دميانة نصار بطلة فيلم ريش: كنت بأمثل دور يشبهني

من حوالي عامين،  قدمت محاضرة و ورقة بحثية في شيكاغو بالولايات المتحدة ،  كان الهدف منها طرح آلية لمناهضة التطرف الذي نواجهه في الشرق الأوسط مع تصاعد وتيرة الجماعات الجهادية .
 و  بما إن معظم الإصدارات الخاصة بي تقع في إطار  تفكيك و قراءة  أدبيات  التنظيمات و الجماعات الدينية،  كان متوقع أقدم ورقة في نفس الإطار.   لكن غيرت الإتجاه،  و قررت أختار مدخل آخر لمناهضة الأفكار المتطرفة و البحث في سبل التعايش و قطع الطريق على الجماعات المنظمة خاصة في الصعيد.  
و أسميت الورقة  ( الثورات الإجتماعية الصامتة،  آلية لمواجهة التطرف، الأقليات الدينية ،  النسوية الجماهيرية و الفنون نموذجا ( تطلبت الورقة عرض نموذج من عمق المجتمع.  grassroots كما نقول،  ووقع اختياري عرض نموذج فرقة البرشا،  فرقة مسرح الشارع في المنيا.  الفرقة فيها مسلمين و مسيحين،  تقدم فن و تطرح قضايا حقوقية و نسوية في إطار شعبي.  
تم عرض شغل الفرقة  ( صوت و صورة)  في المحاضرة   و طبعا الفرقة تجوب شوارع القرية البسيطة،  لم يعلق أي من الحضور بالسلب على شوارعنا،  وانهمر التصفيق،  و الثناء على الفريق وعلى مصر الجميلة...  نعم.... مصر الجميلة القوية كان تعليق الحضور...
تشاء الأقدار أن ، عمر الزهيري مخرج فيلم ريش ،  يختار بطلة  من عمق هذا المجتمع لتمثل دور  البطولة .... حين غاب عنها زوجها لسنوات في ليبيا ...  و البطلة كانت أم لأطفال في فرقة البرشا...   
الفرقة المسرحية التي تجوب الشارع،  عملت ما نسميه في علوم السوسيولوجية   The domino effect ، تأثير الدومينو.  
توافق الأسرة الصعيدية على أن تكون الأم بطلة الفيلم،  لتعبر عن ما يعايشه ثلث الشعب المصري ( نراجع أرقام جهاز التعبئة و الإحصاء)  عن الفقراء...  و هذا تحدي مصر الكبير...
رد فعل الجماهير الذي تابعناه من سخرية على الفنانين و الإعلاميبن الذين اتهموا قصة الفيلم بالإساءة  لمصر ،  يحتاج لدراسة كبيرة،  لكن مؤشراته أن النخب السياسية و الإعلامية و بعض الفنانين منفصلين في أبراج عاجية،  يرون مصر من فوق مش من تحت على رأي لينين الرملي....
القوى الناعمة غير النمطية التي تمثلها دميانة نصار أم ماريو، كونها امرأة، مسيحية و فقيرة ( الثالوث التي أشارت إليه الباحثة سناء المصري في كتابها خلف حجاب) على إنه الحلقة  الأضعف، خرج منه تأثير  جماهيري كبير، بالرغم إن معظم الناس لم تشاهد الفيلم....لكن  الفيلم خاطبهم  من غير ما يطلب منهم تضحيات ممنهجة..
قوى ناعمة مثل هذه ، كانت سبب في انصهار و توحيد الجماهير، فلم نسمع دلالات طائفية أو ضد النسوية أو ضد الفن.( في الإطار العام)  ... معظم ردود الفعل كانت منهمكة بالتضامن مع فيلم عن واقعهم..
فعلت دميانة و رفاقها و مخرج الفيلم أكثر مما يفعله نجوم تتقاضى ملايين، يحدثوننا عن الوطنية من الكومبوندات الحصينة و يمثلون أدوار شهداء الوطن ،  الذين عاشوا و ماتوا فقراء...  
ما لا يفهمه أو يستوعبه بعض الإعلاميبن أو الفنانين،   المطالبين بالمقاطعة و المحاكمات و محاسبة وزيرة الثقافة على تكريم أبطال الفيلم ،  أن مفهوم القوى الناعمة لا يعني الباديكير!!!!  
التنوير لن يتحقق بنعرات الوطنية الزائفة ولا بالاستعلاء من خلف أسوار الكومباوندات... ولا أقصد أن يكون التعليق طبقيا.... لأن تصريحات هؤلاء الفنانين و الإعلاميين هي التي كانت طبقية و للآسف تتسم بالجهل الشديد المخلوط بنعرات التعصب..
والنقد مطلوب للأعمال الفنية،  لكن التحريض و التطاول و التخوين  لا علاقة لهم بالنقد.  
أما الختام هو ما قالته أم ماريو،  
كنت بمثل دور يشبهني...
يارب تكون وصلت....