أقدام ناعمة مطلية الأظافر

وقفت المدرسة الشابة القادمة من المدينة الكبيرة أمام التلاميذ، في فصل حقير في قرية صغيرة، كانت متأنقة معجبة بنفسها، وكان التلاميذ ينظرون إليها في دهشة وإعجاب، يلتصق البنطلون بفخذيها، وتتدلي فوق جبهتها خصلة شعر اصفر تلامس نظارة شمسية تزيد نصاعة بشرتها

أخذت تدق الممر بين المقاعد بكعب حذاء عال، فأرهف التلاميذ أذانهم لإيقاع خطواتها، نظرت التلميذات إلي الحذاء الموسيقي الذي يخطر أسفل عيونهن، فرأين قدمين بيضاوين أظافرهما مطلية باللون الأحمر، تغامزت التلميذات ورحن يحدقن في دهشة واستغراب، بعضهن سددن أفواههن خشية أن تفلت الضحكات المكبوتة

قالت المدرسة بعد أن هزت رأسها فانزاحت خصلة الشعر المتدلية:
- اسمعوا يا أولاد، اسمعوا يا بنات، أهم حاجة عندي النظافة والشياكة والإتيكيت.
تبادل التلاميذ نظرات تساؤل، فهم قد فهموا معني النظافة ولم يفهموا ما جاء بعدها من كلمات، لكن أحدا منهم لم يجرؤ أن يرفع إصبعه لسؤال.
راحت تستعرض التلاميذ والتلميذات واحدا واحدة، وهي مشمئزة تلوي شفتيها، تضرب تلميذا علي يده قائلة " قص أظافرك" وتنخس تلميذة في صدرها " اغسلي مريلتك " وتشد أخري من شعرها وهي تقول " سرحي شعرك ".
 

جلست علي الكرسي أسفل السبورة وقالت بصوت عال: " أهم حاجة الحذاء، لابد أن يكون لامعا "
وبينما هي تقول ذلك كانت تضع ساقا فوق ساق، فيتكلم الحذاء الموسيقي وتنطق الأظافر الحمراء.
جالت بعينيها أسفل المقاعد تفحص الرجل الصغيرة وما ترتديه من أحذية، فرأت ما أصابها بالقرف، أحذية قديمة مهترئة، صنادل مقطوعة، شباشب متسخة، فأوشكت علي الغثيان، لكنها تذكرت ما سمعته قبل أن تأتي لهذه المدرسة، ولعنت الحظ الذي ألقي بها في هذه القرية الحقيرة.
شهقت شهقة سمعها كل التلاميذ والتلميذات، ووقفت هي تشير بعصاها لتلميذ، وقف حسن تلميذ نحيل يعاني من سوء التغذية، لكن عينيه تلمع بالذكاء
زعقت المدرسة:
-" حافي، تأتي المدرسة وأنت حافي, أين حذاؤك؟ "
قال حسن ببساطة عمره الذي لم يتجاوز السابعة :
-" حذائي تقطع ".
نهرته وهي تصيح:
- " قل لأبيك أن يشتري لك حذاء اليوم، ولا تأتي للمدرسة غدا بدون حذاء ".

ولأنه يعرف أن أباه لن يشتري له حذاء اليوم، فقد ارتجف حسن وسالت دموعه وانهار فوق المقعد، ووضع رأسه فوق ذراعه وبكي.
سُرت المدرسة عندما وجدته في اليوم التالي يلبس حذاء، وازداد سرورها عندما أجاب عن سؤال لم يستطع غيره أن يجيب عليه، وطلبت من التلاميذ أن يصفقوا له

وبينما هي تتفحص أقدام التلاميذ ذُعرت إذ رأت قدمين عاريتين بلا حذاء، كيف غابت عنها هاتين القدمين أمس، تلك كانت مني التي لا تسرح شعرها أبدا، أوقفتها وضربتها بالعصا علي يديها ومني تحملق في وجه المدرسة، أنذرتها أن تعطيها صفرا، وأن تبعث للناظرة، وأن وأن........
مني لا تسمعها بل تنظر في الفراغ أمامها، صامدة متحدية كأنها لا تسمع ما يقال.
في فناء المدرسة بعد انتهاء اليوم الدراسي كانت مني تستعيد حذاءها من " حسن" تلفتت حولها ثم طبعت علي خده قبلة، وجرت وهي تحمل المخلاة في كتفها.