رواية السماء لا تمطر أحبة

مشيرة عكاشة المصدر: الشرق

أثارت رواية "السماء لا تمطر أحبة" الصادرة عن دار فكرة للنشر خلال العام الجاري للكاتبة المصرية ابتهال سالم جدلا ساخنا في الأوساط الثقافية المصرية لأنها حاولت الربط بين عالم الجن والإنس بشكل جديد ومختلف عن الكتابات السابقة، بالإضافة إلى المزج بين العالم الافتراضي والعالم الملموس وزوجت الجن والإنس وجعلت بينهم علاقات اجتماعية وروابط أسرية، وكشفت ما يقوم به الدجالون من خرافات وشعوذة وانتقدت اعتقادات بعض الناس في المجتمعات العربية في تلك الخرافات. "الشرق" التقت الروائية ابتهال سالم وأجرت معها الحوار التالي. *السماء لا تمطر أحبة عنوان الرواية.. لماذا اخترت هذا العنوان؟ **السماء لا تمطر أحبة عنوان يعبر عن غياب الحب وافتقاد المشاعر الأليفة الدافئة،فالمشاعر لابد أن ترعى مثل النبات، وإن لم يتم رعايتها تموت ولا ينبغي أن ننتظر أن تهبط علينا هذه المشاعر من السماء لأن طرفي العلاقة كأنهما يخطفان هذه العلاقة حتى يشعرا بها وأبطال الرواية "فرج وفرحة " اهتما بتلك العلاقة وعملا على تكوينها وزراعتها حتى يجنيا ثمارها. فرج وفرحة *شخوص الرواية "فرج وفرحة" كيف تم الإيحاء بهما؟ **تم اكتشاف الشخصيات بالصدفة، فكنت متجهة من البيت إلى سوق الخضار وفوجئت بفلاحة ترش الخضار بالماء وتقول "ابعت يافرج" وترد عليها أمها بعد شوية ابعت يافرج "فحدثت نفسي هل الناس تنتظر الفرج وهو شيء غير مرئي حتى يحل مشاكلهم، فماذا لو جاء هذا الفرج إلى واقعنا الملوس ما الذي سيحدث، ومن هنا وقع اختياري على شخصية فرج ككائن افتراضي، أما "فرحة" فهي امرأة فيها مشاعر الإنسانة الدافئة المطحونه في عملها، والتي تعرضت للفشل في زيجاتها، ولكنها قوية تحاول دائما مواجهة مشكلات الحياة ولا تهرب منها. حيل فنية *كيف أحدثت الصراع بين الواقع الافتراضي والملموس داخل الرواية؟ **يستخدم الأدب الحيل الفنية، والواقع الافتراضي أكثر تصديقا من الواقع المعاش وما نحياه الآن من حوادث وجرائم وفساد وترد في الأحوال الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، جعل الواقع أكثر خرافة من الخرافة نفسها، فحاولت عمل حيل فنية من خلال الحكايات الغرامية والموروث الشعبي والأسطورة، فاستخدمت الحدوته القديمة التي كنا نسمعها قديما عن علاقة الجن بالإنس، وهي غير قابلة للتصديق ولكنها ممتعة، ففي البداية كانت الحيلة من خلال زواج الجنية من عبدالله الصياد الإنسي وتحولها هي أيضا إلى أنسية وأنجبت فرج. *جعلت "فرج" في بداية الرواية جنيا لا يراه أحد سوى "فرحة" ثم تحولت فجاءة ليظهر بين الناس ويشارك في المظاهرات ويحمل بطاقة رقم قومي.. فلماذا أخرجتيه من العالم الافتراضي إلى العالم الملموس؟ **من البداية ربطت زواج أمه الجنية من عبدالله الصياد بشرط هو التحول إلى أنسية، لذلك فهو ولد من أم إنسية، والساحرة سليمة عاصرت ما حدث حيث قتلت أمه من أولاد أعمامها الجان، فخافت سليمة على فرج، وهي شخصية ساخرة تنتمي لعائلة ساحرة يصيبها مرض النسيان بعد سن الخمسين، وأحيانا تعمل تركيبات سحرية خاطئة تسبب مصائب، فقامت بعمل تعويذة سحرية جعلته يختفي عن الأنظار ثم أخذت الصندوق وعادت إلى جزيرة الجان، ونسيت فرج وبالتالي أصبح فرج الحاضر الغائب، بمعنى أنه اختفى عن الأنظار وهو موجود في أرض الواقع، لذا قلت في الرواية عيش حياتك في الظلام فماذا ستشاهد فلا تملك من الواقع سوى اختفائك الذي سببته لك سليمة ورحلت ولا تملك سوى أنك كائن غير مرئي لا تقدر على مساعدة أحد، وأنا قصدت أن يدخل في عالم الواقع في شرود، فهذا التحول يعبر عن مرارة الواقع. الهوية والحب *كيف جعلت الحب يدور بين شخصين من عالمين مختلفين؟ **كان فرج يظهر لفرحة في شكل طيف ثم اختفى عنها لمدة خمسة وعشرين عاما، فظهر لها في فترات نكسة 67 كطيف خفيف، ومن خلال المشاعر والصدق الذي دار بينهما والدلائل الهامة وقرية الصيادين،كل هذا جعلها تقترب منه وهي إنسانة معطاءة فساعدته، والمشاعر لعبت دورها بينهما فهما يجتمعان في الصراخ المكتوم والبحث عن الهوية والحب والحلم في مواجهه تحديات الواقع. *تطرقت لأحداث تاريخية كثيرة وتفاصيل اجتماعية داخل الرواية، ولكنك مررت عليها سريعا دون التعمق فيها.. فلماذا لم تجعليها جزءا من الأحداث الأساسية؟ التفاصيل ليست لب الموضوع، فأساس الرواية هو الصراع بين الواقع الافتراضي والواقع الملموس وكسر الخرافة، وهناك تفاصيل يمكن الاستغناء عنها وهو ما تحكمت فيه داخل شخصيات الرواية، وقد سجلت الأخبار من بعض الجرائد والصحف وجعلت "فرج" يشاهد حرب إيران والعراق والأغاني والأخبار خلفيات لأحداث وللإشارة للزمن، وبؤرة الصراع هما فرج وفرحة والبحث عن الهوية. الحضور والغياب يبدو واقع فرج غير المرئي أفضل من واقعه المرئي فلماذا؟ لأنه مرتبط بفكرة الحضور والغياب، فمن هو فرج هل هو شخصية داخل أناس كثيرين مقهورين من فئات محدودة الدخل مهمشة وعشوائية وبلا هوية، وهو في كل تلك الشخصيات فغيابها مثل حضورها لا فرق بين ما هو مرئي أو عكس ذلك كان متعبا ويشعر بالوحدة والعزلة وغير قادر على مساعدة الناس، وحين أصبح مرئيا وجد نفسه في مواجهه مشاكل اجتماعية، وتروى عن القيم والأخلاق فشعر أن حضوره كغيابه وهنا تكمن المأساة ناس كثيرون يرون أن حضورهم مثل غيابهم ولا أحد يدري بهم. الاغتراب *توجد في الرواية حالة من الاغتراب الشديد، اغتراب فرحة عن واقعها واغتراب فرج عن العالمين المرئي والواقعي، فلم كل هذا الاغتراب؟ **الاغتراب موجود في حياتنا ،فنحن نعيش في حالة اغتراب من الصعب تجاهلها حتى ولو لم توجد الحيل الفنية في مصداقية الشخصيات في الواقع ،فمن أين يأتي السؤال فهو يأتي من مجتمعات متحضرة تمارس ديمقراطية حقيقية وتهتم بحقوق المواطن والإنسانية،وكلها عوالم تعيش في حياة وظروف سيئة مما يسقط الإنسان في بؤرة المرض النفسي. *إلى أي مدى تؤمنين بالغيبيات ؟ **لا أؤمن بعالم الغيبيات وأحب الحكايات الشعبية والمسلية والممتعة فمن خلالها يستطيع الكاتب أن يقدم رؤيته وأفكاره في حياته، وأهتم بالأفعال أكثر من الغيبيات وأنا ضد الدجل والشعوذة والتطرف والتعصب فكل تلك الصفات منتشرة في المجتمعات المتخلفة وغير متعلمة وهناك ناس يقاومون تلك الظواهر حتى يكون للعلم المستقبل.