الزيتونة العجوز

ربيع الزيتونة وزيتونة الربيع:
لماذا يعبر القمر أفق دروب أناشيدى ، فى زى غريب ممزق ، وجسد ملطخ بالشقاء والغبار ، يحمل على راحته قلب مغلف بالجليد ، قد نبذناه منذ حبا الدهر طفل رضيع ، حقا هل عبر القمر أفق دروب أناشيدى متنكرا فى زى عربيد ، لم يأبه بزيتى ولا بشوقى إلى القناديل .
وتظل لحظات ليلى تتوارى خلف ذكرياتى القديمة ، وحلمنا الجديد الردئ ، كشلالات فحم تسيل من أغصان صفصاف شعرك الذى لا ينتهى بل يزيد ، وجدائل الأشجار تجف هناك على شاطئ جزوريت نهرك ، حين تبك الزهور وتسكب الوان الحزن طفحا من الجذور ، حين يستبيح العرى خدك ويهدد بإجترار سهاد رمشي عينيك عند إحتضار الأصيل .

ذكريات مهـد الزيتونة:
حدقى يا سحب قريتى فى عينى ، وأنبتى طفلة أو هودج يطير يا حواديت الجزيرة والقزمة الصغيرة على لسان وشفتى والدتى فى دفئ حجرها الذى لا يبرد حين تبتل مقعدتى ، وحنينى يهفو إلى النوم القرير ، هناك فى أقصاكى ، حيث تدور رؤس السواقى ، ويعلو صوت الهدير ، ترفع المياه من الملال العميق ، تملؤ الغدير بالخرير شفاف ، كأن أرضه الشراقى قد إرتدت دانتيلا بعد أن كاد يركن إلى الجدب والبوار والجفاف ، ولا تبتسمى يا سحب قريتى حين يغرقون ليلى بالظلمة ، وبنون الجدران الصلدة لتغلق نافذتى وهى تتهيأ لتشهدنى خمائل زمنى وأودية النسيم والرحيق عندما تمدنا بالعبق ، ويقظتى وأحلامى من خلف ستارتك ، فلا تتخضبى بالخجل غير خاشية كعرى ذلك الجيد بين نصوص تتدعى أنها ملضوم أحرف وفصوص لآلئ البريق .
متى يشجينى ناى الحزين ، لأجلس بين يدى عرافة الحى البضة الطازجة لتقص لى أخبار الودع الصريح ، أحين تشج قطرات المطر بشدة بشرة الطريق وجدران ديار الحبيب والصديق ، وتحفره أخاديد وتترك وحشته جرح غائر عميق ، ينزل به الخراب والضيق .

شيبة الزيتونة:
يا جنية العفاريت يا زيتونة شقية ، خذينى على صبوة زيلك ولا تساومينى أو تكونى مرابية حين تطيرين ، كفنينى بين جفنيك ، ودثرينى برمشي عينيك ، وخبئينى حين تستحم الحياة خلف الجبل فى عيون النبع البعيد ، رحماك بقلبك ، مدى إليه أسنانك البلورية وإنزعى منه الخيانة وقلمى منه أغصان الفراق ولا تتركينى فى مياه بحورك الضحلة ، ليست مفضلتى أن تنعتينى يوما بالشهيد ، ولا هذا ما وعدتنيه بالإغداق .
مشطينى يا زيتونة الوجهين البحرى والصعيد على سفح ظهرك الرقيق ، إجعلينى أنساب بين خصلات شعرك الطويل ، وحين تسيل ناعمة على خديك ، هاكى وشاح الضحكات قد تعلق بجناحيك ، طار دون رفيق ، وملأت الزغاريد إمتداد الأفاق حتى أضاءت السماء ، وحلقت فوق أجران الهموم والقلب المسقوم قد إحترق فى حمرة غروب الشمس المطفأة وسقوطها خلف الكون المطوى كسجل أزلى محفور بنقوش بدائية ، عندما تجر كهف الأسرار إلى المقصلة ، أوتبدأ المذبحة ، أو حين أزاحها الليل بستارته وآهات مخاض مولده وهى تنفس دخان الكوانين ، والجسد الآتى الرشيق تهم أصابعه لملمة الليل البهيم ، ليتنفس من تحته الصبح الوليد ، وفاجأته مخالب نزق رجيم ، كل شبقه وتجليات أوهامه ، أن يفض كوامن الأسرار ، وينكس شامخات الأحرار ، هبت رياح مزغبة بغبار الأقدار ، أصابه الزعر فى مقتل دفين ، لكن فزعه وأد زعره وسحب المارج القديم وسكب عليها الحميم .

حين تكتب خاتمة تاريخك يا سيدتى :
أنت يا قريتى كالأسحار ، تحتضنين الأشجار والأشعار من الخوف ، من نقنقة العفاريت ، من صقيع المستنقعات ، من إرتعاشات الصرير ، ككل إخضرار يندثر حين تغير علينا بحار الصحراء والأشرار بأسراب الخريف القادم مع الجراد ، ثم تدعين إلى الإنصهار ، لك الله يا قريتى مثل جدتى مازلت كالزيتونه ، ترسمين على الشفاه إبتسامة لامعة طرية حنونه دون إنتظار .