الحب كخدعة للصراع مع الذات والآخر

الكتاب: أني أحدثك لترى الناشر: دار ميريت المؤلف: منى برنس

"إني أحدثكَ لترى" رواية للمصرية منى برنس

الرأي – بيروت: بأسلوب شديد العفوية والتلقائية، ومن دون تعقيدات سردية متشعبة ومدَّعية، تكتب الروائية المصرية منى برنس روايتها الثانية "إني أحدثك لترى" الصادرة عن دار ميريت ـــ القاهرة. الرواية هي حكاية حب من أولها إلى آخرها. قد يبدو هذا أمراً تقليدياً، إذ ما الذي يمكن أن تقدمه رواية تحتفل بالحب؟ وما الذي سيجعلها مختلفة عن الكم الهائل امن الروايات والقصائد التقليدية التي تخاطب فيها المرأة الرجل؟ الجواب هو أن رواية منى برنس لا تختلف في حيثياتها وخطوطها العريضة عما يعرفه القارئ عن روايات وقصص الحب، ولكن المسألة لا تتعلق هنا بموضوع الرواية فقط، وليس لها علاقة بنوعية اللغة والسرد فيها. الرواية مكتوبة بطريقة تجعل السرد قريباً من الكلام والحوارات التي يتم تبادلها في الحياة اليومية العادية. السرد هنا هو نثر هذه الحياة في حدوده القصوى. لا نجد فيه تزويقاً لغوياً أو أفكاراً كبيرة أو ادعاءات أسلوبية. المؤلفة تستخدم البوح العادي المكتوب على شكل يوميات واعترافات ومذكرات مواربة. السرد هنا خفيف ولا يتوانى عن الإفراط في استخدام المفردات والعبارات العامية. بهذا المعنى، تبدو الرواية – لأول وهلة – وكأنها أقل دسامة وإقناعاً من السرد والعوالم الروائية التي اعتاد القارئ على تعقيداتها وتشعباتها وطبقاتها المتعددة. ما يحدث أن القارئ يكتشف أن كل هذا ليس سوى ذريعة أو خدعة ستنجلي بالتدريج عن عالم روائي حار ومدهش. ما يقرأه من خفة وتلقائية هو طكوح متعمد ومقصود من هذه الروائية التي لا يهمها أن تقلّد أسلوباً شائعاً، أو تسترشد بتقنيات سردية معروفة. المهم أن تحكي الحكاية كما حدثت في الواقع أو كما تخيّلتها على الأقل. في البداية، تحاول المؤلفة أن تتقاسم مع القارئ إحساسها بمشكلة "أنّ الحب موضوع غير كافٍ لكتابة رواية". تفكر في إضافة شيء "من السياسة، علم الاجتماع، علم النفس، والإيروتيكا... فكلّها عناصر مشوقة، ووصفة سبق أن جُرِّبت وأتت مفعولها من انتشار وترجمة". ثم تقرر أن تنجز الرواية بحسب مزاجها الشخصي ضاربة عرض الحائط بكل ما لا خبرة لها فيه. اعتراف الراوية / المؤلفة في البداية يُوحي بتطابق البطلة مع المؤلفة، وهذا أيضاً هدف مقصود لزيادة إقناع القارئ بأن ما يقرأه قد حدث فعلاً للمؤلفة. الرواية تتمحور حول "عين" المصرية وعلاقتها بعلي المغاربي، المنتدب من بلده للعمل في القاهرة. عين باحثة اجتماعية متفرّغة. هي تحبّه ولا تريد أن تتزوجه. هو يحبّها ولكنه مصغٍ ــ في الوقت نفسه ــ لتقليديته ولا يستطيع احتمال حريتها. في النهاية، يتزوّج مواطنته سلمى، ولا يجد البهجة التي تذوّقها مع عين. كل هذا عادي. تعترف البطلة بذلك. ما هو غير عادي يتمثّل في إصرارها على تأريخ هذا الحب. من هذا الإصرار، تتوالد لغة الرواية. أما الأحداث، فلا تتجاوز حدود لقاءات "عين" مع "علي" في القاهرة، ورحلاتها المتعددة كباحثة، مع بعثات أجنبية، إلى بعض المواقع الأثرية والسياحية. هذه الرحلات تتزامن مع أزمات علاقتها بعلي. تسير الرواية على خطين: الأول بسيط وعفوي يتمثل في رغبة "عين" بسرد قصة حبها مع "علي"، وهو الخط الذي يكشف مشاعر الحب وتناقضاته بسبب العلاقة غير المتفق على مستقبلها أو نهايتها. تعيش "عين" فرح الحب ونشوته وألمه وعدميته... إلخ. الرواية مليئة بأسئلة متكررة عن الرعبة في البقاء مع الآخر، ولكن مع إسقاط فكرة امتلاكه. وبالمقابل، الآخر يعيش العلاقة نفسها مع إمكانية أن يتزوج زواجاً تقليدياً. أما الخط الثاني للرواية، فيدور في الأعماق وتحت قشرة الأحداث الرقيقة. العلاقة هنا تتضمن صراعاً وجودياً مع الذات ورغباتها، من جهة، ومع الآخر ورغباته، من جهة أخرى. هكذا، ورغم الحرية التي تطلبها "عين" في العلاقة، ورغم سخريتها من شرط الارتباط الدائم، إلا أنها لا تستطيع أن تنأى بنفسها عن أحاسيس أي فتاة تعيش علاقة حب تقليدية. الإحساس الأقسى هنا هو الغيرة. صحيح أنها غيرة اضطرارية بالنسبة لها إلا أن ذلك يقودها إلى ردود فعل قاسية تتمثل في تجريب علاقات أخرى قصيرة كنوع من إرضاء الذات، والتقليل من شأن إمكانية زواج شريكها بفتاة تقليدية. وهكذا، تحاول "عين" أن "تفشّ" خلقها، فتمارس جنساً عابراً مع رجال يرافقونها في الرحلات. يظل هذا الجنس مؤقّتاً إلى أن تلتقي الشاب الكورسيكي أبوللو، البوهيمي المهووس بالمغامرة والتشرّد. تعيش تجربة مختلفة معه. تحس أنّ حبها نفسه مهدّد في هذه العلاقة. المشكلة أنّ العلاقة محكومة بشروط خاصة. أبوللو غريب الأطوار، ولديه ميول جنسية خاصة جداً. يمارس معها الجنس من الخلف، ويطلب منها أن تفعل به الشيء نفسه بواسطة عضو بلاستيكي تربطه على حوضها. ثم باستخدام يدها. ولعلّها المرة الأولى التي يحدث فيها جنس كهذا في رواية عربية. تنغمس عين أياماً في هذه العلاقة المعقدة. مزاجها لا يرفض ما يحدث. لكن طيف علي لا يفارقها. أبوللو يتقدّم أكثر في العلاقة. يطلب يدها للزواج. ثم تتطور الأمور. تنقلب فيهما السيارة في لحظة طيش. أبوللو يموت. تعود عين إلى تفحّص تاريخ علاقتها مع علي الذي يعود إلى بلده الأصلي. تقرر "عين" أن تزوره ثم تلغي الرحلة. تنتهي الرواية. أما العلاقة، فتظل مفتوحة على احتمال أن يخرج علي من قفص ازدواجيته. لكن ليس كي تتزوجه "عين". إنها فقط "تريده أن يكون حراً لنفسه أولاً ولها ثانياً".