من كتاب فاروق الاول والاخير

النازية سبب حادث 4 فبراير ببلاط الملك فاروق

ويكتب “مايلز لامبسون” السفير الأنجليزى في أحد تقاريره:(ذكر لي الأمير“محمد علي” أن “علي ماهر” (رئيس الوزارة) طلب من “محمد محمود خليل” (رئيس مجلس الشيوخ) إبلاغ السفير الإيطالي الكونت “ماتزوليني”، “أن مصر لن تعلن الحرب على ألمانيا رغم أن ذلك مفروض عليها بالمعاهدة.

 ثم بدأ الشك البريطاني يتخلى عن تحفظه عندما وصلت “معركة المصائر” بالحرب العالمية الثانية إلى جنوب البحر الأبيض وإلى مصر، وفي المرحلة التي كانت بريطانيا تقف فيها وحدها في ميدان القتال ضد هتلر،وهنا جاء الطلب البريطاني بخروج “علي ماهر” (باشا) من رئاسة الوزارة في مصر بصيغة الأمر؛ لأن الأوضاع لم تعد تحتمل،نصها أربع كلمات“” (Aly Maher must go): وقد طار السير “مايلز لامبسون”من القاهرة إلى الإسكندرية يوم 31 يونيو 1940 ليقابل الملك “فاروق” وينقل إليه الأمر بنفسه “أن الحكومة البريطانية لا تستطيع أن تصبر على وجود رئيس وزراء مصري لا تثق به، ولا يثق به الشعب المصري نفسه لأنه لا يمثله فهو نازى المانى” وعندما حاول الملك “فاروق” أن يتذرع باستقلال مصر، رد عليه “لامبسون” بقوله: “أرجوك لا تلعب بالنار، وأن تحاول بدلا من ذلك إجراء مشاورات تجيء بحكومة تمثل الأغلبية في مصر وربما “رأيت” جلالتك أن يكون “النحاس”(باشا) ضمن من تتشاور معهم”! ولم يقاوم الملك “فاروق” كثيرا في إخراج “علي ماهر” بل إنه بناءً على نصيحة رئيس ديوانه “أحمد حسنين” (باشا) جاء إلى رئاسة الوزراء بصديق للإنكليز هو “حسن صبري” (باشا)، لكن الرجل لم يقض في رئاسة الوزارة غير بضعة أشهر ثم فاجأته نوبة قلبية قضت عليه واقفا أمام الملك “فاروق” يلقي خطاب العرش في قاعة مجلس النواب في البرلمان المصري.

ومرة أخرى اختار الملك لرئاسة الوزارة صديقا آخر للإنكليز هو“حسين سري” (باشا). ولم يكن هؤلاء الرجال من أمثال “حسن صبري”و”حسين سري” عملاء للإنكليز،وإنما ساسة يعتقدون بضرورة التفاهم مع بريطانيا لبلوغ المطالب المصرية لأن ذلك أسلم من مواجهة غير متكافئة معها في زمن حرب لا تستطيع مصر أن تؤثر في مجراها، وعلى فرض أنها كانت تستطيع،فقد كان رأي هؤلاء الساسة أن “الشيطان البريطاني” الذي يعرفونه أفضل من“الشيطان الإيطالي أو الألماني” الذي يدخل بلدهم بقوة السلاح في حرب عالمية،ولكن الملك لم يلين ليأت بالنحاس فى رئاسة الوزراء،فما بينهما صراع قديم؟! فهناك كراهيه مكنونة بين الملك والوفد _ والنحاس بالذات_ ورثها عن ابيه الملك فؤاد فقد رأى الملك فاروق وهو فى سن الثامنة عشر مليشيات الوفد تجوب المظاهرات بقمصانها الزرق وتنادى "يحيا الوفد" بل تصل للقصر وهى مصرة علي نفس النداء "يحيا الوفد" وكان زورق وزارة حسين سرى يزداد اضطرابا وجنوحا فالخبز قد اختفى،وزادت معاناة الطبقات الشعبية فالحرب رفعت تكاليف المعيشة فى انجلترا 135% ولكنها رفعتها فى مصر350 % وتَحرك الملك فى اتجاه المحور"المانيا، فالأوضاع فى الداخل والخارج كانت تلوح بالفكرة للملك فلماذا لا يتصل بالنازى المنتصر فيأمن طيشه ويتفق على إستقلال بلده ؟!

فهناك حرب كبيرة وصلت نيرانها لحدود مصر الغربية ،ولذا نجد ان محطة "زد دي اف" تلمح الى تاريخ العلاقات بين النازيين ومصر تاريخيا فى (1939- 1945)حيث تشير الى انه«خلال الحرب العالمية الثانية استطاع الألمان تجنيد شخصيات مصرية رفيعة في البلاط الملكي المصري في عهد الملك فاروق وكانت هناك قوي سياسية تدعو الى التحالف مع ألمانيا في مواجهة بريطانيا التي كانت تحتل مصر آنذاك ذلك ان ميول بعض الشخصيات في عهد الملك فاروق كانت مع الألمان وهتلر بمافيهم الملك ذاته، ولم يكن عن اقتناع بأفكار النازية بل كانت رؤية وطنية لأي جماعة ضد الاحتلال البريطاني لمصر وهذا أكبر دليل على ان النازية كانت مجرد أفكار سياسية يجري تداولها في تلك الحقبة باعتبارها مضادة للاستعمار الغربي.

وفي بداية 1941 (يوم 20 فبراير) وقع حادث لافت للنظر، فقد تم التحفظ في فلسطين على دبلوماسي روماني بدرجة وزير مفوض اسمه “أولغارناناسيسكو”،وكان قادما من تركيا عبر سوريا يحمل ثلاث حقائب والظاهر أنه كانت لدى السلطات البريطانية معلومات دعتها إلى مخالفة الأعراف،فأمرت بتوقيف الدبلوماسي الروماني وفتح حقائبه للتفتيش ،وإذا هي تحتوي على أجهزة استقبال وإرسال لاسلكية برسم التسليم إلى قنصلية رومانيا في الإسكندرية وكانت ضمن المضبوطات أوراق تحتوي على تعليمات بموجات اتصال يومي منظم على ترددات لاسلكية محددة كما كان هناك كشف بعدد من الأسئلة تطلب معلومات تفصيلية عن أوضاع الأسطول البريطاني في الإسكندرية. والأهم أن تلك المضبوطات من الأوراق كانت فيها نسخة من الخطة العسكرية للقوات البريطانية في الشرق الأوسط. وكان ذلك نذير خطر مضاعف،فقد تبدى لهذه العملية معنى يتجاوز الواقعة وتفاصيلها مؤداه أن الخطر على الأمن في مصر لم يعد “ألمانيا” أو “إيطاليا” ولم يعد طرفا معينا يمكن تحديده وترصده، وإنما الخطر اتسع نطاقه بسيطرة “هتلر” على أوروبا وبما نتيجته أن أي أوروبي هو جاسوس محتمل متنكر والدليل أنه في هذه الواقعة دبلوماسي روماني. وتلقى السفير البريطاني في القاهرة (وزارة الخارجية البريطانية 371/ تحت رقم 149) تعليمات بأن يتصل برئيس الوزراء “حسين سري”(باشا)،ويطلب منه إغلاق القنصليةالرومانية في الإسكندرية وترحيل العاملين فيها،“مع امتنان الحكومة البريطانية إذا شمل الإجراء أيضا إبلاغ الوزير المفوض الروماني في القاهرة أنه شخص غير مرغوب فيه

وكتب السفير البريطاني في القاهرة بتاريخ 5 مارس (ملف وزارة الخارجية البريطانية 371/ تحت رقم 552) يقول: “تأخرت في مقابلة رئيس الوزراء لأنه كان في جولة يطوف خلالها ببعض المحافظات.وعندما لقيته اليوم سلمته مذكرة بطلباتكم ونظر إليَّ “سري” (باشا) باستغراب وسألني: “هل أنتم في حرب مع رومانيا؟”، وعندما أجبته بالنفي قال لى: “إذن فأنا غير مستعد لإجابة طلباتكم”، ثم أضاف “إن مصر ليست مستعمرة وهي على غير استعداد لأن تطيع السياسة البريطانية طاعة عمياء”، وقمت بلفت نظره إلى أن لندن “لن تكون مسرورة بما سوف أنقله لها مما أسمعه منه”، ولم يغير “سري” (باشا) موقفه وإن حاول تلطيفه بقوله: “إنه لو كان الدبلوماسي الروماني قبض عليه في مصر لاختلف الأمر، لكن القبض عليه وقع في فلسطين، “وإضافة إلى ذلك فإن الرجل ليس مستشارا للسفارة الرومانية في القاهرة”.

ولم تمض أيام قليلة حتى أبرقت وزارة الحربية في لندن إلى الملحق العسكري البريطاني (وثيقة 45/ 418/ 16) تلفت نظره إلى أن القنصلية اليابانية في الإسكندرية تقوم بنشاط مشبوه في متابعة دخول وخروج وحدات الأسطول البريطاني من ميناء الإسكندرية. ثم كتبت وزارة الحربية (المخابرات العسكرية) (وثيقة ج.ه 517) إلى وزارة الخارجية تقول لها: “يبدو أنه سوف يكون عليكم اتخاذ إجراءات قوية مع الحكومة المصرية حتى تفعل شيئا حاسما لوقف نشاط معاد تقوم به بعض القنصليات الأجنبية في مصر. إننا سمعنا علاوة على ذلك من مصادرنا في أوروبا أن عددا من الممثلين المصريين يرون أن الظرف مناسب لكي تمارس بلادهم نوعا من الاستقلال “المزعوم” يجعلها نائية بمسافة معقولة عنا،وذهب بعضهم أكثر ليوحي لحكومته “بأنهم الآن يستطيعون استغلال الظرف الحرج بالنسبة لنا،حتى يحصلوا على تنازلات منا،وتقديرهم أن مأزقنا الراهن فرصتهم المتاحة”.

وتظهر في وثائق كسر الشفرات الشهيرة التي كان مقرها قصر “بلتشلي” في ريف “ووريكشير”،والتي كانت تستعمل جهاز “أولترا” الأسطوري لفتح أسرار “الأعداء”،حتى إن “ونستون تشرشل” رئيس وزراء بريطانيا كان يسميها (magic السحر)مجموعة من الإشارات تومئ إلى ما يبدو أنها “قنوات اتصال” بين القصر الملكي في القاهرة وبين دول المحور (ألمانيا / إيطاليا)،ويظهر في الإشارات أنه كانت هناك مبكرا قناة اتصال في روما قام عليها الوزير المصري المفوض “مراد سيد أحمد” (باشا) بتوجيه من القصر كلفه بأن يجس نوايا “إيطاليا” عن “تصوراتهم” في شأن “التعامل” مع مصر”.وكان الرد مقتضبا ومنسوبا إلى الكونت “شيانو” وزير الخارجية (وهو في نفس الوقت متزوج من “إيدا” الابنة الكبرى لزعيم إيطاليا بنيتو موسولينى) مفهومه “أن مصر يصح لها أن تتوقع منا معاملة أفضل مما تلقاه حاليا من الإنكليز”. كانت إيطاليا على وشك دخول الحرب مع ألمانيا، وكان الإحساس العام أن مصر في خريطة ما بعد الحرب، وفي حالة انتصار دول المحور داخل منطقة النفوذ الإيطالي، وهكذا فإن القصر الملكي في مصر لم يكن مطمئنا إلى عبارة عامة من الكونت “تشيانو” عن مستقبل مصر من المنظور الإيطالي، وهكذا طلب من الوزير المفوض “مراد سيد أحمد” (باشا) أن يحصل على معلومات أكثر تفصيلا. ويبدو أن مسؤولا في وزارة الخارجية ألمح أمامه “لماذا تصرون على تعهدات منا بمعاملة أفضل، دون أن تفعلوا شيئا يثبت استحقاقكم لذلك؟

 وفي ما يبدو فإن هذه الرسالة من روما هي ما جعل بعض “الإيطاليين” في القصر يوحون إلى الملك “فاروق” بأن أذكى ما يستطيع أن يفعله لمستقبل بلاده أن يهرب بطائرة إلى إيطاليا فور دخولها الحرب، ثم يعود بعد ذلك إلى القاهرة مع قواتها المنتصرة الزاحفة من ليبيا”. وظهرت احتمالات هروب الملك في الشهادات المروية المصرية، وفي الوثائق البريطانية قصة مثيرة. ففي رواية “حسن يوسف” (باشا) أن “فيروتشي” كبير مهندسي القصر (وهو إيطالي)، كان الوسيط الذي نقل للملك “فاروق” اقتراح الهرب بطائرة عبر البحر إلى إيطاليا (مطار برنديزي العسكري) أو إلى ليبيا (مطار طبرق العسكري) و(ليبيا وقتها مستعمرة إيطالية. وعاش الملك “فاروق” مع الفكرة أياما يبحث فيها ويقلب، فقد رأى أمامه ملوك الدانمرك والنرويج وهولندا ينتظرون جامدين (محسوبين على الحلفاء وإن لم يريدوا)حتى أطبقت عليهم القوات الألمانية وحولتهم إلى أسرى في قصورهم،أو لاجئين خارج أوطانهم.وخطر له أنه إذا هجر معسكر المهزومين وهم على كل حال أعداؤه باحتلالهم لوطنه ثم قصد إلى معسكر المنتصرين،وهم في هذه الظروف قبل الحسم العسكري سوف يقدرون جميله إذن ففي مقدوره تأمين مستقبل البلد ومستقبل العرش باتفاق مبكر يجعله شريكا في النصر. لكن الملك لم يكن يريد أن يهرب وحده، وإنما كان يفكر في أسرته أيضا.ويرجح “حسن يوسف” (باشا) أن الملك لم يتشاور في شاغله الكبير مع أحد غير والدته ولم تكن الملكة “نازلي” متحمسة بمشاعرها لكنها بعد ساعات عادت متحدثة بعقلها، ولديها عدد من الحجج، (يظن “حسن يوسف” (باشا) أن مصدرها كان “أحمد محمد حسنين” (باشا) الأمين الأول للملك، الذي انتقل أيامها إلى رئاسة الديوان). وكانت حجج الملكة “نازلي” أمام ابنها بما مؤداه أن الأفضل أن يظل “بقيمته” في بلده وينتظر التطورات ويتعامل معها من موقعه، وكما يتبدى له في ظروف جديدة. ورأيها أيضا أنه إذا دخل الطليان والألمان إلى مصر فإنهم سوف يكونون في حاجة إلى تعاونه معهم أكثر من حاجته هو إلى تعاونهم معه. ثم إنه إذا خرج الآن فقد يقدم الإنكليز على إعلان خلو العرش ويجدون من أسرته (خصوصا ولي عهده الأمير “محمد علي توفيق”) من يقبل الجلوس مكانه، وهو أول من يعرف “أنهم” مازالوا حتى الآن يعتقدون أن فرع الملك “فؤاد” اغتصب التاج من فرع “عباس حلمي”. وإذا حدث وهرب “فاروق” ثم دخل الطليان والألمان إلى البلد، فليس هناك من يضمن أنهم لن يتعاملوا مع الرجل الذي يجلس على العرش، بدلا من الرجل الذي هرب إليهم، مع ملاحظة أن علاقته بهم سوف تسوء لأنهم لن يعطوه مسبقا أو لاحقا شيئا مما يطلبه للبلد، وبالتالي “لن ينوبه غير الكسوف”وكان واضحا أن هذه الحجج تتخطى الإدراك السياسي للملكة الأم،ولذلك تبدى كلامها درسا مستجدا لقنها إياه “كاردينال” القصر وصاحب النفوذ الرمادي فيه “أحمد محمد حسنين” (باشا)،وقد أضافت الملكة “نازلي” بعد ذلك وهي تشرح لابنها ملاحظة من عندها على الأرجح هي قولها: “إنها لا تريد للعائلة المالكة في مصر أن تفعل ما تفعله أي فلاحة في الريف ترفع جلبابها كي تغطي رأسها، وهي حين تفعل ذلك تكشف ساقيها وربما أكثر”!

ووفق تقرير لامبسون بتاريخ 25 يونية 1940حدثت مشادة بين القائد العام للقوات البريطانية في الشرق الأوسط الماريشال “أرشيبالد ويفل” وبين السفير البريطاني في مصر “مايلز لامبسون”، وبدأت المناقشة وفقا لمحضر لجنة الحرب،حين طلب السير “مايلز لامبسون” تشديد كل إجراءات الرقابة على المطارات المصرية وفي الأجواء لمنع طائرة الملك من الخروج. وتَدَخَّل الجنرال “ويفل” بقوله: “لماذا لا تتركه يهرب؟!” واستطرد: “أنتم لا تثقون به، وهو يبادلكم المشاعر، وأنتم لا تستطيعون عزله الآن على الأقل وكذلك فإن هروبه قد يكون حلا مرضيا لكل الأطراف”.. ورد السفير:ان “تلك تعليمات لندن!?”. .

 وتظهر الإشارات بعد ذلك أن هناك قناة اتصال فتحت عن طريق أحد معارف الملك من أمراء آل عثمان السابقين واسمه في هذه الإشارات الأمير“عمر”،وكانت هذه الاتصالات مباشرة في اسطنبول مع السفير الألماني في تركيا “فون بابن”. وترد في الوثائق برقية من السير “هيوكنتشبول” سفير بريطانيا في تركيا،وفيها يقول:“انه علم أن الأمير “عمر” سأل “فون بابن” (باسم ملك مصر) عن نوايا دول المحور تجاه مصر في حالة تقدم جيوش هذه الدول في أراضيها واحتلالها.كما أنه عرض استعداد الملك “فاروق” لأنواع من التعاون إذا حصل على وعد بضمان استقلال مصر بعد الحرب!” وتكشف في ما بعد أن “الألمان” حصلوا على كل أسرار السفير البريطاني من قبل أن يتوصل لها خبراء كسر الشفرة في أنقرة، بواسطة رئيس خدم السفارة الذي كان يقدم لسيده مخدرا في شرابه كل ليلة، ويسرق مفاتيح خزانته ويصور وثائقه،وكانت نصيحة “فون بابن” بإيحاء من برلين أن تنتقل الاتصالات إلى طهران. فعيون بريطانيا “مفتوحة أكثر من اللازم” هنا وأما هناك فإن نشاط الإنكليز مقيد لأن “رضا خان” شاه إيران وقتها يكره الإنكليز ويشك في نواياهم.

وبرغم أن الحكومة البريطانية تقبلت المعاندة التي لقيتها من السلطات في مصر (القصر والحكومة) وفيها “تجنيب مصر ويلات الحرب” وأنها “حرب لا ناقة لمصر فيها ولا جمل” بهدوء أعصاب، فإن أجهزة الإمبراطورية وفيها الأمن والمخابرات العسكرية كانت تشك في بعض رجال القصر، وكذلك في عدد من الوزراء، لكن مثل هذا الشك لزم الحذر حتى لا يثير أزمات لا داعي لها. وفي ذلك الوقت فإن الشك حاول أن يتحفظ وأن يعبر بهدوء عن هواجسه،ومن ذلك مثلا أن السفارة البريطانية طلبت إخراج “فيروتشي” بك وهو إيطالي كان يعمل مديرا ل”الكاراجات الملكية”على عهد الملك “فؤاد”، ثم جاء الملك “فاروق” وعينه كبيرا لمهندسي القصر،وأبدى السير“مايلز لامبسون” السفير البريطاني،ملاحظة عنه في إحدى مقابلاته مع الملك قائلا: “إن فيروتشي ليس فقط مهندسا فاشلا، وإيطالياً مشكوكاً في ولائه، بل إنه رجل سيئ الخلق، إلى درجة أن اختصاصه الحقيقي في القصر كان “متعهد تقديم إيطاليات جميلات يبعن الهوى بثمن وليس أكثر”. وسأله الملك “فاروق” :لمن كان يقدم “جميلاته”؟ وابتسم السفير البريطاني ابتسامة لها معنى وسأل الملك: “هل تريدني أن أقول بصراحة؟! لكن “فاروق” لم يسكت وإنما أضاف: “تقصد أن تقول إنه كان يقدم بغايا إيطاليات لوالدي أليس كذلك؟”وأضاف الملك بهدوء أعصاب:“ إن هذا غير صحيح و”سعادتك” تعرف كيف تنتشر الشائعات”.

فلاشك ان اعجاب المصريين بالفكر النازي وصل الى (العائلة المالكة - والملك نفسه) واتصال فاروق مع بعض العناصر النازية من خلال خطابات متبادلة بينهما وجدت في الأرشيف البريطاني،وقد ذكرها بالتفصيل الكاتب (وجيه العتيق) في كتابه (الملك فاروق والمانيا النازية خمس سنوات من العلاقات السرية ) ويتعرض فيه المؤلف لتفاصيل العلاقة السرية التي نشأت في أثناء الحرب العالمية الثانية بين الملك فاروق وألمانيا النازية ويكشف عن أساليب الاتصال التي استخدمها الطرفان من وراء ظهر الانكليز والنتائج المثيرة التي تمخض عنها هذا الاتصال كما يتعرض الكتاب لميول الملك فاروق المحورية وبواعثها ونتائجها،ووصف الألمان له برجلهم الأول في مصر!! بالاضافة الى كشفه عن مراسلات (الملك فاروق - هتلر،) ويشير الكاتب (وجيه العتيق) أستاذ التاريخ الأوروبي الحديث إلى أنه كان هناك اتصال مع ألمانيا الغربية منذ فترة كبيرة قبل عهد محمد نجيب وإلى أن القنصلية المصرية في ألمانيا تلقت عام 1940في عهد وزارة حسين سري باشا،ماوصل إلى 400 طلب من عسكريين نازيين للانضمام للجيش المصري والعمل فيه؟

وقد ذكر عادل ثابت قريب الملك فاروق لوالدته ان الفوهرر (أدولف هتلر) سعى لكسب صداقة الملك فاروق لطمعه في مصر فأهداه بمناسبة زواجه سيارة من السيارات الألمانية الفاخرة في عام 1938سيارة ماركة مرسيدس بينز من طراز 770 حمراء اللون بمناسبة زواجه من الملكة فريدة، (وهي السيارة التي لم يتم تصنيع منها سوى 3 سيارات فقط في العالم،الأولى كانت لهتلر والثانية تم إهدائها لشاه إيران.كانت سيارة مميزة، مصفحة ومزودة بزجاج يحمى الركاب من الرصاص، وطولها كان حوالي 6 أمتار وعرضها مترين أو أكثر، والمحرك كان 6 سلندر بـ 5 سرعات ووزنها 4800 كيلو جرام.(وكان هتلر يريد ان يستميله لجانبه لمعرفته من خلال عناصر المخابرات الألمانية الموجودين في مصر في تلك الفترة ان الملك كان لا يميل الى الانجليز. والكاتب حلمي النمنم يؤكد أن الملك "فاروق" كانت لديه علاقات بألمانيا النازية كانت تدار بواسطة سفير مصر في إيران وكان والد الملكة فريدة زوجة صهر فاروق،مشيرا إلى أن المخابرات البريطانية رصدت اتصالات بين قصر المنتزه الملكي بالاسكندرية، الذي كان يوجد به الملك فاروق، وبين السفن النازية، إلا أنهم لم يستطيعوا أن يجاهروا بأن الملك "فاروق"خلف هذا الموضوع وأوضح النمنم، أنه هناك بعض الشواهد تدل على أن "حادثة القصاصين" كان الهدف منها اغتيال الملك فاروق، وأن السيارة التي صدمت سيارة الملك فاروق كانت مقطورة تابعة للجيش الإنجليزي،وكان الهدف من ذلك معاقبة الملك فاروق لعلاقته بألمانيا النازية، مؤكدا أن الملك فاروق كان يتعامل مع ألمانيا باعتبار أن فوزها (يعني تخلص مصر من الاحتلال البريطاني)

وكثير من الباحثين يعتقدون أن للملك مجموعة كانت على اتصال بالمانيا كطريق لإستقلال الوطن تعتمد اعتمادا كليا علي المثل القائل "عدو عدوي هو صديقي"، فيها السادات،وفيها مجموعة ضباط الطيران وهى من أربعة ضباط برتبة ملازم طيار تقيم معا في شقة مفروشة بمصر الجديدة قريبة من مطار ألماظة،وكانت هذه المجموعة مكونة من الطيارين : "أحمد سعودي أبو علي وحسين عزت ومحمد وجيه أباظة وعبد اللطيف البغدادي" واتصلت بالفعل بعزيز المصرى ونسقت معه والفريق عزيز المصري أحد العسكريين البارزين أثناء فترة حكم الملك فاروق الأول عينه الملك فاروق رئيس أركان الجيش المصري للمشاركة في محاولة تحديثه بعد معاهدة 1936،يعتبره العديد من الضباط الأحرار أباهم الروحي..

والنمنم يرى أن علاقة الملك بالمانيا النازية وإتصاله بها تسبب في قيام القوات البريطانية بمحاصرة قصرعابدين،في فبراير عام 1942 وأجبر السفير البريطاني في القاهرة حينها،السير مايلز لامبسون فاروق الأول ملك مصر على التوقيع على قرار باستدعاء زعيم حزب الوفد مصطفى النحاس لتشكيل الحكومة بمفرده أو أن يتنازل عن العرش فهو يرى أنه كان هناك ضرورة لفصل الملك عن التمادى فى علاقاته مع المانيا وكان الوفد هو الحل.

وعلم الانجليز بتحرك الملك ورصدت السفارة الانجليزية إتصالاته أوشكت فى وجود هذا التحرك،ومعه هبطت الثقة بين الملك والإنجليزا درجات كثيرة لأسفل وبدأ السفير الانجليزى "مايلز لامبسون" يسمى الملك بالولد the boy والملك يسميه "جاموس باشا"  buffalo

ولذا اضطربت -بحق– أعصاب الأنجليز أمام المظاهرات والهتافات الصاخبة:"تقدم ياروميل إلى الأمام ياروميل" فدفعت المخابرات البريطانية ب "إيرين جينيل" يهودية مصرية من عائلة غنية لتجار القطن بالاسكندرية لفاروق ووصلت لقصره وسيطرت عليه وفى مذكراتها قالت:"إننى لست مهتمة بفاروق ولكنى سأذهب معه لأنى أكره الألمان؟!"وتصف كيف طلب منها السفير الانجليزى لامبسون،أن تكون تحت طلب فاروق وتلبى إحتيجاته لأنه (ولد عنيد) وقال لها:"بالطبع يجب أن تذهبى معه للسباحة وللسرير،يجب أن تذهبى ولو للجحيم بلا تردد؟!" ووصلت لقصره وسيطرت عليه وتحولت لعشيقة له،وفى قصرة ضبطت "إيرين جينيل" جهاز لاسلكى ورصدت اتصالات بين قصر المنتزه الملكي بالاسكندرية الذي كان يوجد به الملك فاروق، وبين السفن النازية! و وقعت على تقرير (أثبتت فيه تهمة العمالة على الملك للألمان!) ويشير الكاتب (وجيه العتيق) في كتابه (الملك فاروق وألمانيا النازية خمس سنوات من العلاقات السرية) لحادث4 فبراير 1942، الذى كان سببه اندفاع الملك بشدة نحو النازيين، وبتسرع. ثم إن طهران  ظهرت مكانا مناسبا أكثر لاتصالات يجريها ملك مصر .وقد رتب لها الملك “فاروق” وبعث “يوسف ذو الفقار”والد زوجته الملكة “فريدة” وزيرا مفوضا في العاصمة الإيرانية وكان أشد ما أثار قلق المخابرات البريطانية أن “الألمان” طلبوا معلومات من ملك مصر إثباتا لحسن نيته،وضمنها سؤال عن الخطط البريطانية للدفاع عن دلتا النيل، بما في ذلك احتمال نسف القناطر الخيرية لإغراق شمال مصر وعرقلة تقدم المدرعات وجرارات المدافع الثقيلة الألمانية وعبورها من الصحراء الغربية إلى قناة السويس.

ولم يكن هذا الطلب بالذات موجودا في أي “إشارة” لأن “يوسف ذو الفقار”(باشا) انتهز فرصة زيارة أحد أقاربه لطهران (السيد سمير ذو الفقار وقرينته السيدة زينات ذو الفقار)، وسلمه رسالة شفوية أملى عليه نقاطها الرئيسية، وفي طريق عودة هذا “القريب” من طهران إلى القاهرة مرورا بالقدس، تمكنت المخابرات البريطانية من تفتيش أوراقه. وكانت تلك كلها “قرائن” لا تستطيع الحكومة البريطانية أن تتجاهلها،وعلق السير“ويليام سترانغ” الوكيل الدائم لوزارة الخارجية على تقرير من طهران بما نصه: “هذه أوضاع لابد أن نتصدى لها بقوة في القاهرة”.

وفجأة طرأت مضاعفات، ذلك أن القوات البريطانية التي تحارب في الصحراء الغربية (في أراضي مصر وأراضي ليبيا) تمكنت من أسر ضابط إيطالي كبير يتولى قيادة فرقة ميكانيكية تقدمت داخل الحدود المصرية، واسمه الجنرال “بيسكا توري”، وروى رئيس البعثة العسكرية البريطانية في مصر الجنرال “ستون” في تقرير له أنه عندما حكى للملك “فاروق” أن الجنرال “بيسكا توري” حين وقع في الأسر، كانت وراءه قافلة سيارات تحمل إحداها أربع جميلات إيطاليات فإن تعليق ملك مصر لم يزد على اقتراح قاله وهو يضحك: “إن العدل بين مصر (التي تجري المعارك على أرضها)، وبين القوات البريطانية (التي تقاتل في هذه المعارك) يفرض تقسيم الغنيمة، “الجنرال لكم والبنات لنا”. ولم يكن الملك مدركا للجانب الأخطر في أسر الجنرال الإيطالي، ذلك أن تفتيش سيارة “بيسكا توري” أدى للعثور فيها على وثائق لها حساسية خاصة؛ ضمنها صورة بالنص لخطة بريطانية وضعت للدفاع عن منطقة “سيوة”، والقوس الواصل بينها وبين “طبرق” وتلك هي النقطة الأضعف في الدفاعات البريطانية؛ لأنها النقطة التي يمكن منها تطويق الجبهة الشمالية الساحلية،كما أنها النقطة التي يمكن منها الوصول إلى عمق الصعيد المصري، وفصل الشمال وفيه دلتا النيل عن الجنوب من أسوان إلى بعيد في السودان. وكان وضع هذه الخطة البريطانية قد اقتضى تعاونا مع “وزارة الدفاع الوطني” المصرية بحكم استعدادات مطلوبة بين سيوة والصعيد يحتاج تنفيذها إلى تعاون السلطات المصرية المختصة. وفي ذلك الوقت كان “علي ماهر” (باشا) ما زال في رئاسة الوزارة، ووزير الدفاع الوطني معه “صالح حرب” (باشا)، ورئيس الأركان “عزيز علي المصري” (باشا)، والإنذار الأحمر بالخطر أن الثلاثة من المصنفين رجالا للقصر الملكي. وبعد تحقيق في القضية تولاه الجنرال السير “ميتلاند ويلسون” تبين للسلطات البريطانية أن أوراق الخطة التي عثر عليها في سيارة الجنرال “بيسكا توري” هي صورة تسلمها وزير الدفاع الوطني المصري بيده من القائد العام للقوات البريطانية في مصر أثناء التنسيق بين الطرفين لتأكيد خطة الدفاع عن قوس سيوة طبرق. وقد تعهد الوزير “صالح حرب” (باشا) بأن هذه الخطة سوف تحفظ في خزينته ريثما يتم تنفيذ ما يلزمها من مهام وإجراءات، لكنه تبين من تحقيق الجنرال السير “ميتلاند ويلسون” أن “صالح حرب” (باشا) أمر بنسخ مجموعة صور للخطة: نسخة أرسلها إلى رئيس الوزراء (علي ماهر)، ونسخة لرئيس الأركان (عزيز المصري)، ثم إن نسخة رئيس الوزراء (علي ماهر) أرسلت صورة منها إلى القصر الملكي لعلم الملك “فاروق” ويلفت النظر خلال التحقيق الذي أجراه الجنرال السير “ميتلاند ويلسون” أن السؤال المضمر وراء كل علامة استفهام كان: “هل للملك فاروق دور في الموضوع؟”، وكان أشد ما ضايق السلطات البريطانية في تطور التحقيق أنه عندما طرح السؤال الحرج على استحياء أن القصر الملكي رد بطلب إجراء تحقيق قانوني عن “تسرب خطة الدفاع عن سيوة”، عُهد به إلى النائب العام المصري “عبد الرحمن الطوير” كان هذا آخر ما تريده السلطات البريطانية التي هالها أن يكون هناك تحقيق يجريه النائب العام المصري وتكون تلك أسرع وسيلة لإذاعة أسرارها (مع ملاحظة أن الخطة الأصلية تم تغييرها قبل نشوب القتال.

وفى وثائق الخارجية الفرنسية وقد رفع الحظر أخيرا عنها ،تتحدث لأول مرة عن أن ملك مصر السابق كان عميلا لنظام هتلر النازي‏!!‏

فلم يتبلى عليه الانجليز،ولم يكن الملك مطية الأنجليز.فمن بين وثائق الخارجية الفرنسية مذكرة أمريكية مقدمة إلي الأمم المتحدة في يونيو ‏1948‏بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وتحمل المذكرة‏ العنوان التالي‏:

"سجل تواطؤ الملك المصري فاروق مع النازيين وحليفهم مفتي القدس.."

وقد كتبت في‏11‏ صفحة بالإضافة إلي عدد من المرفقات تصل إلي‏20‏صفحة أخري وتضم صورا من تقارير سرية ألمانية يتعرض بعضها لمكاتبات تمت بين الملك فاروق والقيادة الألمانية معظمها عن طريق حمي الملك "ذو الفقار باشا" السفير المصري في طهران.حيث أن هدفها الأول هو رفع فاروق والحاج أمين الحسيني مفتي القدس وقائد المقاومة الفلسطينية من قائمة المتهمين التي كان تضم المتعاونين مع النازية وعلي كل من أسهموا في مخطط هتلر لإبادة اليهود‏,‏ فقد كان ذلك هو وقت محاكمات "نورمبرج الشهيرة‏" ‏التي كانت مازالت في الأذهان والتي تشير إليها المذكرة‏,‏ وقد كانت تلك هي المحاكمة التي أدانت القادة الألمان بسبب ما اقترفوه في حق اليهود. وتقول المذكرة إن الوسيط في هذه الاتفاقات كان مفتي القدس أمين الحسيني الذي تم تنصيبه في ألمانيا منذ عام‏1941‏ كشريك رابع في المحور‏,‏وهو ما يوضح لماذا عند هروب المفتي بعد تحديد إقامته في باريس تم استقباله في مصر‏,‏حيث منح اقامة دائمة في أحد قصور الملك ‏والحقيقة أن الحاج الحسيني قائد المقاومة ضد الصهاينة في فلسطين كان مقره في مصر هو استراحة فاروق الواقعة في حلوان

ويمكن القول إن شبح الدبابات البريطانية المتجهة لحصار قصر عابدين “وردع الملك فاروق” بدا في الواقع كرد فعل على رسالة “تأنيب” تلقاها السفير البريطاني السير “مايلز لامبسون” من السير “ألكسندر كادوغان” الوكيل الأول بوزارة الخارجية، وهو القائم على التنسيق بين الدبلوماسية والسياسة، أي بين وزارة الخارجية ورئاسة الوزارة، وفي هذه الرسالة يقول السير“ألكسندر كادوغان” موجها كلامه للسير“مايلز لامبسون”بما نصه: “إنني مندهش أنك مسؤول عن مصر من سبع سنوات، ومع ذلك نرى في مصر ما نراه الآن، وهو ما يعني أن قبضة بريطانيا غير محكمة في أمر يتصل بمصالحها الحيوية وأمنها في الشرق الأوسط ومجهودها الحربي جنوب البحر الأبيض”. ثم يضيف “كادوغان” “إن بعض ما يجري في مصر بلغ درجة الخيانة، ومع ذلك فإن حزمنا يبدو رخوا”.

ومعنى ذلك أنه حين قدم السير “مايلز لامبسون” إنذاره إلى الملك “فاروق”يوم 4 فبراير، فإن الرجل إلى جانب أسباب موضوعية كان يدافع عن كرامته وسمعته ومستقبله. وقد اقتنع “لامبسون” وشاركته لندن بأن هذه “الألعاب الملكية” زادت خطورتها، وأن عودة حكومة وفدية إلى السلطة زادت أهميتها كضرورة لضبط الأمور عن طريق “حزب” يمثل “شرعية الأغلبية” في مصر على الأقل، ويكون جاهزا لحفظ المصالح البريطانية:العسكرية والسياسية. وكان ذلك هو الطريق البريطاني إلى قصر عابدين مساء يوم 4 فبراير وبالدبابات.

ففجأة والملك منشغل في أزمة صغيرة مع وزارة “حسين سري” (باشا) بسبب تردد “صليب سامي” (باشا) وزير الخارجية إزاء طلب بريطاني بإبعاد الوزير المفوض الفرنسي المسيو “بوتزي”، واتجاه الوزير إلى قبول ذلك على عكس رغبة ظاهرة من الملك قدم رئيس الوزراء“حسين سري” (باشا) استقالة وزارته كلها بدلا من إقالة وزير خارجيته بأمر من القصر وفي ظرف ساعات هبت العاصفة الإنذار البريطاني وحصار القصر بدبابات الاحتلال واقتحام السير “مايلز لامبسون” لمكتب الملك يفرض عليه الخيار المر: التنازل عن العرش أو الاستسلام لمشيئة الاحتلال، وكان أن استسلم ملك مصر ودعا “النحاس” (باشا) لتأليف الوزارة. ويروي “حسن يوسف” (باشا):أن حادث 4 فبراير كان نقطة تحول في حياة “فاروق” وفي شخصيته، وكان التحول على خطوات تلاحقت متسارعة: فاجأه الإنذار البريطاني وأهانته الطريقة التي تصرف بها السير “مايلز لامبسون”. وأدهشه قبول “النحاس” (باشا) لرئاسة الوزارة من يد الاحتلال وعلى “أسنة” حرابه، كما سمع من “أحمد ماهر”(باشا. وأصابه الذهول لأن تظاهرات شعبية استقبلت تكليف “النحاس”(باشا) بالوزارة بفرحة غامرة. ثم كانت فجيعته الكبرى حين رأى صور هذه التظاهرات التي أحاطت بمقر مجلس الوزراء مرحبة بدخول“النحاس”(باشا)، تحمل أول زائر جاء لتهنئته وهو السفير البريطاني السير“مايلز لامبسون” على الأعناق مصفقة ومهللة. الضربة القاصمة التي تلقاها الملك فاروق عندما حاصرت الدبابات البريطانية قصره في 4 فبراير1942لتجبره علي تكليف مصطفي النحاس برئاسة الحكومة،وقد حدث ذلك والدبابات تحيط بالقصر ووحدات عسكرية من الجيش الانجليزى بالحديقة.وحول باب الملك ضباط انجليز شاهره المسدسات.المهم لم يكن مع فاروق وقتها إلا رئيس ديوانه أحمد حسنين باشا،الذى همس للملك:

" اخضع اليوم وانتقم غدا – التمكين بعد الإبتلاء"

والذى اقسم بشرفه للملك وهو يقدم استقالته له ، بأنه سوف ينتقم من كل من شارك فيما حصل تلك الليلة الليلاء.وطبقا لرواية حسن يوسف باشا (فإن فاروق يومها كان رجلا فاقد الثقة فى كل شىء،وكل الناس ،ولأن الملك يومها لم يتجاوز ال 22 عاما،جدد الثقة بلا ثقة فى رائده أحمد حسنين باشا، فلم يجد احد بجانبه غيره)..

 كان الحادث مروعا فى الجيش،واجتمع فى نادى الضباط 350 ضابط يتداولون بحدة فيما حدث ويصرخون،يحركهم حس وطنى للوطن والملك ولمح الصاغ "أحمد عبد العزيز" ضابط الحرس الملكى " أحمد صالح حسنى" بينهم فعنفه وصرخ: لماذا لم تستشهدوا امام الانجليز؟ عليكم أن تطلبوا جميعا كتائب الصحراء لتتعلموا استعمال اسلحتكم!! وتقدم الصاغ "عثمان فوزى" يمنع عراكا قد شرع فيه وهو يقول: (طلبوا الإذن بضرب النار ورفض الملك)..

وقال أحمد عبد العزيز: لو سقط شهيدا منا يومها لخرج الاحتلال كنا سننتفض شعبا وجيشا،آى إذن يطلبوا وهم فى حالة دفاع شرعى عن النفس.. انه الخوف ؟!