أحاديث الإنترنت في قصص ندى الدانا

www.arabworldbooks.com)، ألاعيب الشباب في مجال العاطفة على شبكة الإنترنت، وكيف يتخذون منها مجالا للتسلية والترفيه والسخرية من بعضهم البعض. 
لقد اقتحمت الكاتبة عالم الشباب الجديد، وعرفت كيف يفكر معظمهم، وما هي اهتماماتهم سواء البنات أو الأولاد، فلم يعد هناك فروق حاسمة في هذا الموضوع، فالكل قابل للخديعة، والكذب، ما دمنا لا نرى بعضنَا وجها لوجه. وبما إننا وراء الشبكة قادرين على إخفاء أنفسنا، وأسمائنا، ولون عيوننا، ومظهرنا الخارجي، وربما الداخلي، فكل شيء مباح. الحب مباح، الكره مباح، الجنس مباح، النصب مباح .. كل شيء .. كل شيء. وأخشى أن يظهر من يدَّعى على الشبكة أنه الله، أو أحد رسله، ما المانع، والأمور هكذا؟. 
لقد جلبت إلينا شبكة الإنترنت، عوالم مثيرة وجديدة وجادة، وأيضا تافهة وسطحية، تماما مثلما هي الحياة، ما كان المرء يستطيع أن يفكر فيها من قبل. وهذه الأمور كانت في حاجة إلى من يعيد صياغتها في صورة فنية مثل: القصة، أو الرواية، أو المسرحية، أو القصيدة، أو أي شكل فني آخر. ولقد قرأنا من قبل كتاب "رحلات سندباد الإنترنت" لعبد الحميد بسيوني، وقصة "والليل إذا جاء" لوفية خيري، وها هي الكاتبة العربية ندى الدانا، من خلال قصص قصيرة جدا تضع يديها أيضا على ذلك العالم المثير التافه، الذي يتلاعب فيه الفتي بشعور الفتاة، أو الفتاة بشعور الفتى، فالكل يتسلى، ولا مجال للأحاسيس والمشاعر الحقيقية، أو المشاعر الراقية، في عالم السيبر سبيس، أو عالم الفضاء التخيلي. 
***
في الأقصوصة الأولى "ثلاثة آلاف" تكتب إحدى الفتيات في أحد مواقع الحوار على الشبكة رقم ثلاثة آلاف، قرب اسمها، ويتساءل الكثيرون من التافهين عن سر هذا الرقم، وتتلاعب الفتاة بهؤلاء التافهين، وفي كل مرة تقدم تفسيرا لهذا الرقم، فمرة ثلاثة آلاف معجب، وأخرى ثلاثة آلاف ليرة، ومرة يعني هذا الرقم ما حطمته من قلوب الرجال، ومرة تجاوب بأنها تقصد من وراء الرقم، إرسال ثلاثة آلاف تحية. وهكذا إلى أن قالت مرة الحقيقة، فهي تعني الألفية الثالثة. 
بهذه الأقصوصة نكتشف تفاهة الأفكار التي يبحث عنها معظم المتجولين عبر الشبكة، وخاصة عندما يجدون فتاة تتجاوب معهم.
في الأقصوصة الثانية نكتشف لعبة الحب الخاسئة، فمن خلال المراسلة أو الدردشة عبر الشبكة، قالت له: يا حبيبي، فظن أنها تحبه، واكتشف أنها تقول ذلك لكل من يراسلها ويدردش معها في الغرف الإلكترونية، ولما اكتشف الخديعة، خاف أن تكرهه وترفض الزواج منه، فتقدم لها كي يتزوجها بالفعل، فرفضته قائلة: لا أريد الزواج الآن، يجب أن أُنهي دراستي في الجامعة، أنا ألعب لعبة الحب عبر الإنترنت. هكذا تكون ممارسة الحب والتسلية عبر الشبكة، ويكون الاعتراف بذلك، دون أي خجل أو حتى مواربة. 
في الأقصوصة الثالثة يتواعد الشاب مع الفتاة على اللقاء، بعد أن تراسلا وتحدثا على الشبكة، ويفاجئ الشاب أن فتاته رانيا، ليست فتاة، ولكنها شاب مثله، خُدع من قبل الخدعة نفسها، فقرر أن ينتقم لنفسه، ولكنه يعتذر في النهاية بقوله الصريح، عند المواجهة: أنا سامي أحب المزاح والتسلية، أعتذر إذا كنت جرحت عواطفك، لكن القدر انتقم مني، فقد خدعني شاب آخر ادعى إنه فتاة، وتسلى بي، أحسست بفظاعة ما فعلته معك، لذا وافقت أن أراك وأنهي قصة الخداع. 
أما الأقصوصة الرابعة والأخيرة من أقاصيص ندى الدانا، فبعد أن يراسل الشاب فتاته، ويعجب بذكائها ونضجها، ويمنِّي نفسه بالزواج منها، فهي في العشرين من عمرها، وشقراء، وعيناها خضراوان، ورائعة الجمال، وتدرس في كلية الآداب، ولديها هاتف نقال، واسمها رهف، وغير هذا من الأكاذيب الإلكترونية. وعندما يطلب لقاءها تحضر له، فيكتشف أنها في العاشرة من عمرها، وأنها تمزح معه، ثم تقول قولتها الحكيمة: ما أغباكم أيها الشباب! وما أتفه عقولكم! وهذه المقولة الأخيرة أعتقد أنها رأي الكاتبة نفسها، وليس مقولة رهف ذي العاشرة من العمر.
***
هذه الأقصوصات من الأدب الذي يتخذ من عالم الإنترنت مجالا له. ولكن يلاحظ ـ بعامة ـ أن أدباءنا لم يستفيدوا بعد من تقنيات النشر على الشبكة، أو من ثورة النشر الإلكتروني، فما زالت معظم الأعمال خطية كما هي الحال في المجلات والصحف الورقية، ولم نر ـ على الأقل ـ في الأدب العربي، من كتب قصة أو رواية عربية، تتخذ من تقنية لقطات الفيديو ـ مثلا ـ مرجعية لأحد أشخاص الرواية، أو من يتخذ من تقنية ربط النصوص، أو الهايبر تكست (أو النص المرجعي الفائق) وما شابه ذلك، في أسلوب كتابة العمل الأدبي. وعموما هي تقنيات في حاجة إلى دراستها دراسة جيدة، كما يدرس الروائي شخصيات روايته، حتى يعرف كيف يوظفها توظيفا صحيحا داخل النص. وأعتقد جازما أن هذا ما سيحدث في المستقبل القريب. فليفكر معي أدباؤنا في مثل هذه التقنيات الإلكترونية، وكيفية توظيفها في عالم الأدب، بالإضافة إلى تقنيات الكتابة نفسها.