الحارس

كان حامد المتزوج حديثا , يجلس علي المقهي وفق عادته الصباحية القديمة جدا. يتناول فنجان قهوته مع شيشة المعسل . وعلي المقعد المجاور يجلس الكلب الذي لم يكن كلبه, بطريقة تليق بكلب مميز. ويحمل في عنقه ميدالية عليها نقش خاص . وقد عرف حامد ان القرفة باللبن تلائم مزاج الكلب اكثر في في الفترة الصباحية فكان يطلبها له مع قهوته.

لم يعرف لماذا احضروا له هذا الكلب ليقيم عنده , مصحوبا بتحذير بعدم محاولة طرده او مضايقته. وكان منظره ذاته يغني عن هذا التحذير. واكتشف من اليوم الاول ان هذا الكلب يتمتع بذكاء لاتتمتع به زوجته نفسها.

كانوا قد حددوا بشكل آمر مكان اقامته, فوضعوا له سريرا مناسبا في غرفة النوم بحذاء السرير الكبير. واوقفوا بحزم اعتراض زوجته علي هذا الاختيار. وعاني هو نفسه من هذا الوضع باستياء وضيق , اذ لاحظ منذ اليوم الاول ان الكلب يراقب بشغف اجتماعه الحميم بزوجته, بينما هو عاجز عن طرده من هذا المكان . ولاحظ ان الكلب كان يزمجر كلما شعر هو بضيق من وجوده..

عندماانتهي من شرب قهوته ,و قام ليلحق بموعد عمله. ركب سيارة اجرة واجلس الكلب بجانبه . ومما اثار دهشته ايضا انه منذ المرة الاولي التي ركب فيها الكلب معه وسيلة مواصلات , ان احدا لم يعترض علي ركوبه. وبعد تفكير عميق ارجع ذلك الي الميدالية ذات النقش المميز التي في عنقه.

وعند وصوله الي مقر عمله استقر مباشرة علي مكتبه, بينما قبع الكلب علي مكتب مواجه له , كان رئيس مجلس الادارة شخصيا قد امر باعداده له علي وجه السرعة. واتاح موقع المكتب المواجه تماما للكلب ان يلاحظه بشكل مريح. فكان يثبت نظره عليه دون التفات , وحتي انتهاء مواعيد العمل الرسمية و مصاحبته الي المنزل.وفي تلك الاثناء لم يكن حامد يفكر سوي في امور العمل .. فقد تعلم درسا هاما من بعض التجارب السابقة ..ففي احد الاصباح , بينما يتصفح الجريدة علي المقهي اثناء احتساء قهوته , قرأ عرضا خبرا سياسيا استفزه , فطاف في ذهنه ان بلاده ليست ديموقراطية, بل ولا امل في ان تكون كذلك في المستقبل القريب. فلم يشعر الا والكلب قد انقض عليه وعضه في ذراعه.. كانت الاصابة شديدة , مما دفع باحد رواد المقهي الي نقله للمستشفي لاسعافه, بينما رافقهما الكلب الذي وجه اليه وهو يتالم نظرات التانيب القاسية ...
وفي اليوم التالي كان يجلس علي مقعدة الحمام , بينما وقف بجانبه الكلب علي قدميه الخلفيتين متجاوزا راسه بقامته , وكان يفكر في ان ما تبقي من الراتب لن يغطي مصروف البيت حتي اخر الشهر. فشعر بالحنق , وتردد في نفسه ان اللصوص الرسميين وغير الرسميين لم يتركوا شيئا للناس ليعشوا عيشة كريمة . وفي تلك اللحظة فاجأته العظة الثانية , والتي اكدت له قدرات هذا الكلب غير الاعتيادية ..

بعد ذلك التزم الحذر , ومارس علي نفسه رقابة قاسية فيما يتعلق بمثل هذه الافكار. فلم يكن راغبا في عضة ثالثة بعد ان خالف القاعدة الذهبية ولدغ من الجحر مرتين ..وكان اذا اتاه خاطر ماثل يمنع نفسه من الاسترسال فيه , ويطرده فورا . فكان الكلب يكتفي في هذه الحالة بنباح خفيف , مصحوب بنظرة رضاء..واكتشف حامد بمرور الوقت ان لهذا الكلب العجيب قدرات اخري بخلاف قراءة افكاره, اذ كان يتمتع ايضا بالقدرة علي الايحاء له بافكار معينة عندما تلتقي نظراتهما.
وبعد فترة لم تطل كثيرا , شعر بالارتياح والتوافق مع الكلب , بعد ان تخلص من جميع الافكار التي يمكن ان تؤدي للعض.

وذات يوم جاءوا لياخذوا الكلب , وشكروه علي حسن ضيافته له . ولم يستجيبوا لرجائه بان يتركوه لديه , حتي بعدما تعهد لهم بان يعامله كواحد من افراد الاسرة.
ولم يندهش في الصباح التالي عندما لاحظ ان الناس في الشوارع يمشي كل منهم برفقة كلب , تتدلي من عنقه ميدالية ذات نقش مميز .......