قصص قصيرة بقلم: الحسن بنمونة

بقلم : الحسن بنمونة  - المغرب

1 – بيان حقيقة .

اتصلت بي جريدة الشعب عبر وكالة عقارية لها باع طويل في عالم المال والأعمال ، ( إخال أنها شركة بكتيا للأعمال الخيرية ) لإجراء حوار صحفي . إذ حدث أنني نشرت رواية أثارت ضجة في المحافل الثقافية في القرن التاسع عشر ، فتواريت عن الأنظار مدة من الزمن . ولما انقشع الضباب ، وتبينت النور من الظلام ، وجدت أنني قد عمرت طويلا ، وأن الناس الذين عشت بينهم تواروا عن الأنظار . وهم الآن عظام أو تراب . فسبحان مبدل الأحوال في كل زمان ومكان .
وأنا لاأرى أي ضير في اطلاعكم على هذه المقابلة ، فإليكم الحوار :
- ............؟
- ..............
- .............!
- .............
- ...........؟
- ..................................!!
- ........................................................
- ...................... ؟
- ............................................
- ......... !!
- ................................................................................................................ ؟
- ..........................................
- .......... ؟
- ..............................
- ....................... ؟

هكذا توارى كلامي عن الأنظار ، فهو عظام أو تراب . فسبحان مبدل الأحوال . هو الباقي ونحن الفانون .
ملاحظة:
أشارت صحيفة أمريكية تعنى بحقوق الإنسان إلى أن الرقابة هي التي حذفت ذلك الكلام ، وأن الكاتب خضع لتحقيقات بوليسية مرعبة . وأنا أعلن للرأي العام العالمي أنها كاذبة ، مع العلم أنني لا مع اليسار ولا مع اليمين ، وأحمد الله أنني نجوت من اغتيال ثقافي ، وفي هذا كفاية .

2 – خال من الشبهات :

- لن ننكر أننا سنواجه صعوبات في جريدتنا ، ولكن ينبغي لنا أن نتحدى ...
- سيادة الرئيس ، لنحدد أولا جدول أعمالنا ...
- أجل ، أجل ، جدول أعمالنا هو : 1 – خط الجريدة . 2 – التمويل . 3 – مختلفات .
1 – خط الجريدة .
- فلنكن واقعيين ، إذا قلنا إن جريدتنا مستقلة كتب أعداؤنا ساخرين : أي جريدة مستقلة في هذه البلاد ؟ إنهم يدعون ذلك ، وشيئا فشيئا يميلون إما ذات اليمين أو ذات اليسار . وإذا قلنا إنها غير مستقلة ، قيل لنا :ماذا ستضيفون إلىهذه الأطنان من الورق التي تهدر أموالها في القيل والقال . لن نضيف أي شيء ، ولكننا سنفحم خصومنا . نقول لهم : لقد تخلينا عن السياسة ، ولهذا السبب تبقى ثلاث صفحات فارغة . ( استغراب من هيئة التحرير ) . سأشرح لكم الأمر . إذا كنا نكتب عن أمريكا التي خربت بيوتنا ، وكان هذا يعود علينا وعلى بلادنا بالضرر ، فلا حاجة لنا به . قال أجدادنا الصمت حكمة . ولهذا لن نكتب شيئا يورثنا صداع الرأس . ستقولون وماذا عن مشاكل المجتمع ؟ . الجواب بسيط للغاية ، هل رأيتم مسؤولا شغل باله بمشكلة ؟ . كلا ثم كلا . فلم نضيع أوقاتنا في الكتابة عن مجتمع لا يدري ماذا يفعل . ينام طويلا وإذا استفاق صدم الجدار . لا شيء يرجى من نومه . ولهذا السبب نترك ثلاث صفحات أخرى فارغة . ( استغراب ) . أما بالنسبة للثقافة فقد قررت أن أخصها بصفحة كاملة لنشر رواية لي . ( استغراب ) . سأشرح لكم الأمر . هي رواية رومانسية واقعية مسلية . ماذا فعلت السياسة بالناس ؟ أنا متيقن أنها ستدخل الفرح إلى القلب الحزين ، وتخفف بلاوى الناس ، وتنشر السلام ....
2 – التمويل.
- أحيطكم علما بما يلي :بما أن خط الجريدة التحريري خال من الشبهات ، فهي فارغة من أي محتوى يخز الحاكم أو المحكوم . ولا أكتمكم سرا إذا قلت إنني تلقيت عروضا مغرية لتمويل جريدتنا المتحررة من جهات أجنبية ، وبما أن حسي الوطني يملي علي تجنب كل ما من شأنه أن يمس كرامتنا ، فقد آثرت أن أبدأ من الصفر . ( تصفيقات مدوية ) . أجل ، لا بد أن نبدأ من الصفر ...
3 – مختلفات .
- مناقشة :
نشكر لكم هذه الصراحة ونثمن جهودكم العظيمة في نشر الخبر الصادق . فهمت من كلامكم أن جريدتنا ستكون فارغة من المحتوى ، ونحن هنا نستثني صفحة واحدة تملؤها روايتكم الرومانسية . هذا سبق صحفي سيؤهلنا لشغل مناصب عليا في عالم صحافة الصمت . وأنا أرى أن المجتمع سينتفع بها أشد الانتفاع وأعطيكم أمثلة :
- يضع فيها الفوال فوله ...
- ينظف بها المزين عدته ..
- يقضي بها صاحب الحاجة حاجته ..
- يستر بها المرء أغراضه..


3 _ الإعارة.

في الواقع لم يكن من عادتي أن آكل بنهم ، ولكن لما رأيت المدعوين ينهشون اللحم نهشا ، آثرت أغنم الفرصة لأنني لم اكل بما فيه الكفاية منذ ثلاثة أيام ؛ منذ مجيء رئيس دولة در ودونيا المخلوع . كنت قد أعرت لحراسته من دسائس وأطماع أعدائه وغرمائه الذين كانوا يسعون للإطاحة به . كانت هذه الإعارة تهدف إلى تعزيز التعاون وأواصر الصداقة بيننا نحن شعب سكونيا وشعب درودونيا . جبت معه – وأنا خلفه – بقاع العالم، ورأيت حسان الدنيا وأشرار الدنيا . وهاأنذا الآن بعد الإعارة ، والسجن لمدة ثلاثة أيام بدعوى مشاركتي في حكم دولة درودونيا ، من خلف الكواليس ، أحظى برعاية رئيس دولة سكوبيديا الذي مكنني من فرصة الحفاظ على سلامته من أعدائه وغرمائه الذين كانوا يسعون إلى الإطاحة به . كان قد ذهب لزيارة حديقة الحيوانات متذرعا بأن لا خوف عليه من غدر الحيوان ، لأنه لا يسيء إلى من أحسن إليه . كان رأيه سديدا ، لأنك لو سألتني عن ذلك ، لأجبتك قائلا إنني لما كنت صغيرا كنت أمتطي ظهر الأتان . كنت أنعم براحة البال . أغمض عيني فلا تسقطني إلى الأرض . ترى ما الذي سيحدث لو ركبت ظهر الحمار... آه ، لا تسألني . كانت هذه الإعارة أيضا تهدف إلى تعزيز أواصر التعاون بيننا نحن شعب سكونيا وشعب سكوبيديا الذي ينتمي إلى العالم الثالث . وقد وفقت في تمتين صداقة بلدينا لما استطعت الحفاظ على سلامة رئيسه من ثلاثة انقلابات غذائية كادت تودي بحياة معدته . أمطره أعداؤه بوابل من الرصاص ، فواجهت ذلك برباطة جأش قل نظيرها في العالم . كنت أمسك بالرصاصة فألقيها ذات اليمين وذات الشمال ، فترى الأفواه فاغرة والأقدام لا تلمس الأرض وهي تعدو لائذة بالفرار. ولهذا السبب قربني إلى جنابه العالي ، فصرت نديمه الذي لا يفارق عينيه .
أكلت بنهم وكأنني كنت أدري أن أعمالي العظيمة التي وهبتها العظماء ستهدم حياتي ؛ أن أسجن إلى الأبد في قبو لأصادق العناكب والحيات والعقارب وأصنافا دقيقة من الحشرات النافعة . كانت المأدبة مؤامرة حيكت بذكاء ؛ أن يقتل رئيس دولة سكوبيديا أمام أعين الحيوانات المفترسة وألا أنهي أكلي بسلام . .