نحو نظرية جديدة للأدب

هذا المقال عبارة عن مقدمة كتاب " التحليل الفاعلى والأدب" الذى يعمل المؤلف على اصداره قريباً


في يوليو 1989م صدر لي كتاب "الإنسان والتحليل الفاعلى – تحليل الشخصية السودانية من خلال موسم الهجرة إلى الشمال وعرس الزين " عن دار الوعد ، الخرطوم . اشتمل الكتاب ، وكان من الحجم الصغير ، على تعريف مختصر لنظرية التحليل الفاعلى علاوة على تحليل أو نقد أدبي لروايتي الكاتب السوداني المبدع الطيب صالح – موسم الهجرة إلى الشمال وعرس الزين . لم يكن الهدف آنئذ النقد الأدبي بقدر ما كانت محاولة لتوضيح قدرات وأهمية النظرية الجديدة وما تنجم عنها من منهجية ، عكفت على تطويرها سنوات عديدة . وكانت خاتمة مقدمة ذلك الكتاب : " في الختام لا أخفى أمنيتي في أن يهتم الأدباء ، خاصة النقاد ، بالتحليل الفاعلى ويعملوا على تطويره وتشذيبه وفقا لاحتياجاتهم وطموحاتهم الفنية ". لقد اختفى الكتاب من الأسواق بسرعة لم أكن أتوقعها رغم أن التوزيع اقتصر على العاصمة الخرطوم . ووجد التحليل الفاعلى اهتماماَ في أروقة جامعة الخرطوم ، خاصة قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب حيث كان تدرس بعض أعمال الطيب صالح في إطار مقرر الأدب . ثم سافرت إلى ليبيا ، 1993م ، لتدريس الرياضيات في أحد جامعاتها ، بحكم التخصص ، وفى أوقات الفراغ واصلت تطوير التحليل الفاعلى حتى صدر لي كتاب " التحليل الفاعلى – نحو نظـرية حول الإنسان " عن مركز الدراسات السود انية ، القاهرة ، 2000م . ثم صدرت نسخة أخرى لنفس الكتاب عن د ائرة الثقافة والإعلام بالشارقة ، 2001م ، بمبادرة من صديق سبق أن أوكلته ، 1998م ، ثم أنقطع التواصل بيننا ، ولم يكن يعلم أن الكتاب قد صدر عن مركز الدراسات السود انـية. ومن جديد أخذ التحليل الفاعلى طريقه إلي المدرجات فاصبح يدرس ضمن المناهج في إطار أدب الثورة في قسم اللغة العربية ، جامعة التحدي . كما تحصلت طالبة على الإجازة الجامعية الثانية ( الماجستير ) في الآداب من جامعة قار يونس مستخدمة التحليل الفاعلى في دراسة ( أزمة الحرية الفكرية المعاصرة في الوطن العربي).
نسبة لأنني اقترحت أو أشرت إلى أن مفهوم الفاعلية ، الذي يتأسس عليه التحليل الفاعلى ، يصلح أن يشكل أرضية فكرية تحتية ، برادا يم ، للعلوم الإنسانية (1) ، بوصفه نظرية حول طبيعة الإنسان ، وبداهة لو اصبح في مقدورنا معرفة ما هو الإنسان أن يتسنى لنا المدخل لكل سيكولوجيا ، لكل سوسيلوجيا ، لكل أنثربلوجيا ، لكل تاريخانية ، ولكل نظرية في الأدب – نسبة إلي كل ذلك – كان على أن أرجع إلى كتاب " الإنسان والتحليل الفاعلى – تحليل الشخصية السود انية من خلال موسم الهجرة إلى الشمال وعرس الزين " متلمساَ طريقي إلى نظرية في الأدب مستنبطة من التحليل الفاعلى . كنت أعلم جسامة المهمة لأسباب عديدة أهمها العزلة الأكاديمية التى أعيشها ، وبعد تخصص الأدب عـن اهتماماتي الفعلية . لكن بالمقابل كان هناك د افع قوى يتمثل في الطاقة التفسيرية الهائلة للتحليل الفاعلى وقدرته في سبر أغوار المشكلات المستعصية . وشاء القدر أو الصدفة الجميلة أن أتحصل على كتابين : "المرايا المحدبة " للدكتور عبد العزيز حمود ة و " في معرفة النص " للدكتورة يمنى العيد ، كان ذلك حوالي عام 1998م ، بعد أن فرغت من كتاب " التحليل الفاعلى – نحـو نظرية حول الإنسان " . لعب هذان المصدران ، علاوة على بعض المصادر الأخرى ، دوراَ أساسياَ في ترقية و عيى بطبيعة المشكلة التى تعانى منها نظرية الأدب ، ومن ثم نظرية النقـد الأدبي المعاصرة . 
اتضح لي أن نظرية الأدب تعانى من مشكلات تتعلق بهوية النص الأدبي ومعـنى النص الأدبي . أدت هذه المشكلات إلى تشظى نظريات الأدب منذ القدم . إذ لم يكن ممكناَ الكشف عن الهوية الخلاقة للنص الأدبي " فاعليته " في بنية الثقافة الغربية الكلاسيكـية " اليونانية" ، كما لم يكن ممكناَ الكشف عنها في بنية الثقافة العربية الكلاسيكية ، لذا سادت في الثقافتين نظرية المحاكاة التى قال بها أر سطو ببعض التحويرات هنا وهناك . يتمثل فحوى النظرية في أن الأدب لا يحاكى ما هو كائن ، بل ما قد يكون وفقاً لقانون الاحتمال . وبصعود نجم الثقافة الغربية جاءت نظرية التعبير " الرومانسية " لتؤكد دور المبدع على حساب الواقع ، إلّا أنها في حقيقة الأمر واصلت عملية اختزال النص الأدبي إلى مركز إحالة خارجي ، هو ذات الفنان ـ مشاعره وانفعالاته الداخلية . اصبح الأدب يعبر عن العالم الداخلي للفنان ، بعد أن كان يعكس الواقع الخارجي في نظرية المحاكاة . هكذا ظلت مشكلة هوية النص الخلاقة " فاعليته" معلقة حتى أن جاء القرن العشرون . وفى القرن العشرين نشب الصراع حول الكيفية التى تتحقق بها " أدبية" النص الأدبي " هويته " أو "فاعليته" ، هل يتأتى ذلك من خلال فتح النص أم من خلال إغلاقه ؟ 
قال البنيويون بضرورة إغلاق النص ، ذلك أن من أهم خصائص البنية هو تنظيمها الذاتي لنفسها ، الأمر الذي يحقق لها ضرباً من الاستقلال الذاتي وضرباً من الانغلاق الذاتي . بيد أن هذا الانغلاق حصر البنيويين في دراسة المستويات النحوية والإيقاعية والأسلوبية للأثر الأدبي مهملين بذلك أو مهمشين دلالة النص . أدى إهمال التحليل البنيوي لدلالة النص إلى الإطاحة بمقوم أساسي من مقومات الهوية الخلاقة للنص الأدبي " فاعليته أو أدبيته " ، الأمر الذي حدا بالتفكيكيين إلى تعويم الدوال بغية تحقيق الدلالة ، غير أن تعويم الدوال أدى بدوره إلى تحقيق دلالة لانهائية ، "أصبحت كل قراءة إساءة قراءة" ، من ثم تمت الإطاحة باستقلالية النص وسلطته و جعله خاضعاً لأهواء القارئ ، وفى هذا أيضا إطاحة بركن آ خر من مقومات هوية النص . إن محاولة فتح النص كان ذلك من خلال نظرية الانعكاس أو البنيوية التوليدية يؤدى في الحالتين إلى اختزال النص إلى مركز إحالة خارجي ومن ثم يؤدى إلى استباحة النص وضياع هويته .
عمقت هذه المشكلات والتطورات في النظرية الأدبية المعاصرة التشظى في بنية الثقافة العربية ، ذلك أن العالم العربي يعيش توتراً حاداً منذ قرنين بين أنصار المعاصرة وانصار التراث أو الأصالة . يدعو أنصار المعاصرة إلى ضرورة تمثل الآخر القوى "الغرب" استمداداً لعناصر المنعة ، بغية تجاوز الهزيمة الحضارية والتخلف ، ويرى أنصار الأصالة ضرورة انطلاق النهضة من التراث حفاظاً للذات من استباحة الآخر وتجاوزاً للهزيمة الحضارية . انعكس هذا الصراع على نظرية الأدب ، تبنى الحداثيون النظريات الأدبية المعاصرة بغضها وغضيضها محاولين تدجينها دون استحداث حلول لما يعتورها من أوجه قصور . أما أنصار الأصالة فقد هرعوا إلى التراث بغية استلهامه في تطوير نظرية أدبية ونقدية معاصرة ، ولكن مع الأسف بلا جدوى . 
يرجع السبب ، في حقيقة الأمر ، ليس لقصور عند الحداثيين أو التراثيين ، كما لا يرجع إلى قصور عند الباحثين الغربيين وإنما إلى أن المشكلات التى تعانى منها نظرية الأدب المعاصرة ليس من السهل التصدي لها في فضاء الثقافة العربية ـ كلاسيكي أو معاصر ـ كما ليس من السهل التصدي لها في فضاء الثقافة الغربية المعاصرة ، و السبب هـو احتواء كل من الفضائين على بداهية لا مفكر فيها تجعل من العسير حل هذه المشكلات . بمعنى أن النص الأدبي كبنية خلاقة قادرة على توليد تشكيلات دلالية وشحن انفعالية ـ أي فاعلية ـ من الأرجح ألاّ تتكشف هويته في فضاء ثقافي ينطوي على وعى القصور . وعى القصور هو الوعي الذي يقذف بمصدر الفعالية السببية ـ حينما يستكنه الظاهرة ـ خارج نسقها ، و على وجه التحديد خارج الذات وأحيانا خارج الكون ، ويستدمج فرضية أحادية بنية العقل . عليه فإن حل هـذه المشكلات يحتاج إلى فضاء معرفي جديد ، هو فضاء الفاعلية ، يحتاج إلي نموذج إرشادي جديد " برادا يم" . خاصة إذا وضعنا في الاعتبار ارتباط هذه المشكلات وتعلقها بطبيعة ونوعية التحولات المعرفية التى طرأت على فضاء الثقافة الغربية ، بحكم أن معظم نظريات الأدب تنتمي إلى هـذا الفضاء . " إن تحرك الفكر الفلسفي المستمر بـين محوري اليقين والشك ، بين المحاولة المستميتة من جانب الواقعيين لإيجاد مركز بنائي ثابت ترتكز عليه دعائم الوجود وهو ما يسميه الفلاسفة بالجوهر والوجود والكينونة والوعى والحقيقة والله والإنسان وبين الشك في وجود هذا المركز الثابت في المقام الأول هذا التذبذب المستمر هو الذي يخلق الثنائية المتعارضة للمحسوس وغير المحسوس ، للحقيقة والوهـم ، للخارج والداخل ، للموضوع والذات ، وهى ثنائية قلنا من قبل إنها المدخل الأساسي والتفسير الوحيد للتفاوت بين المدارس النقدية واللغوية حول وظيفة الأدب وطبيعة المعنى ووظيفة اللغة " (2).
لذا فقد كان واضحاَ بالنسبة لي – من خلال التحليل الفاعلى – أن مأزق نظرية الأدب يرتبط أوثق رباط بمأزق بنية الثقافة الغربية . حيث ظلت هذه البنية منذ عهد د يكارت وحتى يومنا هذا تدور في حلقة مغلقة قرن بعد قرن ، تعيد إنتاج نفس الأسئلة ، محصورة في ثلاث رؤى أو خيارات :
1 – فلسفات مادية
2 – فلسفات مثالية
3 – فلسفات شك وارتياب 
لم يكن ممكناَ الخروج من هذا المأزق أو الحلقة المغلقة في فضاء الثقافة الغربية . آلت جميع محاولات تجاوز ثنائية المادي - المثالي إلى الفشل ومن ثم تم الاستقطاب ضمن أحد طرفي الثنائية . نجم هـذا المأزق من سيادة بداهية لامفكر فيها في فضاء الثقافة الغربية مؤد اها أن العقل البشرى يتكون من بنية واحدة . جعلت هذه البديهية من العسير تجاوز مأزق بنية الثقافة الغربية ، جعلت من العسير البرهنة على أن ا لمادي و المثالي يرتبطان بعضهما البعض ويستقلان عن بعضهما البعض وفقاً لشروط ابتناء الفاعلية ـ أي يتتامان (3) ، و جعلت من العسير بلورة نظرية عامة ، متماسكة ومنتجة حول الإنسان تشكل منطلقاَ أو قاعدة ترتكز عليها نظرية الأدب . ذلك أن هوية الأدب كنشاط خلاق يجب أن ترتبط بمفهومنا حول هوية الإنسان . 
تنبع أهمية التحليل الفاعلى من كونه يمهد السبيل لتجاوز مأزق بنية الثقافة الغربية ، انطلاقاَ من الفروض أو ا لمسلمات الآتية :
أ - تتحدد طبيعة الإنسان ووجوده بالفاعلية .
ب – العقل البشرى مركب ، يتكون من ثلاث بنيات . 
ج – ا لمعرفة البشرية ناتج علاقة تركيب العقل بالوجود . 
تسمح هذه المسلمات بالبرهنة على أن المادي والمثالي يتتامان ، وهى تتامية تشكل الأرضية التحتية لنظرية الإنسان ومن ثم لنظرية الأدب ، كما تؤسس لوعى التنوع والاختلاف .
سبق أن عرفنا الفاعلية بأنها القدرة على إنتاج وإثراء الحياة الإنسانية جمعاء ، بل الحياة جميعها. يتحقق الإنتاج والإثراء الشامل للحياة ( الفاعلية ) بيولوجياً من خلال تطور الشعبة ( تاريخ النوع ) . وتجسدت هذه الخاصية ( أو المبدأ ) ، نتيجة لتطور التاريخ الطبيعي ، من خلال النوع البشرى على مستوى تاريخ الفرد . بناء عليه تخضع الطبيعة الإنسانية لمبدأ زيادة الفاعلية كما تخضع لمبدأ زيادة الكفاءة التناسلية – Reproductive fitness. يسمح مفهوم الفاعلية – في هذا الإطار - بانبثاق بنيات العقل التى تنتج وتثرى الحياة الإنسانية وفقاَ لخصائصها التكوينية وبرامج عطائها . يقصد ببنية العقل النسق أو النواة التوليدية للوعى التى تحدد فكرة الإ نسان عن نفسه ومنحى استجابته وتفاعله مع العالم . والبنيات هي :
- بنية عقل تناسلي : يعي الإنسان ،من خلالها ، ذ اته ككائن ( جنسي) وظيفته ودوره في الحياة التناسل . 
- بنية عقل برجوازي : يعي الإنسان ، من خلالها ، ذاته ككائن ( اقتصادي ) وظيفته ودوره في الحياة إنتاج واستحواذ الخيرات المادية.
- بنية عقل خلاق : يعي الإنسان ، من خلالها ، ذ اته ككائن خلاق نشط وظيفته ودوره في الحياة الحب والإبداع والعطاء الشامل .
كل فرد من أفراد المجتمع يحتاز البنيات الثلاث ، لكن أن تسود وتسيطر أحد البنيات ـ بمعنى أن تستدمجها غالبية أفراد المجتمع ـ فذلك يعتمد على البنية الأكثر والأسرع جاهزية تصدياَ للتحديات الاجتماعية والحضارية الكائنة . كل بنية من هذه البنيات تتحلى بخصائص تتعلق بالنمو والتشكل ، وتتحلى بآليات برمجة لأفراد المجتمع وفقاً لخصائصها التكوينية ( النفسية والفكرية والأخلاقية .. ) . كما تتحلى بآليات ضبط وسيطرة تحقيقاً لمهامها وأغراضها . تتنازع البنيات السيطرة إذا فشلت البنية السائدة في التصدي للتحديات ، وتتآزر البنيات إذا نجحت البنية السائدة أو الرائدة في التصدي للتحديات القائمة . يتمخض عن هذا النسيج لديناميكا واستاتيكا بنيات العقل ما يمكن تعريفه بعلاقات الفاعلية .
بناءً عليه يمكن تعريف التحليل الفاعلى بأنه منهج يعنى بعلاقات الفاعلية : يعنى بالبحث في ديناميات نمو وتفاعل بنيات العقل من خلال الاستجابة لتحديات الوجود الاجتماعي والحضاري . ويمكن أيضا تعريفه بأنه تحليل انطلوجىـ ابستمولوجى تتامى وفقاً لشروط ابتناء الفاعلية ، بمعنى أنه يعنى بالكشف عن علاقات الفاعلية من خلال حراك بنيات العقل ، كما يعنى بكشف آليات الخطاب وتراكبه من خلال انبناء الفاعلية . هناك آليات لتقويض الفاعلية تنبثق من بنية الخطاب ، كما هنالك آليات لانبناء الفاعلية ، اعتماداً على علاقة كل من خطاب الحقيقة وخطاب السلطة بتدني وارتقاء الفاعلية . 
يشكل حراك بنيات العقل ما يعرف بفضاء الفاعلية : فضاء نفسي - اجتماعي - تأريخي تنشأ فيه ظاهرات الفاعلية : الإبداع ، تطور المعرفة ، الاغتراب ، حركة التاريخ ... الخ . وهو فضاء واقعي . من ناحية أخرى يؤدى تماهى بنية العقل مع بنية اللغة إلى إمكانية تشكل فضاء فاعلية رمزي أو تخيلي ، بحكم رمزية اللغة . يترتب على ذلك انتماء الأدب إلى فضاء الفاعلية التخيلي ، الأمر الذي يجعل من النص الأدبي بنية فاعلية لغوية ، أي بنية فاعلية تخيلية أو رمزية . تجدر الإشارة إلى أن فضاء الفاعلية التخيلي – الأدب – أشمل من فضاء الفاعلية الواقعي ويحتوى الأول الثاني كفضاء جزئي أو كمجموعة جزئية . وهى نتيجة على العكس تماماً لما ذهبت إليه البنيوية التوليدية .
هذه النظرة إلى طبيعة الأدب ، كونه بنية فاعلية لغوية تنتمي إلى فضاء تخيلي ، تسمح بتجاوز واختراق المشكلات المتعلقة بهوية النص الأدبي ومعناه . تسمح بتجاوز الاستقطاب بين وجهة النظر التى تختزل النص الأدبي إلى معنى الحضور في العالم ( التحليل النفسي للأدب ، التحليل الاجتماعي للأدب ، التحليل الأيدلوجي للأدب …... الخ ) فتجعل من الواقع ا لمعاش مرجعاً لتفسير النص ، ووجهة النظر التى تفرغ النص من معنى الحضور في العالم ( بنيوية ، سيميائية ، تفكيك …. . . الخ ) فتكون دراسة النص في نظرها مجرد بحث في طبيعة اللغة . ذلك إننا سوف نجد أن النظام اللغوي الداخلي للنص الأدبي هو في نفس الوقت نظام لعلاقات الفاعلية . وهى علاقات فاعلية ليست بالضرورة انعكاساً للواقع . بناءَ عليه تتحقق أدبية النص الأدبي بوصفها ناتج علاقة الاستخدام الفني للغة وعلاقات الفاعلية. يقصد بعلاقات الفاعلية : -
· تنازر بنيات العقل أو الوعى ، أى تآزرها أو تنازعها .
· نمو الفاعلية : الاستقلال الذاتي ، الانفلات من بنية العقل السائدة ، الدفاع عن المشروع . . . الخ .
· التنوع والاختلاف : التنوع والاختلاف نتاج للفاعلية ، وهما مصدرها . لذا فإننا حينما نقارب النص الأدبي ، الرواية على سبيل المثال ، لن نسعى إلى إرجاع النص إلى مركز إحالة خارجي : نفسي ، اجتماعي ، آيديلوجى . . . . الخ ، بل ينصب البحث في علاقات الفاعلية د اخل النص . وهذا يغنى عن البحث عن مركز إحالة خارجي لأن علاقات الفاعلية بطبيعة الحال ذ ات أبعاد نفسية ، اجتماعية، أيديولوجية ... الخ ، بيد أنها أبعاد تحكمها تبلوجيا فضاء تخيلي للفاعلية . هذا يعنى أن الأدب مستقل عن عالم الحياة الواقعية من ناحية ويرتبط بهذا العالم ، من ناحية أخرى ، من خلال الفاعلية - كون أن الفضائين فضاء ان للفاعلية . يترتب على ذلك أن النص الأدبي لا يصدر معنى محد د ـ وليس هو مطالب بذلك ـ بقدر ما يصدر فاعلية ، وهى فاعلية تتحقق أكثر ما تتحقق من خلال تعدد وتنوع التشكيلات الدلالية ، من خلال تعدد وتنوع الشحن العاطفية ومن خلال تعدد وتنوع القراء ات . يقصد بعلاقات الفاعلية – في حالة الرواية – البحث في :
· فاعلية بنية الحدث : تعدد وتنوع تنازر بنيات الوعى .
· فاعلية بنية الشخصية : آلية نمو الفاعلية .
· فاعلية بنية السرد : تعدد وتنوع أنماط التبئير والأصوات ، وفى العموم تفعيل البيئة الداخلية للنص بما تحتوى من علاقات زمان ومكان وسببية . . . الخ . 
عليه يمكن القول باختصار إن الدراسة اشتملت على أربعة أبواب :
الأول : حول مشكلات النقد الأدبي ويشتمل على عرض نقدي لأزمة هوية النص الأدبي ومشكلة المعنى ومأزق الرؤية المنعكس من خلال التحولات المعرفية في فضاء الثقافة الغربية . 
الثاني : التحليل الفاعلى – هنا يتم عرض لنظرية التحليل الفاعلى كما وردت في كتاب " التحليل الفاعلى – نحو نظرية حول الإنسان " ، مع بعض الإضافات .
الثا لث : الأدب في ضوء التحليل الفاعلى – هنا تجرى محاولة لاستنباط نظرية في الأدب و النقد الأدبي انطلاقاَ من التحليل الفاعلى . 
الرابع : نماذج تطبيقية - في مقاربة الرواية - تم تطبيق المنهج على روايتي موسم الهجرة إلى الشمال وعرس الزين ، وقد اعتمدت التحليل الذي سبق أن قدمته ، 1989م مع بعض الإضافات البسيطة . لذا لم أعالج فاعلية بنية السرد ، كما لم أتطرق إلى الاستخدام ألفني للغة كان ذلك من الناحية الألسنية ( البني اللغوية السائدة في النص ، التقنيات اللغوية …الخ ) أو من الناحية الأسلوبية . وسأكمل هذا النقص إذا سنحت لي الفرصة . بيد أنى أود أن اختم هذه المقدمة بنفس خاتمة المقدمة السابقة 1989م : " في الختام لا أخفى أمنيتي في أن يهتم الأدباء – خاصة النقاد –بالتحليل الفاعلى ويعملوا على تطويره و تشذيبه وفقاَ لاحتياجاتهم وطموحاتهم الفنية " لأنهم بكل تأكيد بحكم انخراطهم وتخصصهم سيكونون في وضع أفضل منى تطويراَ وتطبيقاَ للتحليل الفاعلى في مجال الأدب .

شكر وعرفان :
أشكر الأستاذ عبد الرؤوف بابكر السيد – الأستاذ المساعد بقسم اللغة العربية ، جامعة التحدي – على مساهماته في إثراء التحليل الفاعلى ، أخص بالذكر مؤلفه " النص الأدبي – الاستلاب والفاعلية " ، تحت الطبع ، حيث استخدم المنهجية الجديدة في مقاربة القصيدة . الشكر موصول للأستاذة ندى عبد السميع على إثرائها التحليل الفاعلى ، وذلك من خلال استخدامها التحليل الفاعلى في دراسة " أزمة الحرية الفكرية المعاصرة في الوطن العربي " وهى الأطروحة التي نالت بها الماجستير في الآداب من جامعة قار يونس . كما أشكر الدكتور مقداد عبود – الأستاذ المساعد بقسم الفلسفة والاجتماع – على ملاحظاته القيمة .