ربع جرام.. رواية واقعية

 

إيلاف - القاهرة 30 مارس 2008

رسالة الى كل مدمن..الى كل أم وأب..الى الشباب العربي

 لم أبكي في حياتي أثناء قراءة رواية كما بكيت وأنا أقرأ رواية "ربع جرام".. رواية واقعية جدا.. رواية مؤلمة وحزينة. رواية تتحدث عن ادمان مجموعة من الشباب في العشرين من العمر. كل من عرف مدمن عن قرب اعتقد انه سيتفهم تماما هذه الرواية بتفاصيلها الحقيقة الى أبعد الحدود.. رواية تحمل من البعد الانساني الكثير والكثير..رواية تستطيع أن تصل الى قلبك ومشاعرك.. أن تلمس الهم الانساني الذي بداخلك. لغة الرواية بسيطة.. بعيدة عن أي تعقيدات.. اعتبرها رواية تسجيلية لقصة او تجربة واقعية بحذافيرها ولا ابالغ اذا قلت بادق حذافيرها.. حتى اللغة المستخدمة بين مجموعة الاصدقاء المدمنين نجح الكاتب ان ينقلها لنا كما هي دون أي تعديلات او اضافات. وأقول أنها رواية يجب ان تؤخذ بعين الاعتبار من قبل الهيئات الحكومية والمنظمات ومن الاطباء ايضا...فهي على قدر من الاهمية ببعدها الاجتماعي وبعدها التاريخي. فهي تتحدث عن مأساة ضياع جيل من الشباب من خلال المخدرات ولا زالت هذه المأساة مستمرة..تساؤلات كثيرة تطرح هنا.. هل بالفعل من المهم علاج المدمن؟ أم الاهم اقفال جميع منافذ بيع المخدرات؟ أم إعدام تجار المخدرات دون حتى أي محاكمة؟ ومتى ستتوقف هذه التجارة القاتلة رأفة بشبابنا؟ هل نلوم الشباب؟ أم نلوم الاهل؟ هل بامكان هذه الرواية الواقعية أن تكون حافزا للشباب المدمن للعلاج؟ واذكر هنا ان الطبعة الاولى قد نفذت خلال شهر من صدورها في مارس 2008 وتترجم حاليا الى اللغة الانجليزية وسيتم توزيعها خارج مصر من خلال الدار المصرية اللبنانية أما داخل مصر فهي توزع من خلال مونتانا ستوديوز.

أول رواية عن المخدرات في حديث ل ايلاف مع كاتب الرواية " عصام يوسف" صرح بانها أول رواية عن الادمان والمخدرات من الداخل.. أي من اشخاص عاشوا تجربة الادمان..ويوصي القارئ ان يقرأ كل حروف وكلمات الرواية بعقل واع وبقلب مفتوح حتى آخر سطر.. وأما لماذا قرر الان كتابة مثل هذه الرواية فاجاب: مرت فترة طويلة.. أكثر من 15 سنة على هذه التجربة..هكذا يكون هناك مصداقية في الاحداث وفي الرسالة التي اريد ان اوصلها للمدمن اولا.. وللاهل ثانيا وللحكومة ثالثا. الرواية تقع في 600 صفحة وارى بانها طويلة وقد كان بالامكان حذف بعض من التفاصيل التي وردت فيها الا ان الكاتب في حديثه ل ايلاف اجاب: بانه كتب كل هذه التفاصيل لان الرواية ليست موجه فقط للمدمنين.. هناك تفاصيل يحتاج ان يعرفها المدمن.. وتفاصيل أخرى للدكتور النفسي.. وأخرى للاهل... وأخرى للجيل الجديد من الشباب. ويضيف "هذه كانت مشكلتي في الكتابة انني اخاطب أكثر من جهة أو شخص.. أريد أن أوصل الصورة لكل الفئات..والناس عادة تتحدث عن المشكلة ولا تتناول الحل..اما انا تناولت الحل وهو الجزء الذي أخذ مني 6 اشهر كتابة.. لانه احتاج الى البحث والقراءة عن العلاج وحتى أستطيع أن أصيغه بطريقة سهلة للجميع. رواية ربع جرام...رسالة الى كل مدمن، الى كل اب وام، اخ واخت، صديق وصديقة، الى كل طبيب ومعلم، وقاض ومحام.. الى شباب مصر والعرب بصفة خاصة.. والى شباب العالم بصفة عامة. والجدير بالذكر أن "عصام يوسف" من مواليد القاهرة تخرج من كلية الاداب قسم اللغة الانجليزية جامعة القاهرة، يعمل مدير عام شركة مونتانا ستوديوز للانتاج السينمائي، وهو كاتب رواية وسيناريو فيلم ربع جرام، ومن أعماله قصة وسيناريو ذهاب وعودة "في مرحلة الانتاج" وله عدة قصص قصيرة اخرى تحت الطبع. وقد اختار ربع جرام كاول عمل له يتم نشره. والده الكاتب الاديب عبد التواب يوسف رائد كتابة كتب الاطفال في مصر والوطن العربي وصاحب الالف عنوان. ووالدته الكاتبة الصحفية نتيلة راشد رئيسة تحرير مجلة سمير على مدار اربعين عاما..متزوج وأولاده عمر ولبنى.

ماذا فعل ربع جرام في مجموعة اصدقاء صاحب هذا الكتاب هو "صلاح" الشخصية الرئيسية في الرواية.. وهو من أعز أصدقاء الكاتب عصام يوسف.. وضع في عنقه منذ 15 سنة مسئولية هائلة عندما روى له قصة حياته بادق تفاصيلها. قال ما قال وترك كل الحروف والكلمات أمانة في عنقه ليرويها بدروه لاجيال قادمة لعلها.. ولعلها..ولعلها..سافر صلاح منذ زمن بعيد واستمر على اتصال بصديقه عصام من حين لاخر ومنذ ثلاثة أعوام اتصل به وسأله إذا ما زال يحتفظ بما كتباه وسجلاه منذ سنين أم لا؟ وكانت اجابة عصام طبعا بتسأل ليه؟ قال: سنين كتير عدت وياريت لو نقدر ننقل الرسالة. صلاح اتى الى الحياة في فترة يطلق عليها الزمن الجميل.. فهو من عائلة معروف انها عائلة عريقة مثقفة متحضرة مستواها المادي مرتفع الى حد ما.. الاب مهندس وانتخب اكثر من مرة عضوا في مجلس الامة "الشعب حاليا" والام استاذة بالجامعة دكتوراه في التاريخ. الاخ الاكبر كريم، واخته التوأم رولا.. بدأ مشوار صلاح مع الادمان بشرب سيجارة حشيش.. عرف أماكن بيع الحشيش وكانت في تلك الايام الباطنية أهم منطقة..أما شلة صلاح وهو في سن الرابعة عشرة في المدرسة فكانت أحمد، حسين، رامي، بهاء، علاء.. شخصياتهم متنوعة ومن خلفيات اجتماعية مختلفة..يشتركون في حبهم للكورة.. ومنهم من يعشق التاريخ ومنهم من يعشق فريد الاطرش واسمهان ومنهم من يصلي صلاة الجمعة في المسجد.. اما ما يجمعهم الى جانب شرب الحشيش هو التزويغ من المذاكرة.. كان برنامجهم اليومي يبدأ الساعة الرابعة بعد الظهر.. تناول طعام الغذاء وتبدأ الدروس حتى الثامنة او التاسعة مساء وبعدها يبدأ لف السجائر.. أما بداية تعاطي الهيروين فكانت في ليلة رأس السنة عندما دخل عليهم بهاء وقال: "اسمعوا يا رجالة رأس السنة دي مش خمرة ولا حشيش.. مفاجأة.. الجديد البريمو.. سحر يا اكسلانس.. انا معايا هيروين بودرة ربع جرام.. فرد صلاح: ويعني هيعمل ايه الربع جرام دا؟ بهاء: دلوقت تشوفوا الربع جرام دا هيعمل ايه.. البودرة هتخليكم ملوك!!

زمالة المدمنين المجهولين لم يفهم أي منهم هذا الكم الهائل من الاحاسيس المختلفة والجديدة التي شعروا بها بعد شم هذه البودرة!! ولم يكن يدور بعقلهم ماذا سيفعل بحياتهم هذا الربع جرام..وبحياة عائلاتهم...بشخصياتهم.. بعلاقاتهم..بكل شئ. ربع جرام أوصلهم الى الادمان.. الى بيع ما يملكون وما تملك عائلاتهم حتى من اثاث البيت لتأمين ثمن البودرة.. ربع جرام أوصلهم الى معرفة وزيارة جميع الغرز التي تبيع المخدرات..الى القبض على احدهم..والى موت احدهم..والى التعرف على جميع انواع المخدرات من كوكايين..ابو صليبة.. كبسولة فراولة..وغيرها! بدأ صلاح يشتري البودرة ويبيع لاصحابه بضعف الثمن حتى يحصل على المبلغ الذي يساعده لشراء ما يكفي للتعاطي ثلاث أو اربع مرات في اليوم.. والمشكلة ان كل كمية لم تعد تكفيه.. حياة عائلته انقلبت رأسا على عقب...استمر صلاح بالتعاطي لمدة سبع سنوات اقترح خلالها والده بعلاجه اكثر من مرة..المحزن أن صلاح كان يريد أن يتعالج من إدمانه ولكنه لم يكن يدري كيف.. ولم يكن يستطيع ذلك..الى أن تعرف على "زمالة المدمنين المجهولين" وهي زمالة او مجتمع لا يسعى الى تحقيق الربح ويتكون من رجال ونساء.. اصبحت المخدرات مشكلة رئيسية بالنسبة لهم. لهم برنامج للامتناع عن كافة المخدرات. وغير منتسبين لاي منظمات اخرى.. ليس لها رسوم اشتراك او مستحقات.. لا توقع تعهدات.. ولا تقدم وعودا لاي شخص.. ولا صلة لهم باي جهة سياسية او دينية او باجهزة تطبيق القانون.. ولا تخضع للمراقبة في أي وقت.. يستطيع أي شخص ان ينضم اليها بغض النظر عن عمره او جنسه او هويته او عقيدته او ديانته...ومن هنا بدأت رحلة علاج صلاح....استطاع صلاح أن ينفذ من هذا الادمان بعد ان اكمل برنامج علاجه.. تعالج منذ 15 سنة وهو الان مدير لفندق عالمي..يقول صلاح اتمنى من الناس أن تفهم أن المدمن مريض.. والاهم أن المدمن نفسه يفهم أنه مريض.. أتمنى أن المدمن الذي لديه قضية ولم يصدر حكم بحقه بعد ولم يدخل السجن... أن يحكموا عليه بالعلاج أولا..