الأديب عبدالله جفري لـ « الثقافية »: بدأت أديباً وعشقت القصة لأنها فوق الغياب

حوار - عبدالحفيظ الشمري عن جريدة الثقافية

الأديب الروائي عبدالله جفري تأسرك إبداعاته، ومقالاته، إذ يثري مشهدنا الثقافي والأدبي بفيض جميل من الصور الجميلة والمعبرة فهو إلى جانب انشغاله في الهم الكتابي شبه اليومي فهو مغرم بالإبداع السردي ولاسيما الروائي، إذ توّج هذا التواصل الحميم مع الكتابة برواية جديدة وسمها بعنوان (العاشقان)، جاءت محملة بما يكتنزه الأديب الجفري من عطاء إنساني ومعرفي رائع.. فها نحن في المجلة الثقافية نحاوره حول جملة من القضايا الثقافية، ونستوقفه من خلال اسئلتنا عند محطات كثيرة مرت بها تجربته ليأتي الحوار مع أديبنا الأستاذ عبدالله جفري على هذا النحو: * بعد عقود من الأبداع.. أين يقف الآن الأديب الكاتب عبدالله الجفري؟ - أقف تارة على جناح بعوضة، بكل آلام أمتنا العربية وارتكاستها، و(انفلونزتها). وأقف في الوقت المستقطع على جناح نورس، أحتضن (حلماً) طالما خفت عليه من الطعن والتشويه.. وهو إن لم يتحقق، فمكسبي: أنه لم يمت برغم ما أضنته الغربة! * للمقالة والقصة حضور قوي في تجربتك الأدبية.. لماذا عنيت بهذين الفنين دون غيرهما؟! - لم تكن بدايات كتاباتي: صحافياً حتى وإن كانت انطلاقتي نحو توفير عائلة لكلماتي نحو الصحافة.. لكنني بدأت (أديباً) ان جاز التعبير، عشقت القصة القصيرة، وتأسست كتاباتي فوق قاعدتها، فكان أول كتاب أصدرته: مجموعة قصصية عنوانها (حياة جائعة)، وجلست بعد هذه المجموعة أتأمل وأتلفت نحو أصداء هذا الإصدار.. حتى تشجعت وأصدرت مجموعات (الجدار الآخر)، (الظمأ)، ولاقت المجموعة الأخيرة التفاتة من نقاد كبار في مصر.. وكان اهتمامي بالقصة القصيرة يرجع إلى كيف يصبح الإنسان هو الآخر، وكيف يتحول الزمن الى التمرد، وكيف تتبلور مواقف الإنسان لتكون فوق الغياب وتنشيطاً للذاكرة! أما (المقالة): فحكمتني من انتمائي العملي للصحافة: مراسلاً، ومحرراً، ومشرفاً على زوايا وصفحات (الأدب) آنذاك.. فلم نكن نجرؤ أن ندّعي: الثقافة بهيولتها... وحسبت ان كتابتي للمقالة - كوظيفة - لعلها تغرس في مسيرتي غفراناً لقمع الروح.. الروح التي وجدت في الكتابة الوجدانية: هدهدة لها، وتصوفاً، ومسافات حرة شاسعة تأخذني ولا تعيدني إلى بؤرة صقيعية محدودة! * لقد كتبتم أعمالاً كثيرة ومتميزة للكبار، إلا أنكم لم تقدّموا للطفل وأدبه أية مشاركة، رغم أن سرّ تميّزكم في مجال القصة يكمن في انتهاجكم أسلوب الحكاية المباشر في عرض الأفكار والصور؟! - أولاً أحترم التخصص في الكتابة والفن، ورحم الله امرأً عرف قدر نفسه، ولم أدخل هذه التجربة وبالتالي لم أصرّ عليها، ثم.... إنني اعتبر نفسي: ما زلت طفلاً في عفويتي، وفي تأملاتي... نعم كبر (الإنسان) في داخلي، لكن هذا الإنسان يحتاج الى بارقة من طفولته، ليصفو ويتفاءل. إن الكتابة للطفل، أو أدب الطفل، لم تجد تشجيعاً داعماً، لا من دور النشر، رغم قلتها وكسلها، ولا من وسائل الإعلام، خاصة الإذاعة والتلفاز، فإذا كان التشجيع غائباً: كيف يمكننا أن نشكل نخبة من كُتّاب هذا الفن الذي أحسبه صعباً في الكتابة؟! * أديبنا الأستاذ عبدالله الجفري.. روايتكم الأخيرة: (العاشقان) جاءت فيما يبدو بعد توقف طويل عن كتابة الرواية.. هل هي عودة ستثري المشهد بأعمال لاحقة؟ -تأخُّر الطبع والنشر: لم يكونا بسببي، بل تتحمل وزرهما دور النشر، ودار ناجحة وهامة مثل (دار الساقي) بعد إصدارها لروايتي (أيام.. معها) تسلّمت مني: (العاشقان) وأبقتها لديها أكثر من عام حتى طبعتها ووزعتها.. وأنا لست من الكُتّاب الذين (يدفعون) فيصدر لهم في العام أكثر من كتاب، وينوّه عن كتبهم في قائمة الإصدارات الجديدة!! العاشقان: رواية لا أعطيها شرف إثراء المشهد، لكنها لن تكون من الأدوار المستعارة، وأيضاً: ليست هي (المالا نهاية)... فالفراغ يتمدد في الساحة، والحلم يغمر الروح. لديّ مجموعة قصصية ما زلت متردداً في تسليمها ل(دار الساقي) خوفاً من أن تُصدرها بعد عام ونصف - لو تذكرت، وعنوانها (أنثى).. ولديّ رواية لا أتواضع لو حسبتها ستثري المشهد بأحداثها وفترتها الزمنية، وعنوانها: (عيون من إسفنج).. وهناك مجموعات قصصية... فأعطني (ناشراً) أعطيك كتاباً جديداً!! * كيف ترى واقع الرواية الآن بعد هذا الفيض المتميز من الأعمال المحلية التي حققت حضوراً لا بأس به؟ - في البدء.. استأذنك في الاختلاف معك على اعتبار (هذا الفيض من الأعمال الروائية) لدينا: (متميزاً)... فهناك أعمال: (خُدِمت) إعلامياً، وأعمال حفّتها الشللية، وأعمال (ضاعت في هذه الطوشة).. فالحكم هنا غير عادل... لكن الأعمال الروائية التي فرضت حضورها (المدهش): تدل على أن (الرواية) لدينا: تنضج بسرعة، وان الموهوبين والموهوبات: يتفتحون كورد الصباح، وكما قال كاتب يشعر في نثره (أية عظمة في الطموح)؟! الأهم يا صديقي هو: النص الجيد الذي يحقق المحاكاة دون إحباط للعناصر!! * الأديب الجفري: ثمة روايات يثار حولها العديد من الكتابات المحتفية بكثافة، فقد يكون مبالغ فيها، في وقت نجد أن روايات صدرت بشكل جميل منذ سنوات لم يعبأ بها النقاد من قبل؟! - يا سيدي.. حدثتك في إجابة سبقت عن: الشللية، وعن (أمسك لي وأقطع لك)، وعن: الدفع مقدماً.. هذا سبب (معاصر) من الأسباب. السبب الآخر: غياب الناقد الجيد و(المحايد) الذي يكتب بعيداً عن التأثير الشخصي، والعلاقة الشخصية، وأيضاً يكتب بعيداً عن المهيمنين على ملاحق وصفحات الثقافة من المروِّجين لمنهج ما أو انتماء أدبي وربما فكري. نعم... نحن نحتاج إلى (نقّاد) أكثر استقامة في حيادة الرأي... وحسب عبارة كاتب عربي يعاني، قال: حيث تزداد المرارة قد تزداد قوة الخَلْق، ولكنه خلق بلا كثير من الحقيقة)!! * كيف ترى واقع النقد الأدبي، ولاسيما ما له علاقة بالفن القصصي والروائي؟! - في وطننا.. النقد الأدبي: (صحوبية)، وشللية... وبقية الإجابة تجدها في الكلمات التي تقدمت سؤالك هذا!! * كيف تتعامل مع الكتابة الصحافية اسبوعياً في ظل رغبتك في كتابة السرد الإبداعي؟! - بل أكتب (يومياً) يا صديقي (شايف الهنا إللي أنا فيه؟!) ولو تفرّغي للكتابة (وحدها) لا غير، ما كنت كتبت الرواية، ولا القصة ولا الوجدانيات.. فالكتابة اليومية والاسبوعية: اعتبرهما: (جُعْلاً) ودخلاً مادياً أعيش منه، وقد تعودت - مع طول السنين، والخبرة، و... الممارسة: ان أكتب العمود اليومي كواجب مدرسي، لكني أحياناً (أخطفه) من الحدث الإخباري، والطرح الصحافي، وأغرس فيه كلمات من دفء الروح، وشجون الوجدان... وبقية الوقت: للقراءة، للكتابة - أدباً، وسرداً إبداعياً، كما وصفته! * سؤال أخير أستاذنا الكريم: هل الثقافة إنتاج مجتمع، أم تراها صنعة نخبة؟! - كنت أتمنى لو أجبتك بأن (المجتمع) هو: إنتاج ثقافة، قالثقافة تؤثر على المجتمع - تطوره، وتنضج وعيه، وأنشطته، ومنجزاته... لكن (الثقافة) بتحييدها بعيداً عن رعاية الدولة من سنوات طويلة، وباعتبارها: (فكرة) لا نُعبِّر عنها، بل نتركها - إن استطاعت - أن تعبِّر هي عن نفسها.. صارت: صنعة نخبة... وحتى هذه (النخبة) بكل أسف تسقط أحياناً في مشاهد خلفية!!