تفاصيل ابراهيم داود

مدونة ظبية خميس ، في 2 نوفمبر 2008

” تفاصيل ” هو العمل الشعري الأول لإبراهيم داود ، صدر في عام 1989 عن دار النديم ، وحظى بإهتمام خاص سواء في الصحافة الثقافية ، أو الوسط الأدبي. بعضهم ذهب في تحمسه لهذا الشاعر الشاب بأن صوره على هيئة أمل دنقل يولد من جديد. العطش في القاهرة للنص الشعري الجيد ، يصل إلى درجة الظمأ ، في صحراء.

وبالرغم من أنها تجربة الشاعر الأولى ، إلا أنه إمتلأ بحماس الآخرين له ، حتى تجاوز نفسه زهواً ، أحياناً.

” تفاصيل “

” تفاصيل ” إبراهيم داود يحمل سبعة قصائد ، أولها ، وأطولها هي القصيدة الأولى والتي تحمل عنوان الكتاب. وما بين طيف من تأثير الشاعر الكبير سعدي يوسف ، وروح الصوفية ، وحياء وأحلام إبن القرية تتكون قصائد الشاعر ، وصورها. إنها قصائد هادئة ، ومتواضعة ، وقد لا تكون مدهشة في سياق حركة الشعر العربي الحديث في الوطن العربي. إن أهمية قصائد هذه الشاعر الوحيدة تأخذ منزلتها في أجواء شعر الشباب في القاهرة. تمتلئ بالحس الإنساني العذب ، الأقرب للإنكسار أحياناً ، وخفة الروح في أحيان أخرى ، إلا أنها تقليدية في جذورها ، ومضمونها أحياناً. لها لغة السرد القصصي المختزل ، وذلك البحث الذي يعرف حدوده في علاقته بالمرأة ، الشارع ، والوجد.

يقول في قصيدته صداقة : إلى سعدي يوسف

لافتات الأطباء في قريتي ،

والمحطات مزحومة ،

والبنات …

والذي فات زوجته ليشرب كأساً ،

والذي كان جاري يغني ويبكي ،

والذي لا يحب النبيذ ويشربه ،

والتي تكتب الشعر سراً ،

والتي لا تحب الغموض ،

والتي أعرفها جيداً ،

وصوتك … ،

ولونك بين التفاعيل ،

وبحة صمتك …

…….

أصدقائي

ويقول في قصيدته جميلة ;

كانت تدندن في قطار الليل

بأغنية حزينة

كانت تحدق في أناملها

وأنا أحدق في جدائلها الطويلة

….. كانت جميلة !!

حوار

مع الشاعر المصري الشاب إبراهيم داود دار الحديث التالي :

- لماذا التفاصيل ؟

- لأنها العالم … عالمي.

وهم القطيعة في الشعر ، ونظرة إحتواء العالم للجيل السابق توحي بأن المتصوفين قد نجحوا.

أنا أرى العالم كما تعرفه حواسي … مضافاً إليها خبراتي.

- أعتبر أن شعراء السبعينات قد أنجزوا ما قدم لمجيئي. كان لابد من أصوات لشعر جديد، في مصر ، بعد إستهلاك القصيدة الكلاسيكية الحديثة مع النكسة.

أحمد عبد المعطي حجازي .. وغيره كسروا شكل الشعر .. ولكنهم احتفظوا بأغراضه.

لا أتوسم خيراً …

- الجيل الجديد (حقبة الإنهيار العربي( في مصر وغيرها ، هذا الجيل موجود بوظيفة إحتياجية لما بعد الإنهيار.

أزعم أنه من الظلم الحكم على جيل الثمانينات ، الآن. هناك بعض الأسماء من جيل السبعينات (حلمي سالم ، عبد المنعم رمضان ، محمد سليمان ) ممن مثلوا تجربة خاصة. ومحمد سليمان – بالنسبة إلى – هو الوحيد ، تقريباً المستمر في تطوير تجربته.

بالنسبة إلى جيل الثمانينات ، والأسماء المطروحة ، لا أتوسم خيراً في أحد منهم ، وبدونما إستثناء في مصر.

- وأنت ؟!

- أنا لا أتكلم عن نفسي …

أنا أزعم أنني بصدد تحقيق بعض من طموحاتي الشعرية ، على مستوى القصيدة الفصحى.

- كيف تنظر إلى وضعية قصيدة النثر في مصر ؟

- هناك أكثر من شاعر يكتب قصيدة النثر ، ولضيق جمهور هذا النوع من الشعر فإن قصائده محدودة. أحمد طه ، محمد عيد ، عبد المنعم رمضان ، حلمي سالم ، هم بعض شعراء هذه القصيدة. أشعر أنني أتجه ناحية قصيدة النثر ، لأن حلم أي شاعر – على ما أظن – هو إمكانية الحصول على حالة متوترة في جملة مستقرة. كيف يمكن أن يكتب الشاعر القصيدة باللغة العربية الفصحى ، وأن يقول كل ما لديه في مصر ، يمثل مشكلة بالنسبة إلي.

الصوفية .. والتراث.

- ما هي مكوناتك الشعرية ؟

- بئري الأول هو طفولتي ، العودة إلى تفاصيل كان من المستحيل علي أن أتذكرها، الحنين إلى هذا العالم في حد ذاته.

الطفولة ليست ساعة زمن.

كذلك التراث الصوفي الذي عايشته ، ذاكرتي البصرية والمزيج الحسي – الصوفي، تربيتي، إدراكي لوجود ذلك الذي هو حولي ، العلاقة بين الصوفية ، وبين آل النبي.

هناك تراث معروف بالنسبة إلى جيلي يأخذ شكل معملي في الكتابة ، وهذا يعيب عدداً كبيراً من الشعراء الكبار وليس جيلي ، فقط.

من المؤثرات الأخرى على شعري علاقتي بالشعر العربي التراثي ، ولا سيما المتنبي ، وأبو تمام. كذلك خبراتي البسيطة جداً ، والسخية جداً ، وأنا أعتبر كنزي الأول في الكتابة الشعرية هو علاقة حواسي بكل ما هو حولي.

المرأة

- ماذا عن التفاصيل ، في ” تفاصيل ” عملك الشعري الأول ؟

- علاقاتي مع المرأة كلها غريبة ، كلها حالات شعرية ومؤقتة ، لأنني لا أحتمل إمرأة بإنتظام في حياتي ، وهي لا تحتملني ، نعود ” حبايب ” ، في صداقتنا ولكن بعد إنتهاء العلاقة.

تعجبني كل إمرأة جميلة.

لا أعرف تفسير علاقتي بالمرأة ، هذه المرأة – الحلم لم تأت بعد.

- الأم …

لإنني أصغر الأخوة ، هي لم تكن بالنسبة لي أم فقط ، ولم أشعر بالغربة إلا بعد موتها ، رغم عدم لقائي بها كثيراً ، قبل موتها ، ولأنها شريكة كل طفولتي ، بئري الأول.

أخاف من ” أنا “

- أحياناً كثيرة أشعر أنني أفكر بمنطق أهلي كلهم ، أنا أخاف من كلمة أنا ، لأنها تعني أنني بمفردي ، أخاف من فرديتي : فرديتي كإبن طبقة دائرة صغيرة ترى العالم بوجهة نظر مختلفة عن عالم المدينة ، هناك خصوصية لعلاقتهم بكل شيء.

- هل تحس أنك فلاح ؟

- أحلم بأن أرى العالم من وجهة نظر فلاح ، أحلامه بسيطة جداً.

لكن أحلامي مستحيلة ، وغير ممكنة. هي كبيرة جداً ، أحلامي ، هي أحلام الناس كلها، حلم أستعاده ، حلم أن لا يكون هناك من مشكلة.

في داخلي أشعر بتقاطع مع الموسيقى الشرقية القديمة.

- أنت راضي عن ” تفاصيلك ” ؟

- راحتي ، في أنني أشعر أنها مثلتني ، وقدمتني كما أريد أن أقدم للناس.

الشعر المهادن

محمد المزروعي الشاعر الإماراتي – المصري ، كان موجوداً معنا في هذا الحوار. قبل أن ينتهي الحوار مع الشاعر المصري إبراهيم داود أدلى المزروعي برأيه في عمل زميله قائلاً :

- رأي .. في مجموعة ” تفاصيل ” ، إنها تمايزت مع السائد الشعري ، والسيئ. التفاصيل في الحياة ليست بكر ، أنت ترصدها وكأنها جديدة ، وفي مستوى ، سطحي ، وغير عميق.

ثمة مهمة على كل إنسان من الشحاذ ، إلى النقيض ، وهو الإحساس بالرجولة ، والإضطلاع بمهمة ، إذا كنت شاعر فعلي أن أكون شاعر مهموم بقضايا وقته ، ليس بالمعنى السياسي ، ولكن الإستعداد لتطوير المجتمع ، ووجوده ، برؤية جديدة.

التفاصيل ” بتاعتك ” تؤسس للقنوص ، برغم جمالها ، لأنها معتمدة على رؤية سابقة ، مطروحة عند أحمد عبد المعطي حجازي ، ولو أن المسألة متطورة. أحس أنها قصائد مهادنة، شعر مهادن للظرف الحالي ، القائم. أنها قصائد تؤسس للغربة ، والبحث عن مدينة فاضلة ، فكرة قديمة عن دور قديم ، وأحلام مستحيلة ، الوجود الشعري مهادن في قصيدتك ، أنه وجود يؤسس لضعف شعري ، وجوده وجود ضعيف بسبب الوضع العام.

وفي رد إبراهيم داود على محمد المزروعي قال :

- كلامك حلو ، لكنه عام ، أنا أزعم أن ما كتبته هو الشعر ، أنا حريص على أن أكون إبن بار جداً ، للماضي.

سبتمبر 1991 الشارقة - الإمارات