أنيس منصور

مصر

 بدأ الكاتب "أنيس منصور" حياته الصحفية مترجماً للقصة في جريدة "الاساس" ثم تولى الاشراف على الصفحة الادبية بالجريدة دون أن يظهر اسمه، وعندما انتقل الى جريدة "الاهرام" لم يكن مسموحاً له أيضاً التوقيع باسمه نظراً لحداثة سنه آنذاك وفقاً لتقاليد الأهرام، كان يكتب فيها القصة القصيرة في صفحتها الاخيرة حتى بلغت أكثر من 500 قصة، والطريف هنا أنه عندما أصبح مسئولاً عن تحرير الصفحة النسائية والكتابة عن الموضات الاوروبية كان يكتب بأسماء نسائية، وفي عام 1952 كان يكتب في روز اليوسف عن أخبار الملك فاروق في أوروبا مستعيناً باسم نسائي مستعار أيضاً وهو "سيلفانا ماريللي"، ومن الطريف أنه حين انتقل للعمل في جريدة "أخبار اليوم" نشر خبراً في روز اليوسف نعى فيه موت المحررة "سيلفانا" خوفاً أن ينتحل شخصيتها أحد، هذه إحدى المواقف التي ضمها كتاب "أنيس منصور.. فيلسوف البسطاء" الذي صدر منذ أيام عن مؤسسة الاهرام لسهير حلمي، ويعتبر سجلا وثائقيا قيما استعرضت فيه العديد من المواقف في مسيرة أنيس منصور في عالم الادب والصحافة والفكر والسياسة والرحلات باسلوب جميل، يضم الكتاب 11 فصلاً على النحو التالي السيرة الذاتية، على مرآى من الدجاج والنساء، موسوعية الفكر، ماركة أنيس منصور، الفلسفة تبرر الوسيلة، خمسون عاماً حول أنيس منصور، المسرح والقصة القصيرة، إحكي يا شهرزاد، 60 عاماً في بلاط صاحبة الجلالة، عظماء العصر، حوارات الفيلسوف، إضافة الى العديد من الصور النادرة التي تجمعه بالرؤساء العرب والاجانب وبعض المثقفين والادباء وبعض الصور العائلية.
فلسفته...ما المعنى
انفرد الكاتب أنيس منصور بالكتابة اليومية على صفحات الاهرام لمدة 30 عاماً بصفة متصلة دون انقطاع، فقد بدأ الكتابة في 29 مارس 1976 وتقول "سهير حلمي" في مقدمة الكتاب أنها ظاهرة فريدة لم تشهدها الصحافة المصرية من قبل، ثلاثون عاماً يطل أنيس منصور من خلال عاموده اليومي "مواقف".. هو فيلسوف البسطاء الذي يعيش بينهم واحداً منهم واليهم يرسل أفكاره الهادئة، والجدير بالذكر أنه كتب خلال 30 عاماً ما يقرب 11000 مقال يومي، وقد وصفه العقاد في الستينيات بأنه كاتب مخضرم بين جيلين يجتذب بقلمه ملايين الشباب قبل الكبار، وهو من أكبر كتاب الاهرام مقاماً وسناً وأكثرهم شباباً وحيوية على حد تعبير سهير حلمي، أنيس منصور من مواليد الدقهلية عام 1924 ومتزوج منذ عام 1963 من السيدة "رجاء حجاج" وتعتبر من جميلات قاهرة الستينيات ورئيسة جمعية هدى شعراوي، ووالدة كل من الصحفية الاديبة منى رجب ود. جعفر ود. علا، حاصل على ليسانس آداب قسم فلسفة جامعة فؤاد الاول سنة 1947 مع مرتبة الشرف، عمل معيداً بكلية الاداب جامعة عين شمس.
وخلاصة فلسفة الاستاذ غالباً ما يبلورها على النحو التالي "ما المعنى؟ المعنى أن هناك أحداثاً مميزة لها نتائج كبيرة، أكبر من حجم الاحداث وأعمق من دلالتها، فالذي حدث من الممكن أن يقع لملايين الناس ولكن الفرق ليس بين الاحداث ولكن في أثرها على الناس واستعداد الناس لقبولها بين ذكاء الناس وقدرتهم على استغلالها أو إستثمارها، فالمعنى هو شاغله الاول وهو الكنز المفقود الذي يطالبنا بالبحث عنه.
أول صحفي...
مدرسته الصحفية منهجها قائم على البساطة والصدق والجدة في المضمون والاسلوب، وقد اشتهر بعناوينه الصحفية الانيقة، اكتشف انيس منصور العديد من المواهب الصحفية وكانت نصيحته الوحيدة للجميع تتلخص في الاطلاع على الانتاج الادبي للسالفين واستيعابه وعدم تقليدهم، في عام 1959 قام بأشهر رحلة صحفية في العالم العربي استغرقت 225 يوماً بلا توقف، في سفره حول العالم لم يترك أي إشارة أو لمحة دون أن يعبر ويكتب لقارئه عنها في كتابه حول العالم في 200 يوم، ولكل رحلة كانت له تحليلاته ومبرراته الفلسفية الطريفة التي كان من خلالها يعبر عن سلوكيات وعادات البلد التي يزورها، وقد حصل على جائزة الدولة التشجيعية عام 1964 عن كتابه حول العالم في 200 يوم وهي أول جائزة في أدب الرحلات، ونذكر هنا أنه أكثر الكتب توزيعاً بشهادة اليونسكو -24 طبعة- ونتيجة للنجاح الباهر الذي حققته هذه السلسلة الممتعة من أدب الرحلات والتي كان يتابعها قراء أخبار اليوم في شغف وانتظار، تم تعيين أنيس منصور رئيساً لتحرير مجلة الجيل عام 1960 وأخبره علي أمين بالخبر وهو ما زال في روما، وكان أول صحفي يختاره زملاؤه رئيسا للتحرير بالاجماع، كما كان أول صحفي عربي يزور قارة استراليا، وهو أول صحفي في العالم يلتقي ب "الدلاي لاما" اله التبت في منفاه في الهند، حيث ادعى أنيس منصور أنه جاء خصيصاً من مصر لانه يعاني من مرض عضال لن يشفى منه إلا بمقابلة "محيط المعرفة" باللغة المنغولية أو الدلاي لاما، ونشرت أخبار اليوم صورته لاول مرة في العالم، وكان أول صحفي يزور منفى الزعيم أحمد عرابي ورفاقه في جزيرة سرنديب، وطالب أن يتحول بيته الى متحف وقد حدث فيما بعد.
أنيس والسياسة
فصل عام 1961 من رئاسة تحرير مجلة الجيل ومن الجامعة حيث كان يعمل مدرساً للفلسفة في كلية الاداب جامعة عين شمس، وكان السبب في فصله مقاله "حمار الشيخ عبد السلام" في نقده لمسرحية الحكيم، وظل عامين بدون عمل أصدر خلالهما كتاباً مترجماً عن جائزة نوبل اسمه الجائزة، ولم يستطع كتابه اسمه عليه الا ببنط صغير، وتقول سهير حلمي انه كان طبيعياً نتيجة المصاعب التي واجهها من وجهة نظره أن يسكب غضبه في كتابه الشهير "عبد الناصر المفترى عليه والمفتري علينا"، وأوقف مرة أخرى عن عمله في دار الهلال بسبب وجودية سارتر وتناوله لمفهوم الوحدة والعزلة، فكتب أنه من الممكن أن يكون الانسان وحيداً بالرغم من وجود الناس حوله إذا انفصل نفسياً عنهم وأصبح في حالة صمت مطبق، فتم تأويل المقال كما لو كان تهكماً على الانفصال بين مصر وسوريا، وأن عبد الناصر يجتر آلام العزلة والشعور بالانفصال، واقترب انيس منصور من السياسة عام 1967 حيث ذهب الى الجبهة ورأى وسمع ما أبهره قتوقع النصر المبين، وعاد من الجبهة وما هي الا ساعات وكانت المأساة الكبرى وأيقن منذ تلك اللحظة أننا حاربنا عدواً لا نعرفه، فبدأ بنشر عشرات المقالات عن اليهود جمعت في 3 كتب، وأيضاً لم يسلم من الهجوم والشكوك من موقفه من معاهدة السلام مع إسرائيل بعد حرب اكتوبر عام 1973، ومن مبرراته الفكرية التي صاغها في كتاباته اللاحقة عن السلام مع اسرائيل والذي أصبح من أشد المتحمسين له في البداية إلا أنه ظل يتحفظ في تفائله كلما اشتدت وطأة الاحداث خاصة حين اندلعت الانتفاضة وتفاقمت الانتهاكات الاسرائيلية، كانت مبرراته الفكرية تدور حول أهمية استكمال التعمير والبناء ووضع خطط التنمية لنلحق بقطار المدنية الذي قطع شوطاً كبيراً في مساره التي منعتنا ظروفنا القدرية وحروبنا المتكررة عن اللحاق به، ولكن دون الاخلال بالتزاماتنا السياسية مع الاشقاء العرب والقضية الفلسطينية.
محطات
تولى رئاسة تحرير كل من مجلة الجيل، هي، آخر ساعة، اكتوبر،وادي النيل، العروبة الوثقى، جريدة مايو، مجلة الكاريكاتير، موسوعة المرأة العربية التي صدرت عام 2004، عضو مجلس الشورى لمدة 24 عاماً، سفيراً للامم المتحدة للتنمية الاجتماعية، حصل على جائزة الدولة التقديرية، وجائزة الابداع الفكري لدول العالم الثالث سنة 1982، جائزة مبارك في الاداب عام 2000، جائزة كاتب الادب العلمي، فاز بلقب الشخصية الفكرية العربية الاولى من مؤسسة السوق العربية في لندن، حصل على لقب كاتب المقال اليومي الاول في الاربعين عاماً الماضية في معظم قياسات الرأي العام، رشحته رابطة الادب الحديث لجائزة نوبل، يصل عدد مؤلفاته الى 171 كتاباً ما بين الترجمة الذاتية والدراسات السياسية، والمجموعات القصصية والمسرحيات المترجمة، والدراسات النفسية، والدراسات العلمية والنقد الادبي والرحلات والمسرحيات الكوميدية والمسلسلات التلفزيونية، وترجمات قصصية وفلسفية، ومقالات، كما اعدت عنه 17 دراسة، تميز اسلوبه بالسرد والحوار الذاتي وإستدعاء الاحداث وتجسميها وتوصيفها وإضفاء الاجواء النفسية لكل الشخوص.