حوار مع الروائي فؤاد قنديل

تغريد الصبان- روزاليوسف 10 يوليو 2011

الروائي فؤاد قنديل الحاصل علي جائزة "الدولة التقديرية" لهذا العام، قال عنه بعض النقاد إنه صعب التصنيف ككاتب، لتميزه بالتنويع في المستويات الفنية والأدبية ما بين الكتابة الواقعية بتجلياتها الشعرية والرومانسية والسحرية والنقدية، والكتابة الرمزية، والعبثية والفانتازيا، وبالرغم من ذلك أدهشه خبر فوزه بالجائزة حتي أنه "أنساه اسمه" -علي حد تعبيره- ولديه أسبابه التي يبوح بها في حواره مع "روزاليوسف" حيث قال:

"دهشتي تعود لأنني لم أكن أتوقع أن تبلغني، والثاني: لأنها جائزة كبيرة وليست هينة، حصل عليها الكبار قبل وجود جائزة "النيل" أمثال: (طه حسين، والعقاد، ولطفي السيد، ويوسف إدريس، وإحسان عبد القدوس، ونجيب محفوظ)، خاصة أنني لست ممن يهتمون بالحياة الشخصية، ولا أستمتع بالحياة إلا من خلال القراءة والكتابة، حتي أنني قصرت كثيرا مع أسرتي، وأهملت بيتي وأولادي، من أجل الزوجة الوحيدة.. "الكتابة"..فإلي نص الحوار.

< كان الاعتراض علي الفائزين هذا العام أكثر شراسة، لدرجة تهامس البعض بأنك اتصلت بالأعضاء أثناء جلسة التصويت للحصول علي تأييدهم... فما تعليقك؟

- انتفض قنديل منزعجا ومستنكرا تماما: أنا؟! لم يحدث هذا علي الإطلاق، لا في التصويت ولا قبله، هذا كلام شرس وله أظافر قاسية جدا علي روحي، لقد منعت أسرتي من الحديث عن الجائزة بالمنزل، لكي لا ينشغل ذهني بها، فلا أفرح فرحا جما ولا أحزن حزنا جما، فليذكروا اسما واحدا اتصلت به قبل أو بعد أو حتي أثناء، فأنا كرامتي أهم من الجائزة التقديرية ولست مستعدا لضياع ذرة واحدة منها ولو من أجل أموال الأرض، فهل هذه هي ثقافة الزحام؟! أن نهمش بعضنا البعض؟

< قلت ذات مرة إنك "من أفضل عشرة روائيين"...

- قاطعني معقبًا: هذا ما نشر، لكنني لم أقل هكذا بالضبط، بل المحرر هو قائله، وأنا عقبت عليه وقتها: لم تبتعد كثيرا، أي أنني صدقت علي كلامه لكنه ليس كلامي أو رأيي أنا.

< هناك مطالبات مستمرة بتطوير آليات الترشيح والانتخاب لجوائز الدولة، فما رؤيتك ومقترحك؟

أنا لم أطالب فقط، بل أعددت مذكرة للوزير السابق فاروق حسني وللمجالس القومية المتخصصة وأنا عضو بها، وحضر وقتها الدكتور عماد الدين أبوغازي الاجتماع الذي وضحت من خلاله كيفية تطوير جوائز الدولة، أولا أن تكون هناك لجان فنية علمية وليس عرض كل المتقدمين علي اللجنة التي تجتمع لساعتين، أيضا اللجنة العليا لابد من تغيير بعض أعضائها الطاعنين في السن رحمة بهم، النقطة المهمة جدا أنه لابد من اتباع نظام اللجان النوعية توفيرا للوقت أولا.

< في بداية حياتك عملت بشركة مصر للسينما والتمثيل، لماذا لم نر أحد أعمالك نفذ سينمائيا أو دراميا؟

رغم أن أصدقائي عديدون بالمجال مثل الراحلين صلاح أبوسيف، ونيازي مصطفي، وحسن الإمام، ثم تعرفت علي محمد كامل القليوبي وأشرف فهمي، وكنت في هذه الفترة أكتب القصة القصيرة، لكني أعترف أنه إضافة لتعففي عن تقديم نفسي، أنا كسول وغير اجتماعي بالشكل الكافي.

< في مقالك "عزيزي مؤتمر أدباء مصر شكرا" وصفت المؤتمر بأنه أصبح ستارة لتبديد المال وأنه تحول لمولد "أبوحصيرة" وأشبه بالسيرك، ألا من سبيل لتطويره بدلا من إلغائه؟

بالتأكيد يمكن تطويره، لأنه أصبح "سبوبة" وإهدارًا للمال العام، فاختيارات المشاركين وحتي الصحفيين تشوبها اللاموضوعية والصداقات، بالتالي لم يعد هذا المؤتمر يحقق الهدف منه، وهو ما يظلم مواهب وكفاءات تم إنشاء هذا المؤتمر من أجلهم.

< ذكرت أنك في كتاباتك "تحاول التجريب ولكن دون طفرات"، فلماذا لا تتخلي عن هذا الحذر؟

أنا لا أنوي من البداية الحذر، فأنا لا أجعل شيئا يكبحني أو يحاصرني أثناء الكتابة، لكنني لا أريد أن أسبق العالم بمسافة واسعة، حتي لا أكون غير مفهوم وأن تستعصي كتابتي علي القراء، لكنني أهتم أن أسبق كتابتي بمسافات، فحين انتهي من كتابتي أبدأ أفكر في القارئ وليس أثناء الكتابة، فأعيد قراءة عملي عشرات المرات بعد أن أنتهي منه، فأنا أخشي من السير في المجهول خشية أن أصبح مكروها أو متجاهلا ومستعصيا علي القارئ، فلن أتحمل هذا المشهد.

< ما السر وراء تحمسك للشباب الذي يتجلي في الجائزة الأدبية التي تحمل اسمك بآداب بنها، وإشرافك علي سلاسل أدبية خاصة بالشباب؟

هذا شعوري من القديم وليس الآن، أيضا منذ أن بدأت الكتابة ثم توجهت للثقافة الجماهيرية، اهتممت بإقامة "نوادي للأدب" في القري وأقاصي البلاد بأقل التكاليف، بهدف نشر الثقافة والفنون، وأدعو الأدباء للحضور لرعاية تجارب الموهوبين.

فيما بعد أسست إدارة "رعاية الموهوبين" لجميع المواهب الفنية والعلمية والأدبية وكل المجالات، وكنت أجوب المحافظات والبلاد مصطحبا معي المتخصصين في المجالات المختلفة لاكتشاف المواهب، ودون النظر حتي لأعمارهم.

أشرف حاليا علي سلسلة "إبداعات" عن هيئة قصور الثقافة وسلسلة "كتابات جديدة" بهيئة الكتاب، كنت انشر للشباب وأتحدث عنهم ناقدا بالإذاعة وبالصحف، وأساعدهم في الظهور التليفزيوني حينما تتسني لي الفرصة، ومعظمهم لا أعرفهم بشكل شخصي، كحمدي أبوجليل، سمير درويش، فؤاد مرسي، هدرا جرجس، محمد إبراهيم طه، أحمد أبوخنيجر والعديد.

< رغم المجهود الكبير من المؤسسات الثقافية في النشر ودعم الكتاب وحاليا تم تجويد الطباعة والأغلفة بشكل واضح، لكن كل ذلك ينقصه الترويج الإعلامي وهنا تتفوق الدور الخاصة عليهم، ما السبب في ذلك؟

لسوء الإدارة، فهناك مشكلة أساسية وهي غياب آلية واضحة للتوزيع، فالمسئول هو السبب في أزمة الثقافة والقراءة لأنه لايفكر في القارئ المظلوم الذي يضنيه البحث عن الكتاب، لذا فالإدارة غائبة عن المؤسسة الثقافية التي من المفترض أنها تعمل لحساب المثقفين والقراء والجمهور، لكنها ليست غائبة عن أشياء أخري!

< أنت متحيز جدا للغة العربية، في الفترة الأخيرة ذهب عدد من شباب اللغويين لإنشاء مجمع لغة عربية حديث، لأن مجمع اللغة لم يحافظ علي اللغة العربية ولم يطورها، إلي أي مدي تتفق مع هذا الاتجاه؟

أتفق معهم تماما، فيكفي لغة الصحافة فأنا لا أطالب بلغة متقعرة بل لغة بسيطة وتعبر عن هويتنا، فاللغة هوية الشعوب، فما نسمعه الآن من " احلقله، نفضله، طنشه" هذا لا يرضي ربنا أبدا، أو آخر يكتب باللهجة العامية..لا! وأنا هنا لا أقلل من اللهجة العامية مطلقا، لكن العامية لها آدابها ففي العشرين عاما الأخيرة أري أن الشعر العامي قد تقدم كثيرا علي الفصحي، فلا بأس من مجمع حديث للغة العربية.

< "احذروا أيها الرجال فالرواية النسوية قادمة" بداية هل تؤمن بالتصنيف؟

لا، لا أؤمن به، لكن كل شيء في مرحلته الأولي لابد من تسميته للفصل بينه وبين الباقين، فظهور المرأة في البداية لابد أن أقول الأدب النسوي أو الكتابة النسوية، لكن بعد أن تستقر لا يجب أن أقول ذلك بل نقول الأدب العربي أو المصري.

< ما أسباب صعود الرواية النسوية وأهم ملامحها التي دعتك للتحذير من هذا المد؟

المرأة لديها العديد من المزايا وظروفها كامرأة عربية تدعوها للتفوق والصعود القوي، وهن بالفعل الآن قد ظهرن وتحقق منهن العديد بقوة، فأنا الآن لم أعد استخدم مصطلح "الأدب النسوي".

من أهم ملامح كتابتهن الجسارة، ثانيا: استبطان المرأة الذي كنا نفتقده، ثالثا: محاولة الاقتراب من المسكوت عنه، أيضا جودة اللغة وهو ما كنت أخشاه، كذلك الثقافة والاطلاع.

< ماذا عن تصنيف العالم العربي لمناطق جغرافية وهل يؤثر ذلك في كتابتهن؟

ليست هناك منطقة تتفوق علي الأخري، هناك بعض الكاتبات في السعودية مثلا استخدمن أساليبا جريئة أكثر من اللازم لإثبات الذات والصعود، وهذا ليس قياسا ولست منزعجا فهذا الفوران طبيعي بعد الكبت والقهر الذي تعانيه المرأة في هذا المجتمع، لكنه سيستقر وينضج.

الإبداع في مصر من وجهة نظري أقوي كأعمال رضوي عاشور،سلوي بكر، نجوي شعبان، ابتهال سالم وغيرهن، فهن كاتبات محترفات فعلا، فلسن منشغلات بالأدب "النسوي"، بل هن يعبرن بالكتابة، يقترب من مصر الإبداع في سوريا ولبنان، وهو قديم وقوي مثل هدي بركات، لكن ليست هناك أعمال لافتة إلا من استخدمن أسلوب الجرأة والكشف والفضح.