"رحلة الدم".. إبراهيم عيسى يعيد قراءة الفتنة الكبرى ويرصد "القتلة الأوائل"

الرواية تحكى سيرة عبد الرحمن بن ملجم قاتل الإمام على.. وتتوقف أمام استشهاد عثمان بن عفان والمستفدين منه

أحمد إبراهيم الشريف اليوم السابع - 19 اكتوبر 2016

"كانت (نائلة) تفيق من غشيتها تحاول أن تتحرك فلا تقدر، وحين رفعت عينيها وسط غبش الدمع والدم والعرق فى جفنيها ورموشها رأت من عرفت أنه عمرو بن الحمق، وقد برك على فخذى عثمان وثبت ركبتيه على الأرض وأمسك سيفه بين قبضتيه وهوى على صدر عثمان يطعن ويعد:

- واحدة ثم ينزع السيف من صدر عثمان مكسوا بالدم ونازفا، ثم ينزل به مرة أخرى ويطعن بقبضتيه:

- الثانية ثم يرفع السيف عن صدر عثمان المشقوق متكسر الضلوع ثم يعود لطعنه"

- الثالثة. ثم يصيح: هذه الطعنات الثلاث فى قلبك يا عثمان أتقرب بها إلى الله".

"جميع شخصيات هذه الرواية حقيقية، وكل أحداثها تستند على وقائع وردت فى المراجع التاريخية" على غير المألوف يبدأ إبراهيم عيسى روايته الجديدة "رحلة الدم.. القتلة الأوائل" الصادرة عن دار الكرمة، ذاكرا عددا لا بأس به من المصادر التى اعتمد عليها فى التوثيق للمعلومات، وقد فعل ذلك "عيسى" لأنه يعلم أن هناك قارئا لن يستطيع أن يدرك الفارق بين التاريخ والرواية وسيعتمد على أن كل ما يتعلق بالصحابة وزمنهم هو حقيقة واضحة.

"الفتنة الكبرى" حكاية أساسية فى التاريخ الإسلامى، تناولها الكثير من المؤرخين والكتاب والشعراء لكن يظل ما قدمه الدكتور طه حسين المرجع الأساسى لكثير من القراء والباحثين والمتابعين وفى الفترة الأخيرة انشغلت الدراما أيضا بهذه المنطقة التاريخية الخطرة وظهرت مسلسلات مثل "الحسن والحسين" كما قدمتها الدراما الإيرانية فى أكثر من عمل، والرواية أيضا خاضت فى هذه المنطقة، وها هو الكاتب الصحفى والروائى إبراهيم عيسى يرصد الحكاية بتقنيات سردية جديدة.

بمقتل الإمام على بن أبى طالب تبدأ الرواية وتحكى كيف ترصد عبد الرحمن بن ملجم بأمير المؤمنين قبل صلاة الفجر وتكشف عن الفكر المسيطر على الخارجى الذى كان يعتقد بأن "عليا" رجل كافر خرج عن الدين، هذا قبل أن تعود بنا الرواية 20 عاما من الأحداث، والجيوش العربية تتوجه لفتح مصر.

تحكى الرواية التى يعود بها إبراهيم عيسى بعد أربع سنوات من صدور روايته السابقة "مولانا" التى وصلت للقائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية 2013، عن المسكوت عنه فى التاريخ الإسلامى، عن الفتنة الكبرى ورجالها وصراعاتها، عن التغيرات والتقلبات وأمام أعيننا نرى رجال الإسلام ونساءه يتحركون أمام أعيننا فها هو عمر بن الخطاب وعلى بن أبى طالب وعمرو بن العاص وعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن ملجم المرادى والزبير بن العوام والمقوقس حاكم مصر وعبد الرحمن بن عديس ومحمد بن أبى بكر وأبو زر الغفارى والسيدة عائشة زوج النبى وعمار بن ياسر وغيرهم الكثير ممن صنعوا هذه الأحداث الكبيرة.

فى الرواية دماء كثيرة سالت ومؤامرات عديدة تورط فيها الكثيرون ومستفيدون كثيرون أفادتهم الأحداث وآخرون أرقتهم وأزعجتهم، كل ذلك جاء بشكل سردى أزاح عنها جفاف التواريخ ووضع فى داخلها روحا جديدة أضفت مشهدية كبيرة على الأحداث.

ترصد الرواية تحولات عبد الرحمن بن ملجم الذى بدأ قارئا للقرآن فى الجيش الإسلامى، ثم انتهى خارجيا قاتلا للإمام، وكيف أنه كان من أكثر الفرحين بقبول على للمبايعة بعد مقتل عثمان حتى أنه دخل عليه يقول "السلام عليك أيها الإمام العادل والبدر التمام والليث الهمام والبطل الضرغام"، وهنا تكتمل الدائرة التى بدأت بها الرواية فبعد أكثر من 700 صفحة نتذكر الفصل الأول الممتلئ بالشجن عندما ترصد ابن ملجم بالإمام وقتله.