حكايات جدتي كانت مخزناً للتراث الشفاهي

جريدة البيان - 14 مايو 2001

الروائية سلوى بكر لـ «بيان الكتب»: حكايات جدتي كانت مخزناً للتراث الشفاهي

بيان الكتب: الكاتبة القاصة الروائية سلوى بكر نشرت أول مجموعة قصصية لها عام 1979 (حكاية بسيطة) فى سلسلة آفاق، ثم أصدرت أول رواياتها (زينات فى جنازة الرئيس) 1986 على نفقتها الخاصة، وقد أثارت ردود فعل على المستوى النقدى بعد مجموعة، عن الروح،

التى سرقت 1989 ثم أصدرت (مقام عطية) ثم رواية (العربة الذهبية تذهب الى السماء) 1991 ثم توالت (وصف البلبل) و(ليل ونهار) آخر رواية لها (البشموري) 1998 صدر الجزء الثانى لها عن طريق المجلس الأعلى للثقافة بعد منحة تفرغ عام 2000 وقد ترجمت كثير من أعمالها الى لغات أجنبية عديدة، وقدمت بعضها كسهرة تلفزيونية وفيلم سينمائي سلوى بكر كانت ضيفة «بيان الكتب» لتسرد لنا حكايتها مع الكتاب.

ـ عملت بالصحافة وناشطة فى الندوات واللقاءات فى مصر والعالم العربى وأوروبا من المؤكد أن مسيرتك الابداعية هذه لها خلفية تأسيسية ثقافية مرتبطة بالقراءة.. كيف كانت علاقتك بالكتاب اذن؟ ـ بدأت علاقتى بالكتاب منذ الصغر.. كنت أزور ابناء خالة والدتى.. كان عندهم مكتبة ضخمة فى حجرة واسعة بشقتهم بميدان الكيت كات بإمبابة.. وكان أحدهم مدرسا بالمدرسة السعيدية الثانوية كانت الكتب مجلدة ومذهبة بأسماء المؤلفين.. كانت اشبه بغرفة مقدسة.. حافلة بالكتب القديمة والحديثة.. بعضها كان معاصرا كان هذا فى الخمسينيات. أخذت أقرأ فى بعض هذه الكتب من بينها (النظرات) و(العبرات) و(تحت ظلال الزيزفون) للمنفلوطى كان الجو الثقافى فى هذا البيت يشدنى أكثر من الجو فى منزل أمى وأبى. تعلقت بالقراءة وكان بالمدرسة الابتدائية وقتئذ مكتبة فى كل فصل، وكان على كل تلميذة أن تحضر كتابا أو قصة على أساس أن نتبادلها فيما بيننا فى المرحلة الاعدادية فتنت بكتاب (كليلة ودمنة) الذى مازلت أعتقد أنه من أهم الكتب واثراها.. ليس مجرد القصص بل المغزى منها والفلسفة التى تقف وراءها ولهذا أعتقد أن كل كتاب عظيم له هدف تربوى بشكل من الأشكال عندما كنت فى المرحلة الثانوية كانت هذه فترة ازدهار الثقافة فى مصر فى الستينيات وخاصة الدوريات الثقافية.. رغم أن مصروفى كان قليلا فأنى كنت أشترى منه مجلة الفكر المعاصر للدكتور زكى نجيب محفوظ، ومجلة (الطليعة) القاهرية للطفى الخولى التى كانت تضم ملاحق ثقافية كما شدتنى الصفحة الأدبية بصحيفة الاهرام التى كان يكتب فيها الدكتور لويس عوض والدكتور حسين فوزى، كل هذه الاطلاعات شكلت جانبا من وعيى وثقافتى. وقد ازدهرت فى تلك الفترة الفلسفة الوجودية فى مصر وكثرت ترجمات كتب جان بول سارتر وسيمون دي بوفوار، بعضها على يد عبدالمنعم الحفنى، وأثير الجدل حول الوجودية والوضعية المنطقية.. كل هذا تلمسنا من خلاله التكوين الثقافي الأول.

ـ الى جانب المسلسلات فى الدوريات هل قرأت أعمالا كاملة؟ ـ قرأت بعض روايات نجيب محفوظ يوسف السباعى واحسان عبدالقدوس وعلي أحمد باكثير ومحمد عبدالحليم عبدالله ويوسف جوهر.. قرأنا لكل الكتاب الذين كانوا يشكلون علاقة خلال هذه الفترة.. ولكن أريد أن أنوه أيضا بالبرامج الدراسية خلال تلك الفترة كانت مناهج راقية جدا.. كان الدكتور محمد مهدى علام على رأس واضعى هذه المناهج فى مادة اللغة العربية والأدب العربى.. فكنا نقرأ الثقافة العربية الكلاسيكية مماكان يرقى بحسنا الادبى.. ويطلعنا على نواحى هامة ربما كان يصعب اللحاق بها فى المراحل التعليمية الاكثر تقدما.

ـ لقد ذكرت أعمالا أدبية لكتاب مصريين فماذا عن قراءاتك فى الآداب العالمية؟ ـ كنا نقرأ روايات الجيب وروايات عالمية، وكان حلمى مراد ينشر (كتابى) الذى كان يضم ترجمات مبسطة لروائع الأدب العالمى، كنا نقرأ الترجمات التى كانت تصدر عن دار الكاتب العربى، والدار القومية للنشر والترجمة التى كانت تشرف عليها الدكتورة سهير القلماوى. قرأنا معظم رموز الأدب العالمى من خلال ما أصدرته هذه الدور من ترجمات.

ـ هل بعض هذه القراءات فى الأدب العالمى ما علقت بذهنك.. وتأثرت بها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وأنت تبدأين كتابة اعمالك القصصية والروائية؟.. ـ بالتأكيد ان هناك تأثيرات متبانية أثرت فى تكوينى الأدبى.. ولكن لا استطيع أن أقول أن هناك كاتبا بعينه قد تأثرت به بشكل واضح.. كانت تنتابنى حالات من الاعجاب والتأثر بكتاب متباينين.. فتنت مثلا بأنطوان تشيكوف.. ـ روايتك (البشمورى) بجزئيها تؤكد اطلاعك الواسع فى كتب التراث.. فما هى أهم قراءاتك فى التراث؟ ـ بالنسبة للتراث لدى منبعان فى علاقتى بالتراث.. المنبع الأول هو المتداول الشفاهى من التراث من خلال حكايات جدتى لأمى وحكايات جدتى نفسها كانتا مخزنين للحكايات الشفاهية الحكايات التراثية أتصور أن هذا اثرانى ثراء كبيرا جدا فى البداية أتذكر انه خلال التسعينيات كانت مجلة صباح الخير تنشر كراسات صغيرة تضم حكايات شعبية قصيرة مكتوبة بطريقة شيقة ومرسومة بأقلام أهم الفنانين خلال تلك المرحلة مثل بهجت عثمان وايهاب شاكر.. كانت هذه الحكايات التى تقدم هدية مع كل عدد انفتاحا جميلا على القصص الشعبية والحكايات الشعبية.

أما المنبع الثانى فهو الكتب التراثية، ففى بداية المرحلة الجامعية بدأت أتعرف على مؤرخى العصر الوسيط فقرأت لابن اياس والمقريزى كما قرأت الجبرتى الأكثر حداثة بنهم شديد جدا، وكنت أحيانا أستمتع بها أكثر من الروايات الحديثة.

ـ هل اضافت دراسة المسرح الى تكوينك الثقافى؟ ـ بلا شك.. كنت أحب قراءة المسرح ولكنى أؤمن بمنهج القراءة من خلال برنامج مما يدفع المرء أكثر ثقافيا، وقد درست على يد أساتذة اجلاء مثل أحمد عباس صالح ومحمود مرسى وعبدالرحيم الزرقانى كما درس لنا خيرى شلبى الأدب العربى، ودرس لنا الهامى حسن السينما.. لقد فتح لى معهد الفنون المسرحية باب الاهتمام بالموسيقى والفن التشكيلى.. لكن لابد أن انوه ان الثقافة العامة فى المجتمع كانت متاحة كما فى عروض دار الأوبرا للموسيقى بقروش زهيدة للطلاب.

ـ بعد مرحلة النضج الفكرى.. كيف تكون اختياراتك فى القراءة حاليا؟ ـ اقرأ فى كل الكتابات التى تسعى الى تنظير اللحظة الانسانية الراهنة على مستوى العالم. فنحن نعيش الآن فى عالم مضطرب، يتفكك رغم كل الكلام عن العولمة والقرية الواحدة وتزيد التكنولوجيا والآلة من عزلة الانسان وتباعد بينه وبين الانسان الآخر بشكل مرعب.. فالإنسان اليوم يستطيع من خلال الانترنت ان يمارس كل تفاصيل حياته الانسانية التى كانت تدار عبر اتصال انسانى مباشر ومجتمعى. حتى ليتحول الانسان الى كائن يعيش فى قوقعة والى رخو بشرى اننى اتأمل كل كتابة تتناول الانسان فى اللحظة الراهنة. وحتى لا تفقد طزاجتها.

ـ ماتأثير عملك بالصحافة فى اثراء تجربتك وعالمك الروائى.؟ ـ من حسن الحظ اننى عملت غالبا فى الصحافة اللبنانية حوالى ست سنوات بين لبنان وقبرص وتونس، والصحافة اللبنانية لها طابع كوزمو بوليتانى فهى ليست محلية، هى سريعة ومتواترة ومفتوحة وليست مهمومة بالمشاكل اليومية الضيقة.. وقد استفدت من عملى فى الصحافة خبرة انسانية واحتكاكا بنماذج انسانية متباينة، وانفتاحا على العالم، وكنت محظوظة أننى عشت أهم اللحظات السياسية فى لبنان، بل عشت لحظة العدوان الاسرائيلى 1982 وكانت فترة ثرية مليئة بالتناقضات والمفاجآت السياسية والاجتماعية.. مما أثر فى وجدانى.

ـ نعود الى روايتك الكبيرة (البشمورى) بجزئيها.. بين منابعها التراثية ورؤيتك الابداعية؟ ـ فى الحقيقة اننى لم أكن أتصور أن أكتب مثل هذه الرواية، ولكن عندما قرأت بعض الكتب التاريخية حول الفترة الزمنية مابين نهاية الحكم الرومانى فى مصر وتحول مصر الى دولة اسلامية بالمعنى الذى نعرفه اليوم كنت أتساءل ماذا حدث بين هاتين الفترتين؟ كيف تحولت الثقافة والمفردات الحضارية واللغة، كل هذه أمور كنت أهجس بها دائما، الى أن قرأت بالصدفة كتاب (تاريخ الآدباء البطاركة) للمؤرخ القبطى ساويرس بن المقفع فتنت به فتنة عارمة، على مستوى العوالم وعلى مستوى اللغة فى وصف أحداث زمانه وكان ساويرس قد عاش فى بدايات العصر الفاطمى واتصل بالخلفاء الفاطميين، وتعلم اللغة العربية لكى يكتب تاريخ الكنيسة القبطية، ويبقى للأجيال الجديدة لأنه اللغة القبطية أخذت تندثر. وكان الرجل من حسن الذكاء لدرجة انه أرخ لما هو سياسى وماهو اجتماعى وماهو يومى وانسانى ولهذا اعتبره من اهم مؤرخى العصر الوسيط فى مصر، كانت له طريقة فى الخلط بين ما هو يومى وماهو سياسى.. كأنما تقرأ ابن اياس أو المقريزى. نفس المنهج فى تقديم صورة حية وطازجة للحظة التاريخية والاجتماعية والشخصية.. وقد فكرت فى آن أنسج من خلال هذه المنهجية التاريخية منهجية روائية جديدة ومغايرة.

ـ فى قراءاتك لبعض أعمالك القصصية فى الخارج.. ماالذى كان يشد المستمع الأجنبى فى قصصك؟ ـ استمع الى تعليقات متبانية.. مثلا فى ألمانيا قالوا لى أنه تشدهم السخرية ذات البعد الانسانى، السخرية التى تضفى جوا من التفاؤل، ولكنه تفاؤل يشير الى الحزن الكامن فى هذا العمل والشخصيات التى تتحرك خلاله. وقيل لى ايضا اننى امتداد لمحفوظ بشكل من الاشكال.. أما النساء فانهن لهن معان أخرى يرون انفسهن فى أكثر عمل من أعمالى.. الطريف اننى كنت أول أديبة وكل العالم تقرأ بعض أعمالى فى افتتاح بيت بريشت أو جسبورج وخرج مقال عنى بعنوان الكاتبة السوداء فى البيت الأحمر!!