عمتي النخلة

أدركت ان الفرصة لا تتكرر والماضي لا يعود : فعالمها عالم من الاتقاد : إنها لا تعرف غير التواصل الحميم مع الحياة ..

لديها إصرار على البقاء وهي تتربع على قلوب كثيرة ولها ذكريات لم تنطفئ .. تكتب دائما في دفتر ملاحظاتها ( يجب ان ابحث عن سري في جميع القلوب , وان اخط بملح العين خرائط للحب لا تنتهي .. )

من يقدر ان يصافح الريح .. ؟! حين تنساب في وديان الروح .. ومن يستطيع ان يجمع قطرات الماء , لما تندلق بين الأصابع ... إنها حكاية الغرابة التي لا تكذب , ويأكلك الندم حين تصدقها .. !
من يحمل في جنبيه التضاد ؟! ..

عيناها جنيات حقل تسلب الفؤاد من بين مخالب الأضلع .. قلت :
- يجب ان ارحل فحبك يجلب الشقاء ...
ضحكت بملء أشداقها , وبكت بحرقة :
لماذا تريد , زرع ألالم في قلبي ؟!
أجبت وقد انحنيت نحو رأسها المتدلي نحو كتفيها :
- لن افعل ذلك ..
-
- رفعت رأسها وتشابكت نظراتنا , وكأننا من زمن بعيد لم تلتقي أعيننا .. شدتني اليها كنت اسمع تنهدت صدرها وجذبتني بحرقة وهي تقول :
- - لكنك تنوي الرحيل ..
في دوامة المشاعر الجارفة يذوب الصمت , ويترك ندبة بحشرجة صوتها المتقطع :
- - لنجعل القران شاهدا ..
-
صحوت من رقادي , على صدى لوعتها حين تصافح مسامعي , وانثيال لهفتها لما تنحني بدون استأذان ...
ليهجع قلبي , على صوت الفجيعة :
- سيدتي .. لماذا تفكرين بهذا الوجع .. ؟ !
- لفنا دثار التوهج .. ومضت مبتعدة , كنت أتابع سيرها , وهي تمضي نحو باب الدار , لتختفي بعدها ..

فكرت بالنهوض والجلوس جوار عمتي النخلة ..
منتصبة وسط الدار بجذعها الفارع , تلمست اثر ( الكرب ) الخشن أحسستها , تعاني الوحدة
وتشكو لمن يدنوا منها , ثقل الفراق ..

- عمتي الحنون , احملي ملح دموعي , خذيه زاد للتبرك , ولا تبخلي عليه بالرطب .. يا عمتي .. لا أستطيع هزك لكني احلم بالرطب الجني .. من زمن الأولياء الصالحين , والى ألان , بقينا نتطلع لقوامك الذي لا ينحني ..

- أوقدت شمعة , عند حافة النخلة , لعلي أنال مرادي .. لكني لم استطع المكوث فالنخلة تعجز عن الرحيل , وتبقى دائما , وسط الدار منتصبة .

- مضت أربعين ليلة , وقفت مذهولا , في الحوش, فلم تعد النخلة تتوسط الدار , لقد اقتلعت , لاشي ء سوى كومة ملح وصحن يحوي ( رطباَ جنيا .. ) فبكيت عمتي النخلة..و جاءت من تخط خرائط الحب تحمل,
( القران ) ملفوفا بخرقة خضراء .. جلست قبالتي , والدموع في عينيها :
- حاولت مسح الدموع بكفي وقلت
- ما يبكيك .. إلا ترين .. النخلة قد رحلت .. ؟!
بهدؤها الحزين شهقت :
- لقد أصابها المرض .. وأكلت الأرضة أحشائها ..
- لم جئت حاملة , ( القران) ..؟
- لأجل ان اقسم لك بان لا ارحل .. كوني على يقين , فجميعنا على رحيل ..
تقدمت صوبي , أحسست بحرارة أنفاسها , تحرق شمع صبري وهي تقول :
- لم اقصد الموت ..

- دفعت بقدمي , ذرات الملح , المكومة مكان النخلة المقطوعة وشاهدت أثار الشموع , التي أوقدتها ..
لعلي أحظى بمرادي .. ويتساقط الرطب الجني ..