأت تقرأ منها بما يتناسب مع ظروف عملها، فكشفت لنا بالتالي عن شخصيتها وعن ثقافتها وعلاقتها بالآخرين. لقد كانت محترمة ومثقفة وجميلة في وسط لا يعترف معظم رواده أو دخلائه سوى بالجمال الصارخ مدخلا للفن ولأبواب أخرى خلفية. ومن هنا كان تعاطف الصحفية مع القتيلة، واعتبرتها أختها التي تدافع عنها وتأخذ بحقها بعد مقتلها على هذا النحو، وبالفعل تذهب إصلاح إلى منزل الممثلة القتيلة وتقدم واجب العزاء لأمها التي ارتاحت لها، واعتبرته مثل ابنتها، وطلبتْ منها أن تنصح الابنة الصغرى ديدي بألا تسير في الطريق نفسه، بعد أن لاحظت الأم أن المنتج نفسه يريد أن يستعين بها في أفلامه الجديدة. ومن ثم تبدأ معركة أخرى بين إصلاح وديدي لصرفها عن السير في هذا الطريق الذي جلب الوبال على أختها التي لم يبرد دمها بعد. ولكن الأخت الصغرى لم تنتصح. وبدأت تسير على الخطى نفسها، ولكن بدون ثقافة تحميها، وبدون وعي بما يحدث حولها. فتنقل إصلاح معركتها إلى مكتب المنتج الذي اعتبر كلامها ودفاعها عن ديدي تهديدا له، ونكتشف أن المنتج ورجاله كانوا وراء اختيار أخيها المتخرج حديثا من الجامعة، ليعمل في شركاتهم براتب مغرٍ، ليضمنوا سكوت أخته، ولكن لم تسر الأمور على هواهم، فهدَّدها المنتج بطرد أخيها من العمل. وهكذا تخوض إصلاح أكثر من حرب في وقت واحد، بل إنهم ألَّبوا عليها رئيس تحرير الصحيفة التي تعمل بها، بعد أن دفعوا له الثمن، وأعلنوا أنها صحفية ذات سمعة سيئة، فرفض رئيس التحرير نشر مقالاتها عن جرائمهم. إنه التستر على الفساد عن طريق الرشوة، أو التهديد بالقتل، أو تلويث السمعة، أو الطرد من العمل، إلى آخر هذه الإجراءات التي نراها في الحياة الواقعية. شيء مهم يجمع بين أحلام الشواربي وإصلاح المهندس، هو أن والديهما ماتا شهيدين، الأول في حرب 73، والثاني في حرب الخليج الثانية 1991 وإن لم يذكر السارد ذلك صراحة، وإنما يُفهم ذلك من هذه العبارة التالية: "في يوم شتائي مشمس، أخذتهما الأم إلى حديقة الحيوان، وكانت أحلام حينئذ تلميذة في المرحلة الابتدائية، وديدي مجرد رضيع يتأمل الدنيا بعينين واسعتين، بينما الأم تدفعهما في عربة الأطفال. كان الأب لا يزال على قيد الحياة، غائبا في موقع من مواقع الجيش في الصحاري البعيدة، والأحداث الجسام التي أودت بحياته بعدها بسنوات غير واردة إطلاقا في الحسبان، فعاصفة الصحراء وطائرات الشبح وصواريخ الكروز وحفر الباطن ونورمان شوارتزكوف كانت كلها أسماء يحتفط بها القدر في جعبته الخفية". هنا نعود إلى ربط الرواية التي تحمل الصبغة البوليسية، بأحداث الأمة العربية، وكما نرى فإنه لا يوجد انفصال بينهما، فأبناء الشهداء يدفعون الثمن أيضا. وفي ربط ذكي بين المسألتين يقول السارد على لسان إصلاح لديدي: "بلاش ترحمي مامتك اللي قلبها بيتفرتك كل دقيقة من اللي شافته .. طيب على الأقل راعي ذكرى المرحوم بابا .. الشهيد البطل .. اللي ضحى بحياته علشان البلد .. علشانك وعلشاني". وتكمل إصلاح حديثها لديدي قائلة: "بابايا أنا كمان كان شهيد .. مات في 73 .. علشان كده بشعر إني أنا وأحلام توائم، رغم السن بيننا ..". ولكن ديدي لا تستسلم لكلام إصلاح، وتعقب بقول يربط مرة أخرى الرواية بما مر من أحداث الأمة العربية، فتقول بما يشبه النقد الجرئ، أو بما يحمل وجهة نظر شباب اليوم: "لما كنت صغيرة فضلت أردد بابا بطل بابا بطل .. لغاية ما في يوم سألت نفسي هو كان بيدافع عن إيه بالضبط .. بيدافع عن البترول؟ عن جورج بوش والنظام العالمي الجديد؟ طلعت ولا بنت البطل ولا حاجة .. طلعت بنت المغفل". وتصدم إصلاح بوجهة نظر ديدي (فنانة المستقبل) فتقول لها: "إزاي يا ديدي تقولي حاجة زي كده؟ يعني كنتِ عاوزة صدام حسين يحتل الكويت .. ومصر تقف تتفرج؟ هو كل بلاد العالم من حقها تعيش حرة والكويت ما لهاش نفس الحق؟". ويبدو أن لديدي وجهة نظر تستحق السماع إليها حيث تقول: "ما قصديش أدافع عن صدام .. لكن فيه فرق كبير بين حرب 73 وحرب 91 أنت أبوكِ عبر القناة وهو بيدافع عن كل حاجة لها قيمة في حياته .. أنا أبويا راح يحارب في الكويت كأنه جاله عقد عمل". كل هذا ليس تزيدا في البناء الروائي، ولكنه له وظيفته النقدية والنفسية، فالمِثَالُ قد انهار أمام ديدي، ولم تجد قيمة كبرى في حياتها، لذا نراها تندفع بكامل قوتها ورغبتها إلى حلم المجد الكاذب والشهرة الزائفة من خلال المنتج السينمائي قاتل أختها. وهذا هو الربط الذكي بين الهم الشخصي والهم العام أو القومي، أو بين الأحداث الفردية والأحداث القومية التي أجاد المؤلف توظيفها على مستوى الرواية ككل. وليس الأمر يتعلق بحرب تحرير الكويت فحسب، ولكن هناك أيضا الوضع المأساوي في فلسطين المحتلة، ومحاولة إسرائيل شراء العلماء المصريين المتخصصين في جميع المجالات، وليس المجال النووي فحسب، فالدكتور عبد الملاك (الذي يحضِّر الأرواح) والمتخصص في علوم الزراعة يبحث عن فرصة عمل بعد عودته من أمريكا، عن طريق صفحته على الإنترنت، فترسل إليه إحدى شركات التوظيف، ويذهب إلى إلى مقابلة المدير الذي يقول له: "بعد جهود كبيرة اتوفقنا والحمد لله، أبشر يا دكتور، وظيفة إنما في صميم تخصصك وبشروط ممتازة، يعني حاجة تشعرك بآدميتك". وعندما يسأل الدكتور عن المكان يقول له: "دولة قريبة جدا، من دول المنطقة يعني، بس متقدمة خالص في المجال بتاعك، عندها القدرة إنها تستفيد من خبرتك، وبعدين أنا عاوز أؤكد لك إن التكنولوجيا اللي عندهم حتعم بالخير على المنطقة كلها". وعندما تحوَّل لسان عبد الملاك إلى قطعة حجر، من هول المفاجأة أو الصدمة، اعتبر المدير أن هذا السكوت موافقة ضمنية، فاستمر موضحا: "العملية تحتاج بعض الترتيب، يعني السفر يكون عن طريق أوربا، مجرد نتجنب إن حد يضايقك، أنت عارف عندنا ناس غاويين التعقيد .. لكن ما تقلقش الأمور دي عندنا خبرة كويسة فيها". ويُصدم عبد الملاك للمرة الثانية ويترك المكان معقبا على السكرتيرة التي تبخ سحابة كثيفة من معطر الهواء: "الريحة فاحت خلاص .. حتفضلوا ترشوا برفان لإمتى؟". هنا يوجه المؤلف نقده إلى المجتمع والحكومة التي تترك خيرة رجالها وعلماءها لشيطان المطبعين مع إسرائيل، بعد فشلهم في الحصول على عمل مناسب وشريف. ومع رفض عبد الملاك لهذه الفرصة، ولهذا السلوك، يتجه إلى تحضير الأرواح، ويعتكف في الشقة رقم 1301 ببرج السعادة. ولكن عندما يتحرر المخيخ (العالِم) من خوفه ويبدأ في المواجهة، نلاحظ انتقادا آخر للمجتمع المدني ولرجال الأعمال في مصر. في جلسة تحضير أرواح جمعت بين المخيخ ورجل الأعمال شاكر بيه (والد المنتج السينمائي) يقول المخيخ في جرأة واضحة، وكأنه يعوض سنوات الخوف والصمت: رجال الأعمال في مصر .. كلهم واجهات لمصالح أجنبية. فيرد عليه شاكر بيه ـ في هدوء ـ قائلا: الكلام ده كله عبارة عن شعارات فارغة .. بص للمصانع والمشاريع الناجحة اللي ماليه البلد، وبعدين يفرق إيه يعني إن كان وراها أجانب والا مصريين. ثم يكمل كلامه في فقرة تالية شارحا: لأول مرة بنتحرر من الجغرافيا، إيه اللي يمنع نتحرر من التاريخ كمان؟. ولكن لا يترك المخيخ الفرصة لرجل الأعمال، فيرد عليه قائلا: أمراء البيزنس الجدد ألعن من الإقطاعيين بتوع زمان .. فاقدين تماما أي شعور بالانتماء .. مع احترامي الشديد لسعادتك طبعا .. البلد دي محتاجه ثورة تزيح كل ده وتحرر الشعب .. وهكذا يستمر المخيخ في نقد النظام الاجتماعي والطبقي، إلى أن يصل في جرأته إلى أقواله: الحكومة بايظة .. والإصلاح لازم يجي من الحكومة، لأن أهم شيء هي القدوة .. ويكفي نبص على التعليم في مصر .. علشان نتأكد إن ما فيش أمل في المستقبل .. طيب ومين المسئول عن التعليم؟ .. مش الحكومة برضه؟ ويصل نقد المخيخ ـ وكأنه صوت المؤلف نفسه ـ إلى رجال الدين والمؤسسة الدينية، فيقول: الدين كان ممكن فعلا يعوض انعزال المؤسسة الرسمية عن الناس، لكن المؤسسة الدينية للأسف حولت الدين إلى مجموعة طقوس وشكليات، ما يصحش نرفع التليفون ونقول آلو، ما يصحش نحتفل بعيد ميلاد أولادنا لأن دي عادات دخيلة، فتقاعست عن بناء الإنسان المصري اللي هي مهمتها الرئيسية. وغير ذلك من أوجه النقد للحكومة والمجتمع ومؤسساته المختلفة، مثل: إزاي يبقى فيه تعليم عدل إذا كان الشعب كله عاوز أولاده تتخرج من الجامعة .. رغم أن كل واحد عارف كويس جدا إن خريجي الجامعات مرميين على النواصي مش لاقيين شغلانة تلمهم. نحن أيضا لم نخرج عن روح الرواية الانتقادية، فكل هذا أفرز طبقة من رجال الأعمال، ومنتجي الأفلام عديمي الضمير، مرتكبي الجرائم، ويجدون من يتستر عليهم من المرتشين والمستفيدين من هذه الأوضاع، فتستمر جرائمهم في حق المجتمع، ولكن من ناحية أخرى يوجد في هذا المجتمع، قلة محافظة تحاول أن تبعث الروح والأمل مثل الصحفية إصلاح التي تورطت في علاقة عاطفية مع كريم نافع الذي كان زعيما للطلبة الوطنيين في شبابه، وقبض عليه في المظاهرات، والذي أنجب ـ بعد ذلك ـ ولدين واحد بذقن والثاني بذيل حصان. وحقيقة لم أر أية إضافة إلى الرواية من خلال شخصية كريم نافع وعلاقته مع إصلاح التي أعجبت به لمواقفة الوطنية السابقة التي تخلى عنها بعد ذلك. هذه العلاقة أثمرت عن زيارة الفتاة إلى عشيقها في منزله، في غيبة زوجته بهية، وكان من نتيجتها أن دم بكارة إصلاح أصبح بقعة على كنبة بهية. وكان من الأوفق أن يترك المؤلف صورة إصلاح الصحفية المكافحة المناضلة الشريفة، كما هي في ذهن القارئ، لا أن يلوثها بعلاقة عاطفية تحولت إلى جنسية، لا تخدم البناء الروائي على الإطلاق، بل أسهمت في تشويهه. فما الذي يريد أن يقوله المؤلف عن علاقة عاطفية تحولت إلى علاقة آثمة. فشخصية إصلاح طوال الرواية لم تؤهلها إلى خوض مثل هذه العلاقة، وإلى زيارة كريم نافع في منزله على هذا النحو الذي قادها إلى ارتكاب الفحش، فخانت بذلك الأمانة، وتعرت أمام القارئ، وأصبحت قضيتها في الدفاع عن أحلام الشواربي خاسرة من وجهة نظر القارئ المعجب بها وبذكائها وصمودها أمام غيلان السوق والفن والصحافة. لقد شوَّه المؤلف تلك الشخصية النبيلة المتفائلة بالمستقبل، الباحثة عن المجرمين ومحاولة تقديمهم إلى العدالة. هل يقصد المؤلف أنه ليس هناك أمل في المستقبل، وأن كل أشخاص المجتمع مشوهون، حتى وإن بدوا طيبين ومدافعين عن الحق والخير والجمال؟ مرة ثانية أرى أن ظهور شخصية كريم نافع، قد أضرَّت بالرواية. من ناحية التكنيك الروائي، لاحظنا أن الكاتب يستخدم اللغة على مستويين، مستوى اللغة الفصحى في السرد والوصف والتعليق والتشبيه، ومستوى العامية المصرية في الحوار. ولعل ما ضربنا به مثلا من حوارات سابقة يدل على ذلك. أيضا لجأ الكاتب إلى الرجوع إلى الوراء (فلاش باك) والمونولوج الداخلي، أو تيار الوعي في الكثير من المواضع، ومن أمثلة ذلك ما ورد على لسان الشاويش أشموني في قوله: "ماذا تريدون مني يا كلاب؟ أنا الذي حملت كفني على كتفي في حربين من أجل هذه البلد. لقد كنت في أيام زمان .. محاربا صلبا، وفارسا همام .. قبل أن تدوس عليّ الأقدام .. قبل أن تسلخني الشمس والرياح، أين هي الصحفية لتسجل ما يجري لي، الله يجازيكِ يا أستاذة، لا نأخذ منكم غير الأشعار والكلمات الرنانة، لكن وقت الجد أين أنتم؟ فص ملح وذاب. ونلاحظ ورود كلمات صلاح عبد الصبور السابقة في هذا المونولوج للشاويش أشموني الأمر الذي يدل على مدى انفعاله بهذه الكلمات وتغلغلها داخل نفسه، وبروزها على هذا النحو في أوقات أزماته النفسية. ومن ملاحظاتنا على الرواية أن استخدام تيار الوعي والمونولوج الداخلي، كان الأكثر بروزا مع شخصية الشاويش أشموني، وهذا ينسجم مع تكوينه النفسي وشخصيته المترددة ما بين الاعتراف والبوح بما يعرفه عن جريمة اغتيال الممثلة، وسر إلقاء قطع من الأثاث وأدوات المطبخ والبيانو من شرفة الشقة 1301. أو الكتمان والتستر على الفاعلين مادام يقبض الثمن. أيضا من أساليب التكنيك التي استخدمها المؤلف لجؤه إلى تسمية الفصول بأسماء الشخصيات المهمة في الرواية: الشاويش أشموني، عبد الملاك، إصلاح المهندس، أحلام الشواربي، وقد تعددت الفصول المسماة بأسماء هذه الشخصيات الأربع، ولعل الهدف هو الإشارة إلى أن هذا الفصل المعنون باسم هذه الشخصية سيكون منصبا عليها، على الرغم من وجود شخصيات أخرى ثانوية معه. وهذا التكنيك ليس جديدا في عالم الرواية، فقد سبق أن استخدمه نجيب محفوظ في ثرثرة فوق النيل، وميرامار، ويوم قُتل الزعيم. كما استخدمه كتاب آخرون، مثل الروائي الشاب جمال عبد المعتمد في روايته "بغداد لا أحد". وهو ما يعرف باسم الرواية الصوتية، فلكل فصل صوته الخاص الذي يتحدث من خلاله صاحب الفصل المسمَّى باسمه. وبالإضافة إلى ذلك أورد المؤلف أبياتا أو سطورا شعرية وعبارات نثرية لها صداها في الرواية، مع مفتتح كل فصل، لكل من الشعراء: صلاح جاهين، ومريد البرغوثي، وعمر الخيام، وصلاح عبد الصبور، وعبد الوهاب البياتي، وعبد الرحمن الأبنودي، وجبران خليل جبران، وعزة عيد عبد المولى (!)، وتوماس مور، ومحيي الدين بن عربي. ولعل عشق الممثلة أحلام الشواربي والصحفية إصلاح المهندس للشعر (الشعر من الأشياء المحببة إلى قلبها، وكذلك زقزقة العصافير في الربيع، وأغاني عبد الحليم في ليلة صيف حالمة ..) هو ما دفع الروائي لأن يفتتح فصول روايته بقصائد لبعض الشعراء المعروفين، مع محاولة توظيف هذا الشعر داخل فصول الرواية. لقد حاول المؤلف أن يقول كل شيء عن المجتمع المصري المعاصر، وأن يؤرخ فنيا لظاهرة الفساد البادية للعيان، عن طريق حادثة اغتيال أحلام الشواربي، ولأنه عنده الكثير والكثير، ولأن قضايا الفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي .. الخ، أكثر من أن تُحصى، وأكثر من أن يُضرب به المثل في هذا الحيز المحدود من الصفحات (364) فإنه بعد انتهاء الرواية عند الصفحة 248، أضاف فصلا عنوانه "صفحة لم تقرأ" كان عن أحلام الشواربي، ثم فصلا آخر عنوانه "صفحة لم يلتفت إليها أحد"، وفصلا أخيرا عنوانه "صفحة ألفتها دقات الساعة"، قسمه إلى اثنتي عشرة دقة. وكأنه لم يرد أن يضع القلم، فقد انكشف له العالم الروائي، متخذا من قول محيي الدين بن عربي نبراسا له: "أشهدني الحق بمشهد نور الستور، وطلوع نجم التأييد .."، وسلمته الشخصيات الروائية نفسها يفعل بها ما يشاء، فاستلهم من سقوط نصف الزهرية التي كانت تحمل الوردة البيضاء خارج شرفة الدور الثالث عشر، رحلة جديدة يتوقف عندها أمام كل شقة من الشقق المطلة على كورنيش النيل، فيعرض أسرارها، وما تخبئه وراء جدرانها من حكايات وتفاصيل تفيد في الكشف عن الجريمة، وفي الوقت نفسه يهبط على سلم البرج، مع هبوط نصف الزهرية المكسورة، طابور من الرجال والسيدات السكارى الذين يحتفلون بليلة رأس السنة الميلادية الجديدة، وبعام 2000 (مصر جديدة سنة 2000)، وفي كل دور أثناء رحلة الهبوط ينضم إليهم جمع آخر، ومع وصول نصف الزهرية إلى لحظة ارتطامها بإسفلت الشارع، يكون هؤلاء قد وصلوا إلى مدخل العمارة مرددين في هبوطهم: هالو هالو .. باي باي باي .. هالو هالو .. باي باي باي. وكأن النصف المكسور الهابط أو الساقط من الزهرية، هو المعادل لهؤلاء القوم السكارى المكسورين المشروخين الساقطين في صعودهم إلى طبقات المجتمع العليا، المنفصلين عن المجتمع المصري الحقيقي. ولعلنا أخيرا، نتفق على أن عنوان الرواية الذي اتخذه المؤلف، وهو "طفل شقي اسمه عنتر"، لا يتناسب إطلاقا مع هذا العمل الروائي الكبير، الذي حاول أن يطرح فيه محمد توفيق، كل ما يؤرقه حول المجتمع المصري المعاصر، فكان التوفيق حليفه في أغلب الأحوال. ولا أذيع سرا إن قلت إن أحلام الشواربي قد زارتني في الحلم أكثر من مرة، أثناء قراءتي ثم كتابتي عن هذا العمل الروائي الكبير، وألحت أن أكتب رسالة إلى الكاتب، أبلغه فيها رغبتها أن تكون الرواية باسمها، أي يكون عنوان الرواية "أحلام الشواربي"، فالقصة قصتها، ومقتلها هو الذي فجَّر هذا العمل الروائي، وأدى إلى تعرِّية الفساد والعفن الضارب بأطنابِهِ في المجتمع المصري المعاصر. ومع أنها كانت تتحدث في جلسة تحضير روحها من خلال فم الطفل عنتر، فليس ذلك مبررا أن يسمي الكاتب الرواية باسمه، فهو لم يكن سوى مجرد وسيلة نجح في استخدامها د. عبد الملاك، ليس إلا. وها أنذا أنقل رغبة الراحلة أحلام الشواربي، إلى القرَّاء، وإلى الكاتب محمد توفيق. اللهم بلغت .. اللهم فاشهد.