خيط القمر

بيتنا في المخيم تحت القمر, والقمر تفاحة محروقة معلّقة , خيط رفيع يربطنا به , نهتزّ نهتزّ, القمر جميل , لكن لو انقطع بنا الخيط سنهوى في الفراغ السحيق.

جاورتني على الفراش , مشدودة معي إلى القمر , أراها يغادرها الشحوب , تغدو وردية , تفاحة يغزوها الاحتراق , أراها بنتا للقمر , عروسا جاءتني من عالم الفضاء , محرابا يغريني أن أعبره.

مشحون أنا في تلك الليلة , تتقدمني روحي نحو المحراب , اقترب , أرى القمر يبتهج , يربطه وتر رفيع يجذبنا , وأنا رحى تدور, الدوران فن ياقمر , يوحدني مع المحراب يجعلنا نصول ونجول , فارس أنا يحرث بحصانه الصحراء , عازف يعامل آلته مثل ساحر , وخيط القمر يزداد توترا , يصبح وترا يشدو , نعزف عليه دوراننا , دوراننا نشيد , نشيد يا قمر.

الليلة غافلناهم ودرنا , كأننا لسنا هنا , كأن المخيم بستان , وهم؟ , زالوا أوماتوا , نحن في بستان , ويكفى , ندور مع القمر , أنا والمحراب ندور , نذوب ونمتزج , ننصهر ونختلط , نصدح بلحن البستان , أنا العابر صحن المحراب , فيه أذوب , أنا الصادح بنشيد البستان المفقود.

في لحظة انشد الخيط بعنف , وصرنا كمن يهوى , داست أقدام على السماء , والأرض والجدران , والهواء , والماء , واليابسة , والسائلة , أقدام انتشرت فوق رأسي وصدري وقدميّ , قبضت على نشيدي وصوتي ولهاثي وأنفاسي , عضّت على شهيقي وزفيري ونبضي وضغط دمى .

الدنيا صارت أقدام .

أقدام تدق باب البيت بجنون , كانت تهوى على الخيط المشدود ,أقدام تهرس تحتها القرميد وفى معدتي تجوس .

صرت مشدودا من عنق رأسي , معلّقا , عاريا كنت كما علمني الله .

حملقوا عجبين في عريي , فأنا كنت أفعل ما يفعله الرجال .. أنا اكتشاف .

ضبطونا في أوج اللّحن , قبل أن يكتمل اللحن , ويصل ذروته , آه , لم يصل اللحن لذروته .

ساقوني , وتركوا محرابي يبكى داخل اللحاف الملفوف , صفدوا قبضتيّ , وعقلي , وقلبي , ورئتيّ , دفعوني إلى العربة , وقبل أن يقفلو نصفىّ العلويّ بكيس الخيش سرقت نظرة إلى السماء , كان القمر يهوي مذبوحا , والخيط خلفه يجري.