أرض كليوباترا للكاتبة آني فيفانتي

الكتاب :  أرض كليوباتره
الكاتب :  الإيطالية آني فيفانتي
عرض : أحمد فضل شبلول
 

أتذهبين إلى مصر؟ ما أسعدك! هل يمكننا أن نحضر نحن أيضا؟
هذه العبارة الذهبية هي مفتاح الرواية التاريخية السياحية، أو إن شئنا الدقة هذه الرواية التي تنتمي إلى أدب الرحلات "أرض كليوباتره" للكاتبة الإيطالية آني فيفانتي التي كتبتها عن مصر أثناء زيارتها لها في العشرينيات من القرن العشرين. وترجمها طه فوزي، ونشرت لأول مرة في القاهرة عام 1927، ثم أعيد اكتشافها ونشرها مرة أخرى هذا العام في سلسلة "ذاكرة الكتابة" التي تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة، ويرأس تحريرها الناقد المعروف الأستاذ الدكتور عبد القادر القط.
الرواية تحمل كما كبيرا من الحب لمصر وأهلها وزعيمها الوطني في ذلك الوقت (سعد زغلول) الذي تقول عنه الكاتبة في الفصل الخامس "صباح في القاهرة": "فلأذهب إلى مينا هاوس لأستقصي أخبار الزعيم الوطني العظيم الذي كان حتى الأمس معبود الشعب المصري، ومثال العزة المصرية وعنوان فخار مصر، والذي يقع اليوم ضحية اتهام شنيع، فإن الإنجليز يرمونه بتهمة التحريض على قتل السردار البريطاني السير لي ستاك باشا، ولكن لا أحد يصدق هذه التهمة مطلقا، ولا سيما الذين يعرفون متانة أخلاق الزعيم النبيل زغلول الحديدية وعبقريته وبعد نظره".
وتذكرني هذه الرواية في حبها الجارف لمصر برواية "حياة على النيل" شبه الوثائقية، التي صدرت عن سلسلة روايات الهلال ـ العدد 549 ـ للمؤلفة الإنجليزية "جانيس إليوت"، وترجمة سيد جاد، والتي تعد سيمفونية أدبية في حب مصر والمصريين، وبخاصة بعد تبرئة مصر من تهمة اغتيال أو قتل إحدى الإنجليزيات العاشقات لمصر.
هنا في أرض كليوباترة تنويعة أخرى على حب مصر، من خلال اثنين وعشرين فصلا، تعقد الكاتبة خلالها الكثير من المقارنات بين رحلتها تلك ورحلاتها السابقة، ففي الفصل الخامس عشر على سبيل المثال، وهو بعنوان "رحلة في جزيرة ميتة"، تقول: "كان يخيل إلى أنني كنت سائحة سعيدة في العالم عندما كنت في باريس ومونت كارلو واستوكهولم ونيويورك على ثلوج "جانجفرو" وتحت شلالات "نياجرا" ولكن سرعان ما ثبتت لي حقارة ما رأيت من بواخر وقطارات وقوارب وزلاقات، وضآلتها أمام رحلة اليوم البديعة عندما دخلت ونفسي تملؤها الدهشة بقاربي في معبد فيلي منزلقة في المياه الهادئة العميقة بين الأعمدة ومتغلغلة في هيكل "عرس أوزيريس" آله الأموات و"إيزيس" كبيرة الساحرات".
وفي فصل بعنوان "مأتم الملكات" تقول الكاتبة الإيطالية: "بأية معجزة أمكن العبقرية الإنسانية أن تنجز هذه الأعمال الفنية العظيمة في هذا الظلام الدامس".
وفي فصل بعنوان "عبير شرقي" ترد على صديقتها فلورا التي أعلنت عن سأمها وضجرها من الرحلة، فتقول لها: "ولكن كيف يمكن أن يتضايق الإنسان في مصر يا فلورا؟". وفي مكان آخر من الفصل نفسه تقول لها: "كيف لم تغير مصر منك شيئا .. هل لم يترك فنها ولا عظمتها أي أثر في نفسك، وهل لم يؤثر فيك سحرها وجمالها؟".
وفي نهاية الرحلة، ونهاية الكتاب، توجه الكاتبة الإيطالية رسالة حب ختامية لمصر فتقول: "بهذا الخيال وفي هذه الأحلام أتركك يا مصر يا أرض السحر والبهجة والجمال. فكم تستطيعين أن تريني من الأعاجيب قبل أن تحملني مياه البحر الأبيض الزرقاء بعيدة عن جمالك الفتان ـ لا شيء في الوجود يمكن أن يعدل جمالك في هذه اللحظة هنا في ساعتك العظيمة الظافرة، وفي مكانك الأقدس. ويهب هواء صحراء فيمر فوق الرمال كأنه دمدمة أو كأنه صفيق أجنحة هائلة، ألا يمكن أن يكون روح الصحراء هو الذي يحييني ؟ إيه يا مصر يا أرض الشعر يا أرض الانشراح. أستودعك الله يا مصر !!!".
بهذه الكلمات التي تشبه الحلم والشعر، تودع آني فيفانتي أرض مصر التي عاشت فيها أسعد لحظات حياتها. وقابلت خلالها الزعيم سعد زغلول التي عرفت قدره العظيم عند عامة الشعب المصري خلال تنقلاتها بين القاهرة والأقصر وكوم امبو وأسوان والشلال. وهي خلال تنقلاتها تلك تدون العديد من الملاحظات الذكية فيما يتعلق بعادات المصريين وتقاليدهم وطرائق حياتهم في الكثير من مدن الصعيد، وهم يتصفون في كل الأحوال بالأمانة والكرم والذكاء والأصالة، نعم هم يبحثون عن لقمة العيش، وأغلبهم يحصل على أجره مقابل الخدمات التي يؤديها أو يبيعها للسياح، ولكنهم في جميع الأحوال لا يتخلون عن الأمانة والشرف.

***

كنت أظن في البداية أن الكتاب يتحدث عن رحلة إلى الإسكندرية، باعتبارها أرض كليوباتره، أو باعتبارها المدينة التي عاشت فيها الملكة كليوباتره السابعة (69 ـ 30 ق.م) سنوات توليها عرش مصر، وحتى انتحارها عقب موقعة أكتيوم البحرية مع أوكتافيو أغسطس. ولكن تجاوزت الكاتبة الإيطالية هذا وتحدثت عن أرض مصر ككل، بل إنها لم تتحدث عن الإسكندرية إلا باعتبارها ميناء مصر التي سترسو عليه الباخرة التي تنقلها من بلادها. تقول: "الإسكندرية ! يا للضوضاء والجلبة! ها هم جماعة من الشياطين والمردة السود بعمائمهم وقمصانهم الفضفاضة ينقضون على الباخرة ..". (تقصد عمال الميناء). ومن ميناء الإسكندرية تتجه مباشرة إلى القطار الذي سينقلها إلى القاهرة، وهي تتنفس الصعداء عندما تجد كل أمتعتها معها بالقطار، فتشيد بأمانة المصريين. تقول: "كيف نجحت أخيرا في العثور على حاجياتي كلها. كنت أعتقد بأمانة العرب، أمانة في نظري ليس فيها أي شك، فأيقنت إذ ذاك أن ثقتي هذه كانت في محلها".
وتفسير عدم حديث الكاتبة عن الإسكندرية ـ من وجهة نظري ـ يرجع إلى أن الإسكندرية لا تهم الكاتبة في شيء، فالإسكندرية من وجهة نظرها أقرب إلى المدن الإيطالية المزدحمة التي تقع على حوض البحر الأبيض المتوسط. ولكن ما يهمها في مصر أثناء هذه الرحلة التعرف إلى صحرائها ورمالها وتاريخها وآثارها ومعابدها، أو التعرف على مصر من داخلها، من قلب صحرائها، ومجرى نيلها، والحياة على هذا الوادي العريق. لذا جاء الحديث عن الإسكندرية حديثا باهتا في هذه الرواية. ويبدو أن شهرة اسم كليوباترة ـ عالميا وتاريخيا ـ جعل الكاتبة تتخذ منه عنوان روايتها "أرض كليوباتره". 
وفي الواقع فقد جاءت إعادة نشر هذا العمل الأدبي في وقته تماما. حيث تتعرض البلاد العربية والإسلامية الآن لهجمة شرسة، تحاول أن تلصق تهمة الإرهاب بوجه العروبة والإسلام. لذا فما أحوجنا إلى ترجمة وإعادة نشر كل ما يكتب عن العرب والإسلام، بطريقة حيادية، إن لم تكن محبة كما رأينا عند كل من الكاتبة الإيطالية آني فيفانتي والكاتبة الإنجليزية جانيس إليوت، وغيرهما.