قراءة، في كتاب: (برهان العسل) الكاتبة سلوى ألنعيمي

سلوى ألنعيمي كاتبة وصحفية سورية، تقيم في باريس، وكانت تعمل أمينة عامة في إحدى مكتباتها، كتابها الوحيد والذي جاء كقصة، هو كتاب (برهان العسل)، مع أن لها عدة كتب أخرى، بالأشعار، أما كتابها المذكور، والذي جاء على هيئة قصة، تسرد فيه سيرتها الذاتية، فهو كتابها الوحيد، والذي أثار ضجة إعلامية كبيرة، في الأوساط العربية، لجرأة ما جاء به من التعابير والأوصاف الجنسية المثيرة والمباشرة، تصريحا لا تلميحا، وجرأتها وصراحتها في التعبير عن رغباتها الجنسية ومكنونات نفسها، مما اضطر الرقابة العربية من منع نشر كتابها وبيعه في أسواقها، مما زاد من طلب الجمهور العربي له، على قاعدة كل شيء ممنوع مرغوب، وزاد أيضا من شهرة الكاتبة سلوى ألنعيمي إعلاميا على الصعيد العربي.
في عصرنا الراهن، وفي ظل العولمة، وفي ظل التكنولوجيا الحديثة، والتقدم الهائل لوسائل الاتصالات، والتدفق الكمي والنوعي للمعلومات، بالصوت والصورة، دون رقيب أو حسيب، عبر الشبكة العنكبوتية ومحطات الفضائيات وعبر وسائل الإعلام الأخرى، باعتقادي العميق والكبير، لم تعد للكلمة أهمية كبيرة في الإثارة، مقارنة بالصوت والصورة، لأن الصوت والصورة، سبقتا الكلمة بسرعة، وبأكثر كثافة وتأثيرا، ولا اعتقد بان الكلمة، ومدى دقتها ووصفها العميق للحركة والصورة، وللمواضع الخفية، قادرة أن تتكلم أكثر مما تتكلمه الصورة عن نفسها، وكذلك فيما يتعلق بالصوت أيضا، وبالتالي، تبقى الكلمة، اقل تأثيرا، مهما كان وصفها دقيقا وعميقا، فالكلمة، اقل تأثيرا من الصوت والصورة، فإذا كان هذا هو الواقع المرئي والمسموع، فلماذا إذن الاستهجان من الكلمة، مهما كانت شدة إباحيتها.
باعتقادي منذ سنين الأربعينات وحتى سنيي السبعينيات أيضا، كان من المستبعد أن ترى امرأة بملابس مثيرة او ترى جزءا من جسمها عاريا في مواقع عامة، حيث كان منظر كهذا، يثير دهشة وضجة كبرى، وقل أن تشاهد امرأة في شارع او موقف عام، وتظهر الكثير من مفاتنها للعامة، في تلك الفترة الزمنية بالذات، كان هناك أهمية تذكر للكلمة، حتى تكمل ما خفي من مواقع المرأة المكشوفة، فكانت الكلمات الجنسية وما تخللها من وصف للأعضاء او المواقع الجنسية المثيرة من جسم المرأة وللعملية الجنسية بشكل عام، أهمية كبيرة في تأجيج المشاعر الجنسية لدى الجنسين.
في عصرنا الحالي لم تعد للكلمة، مهما كانت تعبر عن حالات جنسية حميمة و مثيرة، تأثيرها الكبير في المجتمع الإنساني، أكثر من تأثير الصوت والصورة، لذا استغرب حقيقة، واستهجن، الرقابة العربية واستغراب البعض واستهجانهم لبعض الكاتبات العربيات، وما يكتبونه في بعض رواياتهم وقصصهم من صور جنسية مثيرة، وكأنها الكارثة والطامة الكبرى، وتناسوا ما يعرض بالصوت والصورة، عبر الشبكة العنكبوتية وعبر الفضائيات، لكل العمليات الجنسية، بشتى صورها وأشكالها و وأضاعها، بحيث لم يعد خافيا على أحد، صغر أو كبر، معرفة ما يحدث بين العشاق وبين الأزواج خلف الأبواب المغلقة، فلما كل هذه الضجة، على الكاتبات العربيات وكتاباتهم الموحية بالجنس، والعمليات الجنسية، أمثال سلوى ألنعيمي وفضيلة الفاروق وأحلام مستغانمي وعالية شعيب وليلى العثمان والهام منصور وعلوية صبح وعفاف البطاينة وليلى الأطرش و حزامة حبايب، فهل حقا هم تفوقوا في وصفهم للعمليات الجنسية في رواياتهم وقصصهم، وما يطرحونه من المواقف المثيرة للمشاعر، أكثر مما يعرض بالصوت والصورة عبر الشبكة العنكبوتية وعبر الفضائيات عربيا وعالميا ؟؟ لا اعتقد ذلك، لذلك، يصبح الاستهجان والرفض والامتعاض، لما نقرأ عبر كتب وروايات بعض الكاتبات والكتاب هو المستهجن والمرفوض .
ما استجد على القاريء والمواطن العربي في هذا المجال، هو جرأة الكاتبات العربيات عن الكتاب العرب، على وصف العمليات الجنسية وذكر الأعضاء الجنسية أيضا، بمسمياتها مباشرة دون تلميح ولف ودوران، كما كان يحدث في السابق، بشكل غير مباشر، بل ذكرها تصريحا وبشكل مباشر وليس تلميحا، ووصفها بدقة متناهية أيضا، والأكثر من ذلك، التعبير عما يدور في خلجات نفس الكاتبة من المشاعر الفياضة والحميمة، والشهوات الجنسية، والإعجاب والامتنان لما حدث ويحدث، سواء لها أو لبنات جنسها من قبل الرجل، وتفاعلها معه بشكل عميق، سواء كان الزوج أو العشيق، بطريقة شرعية أو غير شرعية، عبر العلاقات المفتوحة، وعن مدى رغبتهن في ذلك، ومتعتهن غير المحدودة أيضا، وشعورهن باللذة غير المتناهية من جراء هذه الممارسات، والإشادة بها والرغبة في تكرارها.
هناك جيل جديد وجريء جدا، من الكاتبات والأديبات العربيات، ظهرن على الساحة العربية، من الخليج الى المحيط واشتهرن بجرأتهن الكبيرة، في التعبير عما يجول في خواطرهن من المشاعر الجياشة والحميمة دون خوف أو وجل، أمثال ليلى العثمان وعفاف شعيب وحزامة حبايب وسلوى ألنعيمي وفضيلة الفاروق وأحلام مستغانمي والهام منصور وعلوية صبح وعالية ممدوح وعفاف البطاينة وليلى الأطرش ورجاء الصانع، وغيرهن كثيرات، وقد سبق هؤلاء الكاتبات والأديبات الجريئات، عدد من الكاتبات والأديبات الجريئات في سنين الستينات وبعدها أمثال د. نوال السعداوي وفاطمة المرنيسي وغادة السمان وليلى بعلبكي وكوليت خوري وغيرهن كثيرات أيضا، ليس المجال لتعدادهن هنا. وقد لاقى الجيل الأول، جيل د.نوال السعداوي وفاطمة المرنيسي الكثير من النقد والتجريح والتشهير، ووصفن بأقبح الأوصاف وأقذرها، لجرأتهن وصراحتهن في التعبير والكتابة، عما يجول في خواطرهن من الأمور الجنسية والحميمة، وفضحهن لمواقف بعض الرجال من المرأة وممارستهم الخاطئة نحوها، وقد صمدن تلك الكاتبات والأديبات صمودا رائعا وعظيما، ولم يتراجعن عن مواقفهن وكتاباتهن، على الرغم مما لاقينهن من الحصار والمنع والتجريح والتشهير، أما جيل الكاتبات الحالي، فمعظمهن ظهرن في ظل العولمة، وانتشار الشبكة الالكترونية العنكبوتية، واشتهرت كتاباتهن بسرعة، وانتشرت أسماؤهن بسرعة أيضا، كانتشار النار في الهشيم، ولم تلق كتاباتهن رفضا وتشهيرا وتجريحا، كما لاقته الكاتبات السابقات، ولم يتعرضن كثيرا للتشهير والتعنيف والتهديد، كما لاقته الكاتبات الأوائل.
أما الكاتبتان الأكثر جرأة وتصريحا في الكتابة والتعبير عن الشهوات والمغامرات والصور الجنسية في وقتنا الحاضر، فكانتا الكاتبة الجزائرية (فضيلة الفاروق) في كتابها (اكتشاف الشهوة)، والكاتبة السورية (سلوى ألنعيمي)، في كتابها (برهان العسل). والكتاب الأخير، كما قالت الكاتبة نفسها، كان عبارة عن دراسة عن الجنس في العالم العربي وفي التراث، و كان معدا لعرضه في مؤتمر يتعلق في هذا المجال، كان سيعقد في واشنطن، عاصمة الولايات المتحدة الأمريكية.
لنقرأ بعض المقاطع للكاتبة السورية سلوى ألنعيمي من كتابها (برهان العسل):
كنت أذهب إليه في الصباح قبل العمل، اصعد الدرج ركضا، أدق الجرس رنة خفيفة، فيفتح الباب فورا، وكأنه كان ينتظرني وراءه، نصف نائم، ارمي ملابسي وأدخل السرير ملتهبة، التصق به، وأبدأ في تشممه، يرفع الغطاء، وتمر يده على تفاصيل جسمي ببطء شديد، يتذوق عسلي بجدية راضية، وأتفقد بشفتي، كل موضع من جسده، عيناي مفتوحتان وجسدي أيضا، بين تسرعي المتلهف، وتمهله المتلذذ، نجد إيقاعنا، يمر الوقت ولا نفترق، لا نتوقف، تحته، فوقه، الى جانبه، منبطحة على بطني، راكعة على ركبتي، بين كل وضعية وأخرى، كان يردد جملة يقولها دائما: عندي فكرة، كانت أفكاره لا تنتهي، وأنا أحب أفكاره وفلسفتة.
وفي موقع آخر من القصة تقول سلوى ألنعيمي:
كان يقول لي النساء نوعان:المرأة الخسة، والمرأة الجمرة، وأنا أسأله بخبث، وهو لا يرد، بل يجذبني الى صدره وأرتمي عليه، ويقبل عيني وشفتي، وأنا أمص ريقه، ويحسس على بطني، وأفتح ساقي، ويدخلني عميقا ليحترق معي، أود أن أساله؟؟ والرجال كم نوعا؟؟ وتنسيني متعتي ولذتي كل الأسئلة.
وتقول سلوى ألنعيمي في موقع آخر من القصة أيضا:
ما كنت أمشي معه في الشارع العام، وما كان يمشي الى جانبي، من دون أن يضع يده على مؤخرتي، يتحسسها من فوق الثياب، أو على اللحم مباشرة، أصرخ مبتعدة عنه: مجنون، نحن في الشارع العام، قد يرانا الناس!! كنت جبانة، وحريتي الجنسية العملية، لا تعبر عن نفسها إلا بعيدا عن عيون الآخرين.
كان يقول: تلفتين نظر الناس، عندما تبتعدين عني، إنهم لا يرون شيئا. لا أحد ينظر إلينا، لو تابعت السير بهدوء، يرد علي وعلى استهجاني، وهو يعيد يده إلي، الى مؤخرتي، وأنا أشهق رغما عني، والتصق به، وأنسى العيون الغريبة، صار يبحث عن باب أول عمارة نمر قربها، كي يجذبني الى داخلها، ويقبل شفتي، ويمص لساني ويتحسس صدري.
بداية كنت مضطربة، وبمرور الوقت، تعودت، وصرت أمشي الى جانبه، وعيناي تبحثان معه عن أي مكان يمكنني فيه، أن اقبله وأمص لسانه، وأتحسس جسده.
وتتابع سلوى ألنعيمي وتقول بعض النكات عن المرأة في كتابها:
في الثامنة من عمرها، أي في سن الطفولة، تقودها الى السرير، كي تحكي لها حكاية.
في الثامنة عشرة من عمرها، أي في سن البلوغ، تحكي لها حكاية، لتقودها الى السرير.
في الثامنة والعشرين من عمرها، لا تحتاج لأن تحكي لها حكاية، كي تقودها الى السرير.
في الثامنة والثلاثين من عمرها، أي في أوج شبقها، هي التي تحكي لك حكاية، لتقودك الى السرير.
في الثامنة والأربعين من عمرها، تحكي لك حكاية، كي تتجنب الذهاب الى السرير.
في الثامنة والخمسين من عمرها، تبقى أنت في السرير، لتتجنب أن تحكي لك حكاية.
في الثامنة والستين من عمرها، إذا قدتها الى السرير، فهذه هي الحكاية.
في الثامنة والسبعين من عمرها، أي سرير وأي مكان بحق الشيطان، وأي نوع من الرجال أنت!!!!!!!!
وفي موقع آخر تصف لقاءها مع (المفكر) والذي هو بمثابة عشيقها، مع أنها أوجدته في خيالها فقط، فتقول: (المفكر هو عشيقي، لم يخطر لي هذا أبدا، هل يمكن أن أكون عشيقة؟؟ لرجل لا أريد منه إلا أن يحضنني في مكان مغلق!!!! ثم أذهب بعد في التأويل، لأن المفكر قال لي كعادته: عندي فكرة، فيقترب من السرير، وانبطح أنا على بطني، رافعة ظهري، معتمدة على ذراعي، هو خلفي ولا أراه، تمر كفاه بإصرار، ترسمان حدودي من الكتفين الى الفخذين، لتستقرا على مؤخرتي، يشدني إليه، التصق به أكثر، كي امتلأ به أكثر، ادفن وجهي في الوسادة، لأخنق همهمات لذتي، المتوحدة مع حركاتنا وكلماتنا. كنت أعرف أن الجماع، ألذه أفحشه، ومع ذلك، كنت أحاول أن أكتم حتى أنيني، يشدني إليه، وتلك الوضعية هي أكثر ما أحب، وأكثر ما يحب هو أيضا.
هذا بعض مما تمكنت من اقتطافه من كتاب سلوى ألنعيمي:(برهان العسل)، وان كانت الكاتبة تتحدث بكتابها عن كثير من الأمور والقضايا الجنسية في التراث العربي والإسلامي باستفاضة أكثر، وجرأة أوسع وأعمق، وبتعابير لم نتعود لها في كتابات سابقة، وهي نفسها المتداولة بين عامة الناس، وفي جلساتهم السوقية، ومع هذا وذك، تبقى ممارسات البعض منا، في الخفاء وخلف الأبواب المغلقة بشكل شرعي ورسمي أو غير شرعي ورسمي، أكثر حرجا وإحراجا مما كتبته سلوى ألنعيمي وغيرهن من الكاتبات العربيات في أمور الجنس، والمواقف الحميمة والساخنة. ويبقى السؤال المطروح هو:
هل لو سمح بنشر كتاب سلوى ألنعيمي وغيرها من الكتب المشابهة، لكاتبات أخريات، كتبن في نفس الاتجاه التي كتبت فيه سلوى ألنعيمي كتابها، ستلقى مثل هذه الكتب، الانتشار والاهتمام والشهرة الواسعة، التي لقيها كتاب سلوى ألنعيمي (برهان العسل) ؟؟؟ حقيقة سؤال يستحق البحث عن جواب له، خاصة ونحن نعيش في عصر العولمة والانفتاح وعصر التكنولوجيا والتدفق الهائل والكمي والنوعي للمعلومات.