حظوظ سلوى النعيمي فى برهان العسل

(هذا الكتاب يستلهم نسق كتب الجنس في التراث العربي ولكن في إطار من الحداثة السردية)

                  شتيفان فايدنر -  في قراءة نقدية لرواية برهان العسل

 

حضرت دردشة للروائى"خيرى شلبى" قال فيها :أن كتاب هيكل (خريف الغضب) عمل روائى بامتياز!! لماذا لاتكون الرواية بحث طويل وسرد جميل؟! تبنت الفكرة وعملت بها فيما بعد سلوى النعيمى وحولتها لسرد جميل لم تضع له تصنيف لكن فى طبعته الرابعة اطلقت عليه "رواية" واستغرب الروائى صنع الله ابراهيم فقد حسبه كتاب خفيف يستوحى الجنس من التراث؟! فما من شكٍّ أنَّ موضوع الكتابة الإيروتيكيّة النَّسَويّة يسعى إلى توظيف جُملة تابوهات مُرتبِطة جذريّاً بالمُحرَّمات والمَكبوتات (النَّفسيّة – الاجتماعيّة)،وذلكَ بهدَف الوصول إلى أكبَر عدد من القُرّاء، ظنَّاً من الكاتبات أنَّهُم كُلّما بالَغوا في اللَّعِب المَجانيّ على المُتخيَّل الجنسيّ فإنَّهُم يُخلخِلونَ بهذا الشَّكل البِنى المُحافِظة، ويقتحِمونَها، ويزيدونَ من فرصة شُهرة مُؤلَّفاتِهِم ، مُتناسينَ أنَّ هذه الكتابة قد راجَتْ عربيّاً في العقدين الأخيرين رواجاً بالِغاً إلى المُستوى الذي افتقدَتْ معهُ أنماطٌ تأليفيّة سطحيّة كهذه كثيراً من عَوامِل الجذب لجُمهورٍ يُفترَضُ أنَّهُ جمهورٌ استهلاكيٌّ مكبوت، ولاسيما أنَّ هذه الشريحة باتَتْ قادرةً على حلِّ مَسائِلِ كبتِها المُباشَرة مُستفيدةً من ثورة الرَّقميّات والمَعلوماتيّة ومَواقِع التَّواصُل الاجتماعيّ،حيثُ يبدو أَنَّ مصيرمثل هذهِ الكتابات – وتحديداً الأنثويّة التي نحنُ بصددِها هُنا – هوَ النِّسيان السَّريع أو الإهمال الكبير في عصر (العولمة/الليبراليّة الجديدة)، مهما تمَّ اصطناع جلَبة إعلاميّة فارِغة حولَها سواء أكانَ ذلكَ بالاحتفاء الكاذِب بها، أم بمُهاجَمتِها من داخِل دائرة الذّكورة المُعادية لما يبدو زيفاً.

وهكذا جذبتنى للعسل رواية سلوى النعيمي"برهان العسل" النعيمي فيها لاتخفي تبنّيها لكل التجارب التي تعيشها بطلة روايتها بل إنّ هذه البطلة توحي بأنها نسخة للمؤلفة؟! وما يهمنا هو أن سلوى النعيمي ترفع شعار نبش المكبوت والمسكوت عنه وتنتقد ما تسميه "مجتمع التُقية" العربي الذي تقول إنه لم يكتشف بعد " أنّه لم يبق من الثالوث المحرم إلا اثنان :الدين والسياسة..سقط الجنس من منخل الرقابة أوإنّها وسّعت فتحاته؟!

بل انها ترى ان العربية لغة جنس فى مواجهة ادباء الفرانكوفونية الذين رغم عروبتهم يكتبون بالفرنسية تحت حجة ان العربية لا تعرف كيف يكون الجنس؟!يضحك ادباء الفرانكوفونية ويقولون: للنعيمى نص فى التسعينات اسمه "كتاب الأسرار"- صدربلا تصنيف ايضاً ؟! ولكن النقاد اعتبروه مجموعة قصصية - تتحدث فيه عن المفكر تحت عنوان (قيلولة) وقد قابلته فى مؤتمر عن المرأة، كان يراودها عن نفسها بعبارة "ما رأيك فى قيلولة؟" فتضحك وتقول نعم ولكن وحدى..ولكن فى اليوم الأخير بالمؤتمر مدت يدها، وافسحت له مكاناً بسريرها؟!..

ويالا العجب تبدأ رواية سلوى نعيمى"برهان العسل" من لقاء البطلة بـ «المفكر» نفسه كأنها تعيد علينا قيلولتها المثيرة معه،وتشرحها بالتفصيل وتقول عنه بالنص:(يجذبني الى صدره وأرتمي عليه،ويقبل عيني وشفتي، وأنا أمص ريقه ويحسس على بطني، وأفتح ساقي،ويدخلني عميقا.(

      فإذا كان خيرى شلبى يعتبر خريف الغضب (الكتاب – الرواية(

      فأن صنع اللة ابراهيم يعتبر برهان العسل (الرواية – الكتاب(

برهان العسل = حجة الفرج = الحجة التي أقامها الفرج على الذكر
تقول سلوى النعيمي: أردت أن أبرهن فعلياً على ان اللغة العربية قادرة على كتابة الجنس والتعبير عن الحميمي من قبل ومن بعد، وعلى ان لذة الجنس تحتل مكانة أساسية عند العرب بعيد عن مفهوم الخطيئة والدنس عبر تداخل نصي مع الاستشهاد بكتاب قدماء مثل الجاحظ والسيوطي والنفزاوي لقد أرادت سلوى النعيمي ان تذكرنا بأن كتب التراث في الثقافة العربية الإسلامية تحتوي على الكثيرمن الكتب التي تتناول الجسد والجنس،وهي مكتوبة من قبل فقهاء كبار وعلماء لهم بصمتهم الواضحة في الثقافة الإسلامية مثل كتاب (السحاقيات) للضميري، وكتاب (نزهة الألباب فيما لا يوجد في كتاب) للتيفاشي،وكتاب (روض العاطر في نزهة الخاطر) للنفزاوي،وكتاب )طوق الحمام) لابن حزم الأندلسي

فهذا الكتاب الذي ألّفته الصحفية والكاتبة المولودة أواخر الخمسينيات في دمشق والتي تعيش منذ فترة طويلة في باريس– قد يكن سيرة ذاتية وقد يكون نصاً بورنوغرافياً.؟! إنه ببساطة يستعصي على التصنيف،إلا أنه رغم ذلك حقق ضجة كبيرة..( تعمل الراوية أمينة مكتبة في البداية في دمشق ،ثم في باريس،وخلسة تشرع في قراءة كتب الجنس في التراث العربي.حتى وإن كانت هذه الكتب قد طواها النسيان في معظم الأحيان) رغم ذلك فإن الكتب متوافرة بكثرة، منذ القرن التاسع على أقصى تقدير في التراث العربي الإسلامي ومسموح بها وكتبها شيوخ وفقهاء عظام لهم شأنهم،وقد استلهمت من التراث كتابات النفز اوى فى روضه العاطر لتستفتح روايتها بما جاء فى كتابه ب"الحمد لله الذى جعل اللذة الكبرى فى فروج النساء"فالرواية كتابةً داعية إلى تحرُّر المرأة وبالتالى نعيب على المرأة الكاتبة التى تعيد إنتاج المركزيّة البطريركيّة الذكوريّة لا شُعوريّاً ووجوديّاً.ولذلكَ من المهم أنْ تتأسَّسَ الكتابة الإيروتيكيّة فكريّاً على الانتقال من المُستوى البيولوجيّ الجنسيّ للمُؤلِّفة إلى المُستوى النَّوعيّ بوصف الكاتِبة إنساناً أوَّلاً وأخيراً، وبوصف الكتابة الإيروتيكيّة كتابةً كيانيّةً تبسطُ في طيّاتِها أسئلة الذات والوجود في إطارٍ إبداعيٍّ،ولاتسقطُ في عُقَد الدّونيّة والتَّشيُّؤ وترسيخ صورة الجانب الميكانيكيّ للجنس،ولهذا تتحدَّدُ جودةُ الكتابة الإيروتيكيّة فنِّيّاً بمدى قُدرتِها على تقديم السُّؤال الإبداعيّ الجَماليّ ضمنَ بِنية تخليقيّة ناهِضة على تقنيّاتٍ فنِّيّة مَجازيّة ورمزيّة مُكثَّفة، وقادِرة على فَتْحِ النُّصوص على لذّة التَّلقّي من دون الإطاحة بالعُمق (الإبداعيّ – المَعرفيّ) الذي ينبغي ألّا يأتي لدى الكاتِبة من مُسَبَّقات الجسَد/الجنس وإسقاطِها قسراً من خارِج النُّصوص؛ إنَّما ينبغي أنْ يأتي من مُسَبَّقات الخَلْق الفنِّيّ الذي يُعيدُ توليد عالم إيروتيكيّ جَماليّ جديد يُمثِّلُ زيادةً في الوجود من وجهة نظَر المرأة المُبدِعة.

وقد اختلفت المدرستان النّسويّتان،الفرنسيّة والامريكيّة، حول الجنس ومدى شرعيّة وعمليّة المناداة به وتطبيقه في حقول الأدب والنّقد النّسويين فالمدرسة الفرنسيّة ترى استحالة إقصاء الجسد الانثويّ أو إهماله أثناء الحديث عن التّجربة الانثويّة الحقيقيّة،إذ هو مصدرٌ من مصادر الكتابة الانثويّة في نظرها، فالمرأة بكتابتها عن جسدها ذهبت إلى التّعبيرعن نفسها لإدراكها حقائق ذلك الجسد إدراكًا واعيًا واكتشافها له ونجد النّسويّات الفرنسيّات يشجّعن النّساء للبحث عمّا هو مختلفٌ لديهنّ عن الرّجال واكتشاف جنسهنّ انطلاقًا من بيولوجيّة أجسادهنّ وأن يبرزن ماقامت الذّكوريّة بقمعه، فوعي الجسد يعني بالضّرورة وعيًا للذّات الانثويّة الّتي غيّبت أو أسيء تمثيلها في الخطاب الذّكوريّ.

أمّا النّسويّة الامريكيّة فترفض ماتطرحه النّسويّة الفرنسيّة لأنّ الأخيرة تحاول فرض صوت شهوانيّ واحد للتّعبير عن كلّ نساء العالم، لا يحاول إيجاد مفاهيم نسويّة عالميّة، وفي ذلك تجاهلٌ لخصوصيّات الشّعوب والمجتمعات الثّقافيّة والدّينيّة والاجتماعيّة، إذ تتفاوتُ مسألة وعي الجسد لدى نساء العالم وفقًا للطّبقة والجنس والثّقافة، ولذلك لا يمكن أن تكون البيولوجيا الانثويّة منفذًا للخروج على الذّكوريّة وعزلها للنّساء.. 

وتميل النعيمى للنظرية الفرنسية بحكم اقامتها الطويلة بباريس ففى رواية نجيب محفوظ " السراب" هذه العبارة ( ففى لحظَة من أَجَلِّ ما عرف الزَّمن رغم أنها مُعادَة وتحدُث فِي اليوم الْواحد آلاف الْمرَّات،فهِيَ الْمَعاد الَّذِي لايُملّ، وما ينبغي أن يُمَل؛ فهو يَتضمَّن سِرَّ الْوجود الأعظم (أخذتها سلوى النعيمى وحولتها لكتاب فهو مقسم لأبواب (باب أزواج المتعة وكتب الباه - باب المفكر والتاريخ الشخصى– باب الجنس والمدينة العربية – باب شطحات الجسد) وهكذا لإحدى عشر فصلا والكاتبة نفسها تدعى أنه بحث عن الجنس فى التراث العربى وكان معد لمؤتمر فى واشنطن لهذا الغرض ولكنه الغى فنشرته.تبدأ (الرواية-الكتاب) قصفها العنيف والذى تفضح فيه البطلة رغباتها الجنسية ومن عاشروها وتلعنهم فهم ادوات جنسية وليسوا عشاق!! وتعلن عن تمسكها بالتراث الجنسى العربى:(النفراوى،والطوسى،والتيجانى،والسيوطى)وأنها لم تخترع شيىء فهى الأبنة الشرعية لهذا التراث؟ تقول (لم أُخف يوماً ما أفكر به نظرياً مهما كان صادماً للآخرين،بعيداً عما يعتبرونه الطريق المستقيم. خبأت فقط إعلان التطبيقات العملية لأفكاري.هذه وحدها خطوة خطيرة في مجتمع لا يعرف إلا التقية وإعلانات الرضوخ) ويأتى السؤال المفارق هل تراثنا العربى جنسى (النفزاوى،والطوسى،والتيجانى،والسيوطى) وصفة جديدة لعودة الشيخ إلى صباه؟! والغريب أن روايتها ترجمت حديثا للفرنسية باكبر عائد مادي لكاتبة، لتسبق نوال السعداوى ونزار قبانى؟! ووزعت بباريس 15الف نسخة ووضع على الغلاف صورة امرأة عارية فى حالة انتظار بالوضع السادومى وهو الوضع المكرر بطول الرواية والذى تصفه الراوية..فتقول:" انبطح على بطنى،رافعة ظهرى،معتمدة على ذراعى،هو خلفى ولاأراه تمر كفاه بإصرار ترسمان حدودى من الكتفين إلى الفخذين، لتستقرا على مؤخرتى يشدنى إليه،التصق به أكثر،امتلأ به أكثر،ادفن وجهى بالوسادة لأخنق همهمات لذتى".. فهل الفرنسيون مهتمين بالجنس ولا يزالون ؟!

والرواية تسّرد بضمير المتكلم (انا)،بضميرالمؤنث للساردة التي لا تحمل أي اسم، وهي الصوت الوحيد، فهل الأنا هو صوت المرأة الذي تتحدث من خلاله؟وتختلط علينا عائدية الأنا،ما بين الروائية والساردة، هذا يقودنا إلى العثور على تطابق الرؤية (= التشابه) عند الساردة والروائية جزئياً، فكلتهما دمشقية:(دمشق مدينة طفولتي-ص53 الرواية)،(سلوى النعيمي

شاعرة وصحفية سورية.تعيش وتعمل في فرنسا–صفحة التعريف بالمؤلفة) كلفت الساردة بكتابة دراسة بحثية عن الكتب الجنسية العربية القديمة بناءاً على طلب المكتبة الوطنية الفرنسية التي تعمل فيها كأمينة مكتبة، فتأخذ إجازة وتغادر باريس مع كتبها ومراجعها إلى تونس:(طلبت إجازة من عملي في المكتبة،حملت كتبي وهربت من باريس إلى تونس- ص51 الرواية)،الرواية كتبت ما بين باريس وتونس.

تقول البطلة فى الرواية:(هناك من يستحضر الأرواح،أنا أستحضر الأجساد لا أعرف روحي ولا أرواح الآخرين.أعرف جسدي وجسدهم) يدفعها إلى رواية حكايتها «المفكر»الذي التقته في أحد المؤتمرات والذي يحتل المساحة الأوسع في حياتها وجسدها.مع الرواية وقهوتى المحوجة بالعشق عرفت أن برهان العسل هو العسل نفسه (كنت أصل إليه مبلّلة، وأول مايفعله هو أن يمد إصبعه بين ساقي،يتفقد العسل كما كان يسميه، يذوقه ويقبّلني ويوغل عميقاً في فمي! وأنا أمص ريقه،ويحسس على بطني،وأفتح ساقي،ويدخلني عميقا ليحترق معي) تقول النعيمى على لسان مفكرها ورجلها الايروتيكى:فنحن لا تنام مع النساء نحن نصحو معهن..

أتذكر عبارتها (فأكبر لذةٍ بعد ممارسة الحب هي الحديث عنه)

واعمل بهذه النصيحة فأكبر لذةٍ مع الروايات العارية أن تكتب عنها..

واستغرب مع صنع الله ابراهيم واقول مثله : آهذه رواية؟!