شرائع الغاب

من مجموعة العبور الى الحرية لعبد الكريم النهاري - اليمن

 

شرائ الغاب


نسيم بارد ينساب من بين الأشجار , يتراقص لوقعه الأزهار وهي تشكل لوحة نسجها الربيع بألوان الطيف الزاهية, من حولها يتصاعد أزيز نحل تمتص من الأزهار رحيق الربيع , فراشات تتراقص , مياه تتسَلل من بين الخضرة وتشق الواحة إلى قسمين .
العجوز (قائد) آخر أفراد العائلة السلطانية التي اتخذت من الواحة مقراً لحكم سلطنة (آل سعيد) التي انهارت آخر معاقلها على أيدي (التنين) , لم يبق من معالمها سوى كوخ لاذ إليه العجوز وزوجه بعد أن أغفلت الأحداث فرص استمرار حياة البذخ التي تربيا عليها في كنف جدهما سلطان (آل سعيد) , الربيع العاشر منذ دفن زوجته جوار جذع شجرة الزيتون المقابلة لمدخل الكوخ , ينتقل بين الخضرة للتغلب على ظروف الحياة التي مرت به , استقر إلى جوار شجرة الزيتون , يراقب الأفق الممتد أمام أهدابه التي أصبحت كخيط أبيض تشتت على حواف عينيه , فترات طويلة لم يزر الواحة غير طيور وقليل من صيادين , ظل يتصفح الأفق , خرجت أنثى الحمام من بين أغصان الشجرة التي وضعت عليها عش محتضن لبيضاتها الثلاث , الصغار تحاول تفتيت الأغلفة من حولها والخروج إلى حياة جديدة , الذكر يساعد الصغار على الخروج ويقوم بحراسة العش حتى تعود الأم ومعها دقائق الغذاء الذي ذهبت لجمعه , غراب يقترب ساحة الكوخ يصعد أشعة الشروق بجناحيه , يرسم ظل طويل يغطي الساحة , سقطت أغشية البيضات الثلاث إلى جوار قدمي العجوز وهو يستمع أصوات الصغار الثلاثة وهم يرفعون مناقيرهم إلى الأعلى بحثاً عن دقائق الغذاء المنتظر , منذ بدأ زوجا الحمام في نسج العش ووضع البيض , وهذا الغراب يترقب ويزور الساحة في فترات متعاقبة , العجوز يناجي سحر الواحة ,
يتذكر الزمن الذي مر به , الحيوانات والطيور أصبحت جزءاً من مفردات حياته , تؤنس عليه من العناء والغموم التي لم تتوقف منذ أن أغارت جيوش (التنين ) على الواحة وفغرت أحشاء أطفاله الثلاثة أمام عينيه , الأم في طريقها إلى صغارها ودقائق الغذاء على منقارها وجوف أحشائها , الذكر يتصارع مع الغراب , وجه إليه صفعة قوية بإحدى جناحيه أردته أرضاً , العجوز يحاول رمي الغراب بقطع من الصخر , جمع بين مخالبه الصغار الثلاثة .
انطلق.. ظلت الأصوات تنتشر في الأرجاء , الأم في طريقها إلى شجرة الزيتون , تسمع أصداء صغارها وهي تجوب الأرجاء طالبة النجدة , سقط احد الصغار إلى النهر , تقلب الذكر , تحاول معرفة مصير صغارها , تبحث في أرجاء الواحة , العجوز يسند ركبتيه على الساحة ويجهش بالبكاء , الشمس تودع الجميع وتترك الواحة للراحة بعد يوم مجهد , العجوز يعود إلى الكوخ بينما يظل الحزن والقهر يقتل الجمال , الغراب ينظف مخالبه ومنقاره , حركة المياه تدفع معها الريش الرهيف الذي كان يغطي جسم الصغار , يظهر القمر بلون معتم لا يستمر حتى يعود تدريجياً إلى بهائه وضوئه الفضي الذي يعممه بعد إن دنست شرائع الغاب صورة الحياة في أرجاء الواحة ...
16/11/2002م
ذمار


اندفاعات


عندما كانت الصلوات والابتهالات تصعد عبر الأشعة التي ترسلها الشمس على أركان الحضارة الصخرية، كانت قوة الإرادة تجبر صلابة الصخر على التشكل .
حين كانت الخيرات تبذل حلاوتها، كان فأراً عائد على الرمال التي تتشبث بها أوتاد البساتين وجذور حضارة (الجنتين) التي تدغدغها برودة المياه المتسللة عبر صلابة الصخور المكونة لـ (السد) الذي تفضي إليه مياه الروافد، كوابيس تعكر صفو الأحلام مبشرة بالاندثار، صمت يطبق على القرابين حين توجه إليها التوسلات والاعتقادات، الشمس تتوسد عتمة السحب وهي تلقى ما جمعته من قطرات على أكناف الروافد التي تمد يدها، الروافد تلقي كتل المياه إلى السد عبر فمه الفاغر، عجزت صلابة الصخور عن التصدي للقوة التي تدفعها وهي ترتطم ببعضها، الصخور تركض أمام الاندفاعات التي تركض خلف الرمال المتوسدة أوتاد البساتين وجذور الحضارة التي عرفت بـ (سبأ)، طوت الاندفاعات معالم الحياة، الفأر يسير ويسير خلفه ذيله وألسن الاندفاعات ، الأرض تلقى على وجهها الجبال حين شتتت أعضاؤها، القرابين تحاول النهوض والعار يلاحقها، الشمس تطوي أشعتها حول قرصها الذي غطته الصفرة، والفأر يحاول الإفلات من نظرات الشمس التي تقترب منه وهو يحمل مؤخرة ذيله على أطراف مخالب يده اليمنى، شعر بأن لعنة الشمس تتبعه حين وجهت إليه خيوط الكارثة، اللعنة تتبعه وهو يركض وتركض خلفه أصوات الاندفاعات، بدأت الشمس تحتضر حين ربط جزء من ذيله حول عنقه الذي يتدلى منه الجزء الآخر، كانت الاندفاعات تستقر أمام الصخرة التي صعد إليها ورفع جسمه على قدميه معلناً انتصاره على الشمس .. وصاب 16 / 12 / 2001