من كتاب وجوه وملامح

Youssef Ezeddin Eassa

في السنة الأولى من الدراسة بكلية العلوم، جامعة الإسكندرية، كنا نجد مشقة كبيرة في متابعة المحاضرين، الذين يلقون محاضراتهم بالإنجليزية؛ وقد فوجئنا بأستاذ يدرِّس بالعربية، بل إنه كان يتحدث بلغة عربية سليمة وجميلة؛ وكان حديثه عن الحيوانات اللافقارية مليئاً بالتشبيهات والتكوينات البلاغية؛ وقد أدهشنا ذلك، وأسعدنا، في وقت واحد. كان ذلك الأستاذ هو الدكتور يوسف عز الدين عيسى، الذي سرعان ما سعيت إليه؛ وكان يسمح لي بمجالسته، أحياناً، بمكتبه بقسم علم الحيوان، في مبنى كلية العلوم العريق، بحي محرم بك. وبمرور السنين، توطدت معرفتي به، وتوثقت هذه المعرفة بعد أن تخرجت، حيث كنا نلتقي في المنتديات الأدبية؛ كما كان لي حظ مرافقته إلى مؤتمرات أدبية خارج مدينة الإسكندرية؛ ثم أنني كتبت أول دراسة عن إنتاجه في القصة القصيرة، متمثلاً في مجموعته القصصية ( ليلة العاصفة)؛ وقد نشرت هذه الدراسة بمجلة ( إبداع ). وأذكر أنني شاركت في مسرحية ( بيت بلا نوافذ )، التي مثلها فريق التمثيل بالكلية، وهي من تأليف الدكتور عيسى، من خلال ممارستي للنشاط باتحاد طلاب الكلية، وكان المؤلف يتابع البروفات، ويتدخل كثيراً في أعمال المخرج!.

وكنت أجيد الإصغاء إلى أستاذي الدكتور يوسف عز الدين عيسى؛ ويبدو أن تلك ميزة كان يفتقدها في آخرين. والحقيقة، أن معظم أدباء الإسكندرية، ممن عرفوا الدكتور يوسف، لم يكونوا يحرصون على الاتصال به، وكان بعضهم يرد ذلك إلى حرص الدكتور عز الدين عيسى على أن يدور الحديث عنه وعن أعماله. ولعل ذلك صحيح، إلى حد ما، فقد كان لدي الدكتور عيسى إحساس دائم بأن معظم الأدباء لا يعرفون أعماله؛ وكان قد قال لي، في لقاء معه، أنه مستهدف من قبل عدد من النقاد الذين لا يتقبلون أسلوبه في مزج الواقع بالخيال. ويمكننا أن نقول، متوخين الموضوعية، بأن الدكتور عيسى كان دائم الإحساس بأنه لم ينل ما يستحق من التقدير، حتى بعد أن نال جائزة الدولة التقديرية في الآداب؛ وقد أشار في حديث له إلى أنه ســبق الروائي الكولومبي العالمي ( جبرييل جارسيا ماركيز ) إلى تكوين عالم يختلط فيه الخيال بالواقع، وهو ما سمي بالواقعية السحرية، ونسبها النقاد لماركيز وحده؛ وقد فاز ماركيز بجائزة نوبل، بينما بقي هو يعاني جهل النقاد به، وتجاهلهم له.

وكنت قد صاحبت الدكتور يوسف عز الدين عيسى في رحلة إلى الإسماعيلية، للمشاركة بإحدى دورات انعقاد مؤتمر أدباء مصر في الأقاليم؛ وشاركنا الرحلة وفد من الإسكندرية، برئاسة الأستاذ محمد غنيم، وكيل أول وزارة الثقافة السابق، وكان وقتها رئيسا للإقليم الثقافي بالإسكندرية. وقد تم تكريم الدكتور يوسف في المؤتمر. وفي رحلة العودة، بكي الرجل وهو يقول أنهم أتوا به من الإسكندرية لكي يعطوه ( هذه الورقة )، وأشار لشهادة التقدير في يده.

وقد ولد الدكتور يوسف عز الدين عيسى بالفيوم، في عام 1914، وتخرج في كلية العلوم، جامعة القاهرة، حيث عين معيداً بهـا، وبدأ، بالوقت ذاته، نشاطه الأدبي، فكتب القصة القصيرة، ثم المسرحية. وبعد إنشاء جامعة الإسكندرية، انتقل إليها الدكتور عيسى، ومنها ابتعث إلى جامعة ( شفيلد )، بانجلترا، للحصول على درجة الدكتوراه، في علم الحيوان. واستمرت مسيرة الدكتور عيسى في الاتجاهين: العلمي الأكاديمي، بكل أعبائه، ونجح فيه، حتى حصل على درجة الأستاذية في علم الحشرات؛ كما حافظ على اتجاهه الأدبي، فلم يتوقف عن الكتابة؛ وأنتج عدة روايات، بالإضافة إلى عشرات القصص القصيرة، ومئات الأعمال الدرامية، في الإذاعتين المسموعة والمرئية، والسينما، كما مارس كتابة الأغنية، وكتب للإذاعة المصرية عدداً من الأشعار الغنائية، لحنها كبار الملحنين المصريين. وقد سمعت الدكتور يوسف يتحدث في ندوة بجمعية الشبان المسلمين بالإسكندرية، بحزن شديد، عن أن تلك الأغاني قد أعدمت شرائطها، ولم يبق منها إلا أغنية ( القرنفل )، التي غناها عبد الحليم حافظ، من ألحان على فراج.

وكنت قد سألته عما إذا كانت طبيعة عمله الرسمي، مصدر الرزق الأساسي، أثرت في مسيرته الإبداعية، وأخذت منها؛ فأبدى نوعاً من الضيق بسؤالي، ورد قائلاً، ولم لا تقول أنها أثرتها وأضافت إليها ؟؛ فالمسألة – والحديث له – ليست كمية ما أنتجته من الأدب. هل تعرف الشاعر ( ابن زريق البغدادي ) ؟ .. إنه لم يكتب سوى قصيدة واحدة، خلدت اسمه في سجل الأدب العربي. وأنشد الدكتور يوسف أبياتاً من القصيدة؛ ثم ضرب مثلاً آخر بإميلي برونتي، صاحبة ( مرتفعات وذرينج ).

على أي حال، نرجو أن يكون في إشارتنا المتعجلة هذه إلى بعض الملامح الشخصية للراحل الأديب العالم، الدكتور يوسف عز الدين عيسى، ما ينبه النقاد والدارسين إلى قيمته الأدبية، فيلتفتوا إلى إنتاجه، ويولونه جانباً من اهتمامهم ونشاطهم النقدي؛ وكفاه ما لقيه من إهمال في حياته. ولكي نسهل للسادة النقاد المهمة، نورد فيما يلي قائمة بأعمال هذا الأديب العالم المهم :

أولاً : القصص :

1 – ليلة العاصفة – كتاب اليوم – 1984. 2 – البيت – هيئة الكتاب – 1993.

ثانياً : الروايات :

1 – الرجل الذي باع رأسه – دار المعارف – 1979.

2 – الواجهة – دار المعارف – 1981.

3 – لا تلوموا الخريف – دار الشروق – 1989.

4 – ثلاث وردات وشمعة – هيئة الكتاب – 1991.

5 – مجلد يحتوي على ثلاث روايات : ( العســل المر - التمثـــال - عيـــن الصـــقر ) – هيئة الكتــاب – 1994.

6 – الأب – هيئة الكتاب – 1996. 7 – عواصـــف – هيئة الكتاب – 1996.

ثالثا : المسرح : نريد الحيــاة – دار المعارف – 1985.