شخص جدير بالكراهية.. الرهافة الجارحة

شريف صالح – النهار الكويتية - 24 مايو 2013

تتضم المجموعة الشعرية لعزمي عبدالوهاب تسعة نصوص هي: تنام الأشياء كما تركناها بالأمس، حوار لم يكتمل، حتى ترى آثاري زفرتك الأخيرة، بيت تسكنه امرأة وحيدة، حبيبتي تزوجت أمس، محاولة للكتابة عن أرملة صغيرة، لا يفعل شيئاً سوى البكاء كالنساء، سيرة ذاتية لشخص جدير بالكراهية، لأجلك.. سأبكي كثيراً يا حبيبتي.

ولا تحتاج العنونة الى اجتهاد كبير، لنكتشف ميلها الى الجمل التامة والتراكيب الطويلة نسبياً، والأقرب الى التهكم. كما يشع منها ذلك الشعور بالفقد والوحدة والسأم والعبثية.

لا يبدو عزمي وهو يخطو نحو عامه الخمسين، غزيراً في انتاجه، ولا ثرثاراً في بناء نصوصه، فالمجموعة بالكاد تقترب من 70 صفحة، وهي السادسة في مشواره الأدبي.

يكتب بتأن، بروح الهواية والمزاج والتأمل، الدهشة ازاء تفاصيل الوجود ومفارقاته التي لا تنتهي.. يكتب بمزيج من الشعور بالأسى والمرارة واللامبالاة، ببساطة آسرة خالية من الزخارف والألعاب والحيل اللغوية، كأنه يفكر أمامنا بصوت مرتفع، يعرض مونولوجاته علينا عارية بلا تزويق ولا مواربة. فمثلا في نصه «حبيبتي تزوجت أمس»

، بدءاً من تمام العنوان وبساطته ووضوحه كقضية منتهية، باردة.. نطالع:

« أنا مررت أمام بيتها

وتشاجرت مع السائق

الذي أوصلني الى الشارع الترابي

مررت نعم أمام بيتها

رأيت شباكها،

وهي حاولت ان تراني

لكنها كانت تخشى الشحاذ

الذي تعطفُ عليه

وميكانيكي السيارات وبائع الخبز،

والصيدلي في الجهة المقابلة

في جميع النصوص ثمة توتر أزلي وجدلي، بين تفاصيل الواقع وعبثية الشعور به، وبرغم ان التفاصيل اليومية والمباشرة خصيصة في بنية قصيدة النثر، وكذلك البناء السردي، لكن الشاعر لا يتخلى أيضاً عن رسم علاقات مجازية بين الكلمات والصور والوقائع، فمثلاً نقرأ في قصيدة «تنام الأشياء كما تركناها أمس»

«

أيتها النائمة

في سرير الخرافة

الدموع لا تحمي وردة من السقوط»

ويتجلى عبر النصوص «

التكرار»

ليس فقط كموتيفة لرصف الصور واستعادة التفاصيل ذاتها، من زوايا أخرى.. بل لتأسيس تلك الحالة الوجودية من الشعور بالسأم والملل، كأن لا شيء يحدث، لا شيء يتغير، ولا شيء يهم. قدر لا فكاك منه يحاصرنا، كما في مفتتح قصيدة «

بيت تسكنه امرأة واحدة»

«

رجلٌ

يحصي خيباته الدائمة

بالجدية

التي يحصي بها أعمدة الكهرباء

وهي تمرق من نافذة قطارٍ

فيخطئ في العد

ليعود الى البيت بخيبة جديدة»

على البساطة الخادعة التي يلملم بها عزمي عبد الوهاب تفاصيل الوجود والبشر والأشياء، فانه يقدم لنا ديواناً جارحاً في شعريته، وحدة ودقة ورهافة ألفاظه، ليجعلنا نكتشف ما لم نكن نراه، ونستكشف أحاسيس لم نكن نتخيل أنها تسكننا:

« أربعون عاماً من الحروب الصغيرة

وهو يفعل الأشياء ذاتها

يقطع الشوارع

بروح شاحبةٍ

وكأنه على شفا موت مجاني،

يلتقي ذات الوجوه

العائدة من معارك خاسرة»